ﰡ
وَكَذَلِكَ أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ قَالَ: هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، لَكِنْ حَكَى الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ أَبُو شَامَةَ فِي شَرْحِ الشَّاطِبِيَّةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا يُكَبِّرُ هَذَا التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَهُ:
أَحْسَنْتَ وَأَصَبْتَ السُّنَّةَ، وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ الْقُرَّاءُ فِي مَوْضِعِ هَذَا التَّكْبِيرِ وَكَيْفِيَّتِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُكَبِّرُ مِنْ آخِرِ وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى [الليل: ١]، وَقَالَ آخَرُونَ: مِنْ آخِرِ وَالضُّحى، وَكَيْفِيَّةُ التَّكْبِيرِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَيَقْتَصِرُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إِلَهَ إلا الله والله أكبر. وذكر القراء فِي مُنَاسَبَةِ التَّكْبِيرِ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الضُّحَى أَنَّهُ لَمَّا تَأَخَّرَ الْوَحْيُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَتَرَ تِلْكَ الْمُدَّةَ ثم جاء الْمَلَكُ فَأَوْحَى إِلَيْهِ وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى السُّورَةَ بِتَمَامِهَا كَبَّرَ فَرَحًا وَسُرُورًا، وَلَمْ يُرْوَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِصِحَّةٍ وَلَا ضَعْفٍ، فالله أعلم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ١ الى ١١]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤)وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦) وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩)
وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدُبًا يَقُولُ: اشْتَكَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ، فَأَتَتِ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ يَا مُحَمَّدُ مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إِلَّا قَدْ تَرَكَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى «٢» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَابْنُ جَرِيرٍ «٣» من طرق عن الأسود بن
(٢) أخرجه البخاري في التهجد باب ٤، وفضائل القرآن باب ١، وتفسير سورة ٩٣، في الترجمة، باب ١، ومسلم الجهاد حديث ١١٤، ١١٥، والنسائي في الافتتاح باب ٧٠، والترمذي في تفسير سورة ٩٣، باب ١.
(٣) تفسير الطبري ١٢/ ٦٢٣.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنِي سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي الْأَسْوَدُ بْنُ قَيْسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جُنْدُبًا يَقُولُ رُمِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرٍ فِي أُصْبُعُهُ فَقَالَ: «هَلْ أَنْتِ إِلَّا إِصْبَعٌ دَمِيتِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ؟».
قَالَ فَمَكَثَ لَيْلَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا لَا يَقُومُ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَةٌ مَا أَرَى شَيْطَانَكَ إلا قد تركك فَنَزَلَتْ وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وَالسِّيَاقُ لِأَبِي سَعِيدٍ، قِيلَ: إِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ أُمُّ جَمِيلٍ امْرَأَةُ أَبِي لَهَبٍ، وَذُكِرَ أَنَّ أُصْبَعَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ دَمِيَتْ، وَقَوْلُهُ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي اتَّفَقَ أَنَّهُ مَوْزُونٌ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلَكِنَّ الْغَرِيبَ هَاهُنَا جَعْلُهُ سَبَبًا لِتَرْكِهِ الْقِيَامِ وَنُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ.
فَأَمَّا مَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» : حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الشَّوَارِبِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ أَنَّ خَدِيجَةَ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا أَرَى رَبَّكَ إِلَّا قَدْ قَلَاكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وَقَالَ أَيْضًا «٢» : حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ أَبْطَأَ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزِعَ جَزَعًا شَدِيدًا فَقَالَتْ خَدِيجَةُ إِنِّي أَرَى رَبَّكَ قَدