تفسير سورة لقمان

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة لقمان من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة لقمان مكية
قيل إلا ثلاثا من قوله :﴿ ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلاما ﴾
وهي أربع وثلاثون آية وأربع ركوعات

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ الم تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴾ المشتمل على الحكم، أو المحكم آياته قيل : وصف كتاب الله بصفة الله على الإسناد المجازي،
﴿ هُدًى ﴾ حال١ عن الآيات، ﴿ وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ ﴾
١ العامل فيها ما في تلك من معنى أي: أشير إلى آياته حال كونها هدى ورحمة /١٢ جلالين مع الكاملين..
﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ : أيقنوا بالدار الآخرة، والجزاء فيها فرغبوا إلى الله وأخلصوا العمل،
﴿ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ١ : في الدارين،
١ ولما وصف القرآن بأنه مشتمل على الحكم فمن تمسك به فهو حكيم، ومن أعرض عنه فهو سفيه ذكر على سبيل التعجب فقال: ﴿ومن الناس﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ١ الْحَدِيثِ ﴾، من٢ يحب الغناء ويختاره، والمزامير على حديث الحق أو يشتري المغنيات ويرغب الناس في سماعها أي : ذات لهم الحديث أو نزلت في من٣ اشترى كتب أخبار سلاطين العجم، ويحدث بها قريشا فيختارون استماعه على استماع القرآن، ﴿ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ : عن دينه، ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ حال من فاعل يضل قال قتادة رضي الله عنه، بحسب المرء من الجهل أن يختار حديث الباطل على الحق أو يشريه بغير علم بالتجارة٤ وبغير بصيرة، ﴿ وَيَتَّخِذَهَا ﴾ أي : سبيل الله، ﴿ هُزُوًا ﴾ : سخرية، ﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ : لإهانتهم٥ الحق،
١ لهو الحديث قال القرطبي: إن أولى ما قيل في هذا الباب هو تفسير لهو الحديث بالغناء قال: وهو قول الصحابة والتابعين، وعن ابن عباس - رضي الله عنه- قال: هو الغناء وأشباهه، أخرجه البخاري في الأدب المفرد وعن ابن مسعود - رضي الله عنه- قال: هو والله الغناء والله الذي لا إله إلا هو يرددها ثلاث مرات [أخرجه الحاكم (٢/٤١١) وصححه] قال الطبري: قد أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه وإنما فارق الجماعة إبراهيم بن سعد، وعبد الله العنبري قال الشوكاني في نيل الأوطار بعد نقل الاختلاف فيه من الأدلة: لا يخفى على الناظر أن محل النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام يخرج عن دائرة الاشتباه والمؤمنون وقافون عند الشبهات كما صرح به الحديث الصحيح، (ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه) [جزء من حديث أخرجاه في الصحيحين] ولاسيما إذا كان مشتملا على ذكر القدود والخدود والجمال والدلال والهجر والوصال ومعاقرة العقار وخلع العذار والوقار فإن سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية وإن كان من التصلب في ذات الله على حد يقصر عنه الوصف وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطول وأسير الهموم غرامه وهيامه مكبول نسأل الله السداد والثبات /١٢ فتح..
٢ رواه الحاكم وصححه عن ابن مسعود /١٢ كمالين..
٣ وهو النضر بن الحارث /١٢ جلالين..
٤ بالتجارة وبغير بصيرة بالبيع والشراء حيث استبدل الضلال بالهدى /١٢ وجيز..
٥ بالسخرية /١٢..
﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى ﴾ : أعرض عنها، ﴿ مُسْتَكْبِرًا ﴾ متكبرا، ﴿ كَأَن ﴾ أي : كأنه، ﴿ لَّمْ يَسْمَعْهَا ﴾، حال أي : مشابها حاله بحاله أو استئناف، ﴿ كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ﴾، ثقلا مانعا عن الاستماع بدل من كان أو حال من فاعل لم يسمع أو استئناف، ﴿ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ فيه تهكم١،
١ فإن من قال البشارة تستعمل في ما لا يسر أيضا يسلم أن المتبادر منها السرور وضمير ليشتري ويضل محمول على لفظ من، وفي أولئك لهم حمل على المعنى ثم في عليه وفيما بعده على اللفظ /١٢ وجيز..
﴿ إِنَّ١ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ ﴾ مصدر مؤكد لنفسه، ﴿ حَقًّا ﴾ مؤكد لغيره، ﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ ﴾ : الغالب المطلق، ﴿ الْحَكِيمُ ﴾ : في أفعاله،
١ لما بين سبحانه وتعالى من يعرض عن الآيات بين حال من يقبل عليها فقال: ﴿إن الذين آمنوا﴾ الآية /١٢ فتح..
﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ : صفة لعمد يعني لها عمد غير مرئية أو استئناف أي : ترونها لا عمد لها، ﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ ﴾ : جبالا شوامخ، ﴿ أَن تَمِيدَ ﴾ كراهة أن تميد ﴿ بِكُمْ ﴾ فإن الأرض كانت تضطرب قبل خلق الجبال، فلا يمكن السكون على وجهها، ﴿ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ : من كل صنف كثير النفع،
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ ﴾ : مخلوقه، ﴿ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ﴾ أي : آلهتكم حتى استوجبوا عندكم عبادتها ونصب ماذا بخلق أو ماذا مبتدأ وخبر أي : ما الذي خلق وحينئذ أو أروني معلق عنه، ﴿ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ﴾، أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بضلال ليس بعده ضلال.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ ﴾ الأصح، بل الصحيح أنه١ ما كان نبيا، بل كان عبدا صالحا أدرك داود عليه السلام، وعن كثير من السلف : إنه عبد أسود٢ آتاه الله تعالى الحكمة، وعن بعض : إن الله خيره بين النبوة، والحكمة، فاختار الحكمة فإن فيها السلامة، ﴿ أَنِ اشْكُرْ ﴾، أي : لأن أو مفسرة فإن إيتاء الحكمة في معنى القول، ﴿ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ : نفعه لا يعود إلا إليه، ﴿ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ ﴾ : لا يحتاج إلى شيء، ﴿ حَمِيدٌ ﴾ : حقيق بالحمد وإن لم يحمده أحد،
١ واتفقوا عليه إلا عكرمة فإنه قال: كان لقمان نبيا، وتفرد بهذا القول /١٢ كمالين..
٢ روي أنه تعجب شخص من وجاهته عند الخلق مع أنه أسود غليظ الشفتين فقال: غضي لبصري وكفي لساني وتركي ما لا يعنيني صيرني كما تراني /١٢ وجيز. وقد حكى الله سبحانه من مواعظه لابنه ما حكاه وفيه كفاية، وما عدا ذلك مما لم يصح فليس في ذكره إلا شغلة للخير وقطيعة للوقت، ولم يكن نبيا حتى يكون ما نقل عنه شرع من قبلنا ولا صح إسناد ما روي عنه من الكلمات حتى يكون ذكر ذلك من تدين وكلام الحكمة التي هي ضالة المؤمن /١٢ فتح..
﴿ وَإِذْ قَالَ١ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيّ ﴾َ، تصغير إشفاق، ﴿ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾، نقل أن ابنه وامرأته كانا كافرين فما زال بهما حتى أسلما،
١ أي اذكر إذ قال حتى تعرف من كلامه وحكمته /١٢ وجيز..
﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ : برعيتهما، ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ١ : تضعف ضعفا فوق ضعف أو ذات٢ وهن على وهن، ﴿ وَفِصَالُهُ ﴾ : فطامه، ﴿ فِي عَامَيْنِ ﴾، أي : في انقضائهما، وذلك أقصى مدة الرضاع عطف على الجملة الحالية التي هي تهن وهنا على٣ وهن لما وصى بالوالدين ذكر ما تكابده الأم من المتاعب في حمله، وفصاله إيجابا للتوصية بها خصوصا، ﴿ أَنِ اشْكُرْ ﴾ تفسير لوصينا أو علة له٤، ﴿ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ فأجازيك٥،
١ عن ابن عباس رضي الله عنه شدة بعد شدة /١٢ وجيز..
٢ على الوجه الأول، وهنا مصدر لفعله المحذوف، والجملة حالية وعلى الثاني وهنا حال مفرد بتقدير مضاف /١٢ منه..
٣ عطف الاسمية على الفعلية /١٢ وجيز..
٤ فإني موجدك وهما واسطتان /١٢ وجيز..
