تفسير سورة لقمان

زاد المسير
تفسير سورة سورة لقمان من كتاب زاد المسير في علم التفسير المعروف بـزاد المسير .
لمؤلفه ابن الجوزي . المتوفي سنة 597 هـ
سورة لقمان
وهي مكية في قول الأكثرين. وروي عن عطاء أنه قال : هي مكية سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة، وهما قوله تعالى :﴿ وَلَوْ أَنَّ مَّا في الأرض مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ ﴾ والتي بعدها [ لقمان : ٢٧، ٢٨ ] ؛ وروي عن الحسن أنه قال : إلا آية نزلت بالمدينة، وهي قوله ﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ [ لقمان : ٤ ] لأن الصلاة والزكاة مدنيتان.

سورة لقمان
وهي مكّيّة في قول الأكثرين. وروي عن عطاء أنه قال: هي مكّيّة سوى آيتين منها نزلتا بالمدينة، وهما قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ والتي بعدها «١» وروى الحسن أنه قال: إلّا آية نزلت بالمدينة، وهي قوله تعالى: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ «٢»، لأنّ الصلاة والزّكاة مدنيّتان.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٣ الى ١٣]
هُدىً وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ (٣) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٤) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (٥) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (٧)
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خالِدِينَ فِيها وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) خَلَقَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دابَّةٍ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هذا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي ماذا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (١١) وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢)
وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)
قوله تعالى: هُدىً وَرَحْمَةً وقرأ حمزة وحده: «ورحمةٌ» بالرفع. قال الزجاج: القراءة بالنصب على الحال المعنى: تلك آيات الكتاب في حال الهداية والرحمة ويجوز الرفع على إِضمار «هو هدىً ورحمةٌ» وعلى معنى: «تلك هدىً ورحمةٌ». وقد سبق تفسير مفتتح هذه السّورة «٣» إلى قوله تعالى:
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل اشترى جارية مغنّيةً.
وقال مجاهد: نزلت في شراء القيان والمغنّيات.
(١) لقمان: ٢٧- ٢٨.
(٢) لقمان: ٤.
(٣) البقرة: ١- ٥.
429
(١١٠٢) وقال ابن السائب ومقاتل: نزلت في النَّضْر بن الحارث، وذلك أنه كان تاجراً إِلى فارس، فكان يشتري أخبار الأعاجم فيحدِّث بها قريشاً ويقول لهم: إِنَّ محمداً يحدِّثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أُحدِّثكم بحديث رستم وإِسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن، فنزلت فيه هذه الآية.
وفي المراد بلهو الحديث أربعة أقوال: أحدها: أنه الغناء، كان ابن مسعود يقول: هو الغناء والذي لا إِله إِلا هو، يُردِّدها ثلاث مرات وبهذا قال ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: اللهو: الطبل. والثاني: أنه ما ألهى عن الله تعالى: قاله الحسن، وعنه مثل القول الأول. والثالث: أنه الشِّرك، قاله الضحاك. والرابع: الباطل، قاله عطاء.
وفي معنى «يشتري» قولان: أحدهما: يشتري بماله وحديث النضر يعضده. والثاني: يختار ويستحبّ، قاله قتادة، ومطر. وإِنما قيل لهذه الأشياء: لهو الحديث، لأنها تُلهي عن ذِكْر الله تعالى.
قوله تعالى: «لِيَضِلَّ» المعنى: ليصير أمره إِلى الضلال، وقد بيَّنَّا هذا الحرف في الحج «١». وقرأ أبو رزين، والحسن، وطلحة بن مصرف، والأعمش، وأبو جعفر: لِيُضِلَّ بضم الياء، والمعنى:
لِيُضِلَّ غيره، وإِذا أضَلَّ غيره فقد ضَلَّ هو أيضاً.
