ﰡ
[تفسير سورة الضحى]
سُورَةُ" الضُّحَى" مَكِّيَّةٌ بِاتِّفَاقٍ. وَهِيَ إِحْدَى عَشْرَةَ آيَةً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ[سورة الضحى (٩٣): الآيات ١ الى ٣]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣)قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالضُّحى. وَاللَّيْلِ إِذا سَجى) قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الضُّحى «١»، وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهَارُ، لِقَوْلِهِ: وَاللَّيْلِ إِذا سَجى فَقَابَلَهُ بِاللَّيْلِ. وَفِي سُورَةِ (الْأَعْرَافِ) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ. أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ «٢» [الأعراف: ٩٨ - ٩٧] أَيْ نَهَارًا. وَقَالَ قَتَادَةُ وَمُقَاتِلٌ وَجَعْفَرُ الصَّادِقُ: أَقْسَمَ بِالضُّحَى الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ فِيهِ مُوسَى، وَبِلَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ. وَقِيلَ: هِيَ السَّاعَةُ الَّتِي خَرَّ فِيهَا السَّحَرَةُ سُجَّدًا. بَيَانُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى «٣» [طه: ٥٩]. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي فِيهِ وَفِي أَمْثَالِهِ: فِيهِ إضمار، مجازه ورب الضحى. وسَجى مَعْنَاهُ: سَكَنَ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةُ. يُقَالُ: لَيْلَةٌ سَاجِيَةٌ أَيْ سَاكِنَةٌ. وَيُقَالُ لِلْعَيْنِ إِذَا سَكَنَ طَرَفُهَا: سَاجِيَةٌ. يُقَالُ: سَجَا اللَّيْلُ يَسْجُو سَجْوًا: «٤» إِذَا سَكَنَ. وَالْبَحْرُ إِذَا سَجَا: سَكَنَ. قَالَ الْأَعْشَى:
فَمَا ذَنْبُنَا «٥» أَنْ جَاشَ بَحْرُ ابْنِ عَمِّكُمْ | وَبَحْرُكَ سَاجٍ مَا يُوَارِي الدَّعَامِصَا |
يَا حَبَّذَا الْقَمْرَاءُ والليل الساج | وطرق مثل ملاء النساج |
(٢). آية ٩٧، (٩٨)
(٣). آية ٥٩ سورة طه.
(٤). في اللسان: (يسجو سجوا وسجوا).
(٥). في ديوان الاعشين:
أتوعدني أن جاش...
والدعامص: جمع الدعموص: وهو دويبة صغيرة تكون في مستنقع الماء.
وَلَقَدْ رَمَيْنَكَ يَوْمَ رُحْنَ بِأَعْيُنٍ | يَنْظُرْنَ مِنْ خِلَلِ السُّتُورِ سَوَاجِي |
(٢). الرواجب (واحدها راجبة): وهي ما بين عقد الأصابع. والبراجم (واحدها برجمة بالضم): هي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ.
وَثَمَّ وَدَعْنَا آلَ عَمْرٍو وَعَامِرٍ | فَرَائِسَ أَطْرَافِ الْمُثَقَّفَةِ «٢» السُّمْرِ |
أَيَّامَ «٣» أُمِّ الْغَمْرِ لَا نَقْلَاهَا
أَيْ لَا نُبْغِضُهَا. وَنَقْلَى أَيْ نُبْغِضُ. وَقَالَ: «٤»
أَسِيئِي بِنَا أَوْ أَحْسِنِي لَا مَلُومَةً | لَدَيْنَا وَلَا مَقْلِيَّةٌ إِنْ تَقَلَّتِ |
وَلَسْتُ بِمَقْلِيِّ الْخِلَالِ وَلَا قَالِ «٥»
وَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَاكَ. فَتَرَكَ الْكَافَ لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِراتِ «٦» [الأحزاب: ٣٥] أي والذاكرات الله.
(٢). المثقفة والمثقف: الرمح.
(٣). كذا في اللسان. وفي الأصول: (يا رب). وبعده كما في اللسان:
ولو تشاء قبلت عيناها
(٤). هو كثير عزة.
(٥). صدر البيت:
صرفت الهوى عنهن من خشية الردى
[..... ]
(٦). آية ٣٥ سورة الأحزاب.
