تفسير سورة الشمس

التفسير المظهري
تفسير سورة سورة الشمس من كتاب التفسير المظهري .
لمؤلفه محمد ثناء الله المظهري . المتوفي سنة 1225 هـ

سورة الشمس
مكيّة وهى خمس عشرة اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالشَّمْسِ وَضُحاها قال مجاهد والكلبي يعنى ضوءها حين تطلع الشمس فيصفوا ضوئها وقال قتادة هو النهار كله وقال مقاتل حرها فى القاموس الضحية كالعشية ارتفاع النهار والضحى ويذكر ويصغر ضحيها بلا هاء والضحاء بالمد إذ اقرب انتصاب النهار.
وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها اى تبع طلوعه طلوع الشمس وذلك فى النصف الاول من الشهر او تبع طلوعه غروب الشمس او تبع فى الاستدارة وكمال النور كذا قال الزجاج وكلا الامرين فى الليالى البيض.
وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها اسناد التجلية الى النهار مجازى كما فى صام نهاره والضمير المنصوب اما عايد الى الشمس فانها تتجلى إذا انبسط النهار واما الى غير مذكور يعنى جلية الظلمة او الأرض والدنيا.
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها يعنى يغشى الشمس او الآفاق او الأرض والظروف اعنى إذا تليها وإذا جلّها وإذا يغشيها متعلقة بفعل القسم عند الجمهور وقال فى البحر المواج لا يجوز ذلك فان الاقسام ليس فى تلك الأوقات وايضا لا يجوز ان يكون صفة للقمر والنهار والليل فان ظرف الزمان لا يكون صفة لامر حسى فتاويله ان يقال بحذف المضاف وتقديره وانجلاء القمر إذا تليها اى وقت تبيعتها للشمس وحصول النهار إذا جلّيها اى وقت تجلية الشمس وحدوث الليل إذا يغشيها اى وقت غشيانها فالظرف اما صفة للمضاف فانه اسم معنى او متعلق به ويحتمل ان يقال ان إذا هاهنا بمعنى الوقت من غير الظرفية على طريقة إذا يقوم زيد إذا يقعد عمرو فيكون حينئذ بدل اشتمال مما قبله فيكون مقسما به.
وَالسَّماءِ وَما بَناها ومن بنيها وهو الله سبحانه كذا قال عطاء والكلبي لا يقال يلزم حينئذ اساءة الأدب بتقديم القسم لغير الله تعالى على القسم بدلا نقول فيه ترق من الأدنى الى الأعلى وذلك هو الأدب واوثرت ما على الارادة معنى الوصفية كانه قيل والشيء القادر الذي بناها ودل على وجوده كمال قدرته بناءها وقال الزجاج والفراء ما مصدرية اى وبناها وكذا الكلام فى قوله.
وَالْأَرْضِ وَما طَحاها اى بسطها وكذا الكلام فى.
وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها اى عدل خلقها وسوى بقضائها على ما يقتضيها الحكمة قال البيضاوي تبعا لصاحب الكشاف جعل ما مصدرية تجرد الفعل عن الفاعل ويخيل بنظم قوله تعالى.
فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها بقوله وما سوّيها حيث يلزم عطف الفعل على المصدر الا ان الضمير فيها اسم الله المعلم به وقال فى بحر الأمواج ألهمها معطوفة على سوّيها والمعنى ونفس وتسويه فالهمها فجورها وتقويها فلا يلزم ما ذكر انتهى وتنكير نفس للتكثير والتعميم كما فى قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت او للتعظيم والافراد والمراد به نفس آدم عليه السلام وقال عطاء يريد جميع ما خلق الله من الانس والجن والمراد بالهام الفجور والتقوى ان بين لها الخير والشر والطاعة والمعصية حتى يأتي بالخير والطاعة ويتقى عن الشر والمعصية كذا روى عن ابن عباس والمراد به إلزامها الفجور او التقوى وخلق الميل فى قلبه الى أيهما شاء وتوفيقه إياها بالتقوى وخلق بالتقوى على يد المؤمن وخذلانه إياها للفجور وخلق الفجور يد الكافر كذا قال سعيد بن جبير وابن زيد واختاره الزجاج عن عمران بن حصين ان رجلين من مزنية قالا يا رسول الله ارايت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه شىء قضى عليهم ومضى فيهم من قدر سبق او فيما يستقبلون به مما أتاهم به تبيهم وثبت الحجة عليهم فقال لا بل شىء قضى عليهم ومضى فيهم وتصديق ذلك فى كتاب الله ونفس وما سوّيها فالهمها فجورها وتقويها رواه مسلم وعن عبد الله بن عمر قال قال رسول الله ﷺ ان قلوب بنى آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء ثم قال رسول الله - ﷺ - اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعاتك رواه مسلم قدم الفجور على التقوى لان الأصل كونها امارة بالسوء ايضا فيه رعاية رؤس الاى والواو الاول للقسم بالاتفاق وكذا الثانية والثالثة وما بعدها عند البعض وليست للعطف لزم العطف على معمول عاملين مختلفين فى مثل قوله والليل إذا يغشيها فان قوله الليل مجرور بواو القسم وإذا يغشى منصوب بفعل القسم المقدر فلو جعلت الواو فى والنهار إذا جليها للعطف كانت الواو قايمة مقام الفعل وحرف الجر معا والصحيح ان كلها للعطف سوى الاولى منها فان إدخال القسم فى القسم قبل تمام الاول لا يجوز وواو العطف قائمة مقام واو القسم فقط لكن واو القسم نزلت منزلة الباء
والفعل حتى لم يجز إبراز الفعل معها فصارت كانها هى العاملة نصبا وجرا فصارت كعامل واحد له عملان فيجوز العطف على معموليه وذلك جائز بالاتفاق ونحو ضرب زيد عمرو او بكر خالدا هذا إذا كانت الظروف متعلقة بفعل القسم واما على تاويل صاحب البحر فلا حاجة الى هذا التوجيه.
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها ص الضمير المرفوع راجع الى الله سبحانه والمنصوب الى من باعتبار انه عبارة عن النفس يعنى فازت وسمعت نفس طهر الله تعالى عن الرذائل بتجليات صنافه الكاملة عليها حتى صارت راضية بالله تعالى وأحكامه مطمئنة بذكره وطاعته محترزة عما نهى عنه وما يشغلها عنه لما اخرج ابن جرير من طريق جويبر عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول فى قول الله تعالى قد أفلح من زكيها افلحت نفس زكيها الله كذا قال عكرمة روى مسلم والترمذي والنسائي وابن ابى شيبة عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه واله وسلم قال اللهم انى أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وعذاب القبر اللهم ات نسى تقويها وزكيها أنت خير من زكيها أنت وليها وهو موليها- اللهم انى أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن نفس لا تشبع ومن دعاء لا يستجاب لها وقال الحسن معناه قد أفلح من زكى نفسه فاصلحها وحملها على طاعة الله يعنى ان الضمير المرفوع راجع الى من معنى الإنسان والمنسوب الى نفسه فعلى التأويل الاول بيان لحال المرادين وعلى الثاني لحال المريدين فان الله يجتبى اليه من يشاء ويهدى اليه من ينيب والجملة جواب للقسم قال الزجاج صار طول الكلام عوضا عن اللام وكانه لما أراد من الحث على تزكية النفس والمبالغة والمجاهدة فيه اقسم عليه مجاهدا لهم على وجود الصانع ووجوب ذاته وكمال صفاته فيستفاد منها أقصى درجات القوة النظرية ويذكرهم عظايم الاية لحملهم على الاستغراق فى شكر نعمائه الذي هو منتهى كمال القوة العملية فيترتب على العلم والعمل الجذب من الله سبحانه بفضله ومن قبلهم التقوى ويحصل التزكية وقيل هذه الجملة معترضة جيئت بعد قوله فالهمها فجورها وتقويها استرادا لبيان الفرق بين الفريقين وجواب القسم محذوف يدل عليه قوله تعالى كذبت ثمود حين كذبت بطغويها وهو انه يدمدم الله تعالى على الكفار بمكة بتكذيبهم محمدا صلى الله عليه واله وسلم كما دمدم على ثمود حين كذبت صالحا عليه السلام.
