مكية وهي إحدى عشر آية
أخرج الشيخان في الصحيحين وغيرهما عن جندب بن عبد الله قال : اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة وليلتين فقالت امرأة يا محمد ما أرى لشيطانك إلا قد تركك فأنزل الله تعالى :﴿ والضحى ١ والليل إذا سجى ٢ ما ودَّعك ربك وما قلى ٣ ﴾ وقال البغوي قال يعني جندب أن امرأة التي قالت ذلك أم جميل امرأة أبي لهب، وأخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال : مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم أياما لا ينزل عليه الوحي فقالت أم جميل امرأة أبي لهب ما أرى صاحبك إلا قد ودعك وقلاك فأنزل الله تعالى والضحى الآيات، وأخرج سعيد بن منصور وغيره عن جندب قال : أبطأ جبرائيل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال المشركون قد ودع محمد فنزلت وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن شداد أن خديجة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : ما أرى ربك إلا قد قلاك مما ترى من جزعك فنزلت وكلاهما مرسل ورجالهما ثقات قال الحافظ ابن حجر والذي يظهر أن كلا من أم جميل وخديجة قالت ذلك لكن أم جميل قالت شماتة وخديجة قالت توجعا، وأخرج ابن شيبة والطبراني بسند فيه من لا يعرف عن حفص بن ميسرة القرشي عن أمه عن أمها وكانت خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جروًا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال : يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ جبرائيل لا يأتيني فقلت في نفسي لو نقيت البيت وكنسته فأهويت بالكناسة تحت السرير فأخرجت الجرو فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه أخذته الرعد فأنزل الله والضحى إلى قوله ترضى، قال الحافظ ابن حجر قصة إبطاء جبرائيل بسبب الجرو مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب بل شاذ مردود كما في الصحيح، قال البغوي في مدة احتباس الوحي عنه اختلاف فقال ابن جريج اثني عشر يوما وقال مقاتل أربعون يوما فقال المشركون إن محمد أو دعه ربه وقلاه، فأنزل الله تعالى هذه السورة كذا أخرج ابن مردويه عن ابن عباس فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبرائيل ما جئت اشتقت إليك، فقال جبرائيل إني كنت أشد شوقا إليك ولكني عبد مأمور بما أنزل الله وما نتنزل إلا بأمر ربك
ﰡ
وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت وهذه فيها ضرورته أن الضرورة لا تعدوا على العصم
وثانيها : أن قوله تعالى :﴿ ووجدك عائلا فأغنى ٨ ﴾ يأبى عنه فإن صيغة الماضي تدل على الحصول وسؤال الغنى بعد حصوله محال، وثالثها : أنه لو سأل ربه لأعطاه وقد صح أنه ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم٢ كذا في الصحيحين من حديث عائشة.
وقالت الصوفية العلية في تحقيق مثل هذا المقام : إن الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه إلى الله سبحانه ويسمونها العروج والسير إلى الله أو السير في الله وقد يعترضه حالة التوجه إلى الخلق لأجل الإرشاد والدعوة إلى الله فيسرى نفسه في هذه الحالة في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق وهو في الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وأيضا لما كان هذا الانقطاع مأمورا به مرضيا للمحبوب فهو في حكم الوصل والاتصال بل أولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم الصوفي في هذه الحالة غاية يكون في الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر إلى الصحراء وقد ذكر مرارا أن من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم قالوا : إن نوحا عليه السلام لم يبلغ في النزول غاية ولذلك ما آمن معه إلا قليل وهم أصحاب السفينة مع لبثه فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان نزوله أتم وأوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء، ولذلك شاع دينه في الورى مع لبثه فيهم ثلاثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين أو أدنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بما كان من القرآن ولأجل كمال نزول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم :( ما أوذي أحد مثل ما أوذيت ) رواه ابن عدي وابن عساكر عن جابر وأبو نعيم في الحلية عن أنس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما وأوذي عيسى حتى ارتقى إلى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا في البلاء فلعل نزول هاتين السورتين أعني والضحى وألم نشرح كان لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم في حالة النزول في بدء أمره حين رأى نفسه في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق ووافق ذلك فترة الوحي وحزن حزنا شديدا حتى قال في صحيح البخاري بلغنا