تفسير سورة الضحى

البسيط للواحدي
تفسير سورة سورة الضحى من كتاب التفسير البسيط المعروف بـالبسيط للواحدي .
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ

تفسير سورة الضحى (١)

بسم الله الرحمن الرحيم

١ - ﴿وَالضُّحَى﴾.
قد تقدم تفسيره عند قوله: ﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾ [الشمس: ١]، وقوله: ﴿وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا﴾ [النازعات: ٢٩]، والوجه هاهنا أنه النهار كله (٢)، لقوله (في المقابلة) (٣):
٢ - ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾.
قال أبو عبيدة (٤)، والمبرد (٥)، و (الزجاج (٦)) (٧): إذا سَكَن يقال: ليلة ساجية، وليلة ساكنة، وأنشدوا جميعًا:
(١) مكية بلا خلاف في ذلك. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٩، و"بحر العلوم" ٣/ ٤٨٦، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٥ ب.
وانظر: "البرهان في علوم القرآن" للزركشي ١/ ١٩٣، و"الإتقان" للسيوطي ١/ ٢٥ - ٢٨.
(٢) قال بذلك الفراء: في "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٣، وابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ٥٢٩، والزجاج في "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٩، وما ذكره الإمام الواحدي هو من قول الثعلبي في "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٦ ب.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) "مجاز القرآن" ٢/ ٣٠٢ والنص له.
(٥) "الكامل" ١/ ٣٧١.
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٩.
(٧) ساقط من (أ).
97
ياحَبَّذا القَمْراءُ واللَّيْلُ السَّاجي.... وَطُرُقٌ مِثْلُ مُلاءِ النسَاجي (١) (٢)
ونحو هذا قال الفراء: سجا: أظلم وركد في طوله (٣).
(وروي ثعلب، عن) (٤) ابن الأعرابي: سجا: سكن، وسجا امتد ظلامه، وسجا أظلم (٥).
وقال الأصمعي: سُجُوُّ الليل تغطيته النهار، مثل (٦) مَا يُسَجَّى الرجل بالثوب (٧).
قال ابن الأعرابي: يقال سَجا يَسْجو (٨)، وسَجَّى يُسَجَّي، وأسْجى يُسجْى كله إذا غطى شيئًا (٩).
(١) في (أ): (الساجي).
(٢) والرواية (ب) نهاية الشطر الأول بـ: (السَّاج، والثاني النَّسّاج، هكذا وردت عند أبي عبيدة، والمبرد، والزجاج.
كما ورد البيت منسوبًا إلى الحارث في: "لسان العرب" ١٤/ ٣٧١ (سجا)، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٣، وورد أيضًا لكنه غير منسوب في: "تهذيب اللغة" ١١/ ١٤٠ (سجا)، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٠، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٦ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٩٢، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩١، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٨٥، و"أضواء البيان" ٩/ ٢٧٤.
(٣) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٣ بنصه.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) "تهذيب اللغة" ١١/ ١٤٠ (سجا) بنصه.
(٦) في (ع): (ومثل).
(٧) المرجع السابق. وانظر: "لسان العرب" ١٤/ ٣٧١ (سجا) بنصه.
(٨) (يسجوا) هكذا في النسختين.
(٩) العبارة كما في التهذيب: إذا غطى شيئًا ما: "تهذيب اللغة" ١١/ ١٤٠، وانظر أيضًا: "لسان العرب" ١٤/ ٣٧١ (سجا).
98
وقال الليث: السجو: السكون، ويقال: ليلةُ سَاجِيَةٌ، وعين سَاجِيَةٌ، وسجا البحر سَكَنتْ أمواجه (١).
هذا كلام أهل اللغة في تفسير: سجا، وقد حصل له ثلاثة معان: سكن، وأظلم، وغطى.
وأقوال المفسرين غير خارجة من هذه المعاني.
قال عطاء عن ابن عباس: إذا غطى بالظلمة (٢)، وهو قول الحسن: إذا ألبس الناس ظلامه (٣)، وهو قول سعيد بن جبير: إذا أقبل فغطى كل شيء (٤)، ونحو هذا قال مقاتل (٥)، (والضحاك (٦)، وهو رواية عطية عن ابن عباس (٧)) (٨).
(١) "تهذيب اللغة" المرجع السابق.
(٢) ورد معنى قوله في: "النكت والعيون" ٦/ ٢٩١. ومن غير ذكر طريق عطاء ورد في: "الرازي" ٣١/ ٢٠٨، و"القرطبي" ٢٠/ ٩٢، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨٦.
(٣) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٩، بنحوه، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٩، كما ورد معنى قوله في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٦/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٨، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤١، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٧، و"تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤٢٥.
(٤) "النكت والعيون" ٦/ ٢٩١ مختصرًا، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٨، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٧ مختصرًا، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٢ بمعناه، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤١ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٧ بمعناه، "تفسير سعيد بن جبير" ٣٧٧.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٤٣/ أ.
(٦) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٦/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٢.
(٧) المراجع السابقة عدا "الجامع لأحكام القرآن".
(٨) ما بين القوسين ساقط من (أ).
99
وقال قتادة: إذا سكن بالنائمين (١)، وهذا قول السدي (٢)، وابن زيد (٣) (ومجاهد (٤)) (٥).
ولسكونه معنيان:
أحدهما: سكون الناس، فنسب إليه، كما كان فيه، كما يقال: ليل نائم، ونهار صائم (٦)، ومثله كثير (٧).
