تفسير سورة سورة الشمس من كتاب بحر العلوم
المعروف بـتفسير السمرقندي
.
لمؤلفه
أبو الليث السمرقندي
.
المتوفي سنة 373 هـ
سورة الشمس وهي خمس عشرة آية مكية.
ﰡ
سورة الشمس
وهي خمس عشرة آية مكية
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١ الى ١٠]
وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩)
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠)
قوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحاها أقسم الله تعالى بالشمس، وضوئها حرها. ويقال:
بخالق الشمس وضحاها، يعني: ارتفاع النهار. ويقال: حر الشمس يسمى ضحى. قرأ ابن كثير، وابن عامر وعاصم وضحها بالتفخيم، وكذلك تلاها إلى آخر السورة. وقرأ حمزة والكسائي كلها بالإمالة، وقرأ نافع، وأبو عمرو بين ذلك. ثم قال عز وجل: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها يعني: يتبع الشمس والهاء، كناية عن الشمس. وقال قتادة: والشمس هو النهار، والْقَمَرِ إِذا تَلاها قال: يتلوها صبيحة الهلال، وإذا سقطت الشمس، رأيت الهلال عند سقوطها.
ثم قال عز وجل: وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها يعني: إذا أضاء واستنار، فقال القتبي: هذا من الاختصار وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها ويعني: والأرض أو الدنيا، يعني: النهار أذا أضاء الدنيا. وقال الكلبي: معناه إذا جلى النهار ظلمة الليل. ثم قال عز وجل: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها يعني: غطى ضوء النهار، ويقال: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها يعني: غطى الأرض وسترها. ثم قال: وَالسَّماءِ وَما بَناها يعني: خلقها. ويقال: وَالسَّماءِ وَما بَناها يعني: الله تعالى بناها، فأقسم بنفسه، ويقال: ما للصلة، ومعناه والسماء وبنائها.
ثم قال عز وجل: وَالْأَرْضِ وَما طَحاها يعني: والذي بسطها على الماء من تحت الكعبة. ثم قال: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها يعني: ونفس والذي سوى خلقها، ويقال: ونفس وما خلقها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها يعني: ألهمها الطاعة والمعصية، ويقال: عرفها، وبين لها ما
وهي خمس عشرة آية مكية
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١ الى ١٠]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤)وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩)
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠)
قوله تعالى: وَالشَّمْسِ وَضُحاها أقسم الله تعالى بالشمس، وضوئها حرها. ويقال:
بخالق الشمس وضحاها، يعني: ارتفاع النهار. ويقال: حر الشمس يسمى ضحى. قرأ ابن كثير، وابن عامر وعاصم وضحها بالتفخيم، وكذلك تلاها إلى آخر السورة. وقرأ حمزة والكسائي كلها بالإمالة، وقرأ نافع، وأبو عمرو بين ذلك. ثم قال عز وجل: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها يعني: يتبع الشمس والهاء، كناية عن الشمس. وقال قتادة: والشمس هو النهار، والْقَمَرِ إِذا تَلاها قال: يتلوها صبيحة الهلال، وإذا سقطت الشمس، رأيت الهلال عند سقوطها.
ثم قال عز وجل: وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها يعني: إذا أضاء واستنار، فقال القتبي: هذا من الاختصار وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها ويعني: والأرض أو الدنيا، يعني: النهار أذا أضاء الدنيا. وقال الكلبي: معناه إذا جلى النهار ظلمة الليل. ثم قال عز وجل: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها يعني: غطى ضوء النهار، ويقال: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها يعني: غطى الأرض وسترها. ثم قال: وَالسَّماءِ وَما بَناها يعني: خلقها. ويقال: وَالسَّماءِ وَما بَناها يعني: الله تعالى بناها، فأقسم بنفسه، ويقال: ما للصلة، ومعناه والسماء وبنائها.
ثم قال عز وجل: وَالْأَرْضِ وَما طَحاها يعني: والذي بسطها على الماء من تحت الكعبة. ثم قال: وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها يعني: ونفس والذي سوى خلقها، ويقال: ونفس وما خلقها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها يعني: ألهمها الطاعة والمعصية، ويقال: عرفها، وبين لها ما
تأتى وما تذر. ثم قال عز وجل: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها يعني: أصلحها الله، وعرفها وهذا جواب القسم لقد أفلح، ولكن اللام حذفت لثقلها، لأن الكلام طال.
ثم قال وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها يعني: خسر من أغفلها وأغواها، وخذلها وأضلها. وقال القتبي: معناه قد أفلح من زكى نفسه، أي: أنماها وأعلاها، بالطاعة والبر والصدقة، وقد خاب من دساها، يعني: نقصها وأخفاها بترك عمل البر، وبركوب عمل المعاصي. وأصله دسس، فجعل مكان إحدى السينين ياء، كما يقال: قصيت أظفاري، وأصله قصصت. قال وأصل هذا؟ أن أجواد العرب، كانوا ينزلون في أرفع المواضع، ويوقدون من النار للطارقين، لتكون أنفسهم أشهر، واللئام ينزلون الأطراف والأهضام، لتخفي أماكنهم على الطارقين، فأخفوا أنفسهم. والبار أيضاً أظهر نفسه بأعمال البر، والفاجر دساها. ويقال: إن الله تعالى، يطلب من عباده المؤمنين يوم القيامة ستة أشياء بمكان النعمة، الشكر: وبمكان الشدة وبمكان الصحة العمل بالطاعة، وبمكان الذنوب التوبة، وبمكان العمل الإخلاص، فمن يجىء بهذه الأشياء، فقد أفلح ونما، ومن لم يجىء بهذه الأشياء، فقد خسر وغبن.