أنه غدا مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبل وكلما أوفى بذروة الجبل لكي يلقي نفسه منه ينادي جبرائيل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه تقر نفسه وقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوبة إلى الخلق التي عمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله :﴿ ما ودَّعك ربك وما قلى ٣ ﴾ أنه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وإن كان هبوطا وفراقا صورة ﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ يعني كل حالة آخرة تأتي عليك خير من الحالة الأولى لا يتطرق في أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون في الدار الآخرة رؤية ووصالا بالكلية ولا يكون هاك تكليف التبليغ، والتوجه إلى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وآجلا ما تحب وترضى ﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ٦ ﴾
وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت وهذه فيها ضرورته أن الضرورة لا تعدوا على العصم
وثانيها : أن قوله تعالى :﴿ ووجدك عائلا فأغنى ٨ ﴾ يأبى عنه فإن صيغة الماضي تدل على الحصول وسؤال الغنى بعد حصوله محال، وثالثها : أنه لو سأل ربه لأعطاه وقد صح أنه ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم٢ كذا في الصحيحين من حديث عائشة.
وقالت الصوفية العلية في تحقيق مثل هذا المقام : إن الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه إلى الله سبحانه ويسمونها العروج والسير إلى الله أو السير في الله وقد يعترضه حالة التوجه إلى الخلق لأجل الإرشاد والدعوة إلى الله فيسرى نفسه في هذه الحالة في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق وهو في الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وأيضا لما كان هذا الانقطاع مأمورا به مرضيا للمحبوب فهو في حكم الوصل والاتصال بل أولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم الصوفي في هذه الحالة غاية يكون في الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر إلى الصحراء وقد ذكر مرارا أن من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم قالوا : إن نوحا عليه السلام لم يبلغ في النزول غاية ولذلك ما آمن معه إلا قليل وهم أصحاب السفينة مع لبثه فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان نزوله أتم وأوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء، ولذلك شاع دينه في الورى مع لبثه فيهم ثلاثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين أو أدنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بما كان من القرآن ولأجل كمال نزول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم :( ما أوذي أحد مثل ما أوذيت ) رواه ابن عدي وابن عساكر عن جابر وأبو نعيم في الحلية عن أنس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما وأوذي عيسى حتى ارتقى إلى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا في البلاء فلعل نزول هاتين السورتين أعني والضحى وألم نشرح كان لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم في حالة النزول في بدء أمره حين رأى نفسه في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق ووافق ذلك فترة الوحي وحزن حزنا شديدا حتى قال في صحيح البخاري بلغنا أنه غدا مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبل وكلما أوفى بذروة الجبل لكي يلقي نفسه منه ينادي جبرائيل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه تقر نفسه وقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوبة إلى الخلق التي عمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله :﴿ ما ودَّعك ربك وما قلى ٣ ﴾ أنه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وإن كان هبوطا وفراقا صورة ﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ يعني كل حالة آخرة تأتي عليك خير من الحالة الأولى لا يتطرق في أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون في الدار الآخرة رؤية ووصالا بالكلية ولا يكون هاك تكليف التبليغ، والتوجه إلى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وآجلا ما تحب وترضى ﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ٦ ﴾
وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت وهذه فيها ضرورته أن الضرورة لا تعدوا على العصم
وثانيها : أن قوله تعالى :﴿ ووجدك عائلا فأغنى ٨ ﴾ يأبى عنه فإن صيغة الماضي تدل على الحصول وسؤال الغنى بعد حصوله محال، وثالثها : أنه لو سأل ربه لأعطاه وقد صح أنه ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم٢ كذا في الصحيحين من حديث عائشة.
