تفسير سورة لقمان

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة لقمان من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
سورة لقمان سورة مكية وآياتها ٣٤ آية نزلت بعد سورة الصافات وسورة لقمان من أواخر ما نزل بمكة، فقد نزلت بعد الإسراء وقبل الهجرة وقد سميت بسورة لقمان لورود قصة لقمان فيها وكان من الحكماء الأقدمين ولم يرد اسم حكيم غيره في القرآن.
وسورة لقمان رحلة هائلة بعيدة الآماد والآفاق تطوف بالقلب في جولات متعددة لتأكيد قضية العقيدة وترسيخها في النفوس وهي القضية الي تعالجها السور المكية في أساليب شتى، ومن زوايا متنوعة تتناول القلب البشري من جميع أقطاره وتلمس جوانبه بشتى المؤثرات التي تخاطب الفطرة وتوقظها.
هذه القضية الواحدة- قضية العقيدة- تتلخص هنا في توحيد الخالق وعبادته وحده، وشكر آلائه وفي اليقين بالآخرة وما فيها من حساب دقيق وجزاء عادل وفي اتباع ما أنزل الله والتخلي عما عداه من مألوفات ومعتقدات.
والسورة تتولى عرض هذه القضية ثلاث مرات في ثلاث جوانب تطوف كل منها بالقلب البشري فتعرض عليه دعوة الهدى من جانب الوحي ومن جانب الحكمة، ومن جانب الكون الكبير : سمائه وأرضه وشمسه وقمره وليله ونهاره وأجوائه وبحاره وأمواجه وأمطاره ونباته وأشجاره وأخيرا من جانب القدرة الإلهية المحيطة بكل شيء صاحبة الملك في الأولى والآخرة.
فقرات السورة
يمكن أن نقسم سورة لقمان على ثلاث فقرات أو جولات :
الجولة الأولى :
تبدأ الجولة بعد افتتاح السورة بالأحرف المقطعة فتقرر أن هذه السورة من جنس تلك الأحرف هي آيات الكتاب الحكيم وهي هدى ورحمة للمحسنين وهؤلاء المحسنون هم :﴿ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون... ﴾ ( لقمان : ٤ ) فتقرر قضية اليقين بالآخرة وقضية العبادة لله ومعهما مؤثر نفسي ملحوظ :﴿ أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ﴾. ( لقمان : ٥ ) ومن ذا الذي لا يريد أن يكون من المفلحين ؟
وفي الجانب الآخر فريق من الناس يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذ تلك الآيات هزؤا وهؤلاء يعاجلهم بمؤثر نفسي مخيف مناسب لاستهزائهم بآيات الله :﴿ أولئك لهم عذاب مهين ﴾. ( لقمان : ٦ ).
ثم يمضي في وصف حركات هذا الفريق :﴿ وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها... ﴾ ( لقمان : ٧ ).
ومع الوصف مؤثر نفسي منفر من هذا الفريق : كأن في أذنيه وقرا. ومؤثر آخر يخيفه مع التهكم الواضح في التعبير ﴿ فبشره بعذاب اليم ﴾. ( لقمان : ٧ ) والبشارة هنا فيها ما فيها من التهكم الملحوظ.
ثم يعود إلى المؤمنين يفصل شيئا من فلاحهم الذي أجمله في أول السورة ويبين جزاءهم الحسن في الآخرة ثم يعرض صفحة الكون الكبير مجالا للبرهان القاطع الذي يطالع الفطرة من كل جانب ويخاطبها بكل لسان ويواجهها بالحق الهائل الذي يمر عليه الناس غافلين.. وأمام هذه الأدلة الكونية التي تهول الحس وتنبه الشعور يأخذ بتلابيب القلوب الشاردة التي تجعل لله شركاء وهي ترى خلقه العظيم :﴿ هذا خلقه الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين ﴾. ( لقمان : ١١ ).
وتستغرق هذه الجولة من أول السورة إلى الآية ١١.
الجولة الثانية :
تبدأ الجولة الثانية من خلال نفوس أدمية وتتناول القضية ذاتها بأسلوب جديد ومؤثرات جديدة إنها نصيحة من رجل حكيم يعظ ابنه فيقدم له خلاصة تجاربه وحكمته فيأمره بالتوحيد وينهاه عن الشرك ويحثه على بر الوالدين وطاعتهما فيما يأمران به إلا إذا أمرا بالشرك ونحوه وينبه لقمان ولده إلى إحاطة علم الله بكل شيء إحاطة يرتعش لها الوجدان البشري.
ثم يتابع لقمان وصيته لابنه فيأمره أن يقوم بتكاليف العقيدة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن يصبر ويحتمل فإن الصبر من أمهات الفضائل.
ويحث لقمان ولده على مكارم الأخلاق وآداب النفس والسلوك فينهاه عن الكبر والبطر ويأمره أن يعتدل في مشيته وأن يغض من صوته وأن يلزم الرفق والهدوء والاعتدال.
وقد استغرقت هذه الجولة الآيات من ( ١٢-١٩ ).
الجولة الثانية :
تستغرق الجولة الثانية بقية السورة : الآيات من ( ٢٠-٣٤ ) وتبدأ بعرض أدلة التوحيد في خلق السماء والأرض وفي تسخير الكون وإسباغ النعم الظاهرة والباطنة وفي ظل هذه النعم الظاهرة والأدلة الملموسة يبدو الجدل في الله مستنكرا من الفطرة تمجه القلوب المستقيمة.
ثم يتابع السياق استنكار موقف الكفر والجمود وتقليد الآباء دون تبصر وروية، ومن ثم يعرض قضية الجزاء في الآخرة مرتبطة بقضية الكفر والإيمان.
ثم يقف الكافرون وجها لوجه أمام منطق الفطرة وهي تواجه هذا الكون فلا تملك إلا الاعتراف بالخالق الواحد الكبير، وتعرض الآيات مشهدا كونيا يهز القلب البشري مشهد الليل وهو يطول فيدخل في جسم النهار ويمتد والنهار وهو يطول فيدخل في جسم الليل ويمتد، ومشهد الشمس والقمر مسخرين في فلكيهما يجريان في حدود مرسومة إلى وقت لا يعلمه إلا خالقهما ويتخذ من هذا المشهد الكوني دليله إلى الفطرة على القضية المعهودة وهي قضية التوحيد.
ثم يلمس القلوب بمؤثر آخر من نعمة الله على الناس في صورة الفلك التي تجري في البحر، ثم يوقفهم أمام منطق الفطرة حين تواجه هول البحر مجردة من غرور القدرة والعلم الذي يبعدها عن بارئها ويتخذ من هذا المنطق دليلا على قضية التوحيد :﴿ وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ﴾. ( لقمان : ٣٢ ).
وبمناسبة موج البحر وهوله يذكرهم بالهول الأكبر وهو يقرر قضية الآخرة الهول الذي يفر فيه الوالد من ولده، والولد من والده :﴿ إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا.... ﴾ ( لقمان : ٣٣ ).
وتختم السورة بآية تقر القضايا التي عالجتها في إيقاع قوى عميق مرهوب فتذكر أن الله قد استأثر بخمس لا يعلمهن سواه : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب إذا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير. ( لقمان : ٣٤ ).
هذه الجولات الثلاث بأساليبها ومؤثراتها ودلائلها وآياتها نموذج من أسلوب القرآن الكريم في معالجة القلوب هذا الأسلوب المختار من خالق هذه القلوب العليم بمداخلها الخبير بما يصلح لها وما تصلح به من الأساليب.
* * *

