بسم الله الرّحمن الرّحيم الحمد لله وحده وصلواته على سيدنا محمد وآله قال أبو جعفر أحمد بن محمد بن إسماعيل النحوي المعروف بالنحاس:
هذا كتاب أذكر فيه إن شاء الله إعراب القرآن، والقراءات التي تحتاج أن يبيّن إعرابها والعلل فيها ولا أخليه من اختلاف النحويين وما يحتاج إليه من المعاني وما أجازه بعضهم ومنعه بعضهم وزيادات في المعاني وشرح لها، ومن الجموع واللغات، وسوق كلّ لغة إلى أصحابها ولعلّه يمرّ الشيء غير مشبع فيتوهّم متصفّحه أنّ ذلك لإغفال وإنما هو لأنّ له موضعا غير ذلك. ومذهبنا الإيجاز والمجيء بالنكتة في موضعها من غير إطالة، وقصدنا في هذا الكتاب الإعراب وما شاكله بعون الله وحسن توفيقه. قال أبو جعفر: حدّثنا أبو الحسن أحمد بن سعيد الدّمشقي «١» عن عبد الخالق عن أبي عبيد «٢» قال: حدّثنا عبّاد بن عبّاد المهلّبي عن واصل «٣» مولى أبي عيينة قال:
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلّموا إعراب القرآن كما تتعلّمون حفظه. فمن ذلك:
[سورة الفاتحة (١) : آية ١]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (١)
(اسم) مخفوض بالباء الزائدة، وقال أبو إسحاق «٤» : وكسرت الباء ليفرّق بين ما
(٢) أبو إسحاق الزّجاج، إبراهيم بن السري، بصريّ المذهب من أصحاب سيبويه وشيخ النحاس، له من التصانيف: معاني القرآن، الاشتقاق، خلق الإنسان، مختصر النحو، شرح أبيات سيبويه، القوافي، العروض، النوادر، وتفسير جامع المنطق، (ت ٣١٦ هـ). ترجمته في: (بغية الوعاة ١/ ٤١١، وتاريخ بغداد ٦/ ٩١، وطبقات الزبيدي ٢١). والقول في إعراب القرآن ومعانيه ص ١٢.
(٣) الفرّاء: أبو زكريا يحيى بن زياد: أخذ علمه عن الكسائي، وكان أعلم الكوفيين بعد الكسائي، كان يميل إلى الاعتزال ويسلك ألفاظ الفلاسفة. وكان زائد العصبية على سيبويه. صنّف: معاني القرآن، البهاء فيما تلحن به العامة، اللغات، المصادر في القرآن، الجمع والتثنية في القرآن، آلة الكتاب، النوادر، المقصور والممدود، فعل وأفعل، المذكر والمؤنث، الحدود وغير ذلك. (ت ٢٠٧ هـ). ترجمته في (بغية الوعاة ٢/ ٣٣٣، وطبقات الزبيدي ١٤٣).
(٤) علي بن حمزة الكسائي: أحد القرّاء السبعة، وإمام الكوفيين في النحو، صنّف: معاني القرآن، القراءات، النوادر الكبير، الأوسط، الأصغر، العدد، المصادر، الحروف، أشعار المعاياة وغيرها، (ت ١٨٩ هـ). ترجمته في (غاية النهاية ١/ ٥٣٥، وبغية الوعاة ٢/ ١٦٤).
الباء لا موضع لها من الإعراب والمرور واقع على مجهول إذا قلت: مررت بزيد.
والألف في «اسم» «٣» ألف وصل لأنّك تقول: سميّ فلهذا حذفت من اللفظ، وفي حذفها من الخط أربعة أقوال: قال الفراء «٤» : لكثرة الاستعمال، وحكي لأنّ الباء لا تنفصل، وقال الأخفش سعيد «٥» : حذفت لأنها ليست من اللفظ، والقول الرابع أن الأصل سم وسم أنشد أبو زيد «٦» :[الرجز]
١-
بسم الذي في كلّ سورة سمه «٧»
بالضمّ أيضا، فيكون الأصل سما ثم جئت بالباء فصار بسم ثم حذفت الكسرة فصار بسم، فعلى هذا القول لم يكن فيه ألف قطّ والأصل في اسم فعل لا يكون إلا ذلك لعلّة أوجبته وجمعه أسماء، وجمع أسماء أسامي. وأضفت اسما إلى الله جلّ
الغريب المنصف، غريب القرآن، غريب الحديث، معاني القرآن، المقصور والممدود، القراءات، المذكر والمؤنث | وغيرها. (ت ٢٢٤ هـ). ترجمته في (طبقات الزبيدي ٢١٧، وبغية الوعاة ٢/ ٢٥٢). |
(٣) انظر الإنصاف لابن الأنباري المسألة (١).