قوله تعالى: وَيَتَّخِذَها قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر، وأبو بكر عن عاصم:
«ويَتَّخِذُها» برفع الذال. وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم: بنصب الذال. قال أبو علي: من نصب عطف على «لِيُضِلَّ» «ويَتَّخذ»، ومن رفع عطفه على «من يشتري» «ويتخذ». وفي المشار إليه بقوله تعالى: وَيَتَّخِذَها قولان: أحدهما: أنها الآيات. والثاني: السبيل. وما بعد هذا مفسر في مواضع قد تقدّمت «٢» إلى قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ وفيها قولان «٣» : أحدهما: الفهم والعقل، قاله الأكثرون. والثاني: النبوَّة. وقد اختُلف في نبوَّته على قولين: أحدهما: أنه كان حكيماً ولم يكن نبيّاً، قاله سعيد بن المسيب، ومجاهد، وقتادة. والثاني: أنه كان نبيّاً، قاله الشعبي، وعكرمة، والسدي. هكذا حكاه عنهم الواحدي، ولا يعرف، إِلاَّ أن هذا ممّا انفرد به عكرمة والقول الأول أصح. وفي صناعته ثلاثة أقوال: أحدها: أنه كان خيّاطاً، قاله سعيد بن المسيب. والثاني: راعياً، قاله ابن زيد. والثالث: نجاراً، قاله خالد الربعي. فأما صفته، فقال ابن عباس كان عبداً حبشيّاً. وقال سعيد بن المسيب: كان لقمان أسود من سودان مصر. وقال مجاهد: كان غليظ الشّفتين مشقّق
ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٦٧٦ عن مقاتل والكلبي بدون إسناد. وكلاهما متهم بالكذب.
__________
(١) الحج: ٩.
(٢) البقرة: ٢٥، الأنعام: ٢٥، الرعد: ١٥، النحل: ١٥، الإسراء: ٤٦، الشعراء: ٧.
(٣) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٣/ ٥٤٨: اختلف السلف في لقمان عليه السلام هل كان نبيا، أو عبد صالحا من غير نبوة؟ على قولين والأكثرون على القول بأن لقمان كان من سودان مصر، ذا مشافر، أعطاه الله الحكمة ومنحه النبوة. وقوله: وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أي: الفهم والعلم والتعبير، أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ أي أمرناه أن يشكر لله- عز وجل- على ما آتاه الله ومنحه ووهبه من الفضل الذي خصّصه به عمن سواه من أبناء جنسه وأهل زمانه.
430
القدمين، وكان قاضياً على بني إِسرائيل.
قوله تعالى: أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ المعنى: وقلنا له: أن أشكر لله على ما أعطاك من الحكمة وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ أي: إِنما يفعل لنفسه وَمَنْ كَفَرَ النِّعمة، فان الله لغنيّ عن عبادة خلقه.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ١٤ الى ١٧]
وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٥) يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (١٦) يا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٧)
قوله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ قال مقاتل: نزلت في سعد بن أبي وقاص، وقد شرحنا ذلك في العنكبوت «١». قوله تعالى: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وقرأ الضحاك، وعاصم الجحدري: «وَهَناً على وَهَنٍ» بفتح الهاء فيهما، قال الزجاج: أي: ضَعْفاً على ضَعْف. والمعنى لزمها بحَمْلها إِيَّاه أن تَضْعُف مَرَّةً بعد مرّة. وموضع «أن» نصب «بوصيّنا» المعنى: ووصَّينا الإِنسان أن أشكُر لي ولوالدَيْك، أي: وصَّيناه بشُكْرنا وشُكر والدَيه.
قوله تعالى: وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أي: فِطامُه يقع في انقضاء عامين. وقرأ إِبراهيم النخعي، وأبو عمران، والأعمش: «وفَصَالُه» بفتح الفاء. وقرأ أُبيُّ بن كعب، والحسن، وأبو رجاء، وطلحة بن مصرِّف، وعاصم الجحدري، وقتادة «وفَصْلُه» بفتح الفاء وسكون الصاد من غير ألف والمراد: التنبيه على مشقَّة الوالدة بالرَّضاع بعد الحمل.
قوله تعالى: وَإِنْ جاهَداكَ قد فسرنا ذلك في سورة العنكبوت إلى قوله تعالى: وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً قال الزجاج: أي: مُصَاحَباً معروفاً، تقول: صاحبه مُصَاحَباً ومُصَاحَبَةً، والمعروف: ما يُستحسن من الأفعال.
قوله تعالى: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ أي: مَنْ رَجَع إِليَّ وأهل التفسير يقولون: هذه الآية نزلت في سعد، فهو المخاطَب بها. وفي المراد بمَنْ أناب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه أبو بكر الصِّدِّيق، قيل لسعد: اتَّبِع سبيله في الإِيمان، هذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء. وقال ابن إِسحاق: أسلم على يَدي أبي بكر الصِّدِّيق: عثمانُ بن عفان، وطلحة، والزبير، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف. والثاني: أنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم، قاله ابن السائب. والثالث: مَنْ سلك طريق محمد وأصحابه، ذكره الثعلبي.