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها
والكلام فى هذه الجملة كما فى قبلها واصل دسا دسس أبدلت حرف التضعيف بحرف العلة كتقضى وتقضض ومعنى التدسس الإخفاء قال الله تعالى أم يدسه فى التراب والمراد هاهنا الإهلاك فأنه يستلزم الإخفاء يعنى خابت وخسرت نفس أهلكها الله تعالى بالإضلال او أهلك هو نفسه بكسب الضلالة.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ هذه الجملة الى اخر السورة تأكيد لقوله تعالى قد خاب من دسيها والمفعول ما وقع فيه التكذيب محذوف والباء فى قوله بِطَغْواها للسببية وتقديره كذبت ثمود بطغويها بسبب طغيانها فى الكفر صالحا علم بالتوحيد والنبوة حين قال انى لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون قالوا انما أنت بشر مثلنا فات باية ان كنت من الصادقين وطلبوا منه اية على صدقه ان يخرج ناقة عشراء من صخرة عينوه فدعا صالحا فخرجت من تلك الصخرة ناقة وولدت فى الحال ولدا مثلها وكانت الناقة تشرب الماء كله فجعل صالحا لها نصيبا من الماء وقال هذه ناقة لها شرب يوم ولكم شرب يوم معلوم فارادوا قتل الناقة ليسلم لهم الماء كله ذلك قوله تعالى.
إِذِ انْبَعَثَ اى قام لعقر الناقة بالاسراع حين أمروها كما قال الله تعالى فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقروا لانبعاث هو الاسراع بالطاعة للباعث والظرف متعلق بكذبت أَشْقاها اى أشقى ثمود وهو قدار بن سالف كان رجلا أشقر ازرق قصيرا فضلت شقاوته غيره لتولية العقر روى البخاري عن عبد الله بن زمعة انه سمع النبي صلى الله عليه واله وسلم يخطب ذكر الناقة والذي عقرها فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذ انبعث أشقيها انبعث لها عزيز عازم فى اهله مثل ابى زمعة وعن ابن عمر قال قال رسول الله ﷺ أشقى الناس عاقر ناقة ثمود وابن آدم الذي قتل أخاه ما سفك على الأرض من دم إلا لحقه منه لانه أول من سن القتل رواه الطبراني والحاكم وابو نعيم فى الحلية بسند صحيح.
فَقالَ فقال عطف على انبعث لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صالح ناقَةَ اللَّهِ اى ذروا ناقة الله واحذروا عقرها لله والاضافة الى الله لتعظيم الناقة وكمال التحذير وَسُقْياها ط عطف على الناقة اى ذروا سقيها فلا ترددوها علينا ولا تمسوها بسوء اى يعقر فياخذكم عذاب عظيم-.
فَكَذَّبُوهُ اى صالحا فيما أوعدهم من نزول العذاب ان عقروها فَعَقَرُوها اى الناقة عطف على كذبوا أسند الفعل إليهم وان كان العاقر واحدا منهم لامرهم به وقال مقاتل
الذين عقروا الناقة كانوا تسعة ويجوز التعبير عن التسعة بقوله تعالى أشقاها لان افعل التفضيل إذا أضيفه صلح للواحد والجمع فقال صالح تمتعوا فى ثلثة ايام فتصبحوا فى اليوم الاول وجوهكم مصغرة وفى اليوم الثاني وجوهكم محمرة وفى اليوم الثالث وجوهكم مسودة ثم تهلكون بعد ثلثة فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بعد ثلثة ايام قال فى المواج الدمدمة الإهلاك باستيصال قال عطاء ومقاتل اى دمر عليهم ربهم اى هلكهم وقيل الدمدمة حكاية صوت لا مده وفى القاموس الدمدمة الغضب ودمدم عليه كلمته مغضبا وقيل دمدم عليهم أطبق عليهم بِذَنْبِهِمْ اى بسبب ذنبهم وهو تكذيب الرسول وعقر الناقة- فَسَوَّاها اى سوى الدمدمة عليهم جميعا وعمهم لها ولم يفلت فيها صغير منهم ولا كبير.
وَلا يَخافُ قرأ نافع وابن عامر فلا يخاف بالفاء وكذلك هو فى مصاحفهم والباقون بالواو والضمير راجع الى الله يعنى لا يخاف الله عُقْباها ع امال حمزة والكسائي اواخر هذا السورة الا تلاها وضحها فان حمزة فتحها وابو عمرو كلها بين بين والباقون بالفتح اى عاقبته الدمدمة او عاقبته إهلاك ثمود فيبقى بعض الإبقاء كذا قال الحسن وهى رواية على بن طلحة عن ابن عباس قال الضحاك والسدى والكلبي الضمير راجع الى العاقر وفى الكلام تقديم وتأخير تقديره إذ انبعث أشقيها ولا يخاف عقبيها والجملة حال من فاعل دمدم او من فاعل انبعث على ما قيل والواو للحال وعلى قراءة الفاء عطف على فسويها- والله تعالى اعلم.
Icon