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ آلم( ١ )تلك ءايات الكتاب الحكيم( ٢ )هدى ورحمة للمحسنين( ٣ ) الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون( ٤ ) أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون( ٥ ) ﴾
تمهيـد :
سورة لقمان سورة مكية تهتم بالعقيدة والسلوك والآيات الكونية الدالة على قدرة الله الخالق العظيم القادر المنعم المتفضل.
وعنيت بالحث على مكارم الأخلاق في وصية لقمان لابنه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين والصبر والتواضع.
ودعت إلى إعمال النظر والفكر وذم التقليد والجمود لأن فيه إنكارا للعقل وتعطيلا له.
التفسير :
﴿ آلم ﴾
حروف للتنبيه كالجرس الذي يقرع فينتبه التلاميذ لدخول المدرسة، أو هي للتحدي والإعجاز وبيان أن الخلائق عاجزون عن الإتيان بمثل القرآن الكريم مع أنه مؤلف من حروف عربية، ينطقون بها فدل ذلك على أنه ليس من صنع بشر ولكنه تنزيل من حكيم حميد.
تمهيـد :
سورة لقمان سورة مكية تهتم بالعقيدة والسلوك والآيات الكونية الدالة على قدرة الله الخالق العظيم القادر المنعم المتفضل.
وعنيت بالحث على مكارم الأخلاق في وصية لقمان لابنه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين والصبر والتواضع.
ودعت إلى إعمال النظر والفكر وذم التقليد والجمود لأن فيه إنكارا للعقل وتعطيلا له.
﴿ تلك آيات الكتاب الحكيم. ﴾
المفردات :
الحكيم : المشتمل على الحكمة، أو الحكيم قائله.
التفسير :
هذه الآيات المشتملة عليها هذه السورة أو المشتمل عليها القرآن الكريم آيات القرآن ذي الحكمة التي لا خلل فيها ولا عوج ولا تناقض ولا اختلاف فالقرآن مشتمل على الحكمة والصواب محفوظ، من كل تحريف وتبديل ناطق بكل ما يوصل إلى السعادة الدنيوية والأخروية.
تمهيـد :
سورة لقمان سورة مكية تهتم بالعقيدة والسلوك والآيات الكونية الدالة على قدرة الله الخالق العظيم القادر المنعم المتفضل.
وعنيت بالحث على مكارم الأخلاق في وصية لقمان لابنه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين والصبر والتواضع.
ودعت إلى إعمال النظر والفكر وذم التقليد والجمود لأن فيه إنكارا للعقل وتعطيلا له.
﴿ هدى ورحمة للمحسنين. ﴾
المفردات :
هدى ورحمة : أي الآيات هادية راحمة.
التفسير :
هذه الآيات هداية كاملة ورحمة شاملة للمحسنين في أقوالهم وفي أفعالهم وفي كل أحوالهم.
تمهيـد :
سورة لقمان سورة مكية تهتم بالعقيدة والسلوك والآيات الكونية الدالة على قدرة الله الخالق العظيم القادر المنعم المتفضل.
وعنيت بالحث على مكارم الأخلاق في وصية لقمان لابنه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين والصبر والتواضع.
ودعت إلى إعمال النظر والفكر وذم التقليد والجمود لأن فيه إنكارا للعقل وتعطيلا له.
﴿ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون. ﴾
المفردات :
يقيمون الصلاة : معنى إقامتها تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وآدابها من أقام العود إذا قومه.
يوقنون : يؤمنون أقوى الإيمان.
التفسير :
أي : من صفات هؤلاء المحسنين أنهم يؤدون الصلاة كاملة في خشوع وحضور قلب ومحافظة عليها كاملة الأركان والسنن والآداب في وقتها فتكون بمثابة عهد بين المؤمن وربه يستوجب بها الجنة، كما صح في الحديث الشريف.
﴿ ويؤتون الزكاة... ﴾
يدفعون الزكاة لمستحقيها وفي الزكاة ترابط وتعاون وتكافل وصلاح للأفراد والمجتمعات والتزام بحق الله وأوامره وقد اقترنت الزكاة بالصلاة في عشرات المواضع في القرآن الكريم.
﴿ وهم بالآخرة هم يوقنون. ﴾
يؤمنون بالآخرة وما فيها من حساب وجزاء وجنة ونار أشد الإيمان وأقواه.
تمهيـد :
سورة لقمان سورة مكية تهتم بالعقيدة والسلوك والآيات الكونية الدالة على قدرة الله الخالق العظيم القادر المنعم المتفضل.
وعنيت بالحث على مكارم الأخلاق في وصية لقمان لابنه بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبر الوالدين والصبر والتواضع.
ودعت إلى إعمال النظر والفكر وذم التقليد والجمود لأن فيه إنكارا للعقل وتعطيلا له.
﴿ أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون. ﴾
المفردات :
أولئك على هدى : أولئك المحسنون في أعمالهم متمكنون من الهدى الذي جاءهم من ربهم.
المفلحون : الفائزون لاستجماعهم العقيدة الحقة والعمل الصالح.
التفسير :
أي : أولئك المحسنون المتصفون بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة واليقين الحازم بالآخرة على هداية عظيمة بالغة من ربهم توصلهم على المطلوب وأولئك هم الفائزون بسعادة الدنيا والآخرة فالفلاح والهدى والتوفيق والرعاية والعناية الإلهية من نصيبهم.
* * *
﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزؤا أولئك لهم عذاب مهين ( ٦ ) وإذا تتلى عليه ءاياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم( ٧ ) ﴾
المفردات :
لهو الحديث : كل ما كان من الحديث وكان ملهيا عن سبيل الله مما نهى أو رسوله عن الاستماع إليه واختار ذلك الطبري.
ليضل : ليصد ويمنع.
سبيل الله : دينه الموصل إليه أو كتابه الهادي كله.
هزؤا : يكذب بها أو يستهزئ بها وقد قرأ جميع القراء " هزؤا " إلا حفصا فإنه أبدل من الهمزة واوا مفتوحة على أصل التخفيف.
التفسير :
﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزؤا أولئك لهم عذاب مهين. ﴾
﴿ من الناس ﴾
من يؤثر الباطل على الحق والكفر على الإيمان ويؤثر أحاديث الباطل وأغاني المجون وتحريك الهوى على القرآن والإيمان ﴿ بغير علم ﴾، بأهمية الحق والقرآن والإيمان في سلامة الفرد والمجتمع أو بغير بصيرة حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق جهلا منه بالضلال الذي يسير فيه.
﴿ ويتخذها هزؤا.... ﴾ يتخذ آيات الله ووحيه سخرية حيث يكذب بها ويستهزئ بها.
﴿ أولئك لهم عذاب مهين. ﴾ هؤلاء أصدقاء الباطل وأعداء الحق لهم عذاب شديد مذل مهين لهم جزاء عنادهم ومكابرتهم.
وقد ذكر جمهور المفسرين أن الآية نزلت في النضر بن الحارث كان يخرج تاجرا إلى فارس فيشتري أخبار الأعاجم وفي بعض الروايات كتب الأعاجم فيرويها، ويحدث بها قريشا ويقول لهم إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث رستم وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن فنزلت هذه الآيات.
ذكر ذلك ابن عطية في تفسيره وابن العربي والقرطبي وابن الجوزي والألوسي والواحدي في أسباب النزول والسيوطي في الدر المنثور مع اختلاف عباراتهم في حكاية ذلك بين التطويل والاختصار.
هل تدل هذه الآية على تحريم الغناء ؟
ذكر الطبري وغيره في تفسير هذه الآية أنها نزلت في قرشي اشترى مغنية شغل بها الناس عن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم
وروى الترمذي في سننه ( ٥ /٣٤٦/التفسير ) عن أبي أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال : " لا تبيعوا القينات ولا تشربوهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام " وفي مثل ذلك نزلت هذه الآية :﴿ ومن الناس من يشتري لهو الحديث... ﴾ الآية.
قال الترمذي هذا حديث غريب إنما يروي من حديث القاسم عن أبي أمامة والقاسم ثقة، وعلى بن يزيد يضعف في الحديث.
وقال ابن كثير عن هذا الحديث في تفسيره ( ٣/٤٤٢ ) على وشيخه والراوي عنه كلهم ضعفاء والله أعلم.
وقال ابن عطية في تفسيره ( ١١/٤٨٤ ) والذي يترجح أن الآية في لهو حديث مضاف إلى كفر فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله :﴿ ليضل عن سبيل الله بغير علم و يتخذها هزؤا... ﴾ وبالتوعد بالعذاب المهين وأما لفظة الشراء فتحتمل الحقيقة والمجاز. أه.
أما الحقيقة فإن النضر بن الحارث كان يشتري كتب الأعاجم وينقل منها حديث رستم واسفنديار ويقول : إن حديثي أحسن حديثا من محمد.
وأما المجاز فالمراد بالشراء هنا الاختيار والاستحسان والترغيب في الباطل حتى يشغل الناس عن القرآن والإسلام قال تعالى :﴿ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ﴾. ( البقرة : ١٦ ).
وقال قتادة : اشتراؤه : استحبابه، يختارون حديث الباطل على حديث الحق.
من تفسير القرطبي :
ذكر القرطبي في تفسيره ( ١٤/٥٤ ) حديث أبي أمامة وآثارا بنحوه في ذم الغناء والتحذير منه ثم قال : ولهذه الآثار وغيرها، قال العلماء بتحريم الغناء وهو الغناء المعتاد عند المشتهرين به الذي يحرك النفوس ويبعث على الهوى والغزل، والمجون الذي يحرك الساكن ويبعث الكامن فهذا النوع إذا كان في شعر يشبب فيه بذكر النساء ووصف محاسنهن وذكر الخمور والمحرمات : لا يختلف في تحريمه لأنه اللهو والغناء المذموم بالاتفاق.
فأما ما سلم من ذلك فيجوز القليل منه في أوقات الفرح، كالعرس والعيد وعند التنشيط على الأعمال الشاقة، فأما ما ابتدع اليوم من الإدمان على سماع المغاني بالآلات المطربة من الشبابات والطار والمعازف والأوتار فحرام.
وقد استطرد القرطبي في تفصيل أحكام الغناء والسماع كما فصل الألوسي ذاك أيضا عند تفسيره هذه الآية وأطال فيه. i
من الدر المختار :
التغني لنفسه لدفع الوحشة لا باس به عند العامة، على ما في ( العناية ) وصححه العيني وغيره وإليه ذهب شمس الدين السرخسي قال : ولو كان فيه وعظ وحكمة فجائز اتفاقا ومنهم من أجازه في العرس كما جاز ضرب الدف فيه ومنهم من أباحه مطلقا ومنهم من كرهه مطلقا انتهى كلام الدر.
من تفسير الألوسي :
ومثل الاختلاف في الغناء الاختلاف في السماع فأباحه قوم كما أباحوا الغناء واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري عن عائشة قالت :" دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه. "
وفي رواية لمسلم تسجى بثوبه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال : مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فاقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " دعهما " فلما غفل غمزتهما فخرجتا وكان يوم عيد. ii
والحق أن الغناء الذي لا يحرك الشهوة ولا يحث على الفجور وشرب الخمور يجوز في المناسبات كالعيدين كما ورد في حديث البخاري السابق عن عائشة وكالعرس لما ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم حينما علم بزواج قتادة قال : " هلا بعثتم معها من يقول :
أتيناكم أتيناكم *** فحيونا نحييكم
فلولا الحبة السعرا *** ءُ لم نحلل بواديكمiii
وعند التنشيط على القيام بالأعمال الشاقة كغناء وأناشيد أصحاب الحرف والصناعات وكحداء الإبل للصبر على قطع المفاوز واجتياز الصحراء كما يجوز سماع ذلك والله أعلم. iv
﴿ وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم. ﴾
المفردات :
ولى : أعرض عنها غير معتد بها.
مستكبرا : مبالغا في التكبر.
كأن لم يسمعها : مع أنه سامع.
وقرا : الوقر : الصمم كليا أو جزئيا وهو مانع من السماع.
فبشره : أعلمه وذكر البشارة للتهكم.
التفسير :
وإذا تقرأ على هذا الضال آيات الله أعرض عنها غير معتد بها، متكبرا مبالغا في الكبر وحاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو سامع كأن في أذنيه صمما وثقلا مانعا من السماع فأنذره يا أيها الرسول بالعذاب الأليم جزاء إعراضه عن آياتنا وتكبره عن الاستجابة لهدايتنا.
قال ابن كثير في تفسير الآية ما يأتي :
أي : هذا المقبل على اللهو واللعب والطرب، إذا تليت عليه الآيات القرآنية ولى عنها وأعرض وأدبر وتصام وما به من صمم كأنه ما يسمعها لأنه يتأذى بسماعها إذ لا انتفاع له بها ولا أرب له فيها.
﴿ فبشره بعذاب أليم. ﴾ أي : يوم القيامة يؤلمه كما تألم بسماع كتاب الله وآياته.
* * *
﴿ إن الذين ءامنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم( ٨ ) خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم( ٩ ) ﴾
المفردات :
جنات النعيم : أي جنات النعيم الكثير حيث يتنعمون بأنواع الملاذ من المأكل والمشارب.
التفسير :
﴿ إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم * خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم. ﴾