والثاني: سكونه: استقرار ظلامه، واستواؤه، فلا يزداد بعد ذلك (٨) (٩).
يدل على هذا أن ابن زيد قال: استقر ظلامه (١٠) وأن مجاهدًا قال:
(١) ورد معنى قوله في: "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٩، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٠، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٨، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٨، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٧.
(٢) "التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٨.
(٣) المرجع السابق. وانظر أيضًا: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٠، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٦ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٩٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٨، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٧.
(٤) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٦ ب، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٨، وبمعناه في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٨، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٧.
(٥) ساقط من (أ).
(٦) في (أ): (هائم).
(٧) نحو: بحر ساج، وسر كاتم، وليله قائم، وكما قال تعالى: ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾.
(٨) وهذا المعنى هو الذي رجحه الطبري في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٠، وابن عطية في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٣ وقال القرطبي: وهذا الأشهر في اللغة. "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٢، وقال الشوكاني: وهو الذي عليه جمهور المفسرين وأهل اللغة. "فتح القدير" ٥/ ٤٥٧.
(٩) انظر: "التفسير الكبير" ٣١/ ٢٠٨ فقد نقله عن الواحدي بنصه.
(١٠) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٦ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٨.
100
استوى (١)
وقال الكلبي: "إذا سجى": اسودّ، وأظلم (٢).
فهذه ثلاثة أقوال عند المفسرين على وفق (٣) ما حكينا عن أهل اللغة، وهذا القسم جوابه قوله:
٣ - ﴿مَا وَدَّعَكَ (٤) رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾، قال المفسرون (٥): أبطأ جبريل
(١) "تفسير الإمام مجاهد" ٧٣٥، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٩، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٩٧، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤١ وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٧.
(٢) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٣) بياض في: ع.
(٤) في (أ): (وما وعدك).
(٥) قال ابن الجوزي: اتفق المفسرون على أن هذه السورة نزلت بعد إنقطاع الوحي مدة، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٦. وقد قال بذلك: سفيان البجلي، ومعمر، وسفيان بن عينية، وجندب بن عبد الله البجلي، وقتادة، والضحاك، وابن عباس، ومقاتل. انظر: "تفسير مقاتل" ٢٤٣ أ، و"تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٣٧٩، و"جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٠ - ٢٣١، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤٠، و"تفسير سفيان بن عينية"، تح: المحايري: ٣٤٦.
والرواية الصحيحة السند هي ما أخرجه البخاري عن جندب: قال الأسود بن قيس، قال: سمعت جندب بن سفيان رضي الله عنه قال: اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يقم ليلتين أو ثلاثًا، فجاءت امرأة فقالت: يا محمد إني لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاثاً! فأنزل الله عز وجل: ﴿وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ ٣/ ٣٢٦ ح ٤٩٥٠ و٤٩٥١: كتاب التفسير: باب ١ - ٢ وج: ٣/ ٣٣٧: ح: ٤٩٨٣ كتاب فضائل القرآن باب ١١/ ٣٥٠ - ٣٥١ ح ١١٢٤ و١١٢٥ كتاب التهجد باب ٤.
كما أخرجه مسلم في صحيحه: ٣/ ١٤٢١: ح ١١٤، كتاب الجهاد والسير: باب ٣٩، والحميدي ٢/ ٣٤٢ ح ٧٧٧، والطيالسي ٤/ ١٢٦، والإمام أحمد =
101
عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال المشركون: قد قلاه (١) الله وودعه (٢)، فأنزل الله هذا الآية.
وقال السدي: أبطأ عليه أربعين ليلة، فشكا ذلك إلى خديجة، فقالت: لعل ربك نسيك أو قلاك، فأنزل الله هذه الآية (٣).
واختلفوا في قدر مدة انقطاع الوحي، وهي أربعون ليلة على ما قال السدي، وهو قول مقاتل (٤): لم ينزل جبريل على النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة أربعين يومًا (٥).
= ٤/ ٣١٢، ٣١٣، والطبراني ٢/ ١٧٣، رقم: ١٧٠٩ - ١٧١٢، والبيهقي في "الدلائل" ٧/ ٥٨. وانظر: "أسباب النزول" تح أيمن صالح ص ٣٩٣، و"لباب النقول" ٢٣٠، و"الصحيح المسند" ص ٢٣٣.
(١) قلاه: قلى: أبغض. قال ابن السكيت: ولا يكون في البغض إلا قليت. "إصلاح المنطق" ١٣٩، و"تاج العروس" ١٠/ ٣٠٢ (قلا).
(٢) ودع: وَدَعْته، أَدَعْه وَدعًا: تركته.
وقال ابن فارس: وَدَعَ: أصل واحد يدل على الترك والتخلية، وَدَعَه تركه، ومنه دَع. "مقاييس اللغة" ٦/ ٩٦ (ودع)، وانظر: "الصحاح" ٣/ ١٢٩٥ (ودع).
(٣) "بحر العلوم" ٣/ ٤٨٦، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢١٠، وبمعنى هذه الرواية لكن من طريقين: طريق عبد بن شداد، وطريق هشام بن عروة عن أبيه. انظر: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣١، وقال ابن حجر: وهذان طريقان مرسلان، ورواتهما ثقات. "فتح الباري" ٨/ ٧١١.