(٤) انظر معاني الفرّاء: ١/ ٢.
(٥) الأخفش: أبو الحسن سعيد بن مسعدة، قرأ النحو على سيبويه في البصرة وكان معتزليا، صنّف:
الأوساط في النحو، معاني القرآن، المقاييس في النحو، الاشتقاق، المسائل، الكبير الصغير، العروض، القوافي، الأصوات وغيرها. (ت ٢١١ أو ٢١٥ هـ). ترجمته في: (بغية الوعاة ١/ ٥٩٠، وطبقات الزبيدي ٧٤، وإنباه الرواة ١/ ٣٦).
(٦) أبو زيد الأنصاري: سعيد بن أوس بن ثابت، روى القراءة عن أبي عمرو وأبي السمال (ت ٢١٥ هـ) ترجمته في غاية النهاية ١/ ٣٠٥.
(٧) الشاهد في نوادر أبي زيد ١٦٦، ونوادر أبي مسحل: ١/ ٩٥، والإنصاف ١/ ١٠، وأسرار العربية ٨، واللسان (سا).
ويجوز النصب في الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ على المدح، والرفع على إضمار مبتدأ، ويجوز خفض الأول ورفع الثاني، ورفع أحدهما ونصب الآخر.
[سورة الفاتحة (١) : آية ٢]
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)الْحَمْدُ لِلَّهِ رفع بالابتداء على قول البصريين «١»، وقال الكسائي «٢» :«الحمد» رفع بالضمير الذي في الصفة، والصفة اللام، جعل اللام بمنزلة الفعل. وقال الفراء «٣» :
«الحمد» رفع بالمحل وهو اللام. جعل اللام بمنزلة الاسم، لأنها لا تقوم بنفسها والكسائي يسمي حروف الخفض صفات، والفراء يسمّيها محال، والبصريون يسمّونها ظروفا. وقرأ ابن عيينة ورؤبة بن العجّاج «٤» الْحَمْدُ لِلَّهِ على المصدر وهي لغة قيس والحارث بن سامة. والرفع أجود من جهة اللفظ والمعنى، فأما اللفظ: فلأنه اسم معرفة خبّرت عنه، وأما المعنى: فإنّك إذا رفعت أخبرت أنّ حمدك وحمد غيرك لله جلّ وعزّ، وإذا نصبت لم يعد حمد نفسك وحكى الفراء: الْحَمْدُ لِلَّهِ والحمد لله «٥».
قال أبو جعفر: وسمعت عليّ بن سليمان «٦» يقول: لا يجوز من هذين شيء عند البصريين. قال أبو جعفر: وهاتان لغتان معروفتان وقراءتان موجودتان في كل واحدة منهما علة، روى إسماعيل بن عياش «٧» عن زريق عن الحسن «٨» أنّه قرأ
(٢) انظر الإنصاف مسألة (٦). [.....]
(٣) انظر الإنصاف مسألة (٦).
(٤) رؤبة بن العجاج التميمي الراجز من أعراب البصرة وكان رأسا في اللغة (ت ١٤٥ هـ)، ترجمته في (السير ٦/ ١٦٢، ولسان الميزان ٢/ ٢٦٤، ومعجم الأدباء ١١/ ١٤٩).
(٥) انظر معاني الفراء ١/ ٣.
(٦) علي بن سليمان الأخفش الصغير، أبو الحسن، سمع ثعلبا، والمبرد (ت ٢١٥ هـ) وهو من شيوخ النحاس.
ترجمته في طبقات الزبيدي ١٢٥.
(٧) إسماعيل بن عياش: أبو عتبة العنسي الحمصي، روى عن شرحبيل بن مسلم ومحمد بن زياد (ت ١٨٢ هـ) ترجمته في تذكرة الحفاظ ٢٥٣.
(٨) الحسن، أبو سعيد، الحسن بن أبي سعيد بن أبي الحسن بن يسار البصري، إمام أهل البصرة، قرأ على حطان ابن عبد الله الرقاشي وعلى أبي العالية. (ت ١١٠ هـ). ترجمته في غاية النهاية ١/ ٢٣٥.