٥ فأجازيك في شكرك عن ابن عيينة –رضي الله عنه- في هذه الآية: من صلى الخمس فقد شكر الله، ومن دعا للوالدين في أدبار الصلوات الخمس فقد شكر الوالدين /١٢ منه ووجيز..
﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ ﴾ : بالغاك وحرضاك، ﴿ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ أي : ما ليس بإله يعني : ما ليس لك علم باستحقاقه للإشراك تقليدا للوالدين ف ( ما ليس ) مفعول تشرك، ﴿ فَلَا تُطِعْهُمَا ﴾ : في ذلك، ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ أي : صحابا معروفا مشروعا حسنا بخلق١ جميل وحلم وبر ومروة، ﴿ وَاتَّبِعْ ﴾ : في دينك، ﴿ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ ﴾ : رجع، ﴿ إِلَيَّ ﴾ : بالتوحيد والطاعة، ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ أي : المولود والوالدين، ﴿ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ : بجزاء عملكم والآيتان أعني : ووصينا إلى هنا وقعتا في أثناء وصية لقمان على سبيل الاستطراد٢ تأكيدا لما في وصيته من النهي عن الشرك، وقد نقل أنهما نزلتا حين قالت أم سعد لسعد حين أسلم : لتدعن دينك أو لأدع الطعام والشراب حتى أموت، فأجاب : والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا بشيء إن شئت كلي وإن شئت لا تأكلي،
١ وكفى بهما وصية إنهما إن أمرا بالشرك فليس عليه سوى اللين والكلام الطيب مثل أن يقول: هل ترضين يا أمي الشقاوة لي والعذاب المخلد، ومثل ذلك / ١٢وجيز..
٢ وفيها تشديد وتأكيد لاتباع الوالد والوالدة، والنهي عن الشرك والصحيح أن هذه الآية وآية العنكبوت نزلتا في سعد بن أبي وقاص، وعن جماعة من السلف الآيتان مما أوصى به لقمان لابنه أخبر الله عنه بذلك بعبارته المنسوبة إلى نفسه الأقدس وقيل: من كلام الله قاله للقمان يعني: وقلنا له ووصينا /١٢ وجيز..
﴿ يَا بُنَيَّ إِنَّهَا ﴾ أي : الخصلة السيئة قيل : إن لقمان قال١ ذلك في جواب ابنه حين قال له : إن عملت خطيئة حيث لا يراني أحد كيف يعلمها الله ؟ ﴿ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ٢ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ ﴾ : في أخفى مكان وأحرزه، وعن بعض٣ إن المراد منها : صخرة تحت الأرضين السبع وهي التي يكتب فيها أعمال الفجار، ﴿ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ ﴾، أو في أعلى مكان أو أسفله، ﴿ يَأْتِ٤ بِهَا اللَّهُ ﴾ : يحضرها يوم القيامة للجزاء، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ : يصل عمله إلى كل٥ خفي،
١ نقله محيي السنة عن قتادة /١٢ منه..
٢ في موقع الصفة لحبة..
٣ نقله السدي عن ابن مسعود –رضي الله عنه- وابن عباس –رضي الله عنه- وجماعة من الصحابة /١٢منه..
٤ جواب لـ (إن) /١٢..
٥ فإنه هو خالقه وحافظه /١٢..
﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ : من الشدائد، ﴿ إِنَّ ذَلِكَ ﴾ : الصبر أو المذكور كله، ﴿ مِنْ عَزْمِ١ الْأُمُورِ ﴾ أي : مما عزمه الله أي قطعه وأوجبه من الأمور، وهو مصدر للمفعول أي من معزوماتها أو مفروضاتها،
١ جاز أن يكون المصدر بمعنى اسم الفاعل أي: من عازمات الأمور من قوله تعالى: ﴿فإذا عزم الأمر﴾ [محمد: ٢١]: نحو جد الأمر وصدق القتال /١٢ منه. وفي الوجيز وقد ورد (إن الله يحب أن يعمل برخصه كما يجب أن يعمل بعزائمه) [صحيح، بنحوه في صحيح الجامع (١٨٨٥)، والإرواء] بمعنى مفروضاته..