قال ابن كيثر: إنه حديث مرسل من هذين الوجهين، ولعل ذكر خديجة ليس محفوظًا، أو قالته على وجه التأسف والتحزن. والله أعلم.
"تفسير القرآن العظيم" ٤٤/ ٥٥٨، وانظر: "لباب النقول" ص ٢٣١.
(٤) في (أ): (فإن)، وهو حرف زائد في الكلام لا يستقيم المعنى بإثباته.
(٥) "تفسير مقاتل" ٢٤٣ أ، انظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٦ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٢.
102
وقال الكلبي: أبطأ جبريل خمس عشرة ليلة (١).
وقال ابن جريج: اثني عشر يومًا (٢).
واختلفوا أيضًا في سبب احتباس (٣) جبريل، فذكر أكثر المفسرين (٤): أن اليهود سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الروح وذي القرنين، وأصحاب الكهف فقال: سأخبركم، ولم يقل إن شاء الله، فاحتبس عنه الوحي، وهذه القصة ذكرناها قديمًا (٥).
وقال ابن زيد: كان سبب ذلك كون جروٍ في بيته، فلما نزل جبريل
(١) "التفسير الكبير" ٣١/ ٢١١.
(٢) "النكت والعيون" ٦/ ٢٩٢، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢١١، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٢، قال محقق "النكت والعيون" وهذا من مراسيل ابن جريج.
(٣) في (أ): (أحباس).
(٤) حكاه عن أكثر المفسرين: البغوي في "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٧، ٤٩٨، والفخر الرازي في التفسير الكبير" ٣١/ ٢١١، وانظر: "بحر العلوم" ٣/ ٤٨٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٣.
(٥) في سورة الإسراء: ٨٥.
وقال ابن حجر معلقاً على ما ذكر من سورة الضحى: كانت سبب نزول في إبطاء نزول الوحي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ووقع في سيرة ابن إسحاق في سبب نزول "والضحى" شيء آخر، فانه ذكر أن المشركين سألوا النبي -صلى الله عليه وسلم-عن ذي القرنين والروح وغير ذلك ووعدهم بالجواب ولم يستثنِ، فأبطأ عليه جبريل اثنتى عشرة ليلة أو أكثر، فضاق صدره، وتكلم المشركون، فنزل جبريل بسورة "والضحى"، وبجواب ما سألوا، وبقوله تعالى: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾. انتهى، وذكر سورة الضحى هنا بعيد، لكن يجوز أن يكون الزمان في القصتين متقاربًا، فضم بعض الرواة إحدى القصتين إلى الآخرى، وكل منهما لم يكن في ابتداء البعث، وإنما كان بعد ذلك بمنة. والله أعلم.
"فتح الباري" ٨/ ٧١٠.
103
عاتبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أما علمت أنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة (١)
وقال جُنْدُب بن سفيان: رمي النبي -صلى الله عليه وسلم- بحجر في أصبعه فقال:
هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت
فأبطأ (٢) عنه الوحي حتى قالت له امرأة (٣): مَا أرى شيطانك إلا وقد تركك، فأنزل الله هذه السورة (٤).
(١) ورد قوله في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٣، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢١١، وقد ورد بنحوه عن خولة خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ٢٠/ ٩٣، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤١، وعزاه إلى ابن أبي شيبة في مسنده، والطبراني، وابن مردويه، انظر: "أسباب النزول" ٣٩٣ عن خولة، وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" ٢٤/ ٢٤٩، ٦٣٦.
قال الهيثمي: رواه الطبراني، وأم حفص لم أعرفها. "مجمع الزوائد" ٧/ ١٣٨. وقال السيوطي في "لباب النقول" ص٣٣٠، وأخرج الطبراني، وابن أبي شيبة في مسنده والواحدي، وغيرهم بسند فيه من لا يعرف، عن حفص، عن ميسرة، عن أمه، عن أمها خولة.
وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب" ٤/ ١٨٣٤، رقم: ٣٣٢٨، وليس إسناد حديثها في ذلك مما يحتج به. وانظر حاشية "المعجم الكبير" ٢٤/ ٢٤٩.
وقال ابن حجر: وقصة إبطاء جبريل بسبب كون الكلب تحت سريره مشهورة، لكن كونها سبب نزول هذه الآية غريب، بل شاذ، ومردود بما في الصحيح. والله أعلم. "فتح الباري" ٨/ ٧١٠، كتاب التفسير: باب ١٠.
(٢) في (أ): (فأبطى).
(٣) المرأة على قول ابن حجر هي: أم جميل بنت حرب، امرأة أبي لهب، ثم قال: والذي يظهر أن كلًا من أم جميل، وخديجة قالت ذلك، لكن أم جميل عبرت لكونها كافرة بلفظ شيطانك، وخديجة عبرت لكونها مؤمنة بلفظ ربك، أو صاحبك، وقالت أم جميل شماتة، وخديجة توجعًا.
"فتح الباري" ٨/ ٧١٠ - ٧١١.
(٤) سبق تخريجه. كما ورد في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٦ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٩٢، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢١١، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٢١، =
104
ومعنى: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ ما تركك ربك، وما مقتك، وما أبغضك. قاله عطاء (١)، ومقاتل (٢).
قال أبو عبيدة (٣)، والمبرد (٤): ودعك من التوديع كما ودع المفارق.
وقال الزجاج: أي لم يقطع الوحي، ولا أبغضك (٥).