رَبِّ مخفوض على النعت لله. الْعالَمِينَ خفض بالإضافة وعلامة الخفض الياء لأنها من جنس الكسرة، والنون عند سيبويه «٥» كأنها عوض لما منع من الحركة والتنوين والنون عند أبي العباس «٦» عوض من التنوين، وعند أبي إسحاق «٧» عوض من الحركة وفتحت فرقا بينها وبين نون الاثنين، وقال الكسائي: يجوز رَبِّ الْعالَمِينَ كما تقول:
الحمد لله ربّا وإلها أي على الحال، وقال أبو حاتم «٨» : النصب بمعنى أحمد الله ربّ العالمين، وقال أبو إسحاق «٩» : يجوز النصب على النداء المضاف، وقال أبو الحسن بن كيسان «١٠» : يبعد النصب على النداء المضاف لأنه يصير كلامين ولكن نصبه على المدح، ويجوز الرفع أي هو ربّ العالمين. قال أبو جعفر: وقد ذكرنا في الكتاب المتقدم: أنه يقال على التكثير: ربّاه وربّه وربّته. وشرحه أن الأصل ربّبه ثم تبدل من الباء ياء كما يقال:
قصّيت أظفاري وتقصّيت ثم تبدل من الياء تاء كما تبدل من الواو في تالله «١١».
(٢) انظر مختصر ابن خالويه ١.
(٣) انظر الكتاب ٢: ٤٠٠.
(٤) سيبويه: عمرو بن قنبر، رأس مدرسة البصرة في النحو (ت ١٨٠ هـ). ترجمته في طبقات الزبيدي ٦٦.
(٥) انظر الكتاب.
(٦) أبو العباس: محمد بن يزيد المبرد، من تلاميذ أبي عثمان المازني، كان رأس نحاة البصرة (ت ٢٨٥ هـ).
ترجمته في: طبقات الزبيدي ١٠٨.
(٧) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجّاج ٧.
(٨) أبو حاتم: سهل بن محمد السجستاني، روى علم سيبويه عن الأخفش سعيد بالبصرة (ت ٢٥٥ هـ أو ٢٦٥ هـ) ترجمته في طبقات الزبيدي ١٠٠، ومراتب النحويين ٨٠. [.....]
(٩) انظر إعراب القرآن ومعانيه للزجاج ٤.
(١٠) أبو الحسن بن كيسان: محمد بن إبراهيم بن كيسان، أخذ عن المبرد وثعلب وحفظ المذهب البصري والكوفي في النحو، ولكنه كان إلى مذهب البصريين أميل. من تصانيفه: المهذّب في النحو، وغلط أدب الكاتب، واللامات، والبرهان، وغريب الحديث، وغيرها. (ت ٢٩٩ هـ). ترجمته في بغية الوعاة ١/ ١٨، ومعجم الأدباء ١٧/ ١٣٨، وتاريخ بغداد ١/ ٣٣٥.
(١١) انظر الكتاب: ١/ ٤٤، والمقتضب ١/ ٢٤٦.
[سورة الفاتحة (١) : الآيات ٣ الى ٤]
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)ويجوز الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ على المدح، ويجوز رفعهما على إضمار مبتدأ، ويجوز رفع أحدهما ونصب الآخر، ويجوز خفض الأول ورفع الثاني ونصبه.
وقرأ محمد بن السّميفع «١» اليمانيّ مالك يوم الدّين بنصب مالك. وفيه أربع لغات: مالك وملك وملك ومليك. كما قال لبيد: [الكامل] ٢-
فاقنع بما قسم المليك فإنّما | قسم المعايش بيننا علّامها «٢» |
وزعم سيبويه أنه لو استعمل منه فعل لقيل: يمت. وجمع الدين أديان وديون.
[سورة الفاتحة (١) : آية ٥]
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)
إِيَّاكَ «٦» نصب بوقوع نَعْبُدُ عليه وقرأ الفضل بن عيسى الرّقاشي إِيَّاكَ فتح الهمزة، وقرأ عمرو بن فائد إِيَّاكَ مخفّفا والاسم من إيّاك عند الخليل «٧»
(٢) البيت للبيد في ديوانه ص ٣٢٠، ولسان العرب (خلق)، وتاج العروس (خلق)، وهو في الديوان: «قسم الخلائق بيننا».
(٣) (مالك) : قراءة عاصم والكسائي وخلف ويعقوب، وهي قراءة العشرة إلا طلحة والزبير، وقرأ (ملك) باقي السبعة وزيد وأبو الدرداء وابن عمر والمسور وكثير من الصحابة، وقرأ (ملك) : أبو هريرة وعاصم الجحدري انظر البحر المحيط ١/ ١٣٣.
(٤) أبو حيوة: شريح بن يزيد هو صاحب قراءة شاذّة، ومقرئ الشام، روى القراءة عن الكسائي (ت ٢٠٣ هـ).