تأتي هاتان الآيتان في بيان جزاء المؤمنين الذي استجابوا لأمر الله فالذين آمنوا بالله وصدقوا المرسلين وعملوا الأعمال الصالحة المتابعة لشريعة الله مآلهم إلى جنات النعيم التي يتنعمون فيها بأنواع المأكل والملابس والمساكن والمراكب والنساء والنضرة والسماع الذي لم يخطر ببال أحد
﴿ خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم. ﴾
المفردات :
وعد الله حقا : أي هذا ثابت لا محالة لأنه وعد الله ووعده لا يتخلف.
العزيز : الذي قهر كل شيء ودان له كل شيء.
الحكيم : في أقواله وأفعاله.
التفسير :
وهم في ذلك مقيمون دائما فيها قد حقق الله لهم وعده، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد، وهو سبحانه العزيز الذي قهر كل شيء ودان له كل شيء الحكيم : في أقواله وفي أفعاله الذي يضع الشيء في موضعه.
* * *
﴿ خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم( ١٠ ) هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين( ١١ ) ﴾
المفردات :
بغير عمد : العمد واحدها عماد، وهو ما يعمد به أي : يسند به تقول : عمدت الحائط إذا دعمته.
رواسي : جبالا ثوابت.
تميد : تضطرب.
بث فيها : البث : الإثارة والتفريق كما قال الله تعالى : كالفراش المبثوث ( القارعة ٤ ) والمراد : الإيجاد والإظهار.
زوج : صنف.
كريم : شريف كثير المنفعة.
التفسير :
﴿ خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم. ﴾
خلق الله السماوات ورفعها فوق رؤوسنا بدون أعمدة ونحن نشاهدها صباح مساء مرفوعة عالية بدون أعمدة، مع أن بيوتنا لا ترتفع أسقفها إلا على أعمدة ومن تسبيح المؤمنين : سبحانه الأبدي الأبد سبحان من رفع السماء بلا عمد، سبحان من قسم الأرزاق فلم ينس أحد سبحان من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد.
فالضمير في ترونها : عائد على السماوات قال الحسن وقتادة : ليس لها عمد مرئية ولا غير مرئية ويجوز أن يعود الضمير على الأعمدة فيكون مخفوضا مثلها.
أي إن الله خلق السماوات بغير أعمدة مشاهدة بالعين وإن كانت لها أعمدة غير مرئية منها الجاذبية أو قوة القدرة الإلهية التي أبدعت كل شيء خلقته قال ابن عباس وعكرمة ومجاهد : لها عمد لا ترونها.
﴿ وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم.... ﴾ ووضع الله في الأرض جبالا راسية، أرست الأرض وثقلتها حتى لا تميد ولا تضطرب بأهلها قال تعالى : والجبال أرساها ( النازعات : ٣٢ ).
﴿ وبث فيها من كل دابة... ﴾ أوجد في الأرض من أصناف الحيوانات ما لا يعلم عدد أشكالها وألوانها إلا الذي خلقها.
﴿ وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم. ﴾
أنزل الله من السماء ماء، فأحيا به الأرض بعد موتها وأنبت فيها أصناف النباتات مختلفة الألوان والأشكال كما أنبت فيها أصناف الحيوان والإنسان.
قال الشعبي : والناس أيضا من نبات الأرض فمن دخل الجنة فهو كريم ومن دخل النار فهو لئيم.
وجاء في تفسير روح البيان للشيخ إسماعيل حقي البروسي المتوفى سنة ١١٣٧ ه :
واعلم وفقنا الله جميعا للتفكير في عجائب صنعه وغرائب قدرته- أن عقول العقلاء وأفهام الأذكياء قاصرة متحيرة في أمر النباتات والأشجار وعجائبها وخواصها وفوائدها ومضارها ومنافعها وكيف لا وأنت تشاهد اختلاف أشكالها وتباين ألوانها وعجائب صور أوراقها وروائح أزهارها وكل لون من ألوانها ينقسم إلى أقسام كالحمرة مثلا : كوردي وأرجواني وسوسني وشقائقي وخمري وعنابي وعقيقي ودموي وغير ذلك مع اشتراك الكل في الحمرة ثم عجائب روائحها ومخالفة بعضها بعضا واشتراك الكل في طيب الرائحة وعجائب أشكال أثمارها وحبوبها وأوراقها ولكل لون وريح وطعم وورق وثمر وزهر وحب خاصية لا تشبه الأخرى ولا يعلم حقيقة الحكمة فيها إلا اللهو الذي يعرفه الإنسان في ذلك بالنسبة إلى ما لا يعرفه كقطرة من بحر. v أه.
من ألوان البيان :
في الآية بيان قدرة الخالق الذي خلق السماء مرتفعة بغير همد مرئية واحكام بناءها وحفظها من السقوط، وبسط الأرض وحفظ توازنها بالجبال المرتفعة الشاهقة، ونثر فيها المخلوقات من الحيوان والإنسان ثم تحدث عن قدرة الرازق بعد أن تحدث عن قدرة الخالق فبين قدرته على إنزال المطر وإنبات صنوف النباتات المتعددة كثيرة المنافع جميلة المنظر.
﴿ هذا خلق الله فاروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين. ﴾
التفسير :
أي هذا الذي ذكر من خلق السموات والأرض وما فيها من جمال وإبداع ونظام خلق الله الواحد القادر المستحق للعبادة ومع هذا فأنتم عبدتم الأوثان والأصنام وغير ذلك من المخلوقات فأخبروني ماذا خلقت هذه الأصنام حتى يكونوا شركاء لله.
ثم صرح بظلم أهل مكة، وشركهم وضلالهم الواضح فقال :﴿ بل الظالمون في ضلال مبين ﴾ أي الكافرون من أهل مكة ظلموا أنفسهم بعدولهم عن الإيمان والإسلام إلى الضلال الواضح البين.
***
﴿ ولقد ءاتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد( ١٢ ) وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم( ١٣ ) ﴾
المفردات :
لقمان : كان نجارا أسود من سودان مصر ذا مشافر آتاه الله الحكمة.
الحكمة : العقل والفطنة.
الشكر : الثناء على الله تعالى وإصابة الحق وحب الخير للناس وتوجيه الأعضاء وجميع النعم لما خلقت له.
تمهيــد :
حكم منسوبة إلى لقمان
نسب إلى لقمان من المقالات الحكيمة شيء كثير كقوله لابنه ما يأتي :
أي بني إن الدنيا بحر عميق وقد غرق فيها ناس كثيرون فاجعل سفينتك فيها تقوى الله تعالى وحشوها الإيمان وشراعها التوكل على الله لعلك تنجو ولا أراك ناجيا.
وقوله : من كان له من نفسه واعظ كان له من الله حافظ.
وقوله : من أنصف الناس من نفسه زاده الله بذلك عزا والذل في طاعة الله أقرب من التعزز بالمعصية. ٠
وقوله يا بني لا تكن حلوا فتبتلع ولا مرا فتلفظ.
وقوله يا بني : إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه قبل ذلك فإن أنصفك عند غضبه فآخه وإلا فاحذره.
التفسير :
﴿ ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد. ﴾
ولقد أعطينا لقمان الفهم والعقل وحسن التبصر والإصابة في القول وأمرناه أن يشكر الله عز وجل على ما آتاه وخصه به من بين أبناء جنسه وأهل زمانه ومن يشكر الله فإن فائدة الشكر إنما تعود عليه حيث يمنحه الله زيادة في النعمة والحكمة ومن يكفر بنعمة الله فإنما يعود ضرر الكفر على نفسه لن الله غني عن عباده محمود بالفعل في السماء والأرض.
قال تعالى :﴿ يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ﴾. ( فاطر : ١٥ ).
وقد أفاض الطبري في وصف لقمان وحكمته وبلده، وكذلك ابن كثير وجمهور المفسرين على أن لقمان كان عبدا صالحا أعطاه الله الحكمة، ورجح ابن كثير انه كان عبدا صالحا حكيما ولم يكن نبيا واستند إلى أن بعض الروايات أفادت أنه كان عبدا مملوكا لبعض الناس ثم من الله عليه بالحكمة والعلم والقبول فرآه زميل له في مجلس وقد خضع له الناس وأنصتوا واستمعوا فقال له : ألست أنت الذي كنت ترعى معي الغنم في مكان كذا وكذا ؟ قال : نعم، ما بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث والصمت عما لا يعنيني.
وروى جابر عن عكرمة قال : كان لقمان نبيا.
وذهب ابن كثير إلى انه لم يكن نبيا لأن الرسل تبعث في أحساب قومها قال : وجمهور السلف على أنه لم يكن نبيا وإنما نقل كونه نبيا عن عكرمة وإسناده ضعيف والله أعلم.
وروى ابن كثير في تفسيره عن قتادة عن عبد الله بن الزبير قال قلت : لجابر بن عبد الله ما انتهى إليكم من شأن لقمان ؟ قال : كان قصيرا أفطس من النوبة.
وقال يحيى بن سعيد الأنصاري عن سعيد بن المسيب قال : كان لقمان من سودان مصر ذا مشافر أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة. vi
تمهيــد :
حكم منسوبة إلى لقمان
نسب إلى لقمان من المقالات الحكيمة شيء كثير كقوله لابنه ما يأتي :
أي بني إن الدنيا بحر عميق وقد غرق فيها ناس كثيرون فاجعل سفينتك فيها تقوى الله تعالى وحشوها الإيمان وشراعها التوكل على الله لعلك تنجو ولا أراك ناجيا.
وقوله : من كان له من نفسه واعظ كان له من الله حافظ.
وقوله : من أنصف الناس من نفسه زاده الله بذلك عزا والذل في طاعة الله أقرب من التعزز بالمعصية. ٠
وقوله يا بني لا تكن حلوا فتبتلع ولا مرا فتلفظ.
وقوله يا بني : إذا أردت أن تؤاخي رجلا فأغضبه قبل ذلك فإن أنصفك عند غضبه فآخه وإلا فاحذره.
﴿ وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. ﴾
التفسير :
واذكر إذ قال لقمان الحكيم لابنه المشفق عليه وهو ينصحه ويقدم له التذكير بالخير فيما يرق له القلب قائلا له :﴿ يا بني لا تشرك بالله... ﴾ أي اعبد الله وحده، ولا تشرك بعبادته أحدا من خلقه، فليس من العدل أن تسوى بين الخالق الرازق الذي بيده الخلق والأمر وهو على كل شيء قدير وبين من لا يخلق ولا يرزق ولا يتصور منه شيء من ذلك.
﴿ إن الشرك لظلم عظيم. ﴾ أي أعظم الظلم والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه ومن أشرك بالله فقد وضع العبادة والتأليه والخضوع والدعاء في يغر موضعه.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله قال لما نزلت :﴿ الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم... ﴾ ( الأنعام : ٨٢ ) شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنه ليس بذاك إلا تسمع إلى قول لقمان : يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ". vii
وفي الحديث الصحيح أن رجلا قال يا رسول الله أي الذنب أعظم ؟ قال : " أن تجعل لله ندا وهو خلقك " قال ثم أي ؟ قال : " أن تقتل ولدك مخافة أن يأكل معك " قال : ثم أي ؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك ". viii
***
﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير( ١٤ ) وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون( ١٥ ) ﴾
المفردات :
الوهن : الضعف.
الفصال : الفطام.
التفسير :
﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير. ﴾
هذا كلام مستأنف على نهج الاستطراد في أثناء وصية لقمان تأكيدا لما في الوصية من النهي عن الإشراك فهو من كلام الله عز وجل ولم يقله لقمان وقيل : هو من كلامه تعالى للقمان.
والمعنى :
وأمرنا الإنسان أن يحسن إلى والديه وأن يرد الجميل إليهما فقد تكفلا بتربيته ورعايته ووصيناه بالأم خاصة، لأنها تحملت المشقة والوهن والضعف في الحمل والولادة والرضاع والكفالة وقيل :
﴿ وهنا على وهن... ﴾ مشقة على مشقة.
قال الزجاج : المراد إذا حملت توالى عليها الضعف والمشقة، ويقال : الحمل ضعف، والطلق ضعف والوضع ضعف وقيل : الحمل كلما عظم ازدادت ثقلا وضعفا.
﴿ وفصاله في عامين.... ﴾ أي فطامه في عامين والحولان نهاية مدة القضاء.
قال تعالى : والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة... ( البقرة : ٢٢٣ ).
ومفهوم الآية أنهما الغاية التي لا تتجاوز والأمر فيما دون ذلك موكول إلى اجتهاد الأم.
﴿ أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ﴾، وصينا الإنسان أن يشكر لقاء ما أنعم به عليه من النعم التي لا تحصى وأن يشكر والديه لقاء ما تحملا في سبيل تربيته وذلك بالدعاء لهما والبر بهما وإكرامهما وطاعتهما والمرجع والمصير إلى الله تعالى فيجازى عباده على ما قدموا وفي الحديث الشريف " والذي نفس محمد بيده لتموتن كما تنامون ولتبعثن كما تستيقظون ولتحاسبن على ما تعلمون ولتجزون بالإحسان إحسانا وبالسوء سوءا وإنها لجنة أبدا أو لنار أبدا ".
وروى ابن كثير عن معاذ بن جبل أنه قال في خطبة له : وأن المصير إلى الله وإلى الجنة أو إلى النار إقامة فلا ظعن وخلود فلا موت.
﴿ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون. ﴾
المفردات :
جاهداك : حرصا على متابعتك لهما في الكفر.
أناب : رجع.
التفسير :