قال الفراء: يريد وما قلاك (٦)، فأُلقِيَت الكاف اكتفاء بالكاف الأولى (٧) في "ودعك"، ولأن (٨) رؤوس الآيات بـ"الياء"، فأوجب اتفاق الفواصل حذف الكاف (٩).
والقلى: البغض، يقال: قَلاه يقليه قِلًا، ومقلياً إذا أبغضه (١٠).
وقال ابن الأعرابي: القَليُ والقِلَى، والقَلاءة (١١): المقلية (١٢).
= وقال ابن كثير ٤/ ٥٥٨: وقوله هذا الكلام الذي اتفق أنه موزون ثابت في الصحيحين، ولكن الغريب هاهنا جعله سببًا لتركه القيام، ونزول هذه السورة
(١) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٤٣ ب.
(٣) "مجاز القرآن" ٢/ ٣٠٢، وكلامه: قال: ما ودعك من التوديع، ومَا ودعك مخففة من وَدعت تَدَعُه.
(٤) "التفسير الكبير" ٣١/ ٢١٠.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٩ بنحوه.
(٦) في (أ): (قلى).
(٧) في (أ): (الأول).
(٨) في (أ): (لأن) بغير واو.
(٩) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٣ - ٢٧٤ بتصرف.
(١٠) نقلًا من "تهذيب اللغة" ٩/ ٢٩٥ (قلا).
(١١) القَلاءُ: هكذا وردت في "تهذيب اللغة" ٩/ ٢٩٥ (قلا)، وانظر أيضًا: "لسان العرب" ١٥/ ١٩٨ (قلا).
(١٢) "تهذيب اللغة" ٩/ ٢٩٥ (قلا)، وهذا القول هو رواية ثعلب عن ابن الأعرابي.
105
٥ - ﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ قال (١): ألف قصر من لؤلؤ أبيض، ترابه المسك، وفيهن ما يصلح لهن (٢).
وقال مقاتل: يعطيك ربك في الآخرة من الخير، فترضى بما يُعطى (٣).
وذكر آخرون أن هذا في الشفاعة. وهو قول علي رضي الله عنه (٤)، والحسن (٥)، وعطاء، عن ابن عباس (٦)، قالوا: هو الشفاعة في أمته حتى يرضى.
فيروى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لما نزلت هذه الآية: "إذًا لا أرضى وواحد من أمتي في النار" (٧).
(١) أي علي بن عبد الله بن عباس.
(٢) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٢، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٧ أ، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٤ بمعناه، و"الكشاف" ٤/ ٢١٩، و"القرطبي" ٢٠/ ٩٥، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٨٦، و"ابن كثير" ٤/ ٥٥٨ عن علي بن عبد الله عن أبيه، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤٢، عن ابن عباس وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وعبد ابن حميد، وابن جرير، والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي وأبو نعيم كلاهما في الدلائل.
وانظر: "المستدرك" ٢/ ٥٢٦: وقال صحيح، وضعفه الذهبي.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢٤٣ أ، و"الوسيط" ٤/ ٥٠٩.
(٤) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٧أمرفوعًا، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٨، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢١٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٥ مرفوعًا.
(٥) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٨، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٨، و"ابن كثير" ٤/ ٥٥٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤٣، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، و"تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤٢٦.
(٦) "معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٨، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢١٣، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨٦.
(٧) وردت الرواية في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٢ من طريق السدي عن ابن عباس، وذكرت مرفوعة في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٧/ ب - ١٠٨ أ، وانظر أيضًا =
٦ - قوله (تعالى) (١): ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾.
قال عطاء (٢)، ومقاتل (٣): يريد والجنة (٤) خير لك من الدنيا.
وقال علي بن عبد الله بن عباس: أري رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يفتح على أمته من بعده، فسره ذلك، فأنزل الله: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ (٥).
(١) ساقط من (ع).
(٢) "الوسيط" ٤/ ٥٠٩.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢٤٣ ب، و"الوسيط" ٤/ ٥٠٩.
(٤) في (أ): (الجنة) بغير واو.
(٥) رواه الطبري عن طريقه إلى ابن عباس في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٢، وفي: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٧ أمن طريق علي بن عبد الله بن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعزاه الماوردي إلى ابن عباس، و"النكت والعيون" ٦/ ٩٣، ورواه الطبراني عن علي بن عبد الله عن ابن عباس، و"المعجم الكبير" ١٠/ ٣٣٧ ح ١٠٦٥٠.
قال حمدي السلفي -محقق الكبير- نقلاً عن "مجمع الزوائد" عن إحدى الروايتين الواردة في الأوسط: "وفيه معاوية بن أبي العباس، ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات، وإسناد الكبير حسن. قلت [أي حمدي]: واحد إسنادي الأوسط هو نفس إسناد الكبير. وانظر: "مجمع الزوائد" ٩/ ١٣٨ - ١٣٩.
كما رواه الحاكم من طريقه إلى ابن عباس في "المستدرك" ٢/ ٥٢٦: كتاب التفسير: تفسير سورة الضحى، وقال: حديث صحيح الإسناد، وقال الذهبي: تفرد به عصام بن رواد عن أبيه وقد ضعف.
كما أورده القرطبي في: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٥ من طريقه إلى ابن عباس، وقال ابن كثير: ورواه ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريقه، وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس، ومثل هذا ما يقال إلا عن توقيف.