وقالت الصوفية العلية في تحقيق مثل هذا المقام : إن الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه إلى الله سبحانه ويسمونها العروج والسير إلى الله أو السير في الله وقد يعترضه حالة التوجه إلى الخلق لأجل الإرشاد والدعوة إلى الله فيسرى نفسه في هذه الحالة في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق وهو في الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وأيضا لما كان هذا الانقطاع مأمورا به مرضيا للمحبوب فهو في حكم الوصل والاتصال بل أولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم الصوفي في هذه الحالة غاية يكون في الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر إلى الصحراء وقد ذكر مرارا أن من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم قالوا : إن نوحا عليه السلام لم يبلغ في النزول غاية ولذلك ما آمن معه إلا قليل وهم أصحاب السفينة مع لبثه فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان نزوله أتم وأوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء، ولذلك شاع دينه في الورى مع لبثه فيهم ثلاثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين أو أدنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بما كان من القرآن ولأجل كمال نزول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم :( ما أوذي أحد مثل ما أوذيت ) رواه ابن عدي وابن عساكر عن جابر وأبو نعيم في الحلية عن أنس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما وأوذي عيسى حتى ارتقى إلى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا في البلاء فلعل نزول هاتين السورتين أعني والضحى وألم نشرح كان لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم في حالة النزول في بدء أمره حين رأى نفسه في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق ووافق ذلك فترة الوحي وحزن حزنا شديدا حتى قال في صحيح البخاري بلغنا أنه غدا مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبل وكلما أوفى بذروة الجبل لكي يلقي نفسه منه ينادي جبرائيل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه تقر نفسه وقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوبة إلى الخلق التي عمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله :﴿ ما ودَّعك ربك وما قلى ٣ ﴾ أنه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وإن كان هبوطا وفراقا صورة ﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ يعني كل حالة آخرة تأتي عليك خير من الحالة الأولى لا يتطرق في أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون في الدار الآخرة رؤية ووصالا بالكلية ولا يكون هاك تكليف التبليغ، والتوجه إلى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وآجلا ما تحب وترضى ﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ٦ ﴾
٢ أخرجه مسلم في كتاب: الإيمان، باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وبكائه شفقة عليهم (٢٠٢)..
وراودته الجبال الشم من ذهب عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت وهذه فيها ضرورته أن الضرورة لا تعدوا على العصم
وثانيها : أن قوله تعالى :﴿ ووجدك عائلا فأغنى ٨ ﴾ يأبى عنه فإن صيغة الماضي تدل على الحصول وسؤال الغنى بعد حصوله محال، وثالثها : أنه لو سأل ربه لأعطاه وقد صح أنه ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم٢ كذا في الصحيحين من حديث عائشة.