ثم رجع إِلى الخبر عن لقمان فقال: يا بُنَيَّ. وقال ابن جرير: وجه اعتراض هذه الآيات بين الخبرين عن وصيَّة لقمان أنَّ هذا ممَّا أوصى به لقمانُ ابنَه. قوله تعالى: إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ وقرأ
(١) العنكبوت: ٨.
نافع وحده «مِثقالُ حَبَّة» برفع اللام. وفي سبب قول لقمان لابنه هذا قولان: أحدهما: أن ابن لقمان قال لأبيه: أرأيتَ لَو كانت حبَّة في قعر البحر أكان اللهُ تعالى يعلَمُها؟ فأجابه بهذه الآية، قاله السدي.
والثاني: أنه قال: يا أبت إن عملت بالخطيئة حيث لا يراني أحد، كيف يعلَمُها الله؟ فأجابه بهذا، قاله مقاتل. قال الزجاج: من قرأ برفع المثقال مع تأنيث «تَكُ» فلأنَّ «مثقال حبَّة من خردل» راجع إِلى معنى: خردلة، فهي بمنزلة: إِن تَكُ حبَّةٌ من خردل ومن قرأ: «مثقالَ حبَّة» فعلى معنى: إِن التي سألتَني عنها إِن تَكُ مثقالَ حبَّة، وعلى معنى: إِنَّ فَعْلَة الإِنسان وإِن صغرت يأت بها الله عزّ وجلّ وقد بيَّنَّا معنى «مثقالَ حبَّة من خردل» في الأنبياء «١». قوله تعالى: فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ قال قتادة: في جبل.
وقال السدي: هي الصخرة التي تحت الأرض السابعة، ليست في السّموات ولا في الأرض. وفي قوله تعالى: يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ثلاثة أقوال: أحدها: يعلَمها الله تعالى: قاله أبو مالك. والثاني: يُظهرها، قاله ابن قتيبة. والثالث: يأت بها الله في الآخرة للجزاء عليها. إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ قال الزجاج: لَطِيفٌ باستخراجها خَبِيرٌ بمكانها. وهذا مَثَل لأعمال العباد، والمراد أنَّ الله تعالى يأتي بأعمالهم يوم القيامة، مَنْ يعمل مثقال ذَرَّة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذَرَّة شرّاً يره.
قوله تعالى: وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ أي: في الأمر المعروف والنَّهي عن المُنْكَر من الأذى.
وباقي الآية مفسّر في آل عمران «٢».
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ١٨ الى ١٩]
وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (١٨) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (١٩)
قوله تعالى: وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ قرأ ابن كثير، وابن عامر، وأبو جعفر، ويعقوب: «تُصَعِّر» بتشديد العين من غير ألف. وقرأ نافع، وحمزة، والكسائي: بألف من غير تشديد. قال الفراء: هما لغتان، ومعناهما الإِعراض من الكِبْر. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو رجاء وابن السميفع، وعاصم الجحدري: «ولا تُصْعِر» باسكان الصاد وتخفيف العين من غير ألف. وقال الزجاج: معناه: لا تُعْرِض عن الناس تكبُّراً يقال: أصاب البعير صَعَرٌ: إِذا أصابه داءٌ يَْلوي منه عُنُقه. وقال ابن عباس: هو الذي إِذا سُلِّم عليه لوى عُنُقه كالمستكبِر. وقال أبو العالية: ليكن الغنيُّ والفقير عندك في العلم سواء. وقال مجاهد: وهو الرجل يكون بينه وبين أخيه الحِنَة «٣»، فيراه فيُعرض عنه. وباقي الآية بعضه مفسر في بني إِسرائيل «٤» وبعضه في سورة النساء «٥».
قوله تعالى: وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ أي: ليكن مشيُك قصداً، لا تخيُّلاً ولا إِسراعاً. قال عطاء: امش بالوقار والسَّكينة. قوله تعالى: وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ أي: انقص منه. قال الزجاج: ومنه: غضضتُ بصري، وفلان يغضُّ من فلان، أي: يقصر به. إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ وقرأ أبو المتوكل، وابن أبي عبلة: «أنَّ أنكر الأصوات» بفتح الهمزة. ومعنى «أنكر» : أقبح تقول: أتانا فلان بوجه منكر، أي:
(١) الأنبياء: ٤٧.