وانظر: "الدر المنثور" عن ابن عباس ٨/ ٥٤٢، وعزاه أيضًا إلى البيهقي في "الدلائل" ٧/ ٦١.
106
ثم ذكر منته عليه وأخبره عما كان عليه قبل الوحي فقال:
٦ - ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى﴾ روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "سألت الله مسألة ووددت (١) أني لم أكن سألت، ذكرت رسل ربي فقلت سخرت لسليمان الريح، وكلمت بعضهم. فقال تبارك وتعالى: ألم أجدك يتيمًا فأويتك، وضالًا فهديتك، وعائلًا فأغنيتك. فقلت نعم، فقال: ألم نشرح لك صدرك، ووضعت عنك وزرك، ورفعت لك ذكرك، قال قلت نعم" (٢).
قال عطاء عن ابن عباس: يريد فضمك إلى عمك أبي طالب حتى صرت رجلاً (٣)، وقال مقاتل: ضمك إلى عمك، وكفاك المؤنة (٤).
= "التفسير الكبير" ٣١/ ٢١٣، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٦، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٨٦، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤٢، بنحوه عن ابن عباس وعزاه إلى الخطيب في "تلخيص المتشابه" من وجه آخر عن ابن عباس.
(١) في (ع): ووجدت.
(٢) وردت الرواية في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٨ أبمعناه، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤٤، وعزاه إلى ابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم وصححه، وأبو نعيم، والبيهقي كلاهما في الدلائل، وابن مردويه، وابن عساكر بمعناه، و"فتح القدير" ٥/ ٤٦٠، وانظر: "المستدرك" بالمعنى ٢/ ٥٢٦، كتاب التفسير: تفسير سورة الضحى ووافقه الذهبي.
كما رواه الطبراني في "الكبير" ١١/ ٤٥٥: ح ١٢٢٨٩، والأوسط وفيه عطاء بن السائب وقد اختلط. قاله الهيثمي: "مجمع الزوائد" ٨/ ٢٥٤، كتاب علامات النبوة: باب عظم قدره -صلى الله عليه وسلم-، وانظر: الديلمي في "فردوس الأخبار" ٢/ ٤٣٨ ح ٣٢١٨.
(٣) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٤) "تفسير مقاتل" ٢/ ٢٤٣، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٩٣، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٩.
108
فقال (١) (٢): والمعنى ألم نجدك يتيمًا صغيرًا حين مات أبواك، ولم يخلفا لك مالاً، ولا مأوى، فضمك إلى عمك حتى أحسن تربيتك (٣).
ثم ذكر نعمة أخرى فقال:
٧ - ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ قال ابن عباس (في رواية عطاء) (٤) ووجدك ضالًا عن النبوة فهداك بالنبوة إلى أرشد الأديان وأحبها إليه (٥).
وقال الحسن (٦)، والضحاك (٧) (وشهر بن حوشب) (٨) (٩) ووجدك ضالَا عن معَالمِ النبوة وأحكام الشريعة غافلًا عنها فهداك إليها. دليله قوله ﴿وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾ [يوسف: ٣] وقوله: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ [الشورى: ٥٢].
وهذا مذهب أرباب الأصول، وعلماء أصحابنا (١٠) على أن رسول الله
(١) في (ع): (وقال).
(٢) أي الثعلبي.
(٣) انظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٨ أباختصار يسير.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) ورد معنى قوله في: "التفسير الكبير" ٣١/ ٢١٦.
(٦) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٩/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٩، بمعناه في: "المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٤، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٩ وعزاه إلى الجمهور، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢١٦، و"تفسير الحسن البصري" ٢/ ٢٤٦.
(٧) المراجع السابقة عدا تفسير الحسن، وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٦.
(٨) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٩ أ، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢١٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٦.
(٩) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(١٠) يعني بهم جهابذة متكلمي عصره من الأشاعرة؛ كشيخه أبي إسحاق الأسفرابيني. انظر: "الواحدي ومنهجه في التفسير" د. جودت المهدي ص ١٤٣.
109
-صلى الله عليه وسلم- ما كان كافرًا قط (١).
(١) من أصحابه الذين قالوا بعصمتهم صلوات الله عليهم من الوقوع بالكفر:
الباقلاني: إذ أن قد استدل على ذلك بأنه لم يذكر أهل التواريخ أنه كان مشركًا حين بعثه الله، وإنما بعث من كان تقيًا نقيًا زاكيًا أمينا مشهور النسب، حسن التربية. انظر: "المسامرة في شرح المسايرة" ١/ ٨١ وانظر: "القرطبي" م ٨/ ج ١٦ ص٦٠. وأبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي، وهو من علماء الأشاعرة.
قال: أجمع أصحابنا على وجوب كون الأنبياء معصومين بعد النبوة عن الذنوب كلها، وأما السهو والخطأ فليس من الذنوب، فلذلك ساغ عليهم... وأجازوا عليهم الذنوب قبل النبوة، وتأولوا على ذلك كل ما حكي في القرآن من ذنوبهم. إلخ. كتاب "أصول الدين" ص ١٦٧ - ١٦٨.
وقال السفاريني: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم-على دين سوى الإسلام، ولا كان على دين قومه قط؛ بل ولد النبي -صلى الله عليه وسلم-مؤمنًا صالحًا على ما كتبه الله وعلمه في حاله. "لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرر المضية" ص ٣٠٥.
