مكية وآياتها سبع
[سورة الفاتحة (١) : الآيات ١ الى ٧]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)
تسمى سورة الفاتحة. لافتتاح القرآن بها، وأم الكتاب لاشتمالها على ما فيه من الثناء على الله- عز وجل- والتوحيد، والتعبد بأمره ونهيه، وبيان وعده ووعيده، والأخبار والقصص، وكذا الحكم العملية كسلوك الصراط المستقيم، وتسمى السبع المثاني لأنها سبع آيات تثنى في الصلاة، أى: تعاد.
المفردات:
اللَّهِ: علم على الذات العلية الرَّحْمنِ: المتصفة ذاته بالرحمة وهي صفة
آمِّينَ: تقبل منا واستجب دعاءنا، وليست من القرآن ولكن يسن ختم الفاتحة بها.
المعنى:
ابتدأ الله- سبحانه- بالبسملة ليرشدنا إلى أن نبدأ كل أمورنا بها متبركين مستعينين باسمه الكريم، ولا حول ولا قوة إلا به، ثم قال: الثناء بالجميل لله- سبحانه- الواجب الوجود المنزه عن كل نقص، فالحمد ثابت لله. فاحمدوه دون سواه، لأنه مالك الملك ورب العالمين قد تولاهم بعنايته ورعايته، وتفضل على كل موجود بنعمه التي لا تحصى، لا لنفع يعود عليه بل لأنه الرحمن الرحيم، مالك الأمر يوم الجزاء والحساب والقضاء. ومن كانت هذه صفاته- جل شأنه- وجب أن تكون العبادة له دون سواه، ومن تمام عبادته والخضوع له ألا نطلب المعونة من غيره، بل علينا أن نطرق الأسباب الظاهرة بكل ما أوتينا من حيلة وعلم وتجربة، ثم بعد هذا لا نستعين إلا به ولا نتوكل إلا عليه،
وفي الحديث: «اللهمّ أعنّى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك»
تقولها دبر كل صلاة.
اللهم اقبل منا هذا الثناء، واستجب منا هذا الدعاء، واجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم.
هذه السورة مكية.
والفرق بين السورة المكية والمدنية يمكن إجماله فيما يلي:
١- المكي ما نزل قبل الهجرة والمدني ما نزل بعدها سواء نزل في المدينة أو ضواحيها أو في مكة عام الفتح أو في غزوة من الغزوات.
٢- المكي أكثر إيجازا لأن المخاطبين به أبلغ العرب ومعظمه تنبيهات وزواجر وبيان لأصول الدين بالإجمال، اقرأ إن شئت: الحاقّة، والقارعة، والواقعة... إلخ.
٣- المدني في أسلوبه شيء من الإسهاب، وفيه كثير من خطاب أهل الكتاب، وفيه بيان الأحكام العملية في العبادات والمعاملات الشخصية والمدنية والسياسية والحربية وأصول الحكومة الإسلامية والتشريع فيها... إلخ.
نزلت بالمدينة إلا آية ٢٨١ فنزلت بمنى في حجة الوداع أول سورة في ترتيب المصحف، وأطول سورة في القرآن، إذ عدد آياتها ٢٨٦ آية، وفيها أطول آية في القرآن: «آية الدّين».
وهذه السورة الكريمة اشتملت على منهجين عظيمين:
الأول جاء في صدرها إلى آية ١٤٢ وطابعه أنه خطاب عام لجميع الناس فقد بدئت السورة بالكلام على القرآن، وأثره، ثم بيان موقف الناس منه، فمنهم المؤمن المسالم، والكافر المجاهر، والمنافق المخادع. ثم اتجهت لخطاب أمة الدعوة- الناس جميعا- حيث دعاهم الله إلى الإيمان الصحيح، مبينا لهم إعجاز القرآن وصدق الرسول. ثم ذكر قصة خلق الإنسان وتكريمه، وموقف الشيطان منه.
ثم التفت إلى بنى إسرائيل- الطبقة الواعية في المجتمع المدني- فدعاهم إلى ما فيه خيرهم وذكرهم بنعم الله عليهم، وحذرهم من نقمه، وبين لهم قبائحهم وسيئات آبائهم، وأطال في ذلك، وتعرض لأبى الأنبياء إبراهيم- عليه السلام- وإلى علاقته بالعرب، وإلى موقفهم منه، وكل هذا لا يعرفه الرسول إلا عن طريق الوحى.
أما المنهج الثاني فطابعه أنه خطاب للمسلمين- أمة الإجابة- وهو واقع في عجز السورة وقد بدئ بالكلام على أول حادثة دينية تمس المسلمين وأهل الكتاب- تحويل القبلة- ثم عالجت السورة المجتمع الإسلامى فذكرت الكثير من التشريعات والقوانين، وما يجب أن يكون عليه المجتمع المثالي المسلم.
وكان الأساس الأول الدعوة إلى التوحيد الخالص لله، وتعرضت لأحكام القصاص والوصية والقتال والإنفاق في سبيل الله، ولبيان بعض العبادات كالصيام والحج، وظهرت أحكام الخمر، ونكاح المشركات والعدة والإيلاء والطلاق والرضاع، والربا وأحكام التداين والمعاملات وخاصة الرهن، وفي خلال ذلك قصص وحكم، ثم ختمت السورة بالدعاء الإسلامى الكامل.