[سورة الضحى (٩٣): الآيات ٤ الى ٥]
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥)رَوَى سَلَمَةُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى أَيْ مَا عِنْدِي فِي مَرْجِعِكَ إِلَيَّ يَا مُحَمَّدُ، خَيْرٌ لَكَ مِمَّا عَجَّلْتُ لَكَ مِنَ الْكَرَامَةِ فِي الدُّنْيَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُرِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِهِ بَعْدَهُ، فَسُرَّ بِذَلِكَ، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِقَوْلِهِ: وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى. قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: الْفَلْجَ فِي الدُّنْيَا، وَالثَّوَابَ فِي الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: الْحَوْضُ وَالشَّفَاعَةُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَلْفُ قَصْرٍ مِنْ لُؤْلُؤٍ أَبْيَضَ تُرَابُهُ الْمِسْكُ. رَفَعَهُ الْأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَلِيِّ بن عبد الله ابن عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أُرِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا هُوَ مَفْتُوحٌ عَلَى أُمَّتِهِ، فَسُرَّ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالضُّحى - إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى- وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَلْفَ قَصْرٍ فِي الْجَنَّةِ، تُرَابُهَا الْمِسْكُ، فِي كُلِّ قَصْرٍ مَا يَنْبَغِي لَهُ مِنَ الْأَزْوَاجِ وَالْخَدَمِ. وَعَنْهُ قَالَ: رَضِيَ مُحَمَّدٌ أَلَّا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ النَّارَ. وَقَالَ السُّدِّيُّ. وَقِيلَ: هِيَ الشَّفَاعَةُ فِي جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ. وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يُشَفِّعُنِي اللَّهُ فِي أُمَّتِي حَتَّى يَقُولَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِي: رَضِيتَ يَا مُحَمَّدُ؟ فَأَقُولُ يَا رَبِّ رَضِيتُ). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى فِي إِبْرَاهِيمَ: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ «١» [إبراهيم: ٣٦] وقول عيسى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ «٢» [المائدة: ١١٨]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: (اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي) وَبَكَى. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِجِبْرِيلَ: (اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ) فَأَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلَ فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِجِبْرِيلَ: [اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَكَ: إِنَّا سنرضيك في أمتك
(٢). آية ١١٨ سورة المائدة.
[سورة الضحى (٩٣): آية ٦]
أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦)
عَدَّدَ سُبْحَانَهُ مِنَنَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً لَا أَبَ لَكَ، قَدْ مَاتَ أَبُوكَ. فَآوى أَيْ جَعَلَ لَكَ مَأْوَى تَأْوِي إِلَيْهِ عِنْدَ عَمِّكَ أَبِي طَالِبٍ، فَكَفَّلَكَ. وَقِيلَ لِجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ: لِمَ أُوتِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَبَوَيْهِ؟ فَقَالَ: لِئَلَّا يَكُونَ لِمَخْلُوقٍ عَلَيْهِ حَقٌّ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: هُوَ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ: دُرَّةٌ يَتِيمَةٌ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا مِثْلٌ. فَمَجَازُ الْآيَةِ: أَلَمْ يَجِدْكَ وَاحِدًا فِي شَرَفِكِ لَا نَظِيرَ لَكَ، فَآوَاكَ اللَّهُ بِأَصْحَابٍ يَحْفَظُونَكَ وَيَحُوطُونَكَ.
[سورة الضحى (٩٣): آية ٧]
وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧)
أَيْ غَافِلًا عَمَّا يُرَادُ بِكَ مِنْ أَمْرِ النُّبُوَّةِ، فَهَدَاكَ: أَيْ أَرْشَدَكَ. وَالضَّلَالُ هُنَا بِمَعْنَى الْغَفْلَةِ، كَقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى «٣» [طه: ٥٢] أَيْ لَا يَغْفُلُ. وَقَالَ فِي حَقِّ نَبِيِّهِ: وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ»
[يوسف: ٣]. وَقَالَ قَوْمٌ: ضَالًّا لَمْ تَكُنْ تَدْرِي الْقُرْآنَ وَالشَّرَائِعَ، فَهَدَاكَ اللَّهُ إِلَى الْقُرْآنِ، وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، عَنِ الضَّحَّاكِ وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَغَيْرِهِمَا. وَهُوَ معنى
(٢). آية سورة الزمر.
(٣). آية ٥٢ سورة طه.
(٤). آية ٣ سورة يوسف.
هَذَا الضَّلَالُ أَشَابَ مِنِّي الْمَفْرِقَا | وَالْعَارِضَيْنِ وَلَمْ أَكُنْ مُتَحَقِّقَا «٥» |
عَجَبًا لِعَزَّةَ فِي اخْتِيَارِ قَطِيعَتِي | بَعْدَ الضَّلَالِ فَحَبْلُهَا قَدْ أَخْلَقَا |
(٢). آية ٢٨٢ سورة البقرة.
(٣). آية ١٤٤ سورة البقرة.
(٤). آية ٩٥ سورة يوسف.
(٥). المفرق (كمقعد ومجلس): وسط الرأس. والعارض: صفحة الخد.