وقالت الصوفية العلية في تحقيق مثل هذا المقام : إن الصوفي قد يعرضه حالة الانقطاع من الخلق بالكلية وخلوص التوجه إلى الله سبحانه ويسمونها العروج والسير إلى الله أو السير في الله وقد يعترضه حالة التوجه إلى الخلق لأجل الإرشاد والدعوة إلى الله فيسرى نفسه في هذه الحالة في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق وهو في الحقيقة وعند التعمق غير منقطع كمال الانقطاع وأيضا لما كان هذا الانقطاع مأمورا به مرضيا للمحبوب فهو في حكم الوصل والاتصال بل أولى منه ويسمونه بالنزول والبر من الله بالله فيغتم الصوفي في هذه الحالة غاية يكون في الشدة والبلاء مثله كمثل سمكة ألقيت من البحر إلى الصحراء وقد ذكر مرارا أن من كان نزوله أتم كان إرشاده أشمل وأعم قالوا : إن نوحا عليه السلام لم يبلغ في النزول غاية ولذلك ما آمن معه إلا قليل وهم أصحاب السفينة مع لبثه فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما وأن محمدا صلى الله عليه وسلم كان نزوله أتم وأوفى ولم يبلغ تلك المنزلة أحد من الأنبياء، ولذلك شاع دينه في الورى مع لبثه فيهم ثلاثة وعشرين عاما كما كان عروجه أعلى وأسنى فكان قاب قوسين أو أدنى قال الشيخ الأكبر أنكروا دعوة نوح بما كان من الفرقان وأجابوا دعوة محمد صلى الله عليه وسلم بما كان من القرآن ولأجل كمال نزول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم الهم واصل الحزن وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم :( ما أوذي أحد مثل ما أوذيت ) رواه ابن عدي وابن عساكر عن جابر وأبو نعيم في الحلية عن أنس ولولا هذا التأويل فلا يظهر المعنى لهذا القول وقد أوذي نوح عليه السلام ألف سنة إلا خمسين عاما وأوذي عيسى حتى ارتقى إلى السماء ويحيى وغيرهم حتى قتلوا في البلاء فلعل نزول هاتين السورتين أعني والضحى وألم نشرح كان لتسلية النبي صلى الله عليه وسلم في حالة النزول في بدء أمره حين رأى نفسه في بادئ النظر منقطعا عن الله متوجها إلى الخلق ووافق ذلك فترة الوحي وحزن حزنا شديدا حتى قال في صحيح البخاري بلغنا أنه غدا مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبل وكلما أوفى بذروة الجبل لكي يلقي نفسه منه ينادي جبرائيل فقال يا محمد إنك رسول الله حقا فيسكن لذلك جأشه تقر نفسه وقالت خديجة إني أرى ربك قد قلاك مما نرى من جزعك وكان سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لسلب تلك الحالة الموجبة للانقطاع عن الخالق والتوبة إلى الخلق التي عمها وداعا وقليا وحزن عليها والوصل بلا انقطاع ولا حجاب دائما فعلى هذا معنى قوله :﴿ ما ودَّعك ربك وما قلى ٣ ﴾ أنه ليس الفراق الذي اعترضك وداعا وقليا حتى تغتم به بل هو كمال عروج ووصل معنى وإن كان هبوطا وفراقا صورة ﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾ يعني كل حالة آخرة تأتي عليك خير من الحالة الأولى لا يتطرق في أحوالك قصور وفتور قط حتى تكون في الدار الآخرة رؤية ووصالا بالكلية ولا يكون هاك تكليف التبليغ، والتوجه إلى الخلق ومشقة الفراق أصلا ولسوف يعطيك ربك عاجلا وآجلا ما تحب وترضى ﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ٦ ﴾
٢ سورة الشورى، الآية: ٥٢..
٣ سورة الجاثية، الآية: ٥..
٤ سورة يوسف، الآية: ٨..
٥ سورة يوسف، الآية: ٩٥..
٦ سورة يوسف، الآية: ٣٠..
٢ أخرجه مسلم في كتاب: الزكاة، باب: في الكفاف والقناعة (١٠٥٤)..
