ﰡ
مكية بالإجماع، وعدد آياتها أربع وأربعون آية.
وتشمل تهديد المشركين بعذاب واقع، مع التعرض لوصف القيامة، ثم الكلام على الإنسان وطبعه وعلاجه، ثم ختام السورة بمثل ما بدئت به.
تهديد المشركين بالعذاب الواقع عليهم [سورة المعارج (٧٠) : الآيات ١ الى ١٨]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤)فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩)
وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤)
كَلاَّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨)
سَأَلَ سائِلٌ: السؤال يكون تارة بمعنى طلب الشيء واستدعائه، ويعدّى حينئذ بالباء فتقول: سألت بكذا، أى: طلبته وعليه قوله: ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ أو بمعنى الاستبخار عن الشيء اعتناء به، ويعدى عند ذلك بعن أو بالباء تقول: سألت عنه وعن حاله. وسألت به وبحاله، وعليه قوله تعالى: فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً دافِعٌ:
مانع وواق. الْمَعارِجِ: هي المصاعد والدرجات. تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ تصعد، والمراد تلقى الأوامر والنواهي. كَالْمُهْلِ: هو مائع كالزيت، أو مائع الفلزات- المعادن- المذابة. ولها لون خاص ضارب إلى الخضرة أو الحمرة. كَالْعِهْنِ: هو الصوف الملون، وقيل: المنقوش. حَمِيمٌ الحميم: صديق المرء وقريبه الذي يهتم به. وَصاحِبَتِهِ: زوجته. وَفَصِيلَتِهِ فصيلة الرجل: عشيرته ورهطه الأدنون. كَلَّا: كلمة ردع وزجر للمخاطب عن اعتقاد أو رأى أو عمل تغالى في التمسك به. لَظى: نار ملتهبة. نَزَّاعَةً لِلشَّوى: هي أعضاء الجسم الخارجية كاليدين والرجلين مثلا، وقيل: هي جلدة الرأس.
كان المشركون حين يهددهم النبي بعذاب الله يستخفون به وبتهديده، وينكرون عليه ذلك، بل ويستعجلونه استهزاء به حتى قال زعيمهم في ذلك وهو النضر بن الحارث: اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ وربما كان هذا الموقف مع النبي مما يثير نفسه، ويجعله يتمنى أن لو نزل عليهم عذاب يردع أمثالهم فيؤثر هذا في انتشار الدعوة الإسلامية، فأنزل الله هذه الآيات ليطمئن النبي صلّى الله عليه وسلّم وليهددهم بعذاب واقع عليهم لا محالة، ثم يأمره بالصبر الجميل.
المعنى:
سأل سائل «١» وطالب بعذاب واقع، وكان النضر بن الحارث هو الذي طلب هذا واستدعاه، أو سألك سائل عن عذاب واقع طالما حدثتهم به، ويحتمل أن يكون السائل هو النبي صلّى الله عليه وسلّم وسياق الآية لا يأباه.
تعرج وتصعد إليه الملائكة- وخاصة جبريل- في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من سنى الدنيا، تعرج إلى حظيرة القدس، حيث يفاض عليها من التجليات الإلهية، والأوامر الربانية ما به يحصل النظام العام للكون، وما يتعلق بتدبير الكائنات، فليس عروجهم وصعودهم إلى مكان لأنه منزه عن الحلول بالمكان.
وهل هذا اليوم الطويل هو كناية عن أيام الدنيا أو الآخرة؟ قيل بهذا وبذاك، والله أعلم بكتابه، على أن المراد بقوله: (خمسين ألف سنة) هو الكثرة المطلقة لا التحديد بهذا العدد، والعرب تفعل هذا كثيرا في كلامها.
بقي أن نفهم السر في الارتباط بين سؤال السائل والعذاب الواقع، وبين عروج الملائكة وترددها بين الله- سبحانه وتعالى- وبين هذه الأكوان بما يريده منها ويقضيه فيها.
الجواب: أن المعنى: هذا معد للكافرين، ليس لهم ما يمنعهم من عذاب الله أبدا، ثم نبههم بقوله: تعرج الملائكة... الآية إلى أن هذا العذاب إنما يرونه بعيدا لطول مدة الدنيا في نظرهم، مع أنها ليست كذلك عند الله تعالى، وبالنسبة إلى الأحقاب التي تربط الأبد بالأزل، سوى يوم واحد تعرج فيه الملائكة إلى الله بالتدبير لهذه الدنيا التي ترونها خمسين ألف سنة، فما لكم تستعجلون العذاب؟ فهم يرون العذاب بعيدا جدّا لأن الدنيا في نظرهم طويلة جدّا، وأما عند الله فالدنيا يوم واحد وزمن قليل فما لكم تستبطئون الحساب؟ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ «١» ترى أن الله قدر اليوم عنده بألف سنة مرة، وأخرى بخمسين ألف سنة، والمراد الكثرة لا التحديد بزمن- والله أعلم- وقيل: المراد باليوم هو يوم القيامة وصف بأنه خمسون ألف سنة تهويلا وتخويفا للكفار، والخلاصة أن المراد وصف اليوم بالطول مطلقا.