وقال القاضي عياض: والصواب أنهم معصومون قبل النبوة من الجهل بالله وصفاته، والتشكك في شيء من ذلك، وقد تعاضدت الأخبار والآثار عن الأنبياء بتنزيههم عن هذه النقيصة، منذ ولدوا، ونشأتهم على التوحيد والإيمان.. "الشفاء بتعريف حقوق المصطفى" للقاضي عياض ٢/ ٧١٩.
وقال الحافظ من رجب: بل يستدل بحديث العرباص بن سارية على أنه -صلى الله عليه وسلم- ولد نبيًا، فان نبوته وجبت له من حين أخذ الميثاق حيث استخرج من صلب آدم حينئذ؛ لكن كانت مدة خروجه إلى الدنيا متأخرة عن ذلك، وذلك لا يمنع كونه نبيًا قبل خروجه، كمن يولي ولاية، ويؤمر بالتصرف فيها زمن مستقبل، فحكم الولاية ثابت له من حين ولايته، وإن كان تصرفه متأخرًا إلى حين مجيء الوقت. "لطائف المعارف" ص ٨٣، وانظر: "لوامع الأنوار" ٣٠٦.
كما ذهب إلى القوم بالعصمة الألوسي في: "روح المعاني" ٧/ ١٩٩، وأيضًا الإمام الشنقيطي في "أضواء البيان" ٢/ ٢٠١، وللاستزادة في هذه المسألة يراجع في ذلك: "منهج السفاريني في أصول الدين" إعداد: رجاء بنت عبد القادر الجويسر رسالة ماجستير غير منشورة إشراف الدكتور محمد السمهري ٢/ ٣٥٧ وما بعدها.
110
واختار أبو إسحاق (أيضًا) (١) هذا القول فقال: معناه أنه لم يكن يدري القرآن، ولا الشرائع، فهداه الله إلى القرآن وشرائع الإسلام (٢).
وذكرنا جملة من الكلام في هذا المعنى عند قوله: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ﴾ (٣)
وجرى بعض المفسرين على ظاهر الآية، فقال الكلبي: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا﴾. يعني كافرًا في قوم ضلال فهداك للتوحيد (٤).
وقال السدي: كان على أمر قومه أربعين سنة (٥).
(١) ساقط من: (أ).
(٢) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٣٩ - ٣٤٠ بنصه.
(٣) سورة الشورى: ٥٢، ومما جاء في تفسيرها: قال الإمام الواحدي: قوله تعالى: ﴿مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ﴾ قبل الوحي، ﴿وَلَا الْإِيمَانُ﴾ اختلفوا في هذا مع إجماع أرباب الأصول على أنه لا يجوز على الرسل قبل الوحي أن لا يكونوا مؤمنين، فذهب أكثر أهل العلم إلى أن المراد بـ: "الإيمان" هاهنا شرائعه ومعالمه. وهي كلمة يجوز أن تسمى إيمانًا، واختار إمام الأئمة محمد بن إسحاق بن خزيمة هذا القول، وخصه بالصلاة محتجًا من باب حذف المضاف، فجعل التقدير: ولا دعوة الإيمان، لأنه كان قبل الوحي ما كان يقدر ما الكتاب، ولا أفعال الإيمان، يعني من الذي يؤمن ومن الذي لا يؤمن.
وجعل أبو العالية التقدير: ولا دعوة الإيمان، لأنه كان قبل الوحي ما كان يقدر أن يدعو إلى الإيمان بالله، وذهب بعض أهل المعاني إلى التخصيص بالوقت فقال: المعنى: ولا ما الإيمان قبل البلوغ.
(٤) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٠٨ ب، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٤ بمعناه، و"زاد المسير" ٨/ ٢٦٩، و"التفسير الكبير" ١٣/ ٢١٦، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٧ بمعناه، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٨.
(٥) ورد معنى قوله في المراجع السابقة. وانظر أيضًا: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٢، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٩٤، "تفسير السدي" ٤٧٨.
111
وقال مجاهد: ووجدك ضالًا. يعني عن الهدى، فهداك لدينه (١).
قال أصحابنا (٢): وهذا مما يستدرك بالسماع، فأما العقل فجائز في المعقول أن يكون الشخص كافرًا فيرزقه الله الإيمان، ويكرمه بالنبوة، وجائز في العقل الخلع عن النبوة.
٨ - قوله ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى﴾ العائل الفقير ذو العَيلة ذكرنا ذلك عند
(١) ورد بنحو من قوله في: "التفسير الكبير" ٣١/ ٢١٦.
قلت: وهذه الأقوال من المفسرين ممن أجروا معناها على ظاهر الآية من الفريق الذي يجوزون الكفر على الأنبياء في وقت من الأوقات قبل البعثة، وقد أشار إلى مثل ذلك الإمام الطبري عند تفسيره قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ﴾ إلى آخر قوله: ﴿قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ [الأنعام: [٧٦ - ٧٧]. "جامع البيان" م: ٥/ ٧، ٢٥٠ - ٢٥١.
كما أشار إلى ذلك أيضًا ابن تيمية -رحمه الله- بقوله: والتائب من الكفر، والذنوب قد يكون أفضل ممن لم يقع بالكفر والذنوب وإذا كان فالأفضل أحق بالنبوة ممن ليس مثله في الفضيلة.
"مجموع الفتاوى" ١٠/ ٣١٠، وانظر: "منهج السفاريني في أصول الدين": ٢/ ٣٥٩.