وإن حملك والداك بجهد على أن تشرك بالله ما لا تعلم أنه إله والله تعالى لا شريك له- فلا تطعهما في الشرك ومع هذا صاحبهما بالمعروف والكرم والمروءة والبر مثل القيام بشئونهما من طعام وكسوة وعدم جفائهما وكذلك رعايتهما في المرض والموت وما يتصل بذلك من شؤون الدنيا فهي قصيرة الأمد.
﴿ واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون. ﴾
واسلك طريق المؤمنين الراشدين الملتزمين ولا تتبع والديك المشركين وإن كنت مأمورا بحسن مصاحبتهما في الدنيا ثم إن المرجع والمآب إلى الله والجزاء منه تعالى.
قال تعالى : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره *ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره. ( الزلزلة : ٧-٨ ).
والآية الكريمة نزلت في سعد بن أبي وقاص ورد ذلك في كتب التفسير وأسباب النزول.
قال ابن جرير الطبري : وذكر أن هذه الآية نزلت في سعد بن أبي وقاص وأمه.
قال سعد لما أسلمت حلفت أمي لا تأكل الطعام ولا تشرب شرابا فناشدتها أول يوم فأبت وصبرت فلما كان اليوم الثاني ناشدتها فأبت فلما كان اليوم الثالث ناشدتها فأبت فقلت : والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا فلما رأت ذلك وعرفت أني لست فاعلا أكلت. ix
***
﴿ يا بني إنها أن تك مثقال حبة خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير( ١٦ ) يا بني أقم الصلواة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور( ١٧ ) ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور( ١٨ ) واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير( ١٩ ) ﴾
المفردات :
إنها : أي الخصلة من الإساءة أو الإحسان.
إن تك : أي إن تكن في الصغر قدر حبة الخردل مثلا.
مثقال : المثقال ما يقدر به غيره لتساوى ثقلهما وهو في العرف معلوم وزنه.
يأت بها الله : يحضرها فيحاسب عليها.
لطيف : يصل علمه إلى كل خفي.
خبير : عالم بكنهه.
التفسير :
﴿ يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير. ﴾
هذه وصايا نافعة قد حكاها الله تعالى عن لقمان الحكيم ليمتثلها الناس ويقتدوا بها فقال :
﴿ يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل... ﴾
أي : إن المظلمة أو الخطيئة لو كانت في الصغر قدر حبة الخردل مثلا وكانت مع ذلك في أخفى مكان وأحرزه كجوف الصخرة أو بعيدة في السماء أو قريبة في الأرض.
﴿ يأت بها الله.... ﴾
يحضرها الله يوم القيامة، حين يضع الموازين القسط ويجازي عليها إن خيرا فخيرا وإن شرا فشر.
قال تعالى : ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين. ( الأنبياء ك ٤٧ ).
وقوله تعالى ﴿ يأت بها الله... ﴾ إما على ظاهره أو معناه : بمعنى يحضر ثوابها وجزائها ويجعلها كالحاضر المشاهد للتذكير والاعتراف بها.
﴿ إن الله لطيف خبير ﴾ يصل علمه إلى كل خفي فلا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت واستترت.
خبير : عالم بكنهه ومستقره عالم بدبيب النمل في الليل البهيم.
﴿ يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور. ﴾
المفردات :
إن ذلك : إشارة إلى ما ذكر من الصبر على ما أصابك وغيره.
من عزم الأمور : مما عزمه الله وقطعه على عباده وأمر به.
التفسير :
يا بني حافظ على الصلاة بحدودها وأركانها وخشوعها و أدائها في أوقاتها لتكون صلة بين العبد وربه
﴿ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر... ﴾ بحسب طاقتك وجهدك محتسبا لله صابرا على ما تلقاه في سبيل الله إن الصبر على ما أصابك وعلى سائر ما أمرت به مما عزمه الله تعالى وأمر به أمر إيجاب وإلزام فلزم قبوله والعمل به والحرص عليه.
﴿ ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور. ﴾
المفردات :
ولا تصغر خدك : ولا تمل خدك عن الناس ولا تولهم صفحة وجهك كما يفعل المتكبرين.
التفسير :
ولا تتكبر على عباد الله ولا تمل خدك تيها وعجبا بل تواضع للناس.
قال الطبري :
وأصل الصعر داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رءوسها حتى يلوى أعناقها عن رؤوسها فشبه به الرجل المتكبر ومنه قول عمرو التغلبي :
وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما
﴿ ولا تمش في الأرض مرحا... ﴾ جذلا فرحا متكبرا متبطرا جبارا عنيدا أي : لا تفعل ذلك فيبغضك الله.
﴿ إن الله لا يحب كل مختال فخور... ﴾ والمختال : المتكبر المعجب بنفسه وهو مأخوذ من الخيلاء وهو التبختر في المشي كبرا.
والفخور : كثير الفخر والمباهاة بنفسه وماله و أعماله وعطائه والقليل منه جائز إذا كانا تحدثا بنعمة الله مثل اختيال المجاهدين بين الصفين.
﴿ واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير... ﴾
التفسير :
أي امش مشيا وسطا بين ليس مثل دبيب المتماوتين ولا مثل سرعة المفرطين بل سيرا مقتصدا معتدلا والقصد : الاعتدال.
﴿ واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير... ﴾ أي : اخفض من صوتك واجعله قصدا ولا ترفعه إذا تكلمت فالصوت الهادئ أوقر للمتكلم وابسط لنفس السامع وفهمه وإن أقبح ما يستنكر من الأصوات ويستكره منها صوت الحمير.
وهذا تعبير بالصورة حيث لفت الأنظار إلى صورة الحمار عند نهيقه تحذيرا من رفع الصوت حتى لا يتنبه صاحبه بالحمار وهي صورة للتحذير والتنفير من رفع الصوت وقد استشهد الحافظ ابن كثير بحديث النبي صلى الله عليه وسلم " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطانا " x ثم قال ابن كثير وقد أخرجه بقية الجماعة سوى ابن ماجة وفي بعض الألفاظ : " بالليل " فالله أعلم.
وساق ابن كثير في تفسيره طائفة من حكم لقمان مثل : إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك.
ثم ساق فصلا في الخمول والتواضع وفصلا آخر في ذم الشهرة أو الاشتهار بين الناس بالبدعة أو الفسوق ثم فصلا في حسن الخلق ثم فصلا في ذم الكبر وفصلا في ذم الاختيال.
وكلها تتلاقى على رسم صورة للمؤمن الموصول قلبه بالله فهو متواضع ملتزم بمكارم الأخلاق بعيد عن التكبر والتجبر يفر من البدعة والخروج عن الصراط المستقيم وهو ملتزم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم في رحمته وتواضعه ومراقبته لله وبعده عن التكبر والتجبر وهذا الوصايا النافعة في سورة لقمان ورد نظير لها في سورة الإسراء وأيضا ورد وصف عباد الرحمان في سورة الفرقان ومجموع هذه الوصايا التي وردت في الآيات ٢٢-٣٩، من سورة الإسراء وفي الآيات ٦٣-٧٧، من سورة الفرقان وفي الآيات ١٢-١٩، من سورة لقمان هذه المواطن الثلاثة في القرآن الكريم تكون نموذجا مثاليا لمكارم الأخلاق في القرآن الكريم كما ورد في السنة المطهرة طائفة من الأحاديث النبوية الصحيحة تحث المسلمين على التمسك بروح هذا الدين مثل التكافل والتراحم والتعاون والبعد عن الخصام والسخرية والاستهزاء وتطفيف الكيل والميزان والزنا والربا والغرور وأكل أموال الناس بالباطل.
أي أن القرآن والسنة يتلاقيان في الحث على مكارم الأخلاق ويحذران من الكبائر والرذائل.
قال صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لأنعم مكارم الأخلاق ". xi
قال صلى الله عليه وسلم : " أن أحبكم إلي وأقربكم مني منازل يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا الموطئون أكنافا الذين يألفون ويؤلفون وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني منازل يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون قيل يا رسول الله هؤلاء الثرثارون المتشدقون فما المتفيهقون ؟ قال " المتكبرون ". xii
***
﴿ ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير( ٢٠ ) وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه ءاباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير( ٢١ ) ﴾
المفردات :
سخر : ذلل والتسخير : سياقة الشيء إلى الغرض المختص به قهرا.
أسبغ : أتم وأكمل.
نعمه : جمع نعمة، وهي كل نفع قصد به الإحسان.
يجا دل : يحاور ويخاصم وينازع في توحيد الله وعبادته وصفاته.
بغير علم : بغير برهان من الله.
ولا هدى : ولا هدى من الله.
كتاب منير : كتاب مرشد.
التفسير :
﴿ ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. ﴾
ألم تشاهدوا أيها الناس من أدلة القدرة الإلهية أن الله ذلل لكم الاستفادة مما خلق في هذا الكون حيث جعل السماء سقفا مرفوعا وزينها بالنجوم والشمس والقمر والملائكة والسحاب والمطر.
وذلل لكم ما في الأرض من النبات والأشجار والأنهار والبحار والثمار والهواء والفضاء والليل والنهار والمعادن والدواب وما لا يحصى من النعم.
وأسبغ عليكم نعمه الظاهرة منها كالسمع والبصر وحسن القامة، وتسوية الأعضاء كاليدين والقدمين والشفتين واللسان والبلعوم والمريء والقلب والمعدة وسائر الأجهزة كالجهاز الهضمي والجهاز العصبي والجهاز التناسلي والجهاز اللمفاوي كما أسبغ عليكم النعم الباطنة التي تشاهد آثارها كالهداية والفهم والعقل.
وكم في بدن الإنسان من نعم لا يعلمها ولا يهتدي إلى العلم بها وصدق الله العظيم وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها... ( النحل : ١٨ ).
فالإنسان مغمور في كل لحظة من لحظات الليل والنهار بنعم الله السابغة الوافرة التي لا يدرك مداها ولا يحصى أنماطها.
﴿ ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. ﴾
مع وضوح الأدلة على وجود الله وظهور آياته في الآفاق وتعدد نعمائه وآلائه فإن فريقا من المنكرين الجاحدين ينكرون وجود الله ولا يشكرون ولا يذكرون ولا يتدبرون ما حولهم ولا يوقنون بالمنعم المتفضل الكريم وهم في جدالهم لا يعتمدون على كتاب مأثور أو علم صحيح معقول أو هداية من رسول يوحى إليه أو كتاب مبين كالقرآن الكريم.
﴿ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير. ﴾
المفردات :
ما انزل الله : أي على الرسول من الشرائع المطهرة.
ما وجدنا عليه آباءنا : يريدون ما عبد آباؤهم من دون الله.
التفسير :
وإذا قيل لكفار مكة أو النضر بن الحارث وأبي بن خلف وأشباههم من المجادلين بالباطل : اتبعوا ما أنزل الله من الوحي والقرآن على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قال هؤلاء المجادلون المكابرون : بل نتبع ما وجنا عليه آباءنا من عبادة الأوثان والتقرب على الأصنام فيصرون على التقليد الأعمى لآبائهم قل لهم يا محمد : أتتبعون الآباء وتصرون على تقليدهم بدون تعقل أو تفكير وإن كان الشيطان هو الذي يوسوس للآباء والأجداد ليصدهم عن طاعة الله ويزين لهم الضلال والكفر وعبادة الأوثان حتى تكون نهايتهم النار وعذابها وسعيرها وأهوالها.
وقريب من الآية قوله تعالى : وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أو لو كانا آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون. ( البقرة : ١٧٠ ).
والآية دليل واضح على تحرير الإسلام للعقل والفكر ووجوب النظر في الدليل والحجة والبعد عن التقليد والجمود.
قال الألوسي :
وفي الآية دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر.
وأما اتباع الغير في الدين بعد العلم بدليل ما أنه محق فاتباع في الحقيقة لما أنزل الله تعالى وليس من التقليد المذموم في شيء وقد قال سبحانه : فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. ( النحل : ٤٣ ).
***
﴿ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور( ٢٢ ) ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور( ٢٣ )نمتعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ( ٢٤ ) ﴾
المفردات :
يسلم وجهه : يفوض إلى الله جميع أموره.
محسن : مطيع لله في أمره ونهيه.
العروة الوثقى : أوثق العرى وأمتنها وهو مثل وأصله : أن من يرقى إلى جبل شاهق أو يريد النزول منه يستمسك بحبل متين مأمون الانقطاع.
عاقبة الأمور : مصير الأمور ونهايتها.
التفسير :
﴿ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وغلى الله عاقبة الأمور. ﴾
ومن يفوض أمره إلى الله ويعتمد عليه سبحانه مع إخلاص القلب وطهارة النية فقد تمسك بالعروة الوثقى، والحبل القوي المتين.
والأصل في العروة الوثقى : أنها الحبل القوي الذي إذا أراد إنسان صعود جبل أو النزول منه تعلق به فهي تعبير مصور لبيان أن المسلم المخلص لله المعتمد عليه متمسك بأقوى سبب وأوثق قوة.
﴿ وإلى الله عاقبة الأمور ﴾ أي : مصير الأمور ونهايتها إلى الله ومن وجد الله وجد كل شيء ومن فقد الله فقد كل شيء.
قال ابن كثير
﴿ فقد استمسك بالعروة الوثقى... ﴾ أي : فقد أخذ موثقا من الله متينا أنه لا يعذبه.
وقال الفخر الرازي في التفسير الكبير :
أوثق العرى جانب الله لأن كل ما عداه هالك منقطع وهو باق لا انقطاع له.
﴿ ومن كفر فلا يحزنك كفره إلينا مرجعهم فننبئنهم بما عملوا إن الله عليم بذات الصدور ﴾
المفردات :
فننبئهم : فنخبرهم.
ذات الصدور : خبيئة القلوب ودخيلتها.
التفسير :
يقابل القرآن بين موقف المؤمن المستمسك بحبل الله تعالى وموقف الكافر فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تحزن ولا تبتئس بإصرار الكافرين على الكفر وإعراض المشركين عن دعوة التوحيد فكل هؤلاء سيرجعون إلى الله تعالى في الآخرة فيعلمهم بأعمالهم ويحاسبهم ويجازيهم جزاء عادلا من جنس أعمالهم فالله تعالى مطلع على ما في نفوسهم وخبير بخبيئة القلوب ودخيلتها قال تعالى على لسان لقمان الحكيم :
يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير. ( لقمان : ١٦ ).
جاء في صفوة التفاسير للشيخ محمد على الصابوني :
﴿ إن الله عليم بذات الصدور ﴾ أي : عليم بما في قلوبهم من الذكر والكفر والتكذيب فيجازيهم عليه.
﴿ نمتعهم قليلا ثم نضطرهم على عذاب غليظ ﴾
المفردات :
نضطرهم : نلجئهم ونلزمهم.
عذاب غليظ : عذاب شديد ثقيل ثقل الأجرام الغلاظ.
التفسير :
هؤلاء الكفار يتمتعون في الحياة الدنيا بما يستمتع به الكافر من زينة الدنيا وبهجتها لكنه في الآخرة يلجأ لجوء المضطر إلى عذاب شديد اليم يضيق عليه في جهنم وإذا شاهد ألوان العذاب والضيق رأي أنه لم ير نعيما قط في الدنيا بالنسبة لما هو فيه من ألوان العذاب.
قال تعالى : متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون. ( يونس : ٧٠ ).
وقد عبر القرآن عن متاع الدنيا بأنه قليل لأن الآخرة هي الحياة الحقيقة البرزخية الأبدية.
قال تعالى : قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا. ( النساء : ٧٧ ).
وقال سبحانه وتعالى : بل تؤثرون الحياة الدنيا *والآخرة خير وأبقى. ( الأعلى : ١٦-١٧ ).
وفي الحديث النبوي الشريف : إذا دخل المؤمن الجنة قال الله تعالى له : يا عبدي هل رأيت بؤسا قط، فيقول لا يا رب ما رأيت بؤسا قط، وإذا دخل الكافر جهنم قال له الله تعالى : يا عبدي هل رأيت نعيما قط ؟ فيقول لا يا رب لم أر نعيما قط ". xiii
فالكافر من هول ما يرى من العذاب الغليظ يهون ويضعف ويذهب في سبيل البعد عنه كل نعيم فيقول : يا رب لم أر نعيما قط، بجوار ما أنا فيه من العذاب.
قال تعالى : وإن الدار الآخرة لهي الحياة لو كانوا يعلمون. ( العنكبوت : ٦٤ ).
أي أن الحياة الحقيقة الأبدية السرمدية هي حياة الآخرة.
***
﴿ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولهن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون( ٢٥ ) لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغني الحميد( ٢٦ ) ﴾
التفسير :
﴿ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون. ﴾
أقسم حقا أنك يا محمد إذا سألت هؤلاء المشركين من الذي خلق السموات والأرض ؟ فإن إجابتهم ستكون خلقهن الله.
فهذه السماء المرفوعة الممتدة العالية لا يرفعها ولا يمسكها غير الله وهذه الأرض المبسوطة الممتدة الواسعة الأطراف طولا وعرضا لا يحفظها غير الله والفطرة السليمة تشهد بأن هذا الخلق البديع المنظم لا يقدر على خلقه غير الله ولم يدع أنه خلق السموات والأرض ولا بد لهما من خالق لأن كل مخلوق لابد له من خالق ولن يكون هذا الخالق إلا الله.
﴿ قل الحمد لله.... ﴾
الحمد لله الخالق القادر الحمد لله الذي أبدع في فطرة الإنسان الاعتراف بالحق وبالعظمة والقدرة لله والحمد لله على كل حال.
﴿ بل أكثرهم لا يعلمون... ﴾
أي : أكثر المشركين لا يعلمون من له الحمد ومن له الخلق والأمر ومن يستحق العبادة، ومن ثم يجادلون ويجهلون منطق الفطرة ودلالة هذا الكون على خالقه العظيم.
﴿ لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغني الحميد... ﴾
التفسير :
الله تعالى له ما في السموات من أملاك وأفلاك وأبراج وشموس وأقمار وغير ذلك وله ما في الأرض من خلق وشجر ونهر وبحر وجبل وسهل وغير ذلك له سبحانه ما فيهما ملكا وخلقا وتصرفا، وليس ذلك لأحد سواه فلا يستحق العبادة فيهما غيره إن الله تعالى هو الغني : عن جميع خلقه الحميد : المحمود على سائر صفاته وألطافه وإنعامه.
قال تعالى : يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد. ( فاطر : ١٥ ).
***
﴿ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم ( ٢٧ )ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير( ٢٨ ) ﴾
التفسير :
﴿ ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم... ﴾
تدل الآية على سعة علم الله تعالى فكمالاته تعالى لا تحد، وقدرته وعلمه وإرادته وسائر صفاته لا حدود لها.
ويضرب القول مثالا محسوسا حيث كانت الناس تكتب بأقلام البوص وتملأ الدواة أو الزجاجة بالحبر لكتابتها المحدودة فأفاد القرآن أن جميع ما في الأرض من أشجار لو تحولت إلى أقلام والبحر تحول إلى مداد لتكتب كلمات الله وآياته ومعلوماته لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله ولو جئنا لهذا البحر بسبعة أبحر مثله وتحولت البحور إلى مداد لتكتب آيات الله وكلماته فستنفد البحور كلها قبلا أن تنفذ كلمات الله وآياته.
إن الله عزيز غالب مقتدر، حكيم : في تصرفاته فلا يخرج عن الحكمة ما يتلكم به.
وفي معنى الآية يقول الله تعالى :﴿ قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ﴾. ( الكهف : ١٠٩ ).
وقد ذكر ابن كثير وغيره أن سبب نزول هذه الآية ما يأتي :
قال المشركون : إنما هذا الكلام الذي يأتي به محمد يوشك أن ينفذ فقال تعالى : ولو انما في الأرض من شجرة أقلام...
وعن ابن عباس : أن أحبار يهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أرأيت قولك : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا. ( الإسراء : ٨٥ ) إيانا تريد أم قومك ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " كلا عنيت " فقالوا : ألست تتلوا فيما جاءك أنا قد أوتينا التوراة فيها تبيان لكل شيء ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : " إنها في علم الله قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم " وأنزل الله فيما سألوه عنه من ذلك : ولو أنما في الأرض في من شجرة أقلام.... أه.
قال العلماء : والمراد بالآية الإعلام بكثرة معاني كلمات الله وهي غير متناهية في نفسها وإنما قرب الأمر بهذا المثال لأفهام البشر بما يتناهى لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة لا أنها تنفذ بأكثر من هذه الأقلام والبحور...
قال الألوسي : والمراد بكلمات الله تعالى كلمات علمه سبحانه وحكمته.
وقيل : المراد بها مقدوراته وعجائب خلقه والتي إذا أراد سبحانه شيئا منها قال له كن فيكون أه.
وفي التفسير الوسيط بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ما يأتي :
ليس المراد بذكر العدد في قوله : سبعة أبحر : خصوص العدد وإنما المراد الكثرة واختير عدد سبعة بخصوصه من بين الأعداد لأن كثيرا من المعدودات التي لها شان سبع كالسماوات والكواكب السيارة وأيام الأسبوع إلى غير ذلك. أه.
ومما يستحق التأمل أننا الآن في عام ١٤٢١ ه، بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرنا على نزول القرآن الكريم وقد كتب في تفسير القرآن الكريم أكثر من ثلاثة آلاف تفسير فضلا عن كتب علوم القرآن وبلاغته وإعرابه وإعجازه وما يتصل به من دراسات متعددة، ولا يزال القرآن الكريم مصدر هداية وإعجاز وإرشاد ومع تقدم العلوم والتقنية فإن هذا التقدم العلمي لم يصطدم بأي حقيقة علمية ذكرت في القرآن بل إن العلم الحق أصبح يؤكد ويؤيد ويتناسق مع ما ذكره القران.
وفي كتاب : " التوراة والإنجيل " والقرآن في ضوء العلم " للمستشرق موريس بوكاي ما يفيد الآتي : تكلمت التوراة عن بدء الخليقة وعن أمور تاريخية وعلمية واصطدمت أخبار التوراة بحقائق العلم وكذلك الأناجيل لكن القرآن تكلم عن خلق الكون وخلق آدم ومراحل تكون الجنين في بطن أمه وانتهاء إحساس الجلد بالعذاب بعد احتراقه وأهمية الحديد والصلب في الصناعة والعلم وتنوع الاختراعات والابتكارات في آفاق العلم وفي آفاق النفس وتطور وسائل المواصلات ونقص الأكسجين في طبقات الجو العليا واضطراب الكون عند نهاية الدنيا وتحول الشمس إلى ما يشبه النجوم القزمة وتسيير الجبال وتشقق السماء وانطماس ضوء النجوم وانمحاق الشمس والقمر وتبديل الأرض والسموات وغير ذلك من الحقائق التي أيدها العلم ولا يزيدها التقدم العلمي إلا تأييدا وتصديقا مما يؤيد أن القرآن هو حقا كتاب الله وأنه معجز خصوصا أنه نزل على نبي أمي خلال القرن السادس الميلادي ولم تكن اكتشفت حقائق علمية كثيرة عرفت فيما بعد.
فالدورة الدموية مثلا يعتبرها العلماء من ابتكار هارفي في القرن العاشر الميلادي وهذه الحقيقة جاءت على لسان نبي أمي في قول القرآن الكريم : وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين. ( النحل : ٦٦ )..
وكذل في قوله تعالى : سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد. ( فصلت : ٥٣ ).
والخلاصة : القرآن كلام الله حقا ومعانيه وآدابه وأحكامه وتشريعاته وهدايا ته لا نهاية لفضلها وبركتها.
كما قال سبحانه : ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات الله إن الله عزيز حكيم.
﴿ ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير ﴾
التفسير :
قدرة الله لا حدود لها فهو على كل شيء قدير وخلق الخلائق جميعا من أول آدم إلى قيام الساعة هين على الله تعالى كخلق نفس واحدة وبعث جميع الخلائق وإخراجهم من قبورهم وإعادة الحياة إليهم للحساب والجزاء هين على الله تعالى كبعث نفس واحدة لأن الله تعالى على كل شيء قدير فهو يصدر الأمر مرة واحدة لا يكرره.
قال تعالى : إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون. ( يس : ٨٢ ).
وقال تعالى : وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم. ( الروم : ٢٧ ).
قال ابن كثير :
أي : ما خلق جميع الناس وبعثهم يوم الميعاد بالنسبة على قدرته إلا كنسبة خلق نفس واحدة الجميع هين عليه. قال تعالى : وما أمرنا إلا واجدة كلمح البصر. ( القمر : ٥٠ ).
أي : لا يأمر بالشيء إلا مرة واحدة فيكون ذلك الشيء لا يحتاج إلى تكراره وتوكيده.
﴿ إن الله سميع بصير ﴾
أي كما هو سميع لأقوالهم بصير بأفعالهم كسمعه وبصره بالنسبة إلى نفس واحدة كذلك قدرته عليهم كقدرته على نفس واحدة.
ولهذا قال تعالى : ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة إن الله سميع بصير.
***
﴿ ألم تر ان الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى اجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير( ٢٩ ) ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير( ٣٠ ) ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من ءاياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور( ٣١ ) وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور( ٣٢ ) ﴾
المفردات :
يولج الليل : يدخل الليل والمراد : أنه يضيف الليل إلى النهار والعكس بالعكس فيتفاوت بذلك حال أحدهما زيادة ونقصانا.
سخر : سير وذلل.
كل يجري : كل يسير سيرا سريعا.
إلى أجل مسمى : قيل هو يوم القيامة وقيل هو منتهى دورتهما.
تمهيـد :
تعدد الآيات جانبا من دلائل القدرة الإلهية والنعم المتعددة من الله على عباده ومن هذه النعم ما يأتي :