(٢) آل عمران: ٢٨٦.
(٣) في «اللسان» : الحنة: هو من العداوة والإحنة: الحقد في الصدر ويقال في صدره عليّ إحنة ولا تقل حنة.
(٤) الإسراء: ٣٧.
(٥) النساء: ٣٦.
قبيح. وقال المبرِّد: تأويله: أن الجهر بالصوت ليس بمحمود، وأنه داخل في باب الصوت المنكَر، وقال ابن قتيبة: عَرَّفَهُ قُبْحَ رفْعِ الأصوات في المخاطبة والمُلاحاة «١» بقبح أصوات الحمير، لأنها عالية.
قال ابن زيد: لو كان رفع الصوت خيرا، ما جعله الله عزّ وجلّ للحمير. وقال سفيان الثوري: صياح كل شيء تسبيح لله عزّ وجلّ، إِلا الحمار، فانه ينهق بلا فائدة. فان قيل: كيف قال: «لَصَوتُ» ولم يقل:
«لأَصواتُ الحمير» ؟ فالجواب: أن لكل جنس صوتاً، فكأنه قال: إِن أنكر أصوات الأجناس صوت هذا الجنس.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ (٢٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ (٢١)
قوله تعالى: وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ أي: أَوسع َوأَكملَ نِعَمَهُ قرأ نافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: «نِعَمَهُ»، أرادوا جميع ما أنعم به. وقرأ ابن كثير، وابن عامر وحمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «نِعْمَةً» على التوحيد. قال الزجاج: هو ما أعطاهم من توحيده.
(١١٠٣) وروى الضحاك عن ابن عباس، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله! ما هذه النِّعمة الظاهرة والباطنة؟ فقال: «أمَّا ما ظهر: فالإِسلام، وما سوَّى اللهُ مِنْ خَلْقِك، وما أَفضل عليك من الرِّزق. وأمَّا ما بطن: فستر مساوئ عملك، ولم يفضحك» وقال الضحاك: الباطنة: المعرفة، والظّاهرة: حسن الصّوت، وامتداد القامة، وتسوية الأعضاء.
قوله تعالى: أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ هو متروك الجواب، تقديره فيتبعونه؟.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٢ الى ٢٧]
وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى وَإِلَى اللَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ (٢٢) وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (٢٣) نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلى عَذابٍ غَلِيظٍ (٢٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٥) لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٢٦)
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٢٧)
قوله تعالى: وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو العالية، وقتادة: «ومن
باطل. لا أصل له في المرفوع. أخرجه البيهقي في «الشعب» ٤٥٠٥ والديلمي ٧١٦٧ من حديث ابن عباس، وإسناده ضعيف جدا، له ثلاث علل: عمار بن عمرو الجنبي ضعيف وجويبر بن سعيد متروك متهم بالوضع، والضحاك لم يلق ابن عباس. والمتن باطل لا أصل له، وحسبه أن يكون موقوفا.
وانظر «تفسير الشوكاني» ١٩٣٠ بتخريجنا.
__________
(١) الملاحاة: المخاصمة والمقاولة.
يُسَلِّم» بفتح السين وتشديد اللام. وذكر المفسرون أن قوله تعالى: وَمَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ منسوخ بآية السيف، ولا يصح، لأنه تسلية عن الحُزن، وذلك لا ينافي الأمر بالقتال. وما بعد هذا قد تقدم تفسير ألفاظه في مواضع «١» إلى قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وفي سبب نزولها قولان:
(١١٠٤) أحدهما: أن أحبار اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: أرأيت قول الله تعالى: وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا «٢» إِيَّانا يريد، أم قومك؟ فقال: «كُلاً»، فقالوا: ألستَ تتلو فيما جاءك أنَّا قد أوتينا التوراة فيها تِبيانُ كل شيء؟ فقال: «إِنَّها في عِلْم الله قليل»، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس. والثاني: أن المشركين قالوا في القرآن: إِنَّما هو كلام يوشك أن يَنْفَد وينقطع، فنزلت هذه الآية، قاله قتادة.