﴿ وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ ﴾ : لا تمله، ﴿ لِلنَّاسِ ﴾، كما يعمله المتكبرون، يعني : لا تعرض عن الناس بوجهك إذا كلموك تكبرا، ﴿ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾ أي : لا تمرح مرحا أو للمرح والبطر كما قال تعالى :﴿ ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ﴾ [ الأنفال : ٤٧ ]، ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ ﴾ : ذي تكبر، ﴿ فَخُورٍ ﴾ : يفتخر١ على الناس، ولا يتواضع
١ على الناس ولهذا دعا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بـ ﴿اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين﴾ [صحيح، انظر صحيح الجامع (١٢٦١) /١٢ وجيز..
﴿ وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾ : توسط بين الدبيب والإسراع، ﴿ وَاغْضُضْ١ : وانقص وأقصر، ﴿ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ ﴾ : أوحشها، ﴿ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ أي : لصوت ذلك الجنس من الحيوان، فإنه صوت رافع لا فائدة فيه.
١ وكانت العرب تفتخر بجهارة الصوت /١٢ وجيز..
﴿ أَلَمْ تَرَوْا١ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ ﴾ : بأن جعله أسباب منافعكم، ﴿ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ ﴾ : أوفى وأتم، ﴿ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً ﴾ : محسوسة وما تعرفونه، ﴿ وَبَاطِنَةً ﴾ : معقولة وما لا تعرفونه، ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ ﴾ أي : مع هذا بعض الناس يجادل في صفاته وإرساله للرسل، ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ غير مستند بحجة عقلية، ﴿ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴾ أي : ولا نقلية من اتباع رسول وكتاب واضح مضيء، بل قلدوا جهالهم كما قال :
١ ولما كانت السورة لاتباع القرآن الآمر بالتوحيد وحسن الأخلاق وأتى بحكاية لقمان، فإنه مقدم على نزول القرآن وهو أمر بما أمر به القرآن رجع إلى دليل وجوب اتباع كلامه فقال: ﴿ألم تروا أن الله﴾ الآية /١٢ وجيز..
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ : أيتبعونهم ويقلدونهم ؟ ولو كان الشيطان يدعوهم إلى جهنم !
﴿ وَمَن يُسْلِمْ١ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ ﴾ : انقاد لأوامر الله وتوكل عليه، ﴿ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ : في عمله باتباع الشرع، ﴿ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ : اعتصم بأوثق حبل، مثل حال المتوكل المطيع بحال من أراد أن يتدلى من شاهق فاستمسك بأوثق عروة من حبل مأمون انقطاعه، ﴿ وإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ : مرجعها إليه،
١ معنى أسلم إن استعمال مع اللام الإخلاص نحو: ﴿بلى من أسلم وجهه لله﴾ [البقرة: ١١٢]، وإن استعمال مع إلى فإنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى أحد والمراد التوكل /١٢ منه وكذا في الوجيز..
﴿ وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُ ﴾، فإنه بإرادتنا ولا يضرك، ﴿ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ﴾ يعني : لا يضرك كفرهم، ونحن ننتقم منهم فعليهم ضره، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ : فيجازيهم عليه فضلا عن أعمالهم الظاهرة،
﴿ نُمَتِّعُهُمْ ﴾ : زمانا، ﴿ قَلِيلًا ﴾ أو تمتيعا قليلا، ﴿ ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ ﴾ : نلجئهم في الآخرة، ﴿ إِلَى عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ : شديد ثقيل على المعذب،
﴿ وَلَئِن١ سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾، إذ قامت الحجة عليكم باعترافكم، ﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ : أن ذلك إلزام لهم،
١ يعني: هم لا يتبعون رسولنا ولا كتابنا ووالله إن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله فهم معترفون بأنه هو الخالق مضطرون إلى هذا الجواب الحق، قل الحمد لله إذ قامت الحجة عليكم باعترافكم، بل أكثرهم لا يعلمون أن هذا اعتراف على ضلالهم وانتهى جهلهم إلى أن لا يعلمون موقع الحمد في هذا المقام /١٢ وجيز..
