ﰡ
مكية. وآياتها ثمان آيات، وفيها يقسم الحق- تبارك وتعالى- بأنه خلق الإنسان فعدله، ثم رده حتى كان أسفل سافلين، إلا المؤمنين فلهم الثواب الكبير، والله أحكم الحاكمين.
[سورة التين (٩٥) : الآيات ١ الى ٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨)
المفردات:
وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ: هما الشجرتان المعروفتان ذات الثمر المعروف، أو هما مكانان في الشام. طُورِ سِينِينَ: الجبل المسمى بهذا الاسم في طور سينا، والذي ناجى موسى عليه ربه. وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ أى: مكة. تَقْوِيمٍ يقال: قومت الشيء تقويما: إذا جعلته على أعدل وجه وأكمل صورة. أَسْفَلَ سافِلِينَ المراد:
جعلناه من أهل النار الذين هم أسفل من كل سافل. غَيْرُ مَمْنُونٍ: غير مقطوع.
بِالدِّينِ: بيوم الجزاء.
المعنى:
أقسم الله بالتين والزيتون، وبطور سينين التي ناجى فيها موسى ربه، وبهذا البلد الأمين، وهو مكة التي يقاسى فيها النبي الأمرّين من قومه، مع أنها البلد الأمين الذي
وبعض العلماء يقول: التين والزيتون موضعان في الشام، وهذا يحتاج إلى تصديق الواقع له.
قد أقسم الله بهذه الأمكنة المقدسة لشرف من حل بها من الأنبياء والرسل لقد خلق الإنسان في أحسن تقويم، أى: على أحسن حال وأكمل صورة، ألا تراه وقد خلقه مستوى القامة مرفوع الرأس، يأكل بيده، قد وهبه العقل والتفكير، والقدرة على تسخير غيره من الحيوان والنبات، بل امتد عقله، واتسع تفكيره إلى أن سخر الطبيعة وذللها لأغراضه ومنافعه، والشواهد على ذلك كثيرة الآن.
ولعل السر في هذا القسم لفت أنظار الناس إلى أنفسهم، وما ركب فيها من قوى وإدراك وعقول وتمييز ليصلوا بهذا إلى توحيد الله القوى القادر، هذا الإنسان الذي خلقه ربه فأكرمه ونعمه، وجعله يستولى على جميع العوالم، قد كان في أول أمره ساذجا قليل الأطماع، لم تتنبه فيه غرائز الشر، ثم تنبهت فيه عوامل الشر، وغرائز السوء حتى ظهر الحقد والحسد والتنازع والإفساد، وكان القتال والنزاع والحروب. وأصبح الإنسان كالحيوان المفترس.
وضريت نفسه حتى صار أعظم اغتيالا لأخيه الإنسان من السباع، وهذا معنى قوله: ثم رددناه أسفل سافلين، ففطرة الله التي فطر الناس عليها تدعو إلى التراحم والتعاون وإيثار العدل والخلق الكامل، ولكن الإنسان قد ينزع إلى الشر بعوامل البيئة التي تحرك فيه مصادر السوء. وحينئذ ينسى فطرته، ويعود إلى حيوانيته. ويعمل عمل أهل النار، فيكون أسفل من كل سافل وأشد من كل حيوان ضار.
عوى الذئب فاستأنست بالذئب إذ | عوى وصوت إنسان فكدت أطير |
عجبا لك أيها الإنسان! ما الذي يجعلك تكذب بيوم الدين بعد أن عرفت ذلك؟! أليس الله بأحكم الحاكمين «١» وأعدل العادلين. حيث أثاب الطائعين بالثواب الدائم وجازى المكذبين بالعقاب الصارم.