ومعنى الآية: لو كانت شجر الأرض أقلاماً، وكان البحر ومعه سبعة أبحر مِداداً- وفي الكلام محذوف تقديره: فكُتب بهذه الأقلام وهذه البحور كلمات الله عزّ وجلّ- لتكسّرت الأقلام ونفدت البحور، ولم تنفد كلماتُ الله، أي: لم تنقطع. فأما قوله تعالى: وَالْبَحْرُ فقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «والبَحْرُ» بالرفع، ونصبه أبو عمرو. وقال الزجاج: من قرأ:
«والبَحْرَ» بالنصب، فهو عطف على «ما» المعنى: ولو أن ما في الأرض، ولو أن البحر والرفع حسن على معنى: والبحرُ هذه حالُه. قال اليزيدي: ومعنى «يَمُدُّهُ مِنْ بَعده» : يزيد فيه يقال: مُدَّ قِدْرَكَ، أي:
زِدْ في مائها، وكذلك قال ابن قتيبة: «يَمُدُّه» من المِداد، لا من الإِمداد، يقال: مَدَدْتُ دواتي بالمِداد، وأمددته بالمال والرجال.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٢٨ الى ٣٢]
ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (٢٨) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٩) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٣٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣١) وَإِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (٣٢)
قوله تعالى: ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ.
(١١٠٥) سبب نزولها أن أُبيَّ بن خلف في آخرين من قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلّم: إنّ الله عزّ وجلّ خلقنا أطواراً: نطفة، علقة، مضغة، عظاماً، لحماً، ثم تزعم أنَّا نُبْعَث خَلْقاً جديداً جميعاً في ساعة واحدة؟! فنزلت هذه الآية.
أخرجه الطبري ٢٨١٤٨ بنحوه بسند مجهول عن ابن عباس. و ٢٨٤٠١ بنحوه عن عكرمة مرسلا و ٢٨١٥٠ عن عطاء بن يسار مرسلا أيضا، فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها والله أعلم.
عزاه المصنف لمقاتل، وهو ساقط الرواية، فهذا خبر لا شيء.
__________
(١) البقرة: ٢٦٧، وهود: ٤٨، والعنكبوت: ٦١. [.....]
(٢) الإسراء: ٨٥.
ومعناها: ما خَلْقُكم أيُّها الناس جميعاً في القُدرة إِلا كخَلْق نفس واحدة، ولا بَعْثُكم جميعاً في القُدرة إِلا كبعث نفس واحدة، قاله مقاتل. وما بعد هذا قد تقدم تفسيره «١» إلى قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تجري في البحر بنِعمة الله، قال ابن عباس: من نِعَمه جريان الفُلْك لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ أي:
لِيُرِيَكم من صنعه وعجائبه في البحر، وابتغاء الرزق إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ قال مقاتل:
أي: لكل صبور على أمر الله عزّ وجلّ شَكُورٍ في نعمه.
وقوله تعالى: وَإِذا غَشِيَهُمْ يعني الكفار وقال بعضهم: هو عامّ في الكفار والمسلمين مَوْجٌ كَالظُّلَلِ قال ابن قتيبة: وهي جمع ظُلَّة، يراد أنَّ بعضه فوق بعض، فله سوادٌ من كثرته.
قوله تعالى: دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وقد سبق شرح هذا «٢»، والمعنى: فإنهم لا يذكُرون أصنامهم في شدائدهم إِنما يذكُرون الله وحده.
(١١٠٦) وجاء في الحديث أن عكرمة بن ابي جهل لمًّا هرب يوم الفتح من رسول الله صلى الله عليه وسلّم ركب البحر فأصابتهم ريح عاصف، فقال أهل السفينة: أَخْلِصوا، فان آلهتكم لا تُغْني عنكم شيئا ها هنا، فقال عكرمة: ما هذا الذي تقولون، فقالوا: هذا مكان لا ينفع فيه إِلاَّ اللهُ تعالى: فقال: هذا إِله محمد الذي كان يدعونا إِليه، لَئن لم ينجني في البحر إِلاَّ الإِخلاص ما ينجيني في البَرِّ غيرُه، ارجعوا بنا، فرجَع فأسلم.
قوله تعالى: فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: مؤمن، قاله الحسن. والثاني: مقتصد في قوله، وهو كافر، قاله مجاهد. يعني أنه يعترف بأنّ الله تعالى وحده القادر على إِنجائه وإِن كان مُضْمِراً للشِّرك. والثالث: أنه العادل في الوفاء بما عاهد اللهَ عليه في البحر من التوحيد، قاله مقاتل. فأما «الخَتَّار» فقال الحسن: هو الغدَّار. قال ابن قتيبة: الخَتْرُ: أقبح الغَدْر وأشدّه.