هذه حال السماء والأرض في ذلك اليوم، أما حال الخلائق فهي كما وصف الله، الناس في شغل شاغل فلا يسأل حميم حميما، ولا قريب قريبا إذ كل عنده ما يغني يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ «١» هل هم لا يسألون أحماءهم وأقاربهم لأنهم لا يرونهم؟ الجواب: إنهم يبصرونهم أى: قد جعلهم الله لا يبصر بعضهم بعضا، ولكن لكل منهم ساعتها شأن يشغله عن أى شيء آخر، ومع هذا فيود كل امرئ منهم من صميم قلبه لو يفتدى نفسه من هول ذلك اليوم بأحب الناس إليه وأعزهم عليه كأولاده وزوجته وإخوته وعشيرته التي تؤويه بل يود لو يفتدى نفسه بمن في الأرض، ثم ينجيه من هذا العذاب البئيس الذي هو فيه إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [سورة المائدة آية ٣٦].
وكأن المكذبين بيوم الدين السائلين عن العذاب المستعجلين له، يتعللون بالأمانى الكاذبة، وأنهم يفدون أنفسهم من هذا العذاب، فكذبهم القرآن وردعهم عن هذا بقوله: «كلا» إن جهنم التي أعدت لهم نار محرقة، لهبها شديد لا منجى منها ولا هرب، تكون نزاعة للأطراف من الأرجل والأيادى، وتنزع كذلك فروة الرأس، فما أصبرهم عليها!! هذه النار تدعو من أدبر عنها وتولى، أو من أدبر عن الحق وأعرض عنه في الدنيا، هذا الدعاء على حقيقته كما روى عن ابن عباس أو هو مجاز «٢».
وتدعو من جمع المال فجعله في وعاء وحفظه وكنزه ولم يؤد حقوق الله فيه، فليس الجمع وحده معيبا، وإنما المعيب الجمع مع عدم إخراج حقوق الفقراء والمساكين فيه.
(٢) - حيث شبه تهيؤ جهنم وظهورها للمكذبين وتفتح أبوابها ووقوف الخزنة عليها شبه هذا بالدعاء والطلب لهم، وهذا ما يسمى بلسان الحال، وهذا كثير الشيوع في لسان العرب.
إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً (١٩) إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (٢٠) وَإِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (٢١) إِلاَّ الْمُصَلِّينَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ (٢٣)
وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦) وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧) إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ (٢٩) إِلاَّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ (٣١) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ (٣٢) وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ (٣٣)
وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٣٤) أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥)
المفردات:
هَلُوعاً الهلع: أفحش الجزع. مع الشح وكثرة الضجر. جَزُوعاً: كثير الجزع والمراد أنه يؤوس قنوط. لِلسَّائِلِ: الفقير الذي يتكفف فيعطى.
وَالْمَحْرُومِ: الذي يتعفف فيحرم. بِيَوْمِ الدِّينِ: يوم القيامة.
مُشْفِقُونَ: خائفون. ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ: طلب غير هذا. العادُونَ:
المتجاوزون الحد.
المعنى:
إن الإنسان خلق من طين أسود لازب، جف حتى صار كالفخار، ثم نفخ فيه من روح الله، هذا الإنسان لا بد أن ينزع إلى الشر وإلى الخير، ونزعه إلى الشر كثير بل هو الأصل، ولا يخفف هذا إلا دواعي الخير كالإيمان السليم والقرآن الكريم، والعقل الراجح وبدون هذا فالإنسان حيوان، لكنه مفكر، فالإنسان من حيث هو إنسان مادى بطبعه يؤثر الدنيا على الآخرة، ويحب العاجلة على الباقية، ولا يمنعه من هذا إلا الإيمان بالله وحبه له ولرسوله، وامتثال أمر الشرع في أفعاله، عندئذ يتبصر فيرى الحق ويتبعه وإن خالف نفسه وهواه ويرى الشر فيتجنبه وإن دعته له الدنيا وطبيعته، فالإنسان خلق كثير الهلع، شديد الجزع، إن مسه الشر يستولى عليه يأس قاتل، وقنوط مميت، فهو لعدم إيمانه بالله يظن أن هذا الذي نزل به من فقر أو مرض أو مصيبة لا يمكن أن تتحول عنه، كأنه ليس في الكون إله يقدر على ذلك، وهو إن مسه الخير، وصادفه الحظ كان منوعا له عن الناس جميعا، لأنه يعتقد أن هذا الذي وصل إليه إنما أوتيه على علم عنده وعلى قوة وبصر منه ليس لله فضل عليه، وليس لمخلوق حاجة لديه، ولذلك تراه يمنع رفده، ويضرب عبده ويأكل وحده، تراه فظا غليظ القلب جافى الطبع سىء المعاملة.