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١١ الى ١٥]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)
ثم قال عز وجل: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها يعني: بطغيانهم، حملهم على ذلك التكذيب إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها يعني: إذا قام أشقى ثمود، وكلهم أشقياء في علم الله تعالى، وأشقاهم عاقر الناقة، وهو قدار بن سالف، ومصدع بن دهر فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يعني: صالحاً ناقَةَ اللَّهِ يعني: احذروا ناقة الله وَسُقْياها يعني: لا تأخذوا سقياها، ومعناه ولا تعقروا ناقة الله، وذروا شربها. وقد ذكرناه في سورة الأعراف فَكَذَّبُوهُ يعني: صالحاً بالعذاب فَعَقَرُوها يعني: فعقروا الناقة، ويقال: في الآية تقديم فعقروها، فخوفهم صالح عليه السلام بالعذاب، فكذبوه. ثم قال عز وجل: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ يعني: أنزل عليهم ربهم عقوبة بِذَنْبِهِمْ والدَّمْدَمة، المبالغة في العقوبة والنكال.
ثم قال: فَسَوَّاها يعني: فسواها في الهلاك يعني: الصغير والكبير وَلا يَخافُ عُقْباها قرأ نافع، وابن عامر فلا يخاف بالفاء، والباقون بالواو. فمن قرأ بالفاء، وصل الذي بعدها بالذي قبلها، وهو قوله فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ يعني: أطبق عليهم العذاب بذنبهم فَسَوَّاها يعني: فسوى الأرض عليهم، ولا يخاف عقبى هلكهم، ولا يقدر أن يرجعوا إلى
ثم قال وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها يعني: خسر من أغفلها وأغواها، وخذلها وأضلها. وقال القتبي: معناه قد أفلح من زكى نفسه، أي: أنماها وأعلاها، بالطاعة والبر والصدقة، وقد خاب من دساها، يعني: نقصها وأخفاها بترك عمل البر، وبركوب عمل المعاصي. وأصله دسس، فجعل مكان إحدى السينين ياء، كما يقال: قصيت أظفاري، وأصله قصصت. قال وأصل هذا؟ أن أجواد العرب، كانوا ينزلون في أرفع المواضع، ويوقدون من النار للطارقين، لتكون أنفسهم أشهر، واللئام ينزلون الأطراف والأهضام، لتخفي أماكنهم على الطارقين، فأخفوا أنفسهم. والبار أيضاً أظهر نفسه بأعمال البر، والفاجر دساها. ويقال: إن الله تعالى، يطلب من عباده المؤمنين يوم القيامة ستة أشياء بمكان النعمة، الشكر: وبمكان الشدة وبمكان الصحة العمل بالطاعة، وبمكان الذنوب التوبة، وبمكان العمل الإخلاص، فمن يجىء بهذه الأشياء، فقد أفلح ونما، ومن لم يجىء بهذه الأشياء، فقد خسر وغبن.
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ١١ الى ١٥]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)
ثم قال عز وجل: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها يعني: بطغيانهم، حملهم على ذلك التكذيب إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها يعني: إذا قام أشقى ثمود، وكلهم أشقياء في علم الله تعالى، وأشقاهم عاقر الناقة، وهو قدار بن سالف، ومصدع بن دهر فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم يعني: صالحاً ناقَةَ اللَّهِ يعني: احذروا ناقة الله وَسُقْياها يعني: لا تأخذوا سقياها، ومعناه ولا تعقروا ناقة الله، وذروا شربها. وقد ذكرناه في سورة الأعراف فَكَذَّبُوهُ يعني: صالحاً بالعذاب فَعَقَرُوها يعني: فعقروا الناقة، ويقال: في الآية تقديم فعقروها، فخوفهم صالح عليه السلام بالعذاب، فكذبوه. ثم قال عز وجل: فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ يعني: أنزل عليهم ربهم عقوبة بِذَنْبِهِمْ والدَّمْدَمة، المبالغة في العقوبة والنكال.
ثم قال: فَسَوَّاها يعني: فسواها في الهلاك يعني: الصغير والكبير وَلا يَخافُ عُقْباها قرأ نافع، وابن عامر فلا يخاف بالفاء، والباقون بالواو. فمن قرأ بالفاء، وصل الذي بعدها بالذي قبلها، وهو قوله فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ يعني: أطبق عليهم العذاب بذنبهم فَسَوَّاها يعني: فسوى الأرض عليهم، ولا يخاف عقبى هلكهم، ولا يقدر أن يرجعوا إلى
586
السلامة. ومن قرأ بالواو، فمعناه التقديم والتأخير، يعني: الذي عقرها، وهو لا يخاف عقبى عقرها. ويقال: إن الله تعالى أهلكهم، ولم يخف ثأرها وعاقبتها على غير وجه التقديم. وروى الضحاك، عن علي، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال لعلي رضي الله عنه: «أتَدْرِي مَنْ أشْقَى الأوَّلِينَ»، قلت: الله ورسوله أعلم. قال: «عَاقِرُ النَّاقَةِ» فقال: «أتَدْرِي مَنْ أَشْقَى الآخِرِينَ» قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «قَاتِلُكَ». والله أعلم.
587