يَا رَبِ رُدَّ وَلَدِي مُحَمَّدًا | ارْدُدْهُ رَبِّي وَاتَّخِذْ عِنْدِي يَدَا |
يَا رَبِّ إِنْ مُحَمَّدٌ لَمْ يُوجَدَا | فَشَمْلُ قَوْمِي كُلِّهِمْ تَبَدَّدَا |
(٢). آية ٦٤ سورة النحل. [..... ]
أي غافلا عما يراد بك من أمر النبوة، فهداك : أي أرشدك. والضلال هنا بمعنى الغفلة، كقوله جل ثناؤه :" لا يضل ربي ولا ينسى " ١ [ طه : ٥٢ ] أي لا يغفل. وقال في حق نبيه :" وإن كنت من قبله لمن الغافلين٢ " [ يوسف : ٣ ]. وقال قوم :" ضالا " لم تكن تدري القرآن والشرائع، فهداك اللّه إلى القرآن، وشرائع الإسلام، عن الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما. وهو معنى قوله تعالى :" ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان "، على ما بينا في سورة " الشورى " ٣. وقال قوم :" ووجدك ضالا " أي في قوم ضلال، فهداهم اللّه بك. هذا قول الكلبي والفراء. وعن السدي نحوه، أي ووجد قومك في ضلال، فهداك إلى إرشادهم. وقيل :" ووجدك ضالا " عن الهجرة، فهداك إليها. وقيل :" ضالا " أي ناسيا شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح – فأذكرك، كما قال تعالى :" أن تضل إحداهما٤ " [ البقرة : ٢٨٢ ]. وقيل : ووجدك طالبا للقبلة فهداك إليها. بيانه :" قد نرى تقلب وجهك في السماء٥. . . " [ البقرة : ١٤٤ ] الآية. ويكون الضلال بمعنى الطلب ؛ لأن الضال طالب. وقيل : ووجدك متحيرا عن بيان ما نزل عليك، فهداك إليه، فيكون الضلال بمعنى التحير ؛ لأن الضال متحير. وقيل : ووجدك ضائعا في قومك، فهداك إليه، ويكون الضلال بمعنى الضياع. وقيل : ووجدك محبا للهداية، فهداك إليها، ويكون الضلال بمعنى المحبة. ومنه قوله تعالى :" قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم٦ " [ يوسف : ٩٥ ] أي في محبتك. قال الشاعر :
هذا الضلالُ أشاب مني المفرِقا | والعَارِضَيْنِ ولم أكن متحققا٧ |
عجبا لعزة في اختيار قطيعتي | بعد الضلال فحبلها قد أخلَقَا |
يا ربِّ رُدَّ ولدِي محمدا | اردده ربي واتخذ عندي يدا |
يا رب إن محمد لم يُوجدا | فشمل قومي كلهم تبدَّدَا |
قلت : هذه الأقوال كلها حسان، ثم منها ما هو معنوي، ومنها ما هو حسي. والقول الأخير أعجب إلي ؛ لأنه يجمع الأقوال المعنوية. وقال قوم : إنه كان على جملة ما كان القوم عليه، لا يظهر لهم خلافا على ظاهر الحال، فأما الشرك فلا يظن به، بل كان على مراسم القوم في الظاهر أربعين سنة. وقال الكلبي والسدي : هذا على ظاهره، أي وجدك كافرا والقوم كفار فهداك١٠. وقد مضى هذا القول والرد عليه في سورة " الشورى " ١١. وقيل : وجدك مغمورا بأهل الشرك، فميزك عنهم. يقال : ضل الماء في اللبن، ومنه " أئذا ضللنا في الأرض١٢ " [ السجدة : ١٠ ] أي لحقنا بالتراب عند الدفن، حتى كأنا لا نتميز من جملته. وفي قراءة الحسن " ووجدك ضالٌ فهدى " أي وجدك الضال فاهتدى بك، وهذه قراءة على التفسير. وقيل :" ووجدك ضالا " لا يهتدي إليك قومك، ولا يعرفون قدرك، فهدى المسلمين إليك، حتى آمنوا بك.
٢ آية ٣ سورة يوسف..
٣ آية ٥٢ راجع جـ ١٦ ص ٥٥..
٤ آية ٢٨٢ سورة البقرة..
٥ آية ١٤٤ سورة البقرة..
٦ آية ٩٥ سورة يوسف..
٧ المفرق (كمقعد ومجلس): وسط الرأس. والعارض: صفحة الخد..
٨ آية ٤٤ سورة النحل..
٩ آية ٦٤ سورة النحل..
١٠ مثل هذه الأقوال لا يصح نسبتها إلى سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه، ولا لأحد من الأنبياء؛ لأن العصمة ثابتة لهم قبل النبوة وبعدها، من الكبائر والصغائر على الصحيح..