تلك بعض طبائع الإنسان الموجودة فيه. أما علاجها فهو الإيمان بالله، وحسن التوكل عليه، وحب الآخرة، والبعد عن الدنيا وزينتها، وخلاصة ذلك: طاعة الحق، والإشفاق على الخلق، والإيمان بيوم الدين، والخوف من العقوبة، وقد استثنى الله- سبحانه- من الناس الذين جبلوا على الهلع والجزع ومنع الخير- وفي هذا إشارة إلى العلاج- المؤمنين الكاملين الواثقين في الله ثقة كاملة، وهؤلاء هم المصلحون المحافظون على صلاتهم المداومون عليها، الذين يعطون الفقير حقه من أموالهم، سواء سأل أو تعفف، والذين يؤمنون بالغيب، ويصدقون بيوم البعث، والذين هم من عذاب ربهم دائما في خوف، فليس
هؤلاء هم المكذبون وهذه نهايتهم [سورة المعارج (٧٠) : الآيات ٣٦ الى ٤٤]
فَمالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠)
عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ (٤٤)
المفردات:
قِبَلَكَ: ناحيتك وجهتك. مُهْطِعِينَ: مسرعين إليك مادى أعناقهم نحوك
يتحدثوا في الباطل. الْأَجْداثِ: جمع جدث، وهو القبر. سِراعاً:
مسرعين. نُصُبٍ جمع أنصاب، وهو كل ما نصب وأقيم للعبادة. يُوفِضُونَ:
يستبقون ويسرعون. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ: ذليلة كسيرة.
وهذا ختام للسورة بديع، إذ بعد أن رد على سؤالهم عن العذاب، ووصف ما يلاقونه يوم الحساب، تعرض إلى طبيعة الإنسان، وبين علاج ذلك، يذكر صفات المؤمنين عادة إلى المكذبين ليختم السورة ببيان حالهم ونهايتهم وتهديدهم.
المعنى:
كان المشركون إذا سمعوا النبي يتلو القرآن أقبلوا مسرعين عليه مادى أعناقهم إليه شاخصة أبصارهم نحوه، خائفين مضطربين، حتى إذا اجتمعوا به هدأت نفوسهم قليلا فجلسوا متفرقين حوله عن اليمين وعن الشمال جماعات جماعات كأنهم يأتون أول الأمر وجلين خائفين حتى إذا هدأت قلوبهم- نوعا ما- تحلقوا حول النبي حلقا هنا وهناك يتساءلون- مع الإعراض والهزء به- ماذا قال؟ فإذا سمعوا من آيات الله وصف الجنة، وما أعد للمؤمنين فيها من نعيم مقيم، مالت رؤوسهم هازئين ساخرين قائلين: إن كان هؤلاء القوم- أتباع محمد- سيدخلون هذه الجنة، فنحن أولى بها فإنا أشراف العرب وساداتها وهم خدمنا وعبيدنا.
فقال تعالى متعجبا من حالهم ومنكرا له: أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم!! عجبا لهؤلاء القوم! كلا وألف كلا! ليس الأمر كما زعموا إن الجنة أعدت للذين آمنوا بالله ورسوله وعملوا الصالحات من الأعمال، إنا خلقناهم وخلقنا غيرهم مما يعلمون: من ماء مهين، من نطفة قذرة، فالكل سواء في هذا ولا فضل لشريف على غيره. وإنما الفضل- وأعلاه دخول الجنة- يكون بالإيمان لا بغيره، وما لكم تستبعدون ذلك؟ أليس الله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة... إلخ؟ فالقادر على ذلك قادر على البعث وإعطاء كل ذي حق حقه.
فربك القادر على كل شيء- وخاصة شروق الشمس ومغربها- قادر على تبديل خلق خير من هؤلاء، فيهلكهم، ويأتى بخلق جديد، وما ذلك على الله بعزيز وما هو بمسبوق في ذلك، وما هم بمعجزى الله في شيء.
وإذا كان الأمر كذلك فذرهم يخوضوا في باطلهم ويذهبوا فيه كل مذهب ويلعبوا فيما لا يجدي ولا ينفع حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون؟! اذكر يوم يخرجون من القبور مسرعين كأنهم يسرعون إلى أنصابهم التي نصبوها في الدنيا للعبادة أرأيتهم وهم يسرعون نحوها؟ خاشعة أبصارهم ذليلة منكسرة ترهقهم ذلة وتغشاهم وتستولى عليهم.
ذلك هو اليوم الذي كذبوا به، وسألوه متعجلين مستهزئين به، ذلك هو اليوم الذي كانوا يوعدون! ويا ليتهم آمنوا به..