(٢) وهو ما ذهب إليه القاضي أبو بكر الباقلاني، وبينه الكمال بن الهمام في شرحه للمسامرة.
ومما جاء في هذه المسألة في المسامرة ما يلي: قال ابن الهمام: "أما موجب العقل، فهو التجويز والتوبة، فالعقل لا يمنع وقوعه ثم محو أثره بالتوبة قبل النبوة، فإن قيل: تجويز وقوعه منهم ينافي ما يقتضيه شريف منصبهم من وجوب تصديقهم، وتوقيرهم، وعدم اتصافهم بما ينفر منهم، وأي منفر أشد من الكفر؟ وكيف يوثق بطهارة الباطن من أثره؟ قلنا: قد أجاب القاضي عن ذلك بقوله: ثم إظهار المعجزة أي بعد وقوع التوبة عنه يدل على صدقهم، وعلى طهارة سريرتهم، أي نقاء قلوبهم من أدناس المعاصي، فيجب لذلك توقيرهم، ويندفع النفور عنهم. انظر: كتاب "المسامرة للكمال بن أبي شريف في شرح المسايرة": للكمال بن الهمام في علم الكلام ١/ ٨١ - ٨٢.
112
قوله ﴿أَلَّا تَعْلُوا﴾ (١) [النساء: ٣]. ويدل على أن المراد بالعَائل الفقير، مَا روي أن في مصحف عبد الله: ووجدك عديمًا (٢).
قال مقاتل: يعني فقيرًا فأغناك الله (٣).
وقال عطاء: كنت عيال أبي طالب، فأغناك بخديجه (٤).
وقال الكلبي: رضاك بما أعطاك من الرزق (٥).
وقد حصل في أغناك ثلاثة أقوال:
أحدهما: أغناك بالمال بعد الفقر، وكذا كان حَال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان فقيرًا لا مال له حتى فتح الله عليه الفتوح، وأعطاه المغانم.
والثاني: أغناك بخديجة عن مَال أبي طالب ومسكنه.
والثالث: أرضاك وقنعك.
(١) في (أ): (تعلوا)؛ هكذا وردت في النسختين، وهو تصحيف.
(٢) وردت القراءة في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٢٣، و"معاني القرآن" للفراء ٣/ ٢٧٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤٥ وعزاه إلى ابن الأنباري في "المصاحف" عن الأعمش، وفي "مختصر في شواذ القرآن" لابن خالويه ص ١٧٥، (ووجدك غريماً) بدلًا من (عديمًا)، قلت: وهذه القراءة من باب التفسير وليست من القراءة القرآنية، وذلك لشذوذها وضعفها، والله أعلم.
(٣) "تفسير مقاتل" ٢٤٣ أ، وقد ورد عنه في "البحر المحيط" ٨/ ٤٨٦: فأغنى رضاك بما أعطاك من الرزق.
(٤) "زاد المسير" ٨/ ٢٠٧، ولم يعزه إليه بعينه، وإنما عزاه إلى جمهور المفسرين، وانظر هذا القول من غير عزو في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١١١/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٩، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٩، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٨.
(٥) "زاد المسير" ٨/ ٢٧٠، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٨، وقد ورد بمثله عن مقاتل، انظر: "الكشف والبيان" ١٣/ ١١١/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٤٩٩، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٤، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٩٩، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٨٦.
113
قال الفراء: لم يكن غنى (١) عن كثرة، ولكن الله رضّاه بما أتاه (٢) وذلك حقيقة الغنى (٣).
ثم أوصاه باليتامى، والفقراء فقال:
٩ - ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ قال ابن عباس: هذا أدب من الله لنبيه وللمؤمنين (٤).
وقال مجاهد (٥)، ومقاتل (٦): لا تحقر اليتيم فقد كنت يتيمًا.
وقال الفراء (٧)، والزجاج (٨): لا تقهره على ماله، فتذهب بحقه لضعفه، وكذا كانت العرب تفعل في أمر اليتامى تأخذ أموالهم، ويظلمونهم حقهم، فغلظ الله تعالى الخطاب لنبيه -صلى الله عليه وسلم- في اليتيم، وكذلك (٩) من لا ناصر له يغلظ في أمره، وهو نهي لجميع المكلفين.
(١) في (أ): (غناء).
(٢) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٤، بنصه.
(٣) في (أ): (المعنى).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) ورد معنى قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ٢٣٣، و"النكت والعيون" ٦/ ٢٩٥، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٠، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٠، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٠٠، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٨٦، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٨.
(٦) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٧) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٤.
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٠.
(٩) (في (أ): (فكذلك).
١٠ - (وقوله) (١): ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ (٢)، قال المفسرون: (يريد) (٣) والسائل على الباب يقول: لا تنهره إذا سألك، فقد كنت فقيرًا، فإما أن تطعمه، وأما أن ترده ردًا لينًا، وهذا قول الكلبي (٤)، ومقاتل (٥)، (والفراء (٦)) (٧)، والزجاج (٨)، ونحو هذا قال قتادة في هذه الآية: لرد السائل برحمة ولين (٩).
يقال: نهره وانتهره إذا استقبله بكلامه تزجره به (١٠).
قال أهل المعَاني: وهو إيساع الأغلاط بالصَياح في الوجه (١١).
وقد ذكرنا أن أصل تصير (١٢) هذه (١٣) الكلمة للسعة (١٤).