١-
زيادة الليل في الشتاء والنهار في الصيف وتسخير الشمس والقمر طلوعا وأفولا.

٢-
الله هو الحق والأصنام والأوثان باطل.

٣-
السفن تسير في البحر تحمل نعم الله من القمح والشعير والأغذية والفواكه والملابس وسائر الأمتعة ليستفيد من ذلك المصدر والمستورد.

٤-
راكب البحر يتعرض لهياج البحر فيخلص في الدعاء فإذا هدأ البحر ووصل إلى اليابسة فالناس قسمان : مؤمن شاكر وكافر جاحد.
التفسير :
﴿ ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير. ﴾
ألم تنظر أيها العاقل أو يا كل من يتأتى منه النظر أن الله يطيل الليل في الشتاء فياخذ الليل من ساعات النهار تدريجيا حتى يصل الليل إلى أربع عشرة ساعة، ثم يقصر الليل تدريجيا حتى يصل في الصيف إلى عشر ساعات والنهار إلى أربع عشرة ساعة وقد ذلل الشمس والقمر وخلقهما مسخرين تطلع الشمس في ميعادها تملأ الكون بأشعتها وتنير للمخلوقين وتمد الكون بالضوء والحرارة ويستفيد منها الإنسان والحيوان والنبات والفضاء والهواء والأفلاك والأقمار وقد سخر الله القمر فيبدأ هلالا صغيرا ثم يكبر تدريجيا حتى يصبح بدرا كاملا ثم يتناقص فيرجع صغيرا كما بدأ وإذا انتهى أمر الدنيا انعدم ضوء الشمس وانعدم ضوء القمر فالشمس والقمر نيران مسخران إلى أمد محدد هو يوم القيامة، أو نهاية عمرهما حيث تصبح الشمس من النجوم القزمة.
قال تعالى : إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت. ( التكوير : ١-٢ ).
أي : إذا انتهت وظيفة الشمس والنجوم قامت القيامة وبدأ الحساب والجزاء.
﴿ وأن الله بما تعملون خبير ﴾
فهو سبحانه مطلع وشاهد يرى كل شيء لا تخفى عليه خافية وسيحاسب الإنسان على عمله ويجازيه عليه جزاء السميع البصير الخبير.
تمهيـد :
تعدد الآيات جانبا من دلائل القدرة الإلهية والنعم المتعددة من الله على عباده ومن هذه النعم ما يأتي :