﴿ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ ﴾ المطلق لا يحتاج إلى عبادة عابد، ﴿ الْحَمِيدُ ﴾ : المستحق للحمد وإن لم يحمد،
﴿ وَلَوْ١ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ ﴾، عطف على محل ( أن ما في الأرض ) فإنه في المعنى فاعل لثبت المقدر بعد لو، ﴿ يَمُدُّهُ ﴾ أي : البحر وهو حال أو البحر مبتدأ ويمده خبره، والواو للحال من غير ضعف، ﴿ مِن بَعْدِهِ ﴾ أي : بعد ذلك البحر، ﴿ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ﴾، فاعل يمده وهي للتكثير لا للحصر، وقد نقل أن في العالم سبعة أبحر محيطة بالعالم، ﴿ مَّا نَفِدَتْ٢ كَلِمَاتُ اللَّهِ ﴾ يعني لو ثبت أن أشجار الأرض أقلام، والبحر ممدود بسبعة أبحر وكتبت بتلك الأقلام وبذلك المداد كلمات علم الله وحكمته لما نفدت ونقدت الأقلام والمداد وهو كقوله٣ :
( نعم العبد صهيب لو لم يخف لم يعصه )٤ نزلت حين قال أحبار اليهود : يا محمد بلغنا أنك تقول، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أفعنيتنا أم قومك ؟ فقال : كلا، فقالوا : إنك تتلوا إنا قد أوتينا التوراة، وفيها تبيان كل شيء، فقال عليه السلام : هي في علم الله قليل، وقد آتاكم ما إن علمتم به انتفعتم، وهذا يقتضي أن الآية مدنية، والمشهور أنها مكية، قال بعض السلف : أمر اليهود وفد قريش أن يسألوه وهو بمكة، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ : لا يعجزه شيء، ﴿ حَكِيمٌ ﴾ : في جميع شئونه،
١ ولما أثبت أنه غني حميد أخذ يبين أن لا حدّ لغناه، ولا ضبط ولا حصر لمعلوماته الموجبة لحمده فقال: ﴿ولو أن ما في الأرض﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ قوله تعالى: ﴿ما نفدت كلمات الله﴾ فكلمات الله لا نهاية لها فإن قيل هذا تسلسل، فيقال: هذا ليس تسلسلا في الفاعلين والعلل الفاعلية، فإن هذا ممتنع باتفاق العقلاء، بل هو تسلسل في الآثار والأفعال وحصول شيء بعد شيء وهذا محل النزاع، فالسلف يقولون: لم يزل متكلما إذا شاء وكما شاء، وقد قال تعالى: ﴿قل لو كان البحر﴾ إلى ﴿ولو جئنا بمثله مددا﴾ فكلمات الله لا نهاية لها، وهذا تسلسل جائز كالتسلسل في المستقبل، فإن نعيم الجنة دائم لا نفاد له فما من شيء إلا وبعده شيء بلا نهاية /١٢ شيخ الإسلام، وقال الحافظ ابن القيم في النونية:
فلئن زعمتم أن ذاك تسلسل قلنا صدقتم وهو ذو إمكان
كتسلسل التأثير في مستقبل هل بين ذينك قط من فرقان
والله ما افترقا لدى عقل ولا نقل ولا نظر ولا برهان
في سلب إمكان ولا في ضده هذي العقول ونحن ذو أذهان
فليأت بالفرقان من هو فارق فرقا يبين لصالح الأذهان
إلى أن قال:
فلئن سألت وقلت ما هذا الذي إذا هم بخلاف ذا التبيان
ولأي شيء لم يقولوا إنه *** سبحانه هو دائم الإحسان
فاعلم بأن القوم لما أسسوا أصل الكلام عموا عن القرآن
وعن الحديث ومقتضى المعقول بل عن فطرة الرحمن والبرهان
بنوا قواعدهم عليه فقادهم *** قسرا إلى التعطيل والبطلان
نفي القيام لكل أمر حادث *** بالرب خوف تسلسل الأعيان
فيسد ذاك عليهم في زعمهم إثبات صانع هذه الأكوان
إذا أثبتوه بكون الأجسام حا دثة فلا تنفك عن حدثان
فإذا تسلسلت الحوادث لم يكن لحدوثها إذ ذاك من برهان
فلأجل ذا قالوا التسلسل باطل والجسم لا يخلو عن الحدثان
إلى أن قال:
هذا الدليل هو الذي أرداهم بل هد كل قواعد القرآن
وهو الدليل الباطل المردود عنه أئمة التحقيق والعرفان
مازال أمر الناس معتدلا إلى أن دار في الأوراق والأذهان
وتمكنت أجزاؤه بقلوبهم فأتت لوازمه إلى الإيمان
رقعت قواعده ونحت أسه *** فهوى البناء فخر للأركان
إلى أن قال:
أيكون حقا ذا الدليل وما اهتدى *** خير القرون محال ذان
وفقتموا للحق إذا حرموه في أصل اليقين ومقعد العرفان
وهديتمونا للذي لم يهتدوا *** أبدا به وأشدة الحرمان
وخلتم للحق من باب وما دخلوه واعجبا لذي الخذلان
وسلكتموا طرق الهدى والعلم دون القوم واعجبا لذا البهتان
وعرفتم الرحمن بالأجسام *** والأعراض والحركات والألوان
وهم عرفوه منها بل من الآيات وهي فغير ذي برهان
الله أكبر أنتم أو هم على حق وفي غي وفي خسران
دع ذا أليس الله قد أبدى لنا حق الأدلة وهي في القرآن
متنوعات صرفت وتظاهرت في كل وجه فهي ذوا أفنان
معلومة للعقل أو مشهودة للحس أو في فطرة الرحمن
إلى آخر ما بين وفصل وميز الحق عن الباطل والصواب عن الخطأ فجزاه الله خير الجزاء /١٢..