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ٣٣ الى ٣٤]
يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (٣٣) إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (٣٤)
قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ قال المفسرون: هذا خطاب لكفار مكة. وقوله تعالى:
لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ أي: لا يقضي عنه شيئاً من جنايته ومظالمه. قال مقاتل: وهذا يعني به
أخرجه الواحدي في «الوسيط» ٣/ ٤٤٧ من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة قال: لما كان يوم الفتح هرب عكرمة بن أبي جهل فركب البحر... فذكره. وكان قد أخرجه ٣/ ٤٤٦ من طريق أسباط بن نصر قال: زعم السدي عن مصعب بن سعد عن أبيه قال: لما كان يوم فتح مكة أمّن رسول الله صلى الله عليه وسلّم الناس إلا أربعة نفر، وقال: اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة، عكرمة، وعبد الله بن خطل، ومقيس بن صبابة، وعبد الله بن سعد بن أبي اليسر فأما عكرمة فركب البحر فأصابتهم بها...
__________
(١) آل عمران: ٢٧، الرعد: ٢، الحج: ٦٢.
(٢) يونس: ٢٢.
435
الكفار. وقد شرحنا هذا في البقرة «١». قال الزّجّاج: وقوله تعالى: هُوَ جازٍ جاءت في المصحف بغير ياء، والأصل «جازيٌ» بضمة وتنوين. وذكر سيبويه والخليل أن الاختيار في الوقف هو «جازٍ» بغير ياءٍ، هكذا وقف الفصحاء من العرب ليُعلموا أن هذه الياء تسقُط في الوصل. وزعم يونس أن بعض العرب الموثوق بهم يقف بياءٍ، ولكن الاختيار اتِّباع المصحف.
قوله تعالى: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ أي: بالبعث والجزاء فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا بزينتها عن الإِسلام والتزوُّد للآخرة وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ أي: بحِلْمه وإِمهاله الْغَرُورُ يعني: الشيطان، وهو الذي من شأنه أن يَغُرُّ. قال الزجاج: «الغَرور» على وزن الفَعول، وفَعول من أسماء المبالغة، يقال:
فلان أَكُول: إِذا كان كثير الأكل، وضَروب: إِذا كان كثير الضَّرْب، فقيل للشيطان غَرور، لأنه يَغُرُّ كثيراً. وقال ابن قتيبة: الغَرور بفتح الغين: الشيطان، وبضمها: الباطل.
قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ.
(١١٠٧) سبب نزولها أن رجلاً من أهل البادية جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلّم فقال: إِنَّ امرأتي حُبْلى، فأَخبِرني ماذا تَلِد؟ وبلدنا مُجْدِب، فأَخبِرني متى يَنزل الغيث؟ وقد علمت متى وُلدتُ، فأخبرني متى أموتُ، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد.
ومعنى الآية: «إِنَّ الله» عزّ وجلّ «عنده عِلْم الساعة» متى تقوم، لا يعلم سواه ذلك وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر: «ويُنَزِّلُ» بالتشديد، فلا يعلم أحد متى يَنزل الغيث، ألَيْلاَ أم نهاراً وَيَعْلَمُ ما فِي الْأَرْحامِ لا يعلم سواه ما فيها، أذكر أم أنثى، أبيض أو أسود وَما تَدْرِي نَفْسٌ ماذا تَكْسِبُ غَداً أخيراً أم شرّاً وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ أي: بأيِّ مكان. وقرأ ابن مسعود، وأُبيُّ بن كعب، وابن أبي عبلة: «بأيَّة أرض» بتاء مكسورة. والمعنى: ليس أحد يعلم أين مضجعه من الأرض حين يموت، أفي برٍّ أو بحر أو سهل أو جبل. وقال أبو عبيدة: يقال: بأيِّ أرض كنتَ، وبأية أرض كنت، لغتان، وقال الفراء: من قال: بأيِّ أرض، اجتزأ بتأنيث الأرض من أن يُظهر في «أيّ» تأنيثاً آخر. قال ابن عباس: هذه الخمس لا يعلمها ملَك مقرَّب ولا نبيٌّ مرسَل مصطفى. قال الزجاج: فمن ادَّعى أنه يعلم شيئاً من هذه كفر بالقرآن لأنه خالفه.
ضعيف. أخرجه الطبري ٢٨١٧٣ عن مجاهد مرسلا، والمرسل من قسم الضعيف.
__________
(١) البقرة: ٤٨.
436
Icon