١-
زيادة الليل في الشتاء والنهار في الصيف وتسخير الشمس والقمر طلوعا وأفولا.

٢-
الله هو الحق والأصنام والأوثان باطل.

٣-
السفن تسير في البحر تحمل نعم الله من القمح والشعير والأغذية والفواكه والملابس وسائر الأمتعة ليستفيد من ذلك المصدر والمستورد.

٤-
راكب البحر يتعرض لهياج البحر فيخلص في الدعاء فإذا هدأ البحر ووصل إلى اليابسة فالناس قسمان : مؤمن شاكر وكافر جاحد.
﴿ ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير ﴾
التفسير :
ما تراه من أثر القدرة الإلهية في الخلق والمراقبة والإيجاد والعدم، واختصاص البارئ سبحانه وحده بذلك ثابت بسبب أن الله وحده هو المتحقق في ذاته وفي جميع صفاته والكمالات اللائقة بربوبيته فهو سبحانه الحقيقة الأبدية هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم هو سبحانه حي لا يموت والجن والإنس يموتون وكل ما نراه متغير وفان والله وحده الدائم الباقي.
قال تعالى : كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام. ( الرحمن : ٢٦-٢٧ ).
فما يعبده الناس من أصنام وأبقار وأشجار وآلهة متعددة باطل ليس له حقيقة الألوهية فلا إله إلا الله وأن الله سبحانه هو العلي الكبير المتعالي على جميع الأشياء الكبير عن أن يتصف بنقص أو أن يكون له شريك.
تمهيـد :
تعدد الآيات جانبا من دلائل القدرة الإلهية والنعم المتعددة من الله على عباده ومن هذه النعم ما يأتي :

١-
زيادة الليل في الشتاء والنهار في الصيف وتسخير الشمس والقمر طلوعا وأفولا.

٢-
الله هو الحق والأصنام والأوثان باطل.

٣-
السفن تسير في البحر تحمل نعم الله من القمح والشعير والأغذية والفواكه والملابس وسائر الأمتعة ليستفيد من ذلك المصدر والمستورد.

٤-
راكب البحر يتعرض لهياج البحر فيخلص في الدعاء فإذا هدأ البحر ووصل إلى اليابسة فالناس قسمان : مؤمن شاكر وكافر جاحد.
﴿ ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾
المفردات :
بنعمة الله : بما تحمله من الطعام والمتاع ونحوهما.
التفسير :
من شأن القرآن أن يلفت أنظار الناس وان يرشدهم إلى أنعم الله حولهم فقد سبق أن لفت نظرهم إلى ما في السماء من تسخير الشمس والقمر والليل والنهار وفي هذه الآية يلفت النظر إلى أنعم الله في الأرض والبحر فالفلك والسفن تجري فوق سطح الماء وتحركها الرياح التي سخرها العليم القدير فأنعم الله تحركها وهي في نفس الوقت تحمل التجارة والطعام والفواكه والأرزاق من بلد إلى آخر فيستفيد المصدر والمستورد ويريح التاجر ويستفيد الناس وفي هذه النعم دلائل بينات لكل صبار كثير الصبر على البأساء شكور كبير الشكر على النعماء.
فالصبر نصف الإيمان ومن دلائل الإيمان الصبر على البأساء والشكر على النعماء والرضا بالقضاء.
وراكب البحر إذا كانا مؤمنا صبر على الأنواء والرياح العاتية منتظرا الفرج فإذا سارت الريح رخاء وهدا الموج شكر الله تعالى على أنعمه فهو الجدير بأن يرى آيات الله أمامه متمثلة في أنعمه العديدة فيصبر على الشدائد ويشكر الله على النعم المتعددة كما قال تعالى :
﴿ ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾
وقال سبحانه وتعالى :﴿ لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد ﴾. ( إبراهيم : ٧ ).
تمهيـد :
تعدد الآيات جانبا من دلائل القدرة الإلهية والنعم المتعددة من الله على عباده ومن هذه النعم ما يأتي :

١-
زيادة الليل في الشتاء والنهار في الصيف وتسخير الشمس والقمر طلوعا وأفولا.

٢-
الله هو الحق والأصنام والأوثان باطل.

٣-
السفن تسير في البحر تحمل نعم الله من القمح والشعير والأغذية والفواكه والملابس وسائر الأمتعة ليستفيد من ذلك المصدر والمستورد.