٣ بيانه أن ما هو علة للنفاد لو وجد يكون علة لعدم النفاد فكيف لو لم يوجد علة للنفاد! فافهم /١٢ منه..
٤ ذكره العجلوني في (كشف الخفاء) (٢/٣٩١) وقال: (اشتهر في كلام الأصوليين وأصحاب المعاني وأهل العربية من حديث عمر، وبعضهم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم-، وذكره البهاء السبكي أنه لم يظفر به بعد البحث، وكذا كثير من أهل اللغة، لكن نقل في المقاصد عن الحافظ ابن حجر أنه ظفر به في مشكل الحديث لابن قتيبة من غير إسناد..
﴿ مَّا خَلْقُكُمْ١ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ أي : إلا كخلق نفس واحدة وبعثها، فإنه يكفي في الكل تعلق الإرادة، ﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ : يسمع ويبصر كل مسموع ومبصر لا يشغله شأن عن شأن٢،
١ ولما بالغ في عدم تناهي علمه شرع يبالغ في قدرته، فقال: ﴿ما خلقكم﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ كذلك الخلق والبعث /١٢..
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾ : فيطول النهار ويقصر الليل، ﴿ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ ﴾ : منهما، ﴿ يَجْرِي ﴾ : في فكله، ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ : إلى وقت معين الشمس إلى آخر السنة، والقمر إلى آخر الشهر، أو الأجل المسمى يوم القيامة فحينئذ ينقطع جريهما، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ذَلِكَ ﴾ أي : اختصاصه تعالى بسعة العلم، وشمول القدرة، وعجائب الصنع، ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾ بسبب أنه الثابت إلاهيته، ﴿ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ ﴾ : إلاهيته، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير ﴾ مترفع ومتسلط على كل شيء أو معناه ذلك الذي أوحى إليك بسبب بيان أنه هو الحق وأن إلها غيره باطل وأنه علي كبير أن يشرك به.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٢٩:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾ : فيطول النهار ويقصر الليل، ﴿ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ ﴾ : منهما، ﴿ يَجْرِي ﴾ : في فكله، ﴿ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ : إلى وقت معين الشمس إلى آخر السنة، والقمر إلى آخر الشهر، أو الأجل المسمى يوم القيامة فحينئذ ينقطع جريهما، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ذَلِكَ ﴾ أي : اختصاصه تعالى بسعة العلم، وشمول القدرة، وعجائب الصنع، ﴿ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾ بسبب أنه الثابت إلاهيته، ﴿ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ ﴾ : إلاهيته، ﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِير ﴾ مترفع ومتسلط على كل شيء أو معناه ذلك الذي أوحى إليك بسبب بيان أنه هو الحق وأن إلها غيره باطل وأنه علي كبير أن يشرك به.
﴿ أَلَمْ١ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَة اللَّهِ ﴾ : برحمته وإحسانه، ﴿ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ أي : لكل مؤمن فقد ورد ( الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر٢ ) أو لأن كون الفلك وأحوالها آية لا يدري كما هي إلا كثير الصبر والشكر ممن ركبها فلم يقلق فيها وتأمل في غرائبها ثم إذا خرج منها ما كفر،
١ ولما تم قدرته في السماء شرع في بيان قدرته في الأرض فقال: ﴿ألم تر أن الفلك﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ صبر عن المألوف وشكر على المعروف [وهو ضعيف جدا، وراجع الضعيفة] /١٢ وجيز..
