تفسير سورة الضحى

التفسير الواضح
تفسير سورة سورة الضحى من كتاب التفسير الواضح .
لمؤلفه محمد محمود حجازي .

سورة الضحى
مكية. وعدد آياتها إحدى عشرة آية، وفيها يقسم الله، أنه ما ودع محمدا صلّى الله عليه وسلّم وما قلاه، وأن آخرته خير من أولاه، وأنه يعطيه حتى يرضيه، ثم يطلب منه الإقرار ببعض النعم عليه، ثم إرشاده إلى بعض الفضائل.
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ١ الى ١١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)
المفردات:
وَالضُّحى: ضوء الشمس في شباب النهار. سَجى: سكن.
وَدَّعَكَ: تركك. ما قَلى يقال: قلاه يقلاه، ويقليه: إذا أبغضه وكرهه.
فَآوى: أسكن ورعى. ضَالًّا: حائرا، فليس من الضلال بل من الحيرة.
فَهَدى: فوفقك إلى أحسن طريق. عائِلًا: فقيرا. فَلا تَقْهَرْ:
فلا تذله. فَلا تَنْهَرْ: لا تزجر.
873
المعنى:
أقسم الحق- تبارك وتعالى- بالضحى ساعة ارتفاع الشمس أو النهار، وساعة امتلاء الكون بالحياة والضوء والحرارة، وأقسم بالليل إذا سكن «١» وهدأ كل ما فيه بعد حركة واضطراب. أقسم بهذا وذاك على أنه ما تركك يا محمد وما كرهك، وكيف ذلك وأنت الحبيب المختار والرسول الأمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين.
ولقد اتصل بالنبي صلّى الله عليه وسلّم الأمين جبريل حينما بعث، وهذا الاتصال لأنه بين ملك وبشر كان شديدا على النبي صلّى الله عليه وسلّم إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ لهذا فتر الوحى وانقطع لتطمئن نفس الرسول ويتجدد عزمه، وتقوى نفسه على ملاقاة جبريل، فيبحث عنه ويطلبه، فكانت فترة الوحى تأديبا وتطمينا وإصلاحا.
ولقد تاقت نفسه الشريفة إلى ملاقاة ربه عن طريق جبريل واشتاق إلى ذلك. ومع الشوق قلق وخوف. فأراد الحق أن يطمئن الرسول على ما يطلب بذكر ما صنعه معه.
وتبشيره بمستقبل زاهر، وأن هذه الفترة لم تكن عن ترك ولا بغض وأقسم له على ذلك.
ولعلك تسأل عن العلاقة بين القسم بالضحى والليل وبين المقسم عليه؟ والجواب أن الوحى وانقطاعه للاستجمام والتقوية والاطمئنان كان أشبه بالضحى وما فيه من حركة وحياة ثم ما يعقبه من ليل يسكن فيه الكون ليستجم ويستعد لكفاح وحياة أخرى سعيدة.
والضحى والليل إذا سجى. ما ودعك ربك وما تركك عن غضب عليك. واعلم أن الآخرة- أى: الأيام المستقبلة الآتية- خير بلا شك من أيامك هذه، فثق أن دعوتك وحياتك تنتقل من طور إلى طور أحسن، وإن يكن في ذلك نوع من التعب والمشقة، ولسوف يعطيك ربك من توارد الوحى الذي تطلبه لإرشاد قومك، وهداية العالم ما به ترضى وتطمئن، ولا عجب في ذلك ولا غرابة، ألم يجدك «٢» يتيما فآواك
(١) عبر هنا بالماضي، وفي سورة الليل بالمضارع لأن الماضي يدل على اللزوم والمضارع بدل على التجدد وسكون الليل لازم، وغشيانه الوجود بالظلمة متجدد إذ قد يتخلله نور القمر.
(٢) الاستفهام هنا للتقرير.
874
وأيدك ورعاك، وقد ولد النبي يتيما إذ مات أبوه وهو في بطن أمه، فلما ولد عطف الله قلب جده عليه فرعاه وحنا عليه حنوا كثيرا، ثم لما مات جده عبد المطلب كفله عمه أبو طالب بأمر من جده، وكان شديد الحرص عليه كثير العطف والحماية له.
وقد كان النبي صلّى الله عليه وسلّم ذا روح قوية نقية طاهرة فكان يرى أن قومه على ضلال، وأن الأديان المحيطة بهم كاليهودية، فأصابته حيرة من أمره، وفر من هذا المجتمع، وحبب إليه الخلاء والمكث في الغار حتى أنقذه الله من حيرته، وهداه إلى أسمى شريعة وأعظم دين:
وهذه الحيرة التي كان فيها النبي صلّى الله عليه وسلّم هي التي عبر عنها القرآن بالضلال، وإلا فالنبي صلّى الله عليه وسلّم نشأ طاهرا مطهرا لم يدنس نفسه بالسجود إلى صنم، ولم يقترف فاحشة أبدا، بل ذهب مرة ليستمع إلى حفل فيه غناء فنام حتى أيقظته الشمس، وهو الملقب بالأمين، وقد كان فقيرا- لم يرث عن أبيه إلا ناقة وجارية- فأغناه الله بالقناعة، وجعله عزوفا عن الدنيا، وأدر عليه بعض المال من تجارته في مال خديجة، إذا كان الأمر كذلك وقد غمرك الله بفضله يا محمد، فأما اليتيم فلا تقهره أبدا، وأنت سيد الأيتام وزعيمهم، وأما السائل فلا تنهره، وقد كنت ضالا فهداك الله، وأما بنعمة ربك فحدث بالإنفاق، وقد كنت فقيرا فأغناك الله.
875
Icon