٤-
راكب البحر يتعرض لهياج البحر فيخلص في الدعاء فإذا هدأ البحر ووصل إلى اليابسة فالناس قسمان : مؤمن شاكر وكافر جاحد.
﴿ وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين... ﴾
المفردات :
غشيهم : غطاهم و أحاط بهم.
كالظلل : الظلل جمع ظلة، وهو ما يستظل به من جبل وسحاب وغيرها وقال الراغب الظلل السحابة تظل.
مقتصد : سالك للقصد السوي من التوحيد.
ختار : شديد الغدر والختر قال عمرو بن معد يكرب :
فإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غذر وختر
التفسير :
تصور هذه الآية طبيعة الإنسان فهو في الشدة والكرب يلجأ إلى الله لجوء المضطر وعندما يكون في البحر وتشتد الرياح، ويرتفع الموج ويظلل الناس من شدة ارتفاعه كأنه غمامة فوق رؤوسهم فإنهم يستولى عليهم الهلع والجزع ويخافون الموت فيخلصون في الدعاء لله تعالى أن ينجيهم من هذه الكارثة.
﴿ فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور... ﴾ فإذا استجاب الله الدعاء ونجاهم من البحر إلى البر ووطئت أقدامهم اليابسة وجدنا بعض الناس مستمرا على إيمانه وإخلاصه فهو مقتصد مقيم على القصد أي : الطريق السوي وهو التوحيد باق على الإخلاص الذي كان عليه في البحر عند الفزع.
كما نجد أن بعض الناس قد رجع إلى الغدر والكفر فلا يذكر لله فضلا ولا يشكر لله نعمة.
﴿ وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور... ﴾
وما ينكر نعم الله وفضله إلا كل غادر شديد الغدر كفور شديد الكفر.
جاء في تفسير القرطبي :
قال ابن عباس : مقتصد موف بما عاهد عليه الله في البحر.
وقال النقاش : يعنى عدل في العهد وفي في البر بما عاهد عليه الله في البحر.
وقال الحسن : مقتصد مؤمن متمسك بالتوحيد والطاعة.
وقيل في الكلام حذف والمعنى : فمنهم مقتصد ومنهم كافر ودل على المحذوف قوله تعالى : وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور... الختار : الغدار والختر : أسوأ الغدر.
قال عمرو بن معد يكرب :
فإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختر
قال الجوهري : الختر الغدر يقال ختره : فهو ختار وقال عطية إنه الجاحد.
والخلاصة : أن أنعم الله متعددة ومن بين هذه النعم استجابة دعاء المضطرين ونجاة المكروبين من قلب العاصفة إلى البر والسلام والأمان وبعد النجاة نجد المؤمن الشاكر والختار الشديد الغدر والكفور الجاحد الذي يجحد آيات الله وينكرها بعد ان شاهدها بعينيه.
***
تمهيـد :
تعدد الآيات جانبا من دلائل القدرة الإلهية والنعم المتعددة من الله على عباده ومن هذه النعم ما يأتي :

١-
زيادة الليل في الشتاء والنهار في الصيف وتسخير الشمس والقمر طلوعا وأفولا.

٢-
الله هو الحق والأصنام والأوثان باطل.

٣-
السفن تسير في البحر تحمل نعم الله من القمح والشعير والأغذية والفواكه والملابس وسائر الأمتعة ليستفيد من ذلك المصدر والمستورد.

٤-
راكب البحر يتعرض لهياج البحر فيخلص في الدعاء فإذا هدأ البحر ووصل إلى اليابسة فالناس قسمان : مؤمن شاكر وكافر جاحد.
﴿ يأيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور( ٣٣ ) إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير( ٣٤ ) ﴾
المفردات :
اتقوا ربكم : خافوا عقابه.
واخشوا يوما : هو يوم القيامة.
لا يجزى : لا يغنى ولا يقضى.
فلا تغرنكم : فلا تلهينكم ولا تخدعنكم.
الغرور : الشيطان أو ما غر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان.
التفسير :
﴿ يا أيها النسا اتقوا ربكم واخشوا يوما لا يجزى والد عن ولده ولا مولود عن هو جاز عن والده شيئا إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ﴾
في ختام سورة لقمان يأتي هذا النداء الإلهي للناس أجمعين يدعوهم للإيمان بالله ومراقبته وتقواه أي خشيته والخوف من معصيته والالتزام بطاعته والخوف من الحساب والجزاء يوم القيامة حيث يشتد الهول ويشيب الوليد ويذهل الإنسان سكران من غير مسكر في ذلك اليوم تكون المسؤولية فردية ويتحمل كل إنسان جزاء عمله فلا ينفع الأب ابنه ولا يقضي عنه شيئا وكذلك المولود لا ينفع أباه ولا يقضي عنه شيئا فكل إنسان مرتهن بعمله إن وعد الله تعالى بمجيء القيامة ومحاسبة الناس حق وصدق لا خلف فيه.
﴿ فلا تغرنكم الحياة الدنيا... ﴾
بمشاغلها وأموالها وما فيها من مناصب وجاه وسلطان وتجارة وعمارة يتنافس فيها الناس فالعاقل من جعل الدنيا مزرعة الآخرة واستثمر دنياه في إعمار آخرته فأقام الصلاة وآتى الزكاة وأدى الواجبات واجتنب المنهيات.
﴿ ولا يغرنكم بالله الغرور ﴾
لا تغرنكم متاع الدنيا من الشباب والمال والجاه والشيطان.
قال الراغب : الغرور كل ما يغر من مال وجاه وشهوة وشيطان.
وقال غيره : لا يغرنكم الشيطان بتزيين المعاصي وتأخير التوبة حتى يفاجئكم الموت.
قال في ظلال القرآن : ولا يغرنكم بالله الغرور.... من متاع يلهى، أو شغل ينسى أو شيطان يوسوس في الصدور والشياطين كثير الغرور بالمال شيطان والغرور بالعلم شيطان والغرور بالعمر شيطان والغرور بالقوة شيطان والغرور بالسلطان شيطان ودفعة الهوى شيطان ونزوة الشهوة شيطان وتقوى الله وتصور الآخرة هما العاصم من كل غرور.
تمهيـد :
تعدد الآيات جانبا من دلائل القدرة الإلهية والنعم المتعددة من الله على عباده ومن هذه النعم ما يأتي :

١-
زيادة الليل في الشتاء والنهار في الصيف وتسخير الشمس والقمر طلوعا وأفولا.

٢-
الله هو الحق والأصنام والأوثان باطل.

٣-
السفن تسير في البحر تحمل نعم الله من القمح والشعير والأغذية والفواكه والملابس وسائر الأمتعة ليستفيد من ذلك المصدر والمستورد.

٤-
راكب البحر يتعرض لهياج البحر فيخلص في الدعاء فإذا هدأ البحر ووصل إلى اليابسة فالناس قسمان : مؤمن شاكر وكافر جاحد.
﴿ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير. ﴾
المفردات :
الساعة : القيامة.
الغيث : المطر.
ما في الأرحام : ما في أرحام النساء من صفاته وأحواله ومستقبله وعمره ورزقه وشقى أو سعيد.
وما تدري : وما تعلم.
التفسير :
هذه الآية ختام سورة لقمان وتعرض جانبا من مظاهر علم الله تعالى فهو سبحانه علام الغيوب وتذكر الآية خمسة أمور :
١- إن الله عنده علم الساعة : فهو سبحانه المستأثر بمعرفة يوم القيامة لا يعلم ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة.... ( الأعراف : ١٨٧ ).
ولعل حكمة ذلك أن يظل الإنسان مترقبا الموت، فقد يأتي فجأة في ليل أو نهار وفي الأثر : من مات فقد قامت قيامته.
٢- وينزل الغيث : فهو سبحانه الذي يرسل المطر في وقته بلا تقديم ولا تأخير وفي بلد لا يتجاوزه إلى غيره وبمقدار تقتضيه حكمته.
٣- ويعلم ما في الأرحام : فهو سبحانه العليم بكل ما يتصل بهذا الجنين من رزق وعمر وهداية أو ضلال وإن علم الإنسان ما يتصل بنوع الجنين من ذكورة أو أنوثة فإنه لا يعلم شيئا عن مستقبله وأجله ورزقه وشقاوته أو سعادته.
٤- وما تدري نفس ماذا تكسب غدا لا يعلم الإنسان ماذا يكسب غدا من خير أو شر ومن نفع أو ضر ومن يسر أو عسر ومن صحة، أو مرض ومن طاعة أو معصية كل ذلك في أمر الغيب يعلمه علام الغيوب وحده، وشاءت حكمته أن يخفى ذلك ليستمر تعلق الإنسان بربه ودعاؤه له وصلاته فهو سبحانه يقول : ادعوني أستجب لكم.... ( غافر : ٦ ).
٥- وما تدري نفس بأي أرض تموت أي لا يدري أحد اين مضجعه من الأرض أفي بحر أم في بر أم في سهل أم في جبل.
﴿ إن الله عليم خبير ﴾.
هو سبحانه عالم الغيب مطلع على الظاهر والباطن محيط علمه بكل كبيرة وصغيرة، خبير بخفايا النفوس وبواطنها وظواهرها.
قال تعالى :﴿ وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين ﴾. ( الأنعام : ٥٩ ).
فهذا العلم الشامل لكل ما في الغيب وللبر والبحر وللأشجار والأوراق وللورقة الساقطة من فوق الشجر ولكل حبة في ظلمات الأرض وللأرض اليابسة والأرض التي غمرتها المياه كل ذلك مسجل في علم الله الذي لا يحول دونه حائل من ليل أو نهار أو أرض أو سماء أو غائب أو شاهد إن الله عليم خبير.
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " مفاتح الغيب خمس إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير ". xiv
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة أن رجلا يقال له الوارث بن عمرو بن حارثة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد متى قيام الساعة ؟ وقد أجدبت بلادنا فمتى تخصب ؟ وقد تركت امرأتي حبلى فما تلد ؟ وقد علمت ما كسبت اليوم فماذا أكسب غدا ؟ وقد علمت بأي أرض ولدت فبأي أرض أموت ؟ فنزلت الآية : إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
Icon