ترجمته في غاية النهاية ١/ ٣٢٥.
(٥) انظر: إعراب ثلاثون سورة لابن خالويه ٢٣.
(٦) انظر البحر المحيط ١/ ١٣٩، وهمع الهوامع ١/ ٦١، والكتاب ٢/ ٣٥٥، وسرّ صناعة الإعراب ١/ ٣١١.
(٧) الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي، عالم بالعربية، بصري (ت ١٧٠ هـ أو ١٧٥ هـ) ترجمته في: طبقات الزبيدي ٤٣، وإنباه الرواة ١/ ٣٤١.
[سورة الفاتحة (١) : آية ٦]
اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦)
إِنَّا هُدْنا دعاء وطلب في موضع جزم عند الفراء «٣» ووقف عند البصريين ولذلك حذفت الياء والألف ألف وصل لأنّ أول المستقبل مفتوح، وكسرتها لأنه من يهدي، والنون والألف مفعول أول. والصِّراطَ مفعول ثان. وجمعه في القليل أصرطة وفي الكثير صرط قال الأخفش: أهل الحجاز يؤنثون الصراط وقرأ ابن عباس «٤» السراط «٥» بالسين وبعض قيس يقولها بين الصاد والزاي ولا يجوز أن يجعل زايا إلّا أن تكون ساكنة قال قطرب «٦» : إذا كان بعد السين في نفس الكلمة طاء أو قاف أو خاء أو غين فلك أن تقلبها صادا. الْمُسْتَقِيمَ نعت للصراط.
[سورة الفاتحة (١) : آية ٧]
صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ (٧)
صِراطَ الَّذِينَ بدل. والَّذِينَ في موضع خفض بالإضافة وهو مبنيّ لئلا
(٢) وهذه قراءة عبيد بن عمير الليثي وزرّ بن جيش والنخعي أيضا، انظر البحر المحيط ١/ ١٤١.
(٣) انظر معاني القرآن للفراء ٢/ ٤٠٣، والإنصاف مسألة ٢١٤.
(٤) ابن عباس: عبد الله بن عباس بن عبد المطلب، روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم والصحابة. قرأ عليه مجاهد وسعيد ابن جبير (ت ٩٨ هـ). ترجمته في غاية النهاية ١/ ٤٢٥. [.....]
(٥) انظر الحجة لابن خالويه ٣٨، والبحر المحيط ١/ ١٤٣.
(٦) قطرب: محمد بن المستنير، أخذ عن سيبويه وعيسى بن عمر (ت ٢٠٦ هـ). ترجمته في تاريخ بغداد ٣/ ٢٩٨، وطبقات النحويين ١٠٦.
المغضوبين لأنه لا ضمير فيه. قال ابن كيسان: هو موحّد في معنى جمع وكذلك كل فعل المفعول إذا لم يكن فيه خفض مرفوع، نحو المنظور إليهم والمرغوب فيهم، والْمَغْضُوبِ بإضافة غير إليه وعَلَيْهِمْ في موضع رفع لأنه اسم ما لم يسمّ فاعله.
أخذ القراءة عن يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم. (ت ١٢٧ هـ). ترجمته في: (بغية الوعاة ٢/ ٤٢، وغاية النهاية ١/ ٤١٠).
(٢) انظر مختصر في شواذ القرآن ١، والمحتسب ١/ ٤٤. والبحر المحيط ١/ ١٤٦.
(٣) انظر الحجة لابن خالويه ٣٩، والحجة للفارسي ١/ ٤٢.
(٤) حمزة بن حبيب أبو عمارة الكوفي، أحد القرّاء السبعة (ت ١٥٦ هـ). ترجمته في (غاية النهاية ١/ ٢٦١).
(٥) انظر معاني الفراء ١/ ٥.
(٦) عبد الله بن كثير: أبو معبد عبد الله المكي الداري، إمام أهل مكة في القراءات وأحد السبعة (ت ١٢٠ هـ) ترجمته في غاية النهاية ١/ ٤٤٣.
(٧) انظر الحجة للفارسي ١/ ١٠٥.
(٢) النّسق: العطف.
(٣) انظر الكتاب ٣/ ٤١.
(٤) أيوب السختياني: هو فقيه أهل البصرة (ت ١٣١ هـ). ترجمته في شذرات الذهب ١/ ١٨١.
(٥) انظر مختصر ابن خالويه ١، والمحتسب ١/ ٤٦، والبحر المحيط ١/ ١٥١. [.....]