١١ راجع جـ ١٦ ص ٥٥ فما بعدها..
١٢ آية ١٠ سورة السجدة..
. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْقَوْلُ وَالرَّدُّ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ" الشُّورَى" «٢». وَقِيلَ: وَجَدَكَ مَغْمُورًا بِأَهْلِ الشِّرْكِ، فَمَيَّزَكَ عَنْهُمْ. يُقَالُ: ضَلَّ الماء في اللبن، ومنه أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ «٣» [السجدة: ١٠] أَيْ لَحِقْنَا بِالتُّرَابِ عِنْدَ الدَّفْنِ، حَتَّى كَأَنَّا لَا نَتَمَيَّزُ مِنْ جُمْلَتِهِ. وَفِي قِرَاءَةِ الْحَسَنِ وَوَجَدَكَ ضَالٌّ فَهَدَى أَيْ وَجَدَكَ الضَّالُّ فَاهْتَدَى بِكَ، وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى التَّفْسِيرِ. وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ ضَالًّا لَا يَهْتَدِي إِلَيْكَ قَوْمُكَ، وَلَا يَعْرِفُونَ قَدْرَكَ، فَهَدَى الْمُسْلِمِينَ إِلَيْكَ، حَتَّى آمَنُوا بِكَ.
[سورة الضحى (٩٣): آية ٨]
وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨)
أَيْ فَقِيرًا لَا مَالَ لَكَ. فَأَغْنى أَيْ فَأَغْنَاكَ بِخَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، يُقَالُ: عَالَ الرَّجُلُ يَعِيلُ عَيْلَةً: إِذَا افْتَقَرَ. وَقَالَ أُحَيْحَةُ بْنُ الْجُلَاحِ:
فَمَا يَدْرِي الْفَقِيرُ مَتَى غِنَاهُ | وَمَا يَدْرِي الْغَنِيُّ مَتَى يَعِيلُ |
اللَّهُ أَنْزَلَ فِي الكتاب فريضة | لابن السبيل وللفقير العائل |
(٢). راجع ج ١٦ ص ٥٥ فما بعدها.
(٣). آية ١٠ سورة السجدة.
[سورة الضحى (٩٣): الآيات ٩ الى ١١]
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)
فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ) أَيْ لَا تُسَلَّطْ «١» عَلَيْهِ بِالظُّلْمِ، ادْفَعْ إليه حقه، واذكر يتمك، قاله الْأَخْفَشُ. وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ: بِمَعْنًى. وَعَنْ مُجَاهِدٍ فَلا تَقْهَرْ فَلَا تَحْتَقِرُ. وَقَرَأَ النَّخَعِيُّ وَالْأَشْهَبُ الْعُقَيْلِيُّ" تَكْهَرْ" بِالْكَافِ، وَكَذَا هُوَ فِي مُصْحَفِ ابْنِ مَسْعُودٍ. فَعَلَى هَذَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَهْيًا عَنْ قَهْرِهِ، بِظُلْمِهِ وَأَخْذِ مَالِهِ. وَخَصَّ الْيَتِيمَ لِأَنَّهُ لَا نَاصِرَ لَهُ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى، فَغَلَّظَ فِي أَمْرِهِ، بِتَغْلِيظِ الْعُقُوبَةِ عَلَى ظَالِمِهِ. وَالْعَرَبُ تُعَاقِبُ بَيْنَ الْكَافِ وَالْقَافِ. النَّحَّاسُ: وَهَذَا غَلَطٌ، إِنَّمَا يُقَالُ كَهَرَهُ: إِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِ وَغَلُظَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ، حِينَ تَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ بِرَدِّ السَّلَامِ، قَالَ: فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي! مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ- يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي، وَلَا ضَرَبَنِي، وَلَا شَتَمَنِي... الْحَدِيثَ. وَقِيلَ: الْقَهْرُ الْغَلَبَةُ. وَالْكَهْرُ: الزَّجْرُ. الثَّانِيَةُ- وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى اللُّطْفِ بِالْيَتِيمِ، وَبِرِّهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، حَتَّى قَالَ قَتَادَةُ: كُنْ لِلْيَتِيمِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ، فَقَالَ: (إِنْ أَرَدْتُ أَنْ يَلِينَ، فَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ، وَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ). وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (أَنَا وكافل اليتيم له أو لغيره كهاتين).
(٢). القلب (بضم وسكون) السوار.
(٣). القائل هو أبو هارون العبدي.
: كَبِّرْ حَتَّى تَخْتِمَ. وَأَخْبَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى مُجَاهِدٍ، وَأَخْبَرَهُ مُجَاهِدٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَمَرَهُ بِذَلِكَ، وَأَخْبَرَهُ أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِذَلِكَ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَمْ يخرجاه.