تفسير سورة لقمان

المحرر في أسباب نزول القرآن
تفسير سورة سورة لقمان من كتاب المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة المعروف بـالمحرر في أسباب نزول القرآن .
لمؤلفه خالد بن سليمان المزيني .

سورة لقمان
١٣٤ - قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (٦)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الترمذي عن أبي أُمامة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: (لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام)، في مثل هذا أُنزلت هذه الآية: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ).
787
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة وقد ذكر جمهور المفسرين هذا الحديث عند نزولها كالطبري والبغوي وابن العربي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال ابن العربي بعد ذكر هذا الحديث وغيره: (هذه الأحاديث التي أوردناها لا يصح منها شيء بحال لعدم ثقة ناقليها إلى من ذكر من الأعيان فيها) اهـ.
قال ابن كثير: (علي وشيخه والراوي عنه كلهم ضعفاء والله أعلم).
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث ليس سبباً لنزول الآية ليس بسبب إسناده فحسب، بل هو أيضاً ليس صريحاً في النزول لقوله: (في مثل هذا أُنزلت).
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية لضعف سنده، ولأنه ليس صريحًا في النزول والله أعلم.
* * * * *
788
١٣٥ - قال الله تعالى: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج البخاري والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: لما نزلت: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) قال أصحاب رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أيُّنا لم يظلم؟ فأنزل الله: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنَّسَائِي عنه بلفظ: لما نزلت: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) شق ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول اللَّه، أيُّنا لا يظلم نفسه؟ قال: (ليس ذلك إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). ولفظ مسلم: (فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في تفسير هذه الآية وقد ذكر بعض المفسرين هذا الحديث
789
لكن منهم من ذكر التصريح بالنزول كابن عطية والقرطبي.
ومنهم من لم يذكر ذلك كابن كثير وابن عاشور.
وقال ابن حجر لما ذكر التصريح بالنزول: (واقتضت رواية شعبة هذه أن هذا السؤال سبب نزول الآية الأخرى التي في لقمان، لكن رواه البخاري ومسلم من طريق أخرى عن الأعمش وهو سليمان المذكور في حديث الباب. ففي رواية جرير عنه (فقالوا: أينا لم يلبس إيمانه بظلم؟ فقال: ليس بذلك ألا تسمعون إلى قول لقمان).
وفي رواية وكيع عنه: (فقال: ليس كما تظنون). وفي رواية عيسى بن يونس: (إنما هو الشرك، ألم تسمعوا إلى ما قال لقمان) وظاهر هذا أن الآية التي في لقمان كانت معلومةً عندهم، ولذلك ينبههم عليها، ويحتمل أن يكون نزولها وقع في الحال فتلاها عليهم ثم نبههم فتلتئم الروايتان) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الحديث ليس سبباً للنزول وأن التصريح بالنزول لا يصح لما يلي:
١ - أن أكثر الروايات خلت من التصريح بالنزول، ليس هذا فقط بل صرحت بخلافه: (ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه وهو يعظه) وهذا يدل على أن هذا معلوم عندهم.
٢ - أن آية لقمان في سياق النصيحة، ومثل هذا لا يناسب السببية، إذ لو كانت الآية نزلت جواباً لاستشكال الصحابة كما قال الله - عَزَّ وَجَلَّ - فيها: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) إذ لا فائدة من ذلك.
٣ - أن احتمال نزول آية لقمان بعد سؤالهم. وقبل جواب النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لهم بعيد عادةً.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآية الكريمة لعدم الدليل على ذلك، مع إعراض جمهور المفسرين عن ذكره والله أعلم.
790
١٣٦ - قال اللَّه تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج مسلم وأحمد عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه- قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدًا حتى يكفر بدينه، ولا تأكلَ ولا تشربَ قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا.
قال: مكثت ثلاثًا حتى غُشي عليها من الجهد، فقام ابن لها يُقال له عُمارة فسقاها فجعلت تدعو على سعد فأنزل اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - في القرآن هذه الآية: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا)، (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي) وفيها (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).
ولفظ أحمد: فأنزلت: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ) وقرأ حتى بلغ: (بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر بعض المفسرين حديث سعد هذا عند تفسيرها كالطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير.
قال الطبري: (وذكر أن هذه الآية نزلت في شأن سعد بن أبي وقاص وأمه) اهـ ثم قال: ذكر الرواية الواردة في ذلك.
791
وقال البغوي: (وقيل: نزلت هاتان الآيتان في سعد بن أبي وقاص وأمه، وقد مضت القصة) اهـ.
وقال ابن عطية: (ففي هذه القصة نزلت الآيات قاله سعد بن أبي وقاص والجماعة من المفسرين) اهـ.
وقال القرطبي: (والصحيح أن هاتين الآيتين نزلتا في شأن سعد بن أبي وقاص كما تقدم في (العنكبوت) وعليه جماعة المفسرين) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وعلى كلا الاعتبارين - يعني أكانت الوصية بالوالدين من الله أو من حكمة لقمان لا يحسن ما ذهب إليه جمع من المفسرين أن هذه الآية نزلت في قضية إسلام سعد بن أبي وقاص وامتعاض أمه، لعدم مناسبته السياق ولأنه قد تقدم أن نظير هذه الآية في سورة العنكبوت نزل في ذلك، وأنها المناسبة لسبب النزول، فإنها أُخلِيت عن الأوصاف التي فيها ترقيق على الأم بخلاف هذه، ولا وجه لنزول آيتين في غرض واحد ووقت مختلف) اهـ.
وعندي - والله أعلم - أن ما ذكره ابن عاشور هو الصحيح، وأن الآيتين في سورة لقمان لا صلة لهما بقضية سعد، ومن الغريب حقاً أن يذكر بعض المفسرين النزول في الموضعين إذ لا فائدة من ذلك، ولعل إضافة آية لقمان للحديث جاءت من باب أن موضوع الآيتين واحد، ومن هنا أدرجها بعض الرواة في الحديث. وقد أشار ابن عاشور هنا إلى علة لطيفة وهي أن آية العنكبوت ليس فيها ترقيق على الأم بخلاف هذه.
وهذا صحيح فإن الله لو رقق قلبه على أمه بتعداد أفضالها لربما تعسر عليه مخالفتها، لكن الله أمره بالإحسان عموماً، ونهاه عن الشرك.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً لنزول الآيتين هنا لعدم المناسبة بين سياقه وسياقها والله أعلم.
* * * * *
792
سورة الأحزاب
793
Icon