تفسير سورة الضحى

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الضحى من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الضحى مكية
وهي إحدى عشر آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ والضحى ﴾ : وقت الضحى، وهو صدر النهار، أو المراد النهار،
﴿ والليل إذا سجى ﴾ : سكن ظلامه، أو سكن أهله،
﴿ ما ودعك١ ربك ﴾، جواب القسم، أي : ما تركك ترك المودع، ﴿ وما قلى ﴾ : وما أبغضك، وحذف المفعول للعلم به، رعاية لفواصل الآي، اشتكى عليه السلام، فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتت امرأة قيل امرأة أبي لهب، وقالت : يا محمد ما أرى شيطانك إلا تركك، فنزلت، أو لما تأخر الوحي خمسة عشر يوما أو أقل أو أكثر، قال المشركون : إن محمدا قد قلاه ربه، لما رد الله كلام المشركين، ودفع عنه ما يسوءه، وعد له ما يسره فقال :
١ أخرج البخاري ومسلم وغيرهما، عن جندب البجلي قال: اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فأتته امرأة فقالت: يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك، لم يقربك ليلتين أو ثلاثا، فأنزل الله "والضحى"/١٢ فتح..
﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾، في الحديث " إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا "،
﴿ ولسوف يعطيك ربك فترضى ﴾، عن ابن عباس أعطاه١ في الجنة ألف قصر، في كل منها ما ينبغي له من الأزواج والخدم، وعنه٢ من رضاه عليه السلام أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار، وعن الحسن وغيره المراد الشفاعة، واللام لام التأكيد عند ابن الحاجب لا لام الابتداء، دخل على الخبر بعد حذف المبتدأ، ويكون تقديره، ولأنت سوف يعطيك،
١ رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس قال الشيخ عماد الدين بن كثير: هذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنه، ومثل هذا لا يقال إلا عن توقيف/١٢ منه..
٢ رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أيضا/١٢ فتح..
﴿ ألم يجدك يتيما فآوى ﴾، عدد عليه أياديه من أول نشئه، والمنصوبان مفعولا يجد، لأنه بمعنى العلم، أو الثاني حال، وهو بمعنى المصادفة، أي : فآواك ورباك وضمك إلى عمك، وهو مع كفره رعاك وحماك،
﴿ ووجدك ضالا ﴾ : جاهلا، ﴿ فهدى ﴾ : فعلمك، ﴿ ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا ﴾ الآية ( الشورى : ٥٢ )، وقيل : ضل في شعاب مكة وهو صغير، فهداه، وقيل : أضله إبليس في طريق الشام عن الطريق في ليلة ظلماء، فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة وقع منها إلى أرض الحبشة، ورده إلى القافلة،
﴿ ووجدك عائلا ﴾ : فقيرا ذا عيال، ﴿ فأغنى١ : فأغناك بمال خديجة، ثم الغنائم، أو فأغناك عمن سواه فجمع له بين مقامي الفقير الصابر والغني الشاكر،
١ ولما عدد عليه النعم الثلاث، وصى بثلاث في مقابلها، فقال:﴿فأما اليتيم﴾ الآية/وجيز..
﴿ فأما اليتيم فلا تقهر ﴾ كما كنت يتيما فآواك الله، كن لليتيم كالأب الرحيم
﴿ وأما السائل فلا تنهر ﴾ كما كنت جاهلا فعلمك، لا تزجر سائلا مسترشدا طالب علم، ولما هداك إلى ما هو روحك لا تزجر من يطلب منك قوت بدنه،
﴿ وأما بنعمة ربك فحدث ﴾، فاشكر مولاك الذي أغناك، فإن من شكر النعم أن يحدث بها، ومن كفرها أن يكتمه، " ومن لم يشكر الناس لم يشكر١ الله "، أو ما جاءك من النبوة فحدث بها وادع إليها، أو من القرآن فاقرأه أو بلغه، أو ما عملت من خير فحدث لإخوانك ليتابعوك، وجاز أن يكون نشرا مشوشا، ويكون " أما بنعمة ربك فحدث " في مقابلة هدية الله له بعد الضلال، والمراد من التحديث تعليم الشرائع والقرآن، وكيفية العبادة والدعوة إلى الإيمان، والسنة التكبير بلفظ الله٢ أكبر، أو بزيادة لا إله إلا الله والله أكبر، من آخر والضحى، أو من آخر الليل إلى آخر القرآن، ونقل عن الشافعي : أنه سمع رجلا يكبر هذا التكبير في الصلاة، فقال له : أحسنت وأصبت السنة.
١ رواه عبد الله بن الإمام أحمد، وهذا المعنى رواه أبو داود أيضا/١٢ منه. [وصححه الشيخ الألباني في "صحيح الجامع" (٦٥٤١)]..
٢ أخرج الحاكم، وصححه وابن مردويه، والبيهقي في شعب الإيمان، ومن طريق أبي الحسن بن أبي بزة المقري قال: سمعت عكرمة بن سليمان يقول: قرأت على إسماعيل بن قسطنطين، فلما بلغت "والضحى" قال: كبر عند خاتمة كل سورة حتى تختم، فإني قرأت على عبد الله بن كثير، فلما بلغت "والضحى" قال: كبر حتى تختم، وأخبره عبد الله بن كثير: أنه قرأ على مجاهد، فأمره بذلك، وأخبره مجاهد أن ابن عباس رضي الله عنه أمره بذلك، وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك، وأخبر أبي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك، هذا ما في الدر المنثور، وفي الفتح، وأبو الحسن المقري المذكور، هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقري قال ابن كثير: هذه سنة تفرد بها أبو الحسن المقرئ، وكان إماما في القراءات، وأما في الحديث فقد ضعفه أبو حاتم الرازي، وقال: لا أحدث عنه، وكذلك أبو جعفر العقيلي قال: هو منكر الحديث، ثم اختلف القراء في وضع هذا التكبير، فقال: بعضهم: من آخر "والليل إذا يغشى"، وقال آخرون: من آخر الفتح، وذكروا في مناسبته التكبير من أول الضحى، أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتر تلك المدة، ثم جاء الملك، فأوحى إليه "والضحى" كبر فرحا وسرورا ولم يرووا ذلك بإسناد، يحكم عليه بصحة ولا ضعف/١٢..
Icon