وقال الفراء والزجاج لا تقهر على ماله فتذهب بحقه بضعفه كما كانت العرب تفعل كذلك نهى لأمته وإن كان خطاب إليه بشرفه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :( خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه وشر بيت في المسلمين بين فيه يتيم يساء إليه ) قال صلى الله عليه وسلم :( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا يشير بأصبعيه )١ رواه البغوي، وكذا روى البخاري في الأدب وابن ماجه وأبو نعيم في الحلية
﴿ وأما السائل فلا تنهر ١٠ ﴾ قال المفسرون السائل على الباب لا تنهره وتزجره فقد كنت فقيرا عائلا فإما أن تطعمه وإما أن ترده ردا لينا برفق، وروي عن الحسن في قوله :﴿ وأما السائل فلا تنهر ١٠ ﴾ قال : طالب العلم إذا سأل عن مسألة فلا تنهره، وعن ابن مسعود : من كتم علما عن أهله ألجم يوم القيامة لجام من نار وهذه الجملة على التأويل الثاني يتصل بقوله :﴿ ووجدك ضالاّ فهدى ٧ ﴾ ويكون النشر على ترتيب اللف وأما على التأويل الأول فيتصل بقوله ووجدك عائلا
﴿ وأما بنعمة ربك فحدِّث ١١ ﴾ يعني أشكر على ما أنعم ربك عليك وهذه الجملة على تقدير اللف والنشر المرتب متصل بقوله تعالى :﴿ ووجدك عائلا ﴾ فأغنى عن سنان بن سنية عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( الطاعم الشاكر له مثل أجر الصائم الصابر )١ رواه أحمد وابن ماجه والدارمي بإسناد صحيح، ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة، وعن أشعث بن قيس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إن أشكر الناس لله أشكرهم للناس ) وفي رواية ( لا يشكر الله من لا يشكر الناس ) رواه أحمد ورواته ثقات، وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( من صنع إليه معروف فليجز به فإن لم يجد ما يجز فليثن عليه فإنه إذا أثنى عليه فقد شكر وإن كتمه فقد كفره ومن تحلى بما لم يعطه كان كلابس ثوبين من زور ) رواه البغوي، وعن النعمان بن بشير قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر :( من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير من لم يشكر الناس لم يشكر الله والتحدث بنعمة الله شكر وتركه كفر والجماعة رحمة الله والفرقة عذاب الله ) رواه البغوي هذه الأحاديث يقتضي شكر المشايخ والأساتذة وحسن الثناء عليهم ورضوان الله عليهم أجمعين، قال المجاهد المراد بالنعمة في الآية النبوة روى عنه بشير واختاره الزجاج والمعنى بلغ ما أرسلت به وحدث بالنبوة التي أتاك، وقال الليث عن مجاهد يعني القرآن وهو قول الكلبي أمره أن يقرأه فعلى هذا هذه الآية متصلة بقوله ﴿ ووجدك ضالا فهدى ﴾ قال مقاتل : اشكر ما ذكر في هذه الآية مما أنعمنا عليك من الإيواء والهداية والأغنياء والتحدث بنعمة الله شكر وهذا أظهر فإن النعمة المذكورة مطلق لا وجه للتخصيص والشكر على كل نعمة دينية كانت أو دنيوية واجب فعلى هذا هذه الآية متصلة بالجمل الثلاث المذكورات وقد درك ما في هذه الآية من اختلاف القراءة في الإمالة والفتح في آخر سورة الليل.
مسألة : يجب الشكر على كل نعمة والشكر صرف النعمة في رضاء المنعم فشكر نعمة المال صرفها بالإخلاص في سبيل الحق وشكر نعمة البدن أداء الواجبات والاجتناب عن المعاصي وشكر نعمة العلم والعرفان التعليم والإرشاد.
مسألة : تحديث النعمة شكر ومن هذا القبيل قوله صلى الله عليه وسلم :( أنا سيد ولد آدم ولا فخر )٢ ونحو ذلك وقد ذكرنا في سورة البقرة ومن هذا القبيل ما قال الشيخ محي الدين عبد القادر رضي الله عنه وكلولي له قدم وإني على قدم النبي بدر الكمال : وقوله قدمي هذه على رقبة كل ولي لله ومنه ما ذكر المجدد مما أعطاه الله سبحانه مدارج القرب من الولايات الثلاث وكمالات النبوة والرسالة وأولي العزم أيضا بالتبعية والوراثة وحقائق الأنبياء كذلك وغير ذلك وكونه مخلوقا في طينة النبي صلى الله عليه وسلم وكونه مجددا وقيوما فمن أنكر على ما هؤلاء الرجال في مثل هذه المقال فكأنه أنكر هذه الآية الكريمة من الله ذي الجلال غير أنه لا بد للتحديث بمثل هذه الأقوال تنزه القائل عن صفات النفس بالكلية فلا يجوز لكل أحد الإجتراء على مثل هذه الأقوال كيلا يتردى في ورطة ﴿ أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ﴾٣.
٢ أخرجه الترمذي في كتاب: المناقب (٣٦٢٤)..
٣ سورة الأعراف، الآية: ١٢..