﴿ وَإِذَا غَشِيَهُم ﴾ : علاهم، ﴿ مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ ﴾ : كالجبال والسحاب، ﴿ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ : لا يدعون معه غيره تركوا التقليد واتبعوا الفطرة، ﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ﴾ : متوسط في العمل لا يعمل بكل ما عهد ولا يترك كله، ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ ﴾، الختر : أشد الغدر، ﴿ كَفُورٍ ﴾ للنعم والحاصل أن الناجي من البحر قسمان قسم بين بين، وقسم ينكر نعم الله، وأما العامل بجميع ما عهد فقليل نادر،
﴿ يَا أَيُّهَا١ النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَّا يَجْزِي ﴾ : لا يقضي، ﴿ وَالِدٌ٢ عَن وَلَدِه ﴾ : فيه، ﴿ وَلَا مَوْلُودٌ٣ مبتدأ، ﴿ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾، خبره قيل : تغيير للأسلوب بطريق التأكيد لقطع أطماع المؤمنين أن ينفعوا آبائهم الكفرة في الآخرة فإن آباء أكثر الصحابة ماتوا على الجاهلية، ﴿ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ ﴾ : بالجزاء، ﴿ حَقٌّ ﴾ : لا يمكن خلفه، ﴿ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ : الشيطان فينسيكم عقابه ويطمعكم في رحمته بلا طاعة،
١ ولما ذكر من أول السورة دلائل التوحيد والبعث شرع في النصح والموعظة فقال: ﴿يا أيها الناس﴾ الآية /١٢ وجيز..
٢ ولما كان الوالد أشفق على الولد من الولد على أبيه بدأ به وشفقته متجددة في الأحوال فنفى شفقته المتجددة بصيغة المضارع /١٢ وجيز..
٣ أتى بصيغة اسم الفاعل الدال على الثبوت والثبوت يصدق بالمرة الواحدة والوالد يطلق على ولد الولد لكن المولود لا يطلق إلا على من ولد منك ففيه أن أحدكم لو شفع لأبيه لم تقبل فضلا أن يشفع لجده، وشيئا يحتمل أن يكون من باب التنازع للا يجزى ولجاز /١٢ وجيز..
﴿ إِنَّ اللَّهَ١ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ ﴾ : علم وقت قيامها عنده لا يعلمه غيره وعنده خبر علم الساعة والجملة خبر إن، ﴿ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ ﴾، الظاهر أنه عطف على خبر إن ولا شبهة أن المقصود اختصاص هذا العلم لا محض القدرة على الإنزال واسم الله الجامع إذا وقع مسند إليه ثم بنى عليه الخبر على إرادة تقوى الحكم أفاد تخصيصا لا سيما إذا كان عطفا على المختص كما حققه الزمخشري في مواضع، ﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ﴾ : أنه ذكر أو أنثى لا يعلم أحد وقت نزول الغيث إلا عند أمر الله به فإنه يعلم حينئذ الملك ومن شاءه من خلقه وكذلك لا يعلم أن ما في الرحم ذكر أو أنثى إلا حين ما أمر بكونه ذكر أو أنثى شقيا أو سعيدا، ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ﴾ : خيرا أو شرا عطف على جملة إن الله، أثبت اختصاصه به تعالى على سبيل الكناية على الوجه الأبلغ، ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ وإن استوفى حيلها وإذا كان حال شيء أخص به فكيف هو من معرفة ما عداهما، ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ : فلا يخفى عليه خافية، وفي الحديث ( مفاتح الغيب خمس ) وتلا هذه الآية٢.
والحمد لله رب العالين.
١ ولما أثبت قيام القيامة وكرر وبالغ بأن طول الحياة والتمتع بزينتها والشيطان لا ينسيكم اليوم طالت الأعناق إلى العلم ترقبها فقال: ﴿إن الله عنده علم الساعة﴾ /١٢ وجيز..
٢ أخرجاه في الصحيحين من حديث ابن عمر مرفوعا..
Icon