(١) ساقط من: (ع).
(٢) في (أ): (تقهر).
(٣) ساقط من (أ).
(٤) "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٠، ولم يعزه إليه، وإنما عزاه إلى المفسرين.
(٥) بمعناه في تفسيره: ٢٤٣ ب.
(٦) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٥.
(٧) ساقط من (أ).
(٨) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٠.
(٩) "النكت والعيون" ٦/ ٢٩٥، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٠، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٩، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤٥، وعزاه إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٩.
(١٠) "تهذيب اللغة" ٦/ ٢٧٨ (نهر)، وانظر: "لسان العرب" ٥/ ٢٣٩ (نهر).
(١١) لم أعثر على مصدر لقولهم.
(١٢) (تصد): في كلا النسختين.
(١٣) في (أ): (هذا).
(١٤) نهرّ نَهِر: أي واسع. "تهذيب اللغة" ٦/ ٢٧٧ (نهر). وجاء في "مقاييس اللغة" ٥/ ٣٦٢: (نهر: أصل صحيح يدل على تفتح شيء، أو فتحه).
وروي عن الحسن في هذه الآية (١) فقال: أما إنه ليس بالسائل الذي يأتيك؛ لكن طالب العلم (٢). (وهو قول يحيى بن آدم (٣)، قال: إذا جاءك طالب العلم) (٤) فلا تنهره (٥).
وعلى هذا السَائل هاهنا: الذي يسأل عن علم ليتعلمه.
١١ - قوله: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ قال مجاهد: بالقرآن (٦).
وقال الكلبي: يعني فأظهرها، وكان القرآن أعظم مَا أنعم الله به عليه، فأمره أن يقريه (٧).
قال الفراء: كان [يقرؤه و] (٨) يحدث به، وبغيره من نعم الله (٩). فعلى هذه النعمة هي القرآن، والتحديث (١٠) به أن يقرأه، ويقرئ غيره.
(١) بياض في: (ع).
(٢) "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٢/ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٠، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٥، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢٢٠ بمعناه، و"البحر المحيط" ٨/ ٤٨٧ بمعناه.
(٣) تقدمت ترجمته في سورة التوبة.
(٤) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٥) "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٢/ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٠.
(٦) المرجعان السابقان، وانظر أيضًا: "معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٠، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٥، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢٢١، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٠٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤٥ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، و"فتح القدير" ٥/ ٥٤٩.
(٧) ورد معنى قوله في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٢ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٠، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٩.
(٨) (يقريه): هكذا وردت في النسختين، وكذلك بغير واو عاطفة، وأثبت ما جاء في مصدر القول لاستقامة الكلام به وصحته.
(٩) "معاني القرآن" ٣/ ٢٧٥.
(١٠) في (أ): (التحدث).
116
وروى (أبو بشر) (١) عن مجاهد: قال: بالنبوة التي أعطاك ربك، وهي أصل النعم (٢).
واختار الزجاج فقال: أي بلغ ما أرسلت به، وحدث بالنبوة التي أتاك، وهي (أجل (٣)) النعم (٤).
وقال مقاتل: يعني اشكر لما ذكر من النعمة عليك في هذه السورة: من الهدى بعد الضلال، وجبر اليتيم، والإغناء بعد العيلة، فاشكر هذه النعم (٥).
يدل على صحة هذا مَا روي في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "والتحدث بنعم الله شكر" (٦).
(١) ساقطة من (أ).
(٢) ورد قوله في: "جامع البيان" ٣٠/ ٣٣٣، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١١٢ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٠، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٠، و"التفسير الكبير" ٣١/ ٢٢١، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٠٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٦٠، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤٥ وعزاه إلى سعيد بن منصور، وابن المنذر، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٩.
(٣) أصل: في كلا النسختين، وأثبت ما جاء في مصدر القول.
(٤) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٤٠.
(٥) ورد معنى قوله في: "تفسير مقاتل" ٢٤٣/ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٠٠، و"زاد المسير" ٨/ ٢٧٠، و"فتح القدير" ٥/ ٤٥٩.
(٦) وردت الرواية عن النعمان بن بشير قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- على المنبر: (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب).
وقد رواه الإمام أحمد في: "المسند": ٤/ ٢٧٨، ٣٧٥، وقال الهيثمي: ورواه عبد الله بن أحمد، والبزار، والطبراني، ورجالهم ثقات: "مجمع الزوائد" ٥/ ٢١٧ - ٢١٨: باب لزوم الجماعة، وطاعة الأئمة، والنهي عن قتالهم.
وقال ابن كثير: وإسناده ضعيف. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٥٩. =
117
وروي عن الحسن (١) بن علي في هذه الآية قال: إذا أصبت خيرًا فحدث إخوان ثقتك (٢).
= وقال السيوطي: أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٦/ ٥١٦: ح: ٩١١٩، بسند ضعيف عن أنس بن بشير."الدر المنثور" ٨/ ٥٤٥.
كما ورد في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١١٢/ ب، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٤٩٥، و"لباب التأويل" ٤/ ٣٨٨.
(١) في (ع): (الحسين).
(٢) ورد معنى قوله في: "النكت والعيون" ٦/ ٢٩٥، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ١٠٢، و"الدر المنثور" ٨/ ٥٤٥ وعزاه إلى ابن أبي حاتم، وجميعها عن الحسن بن علي.
118
سورة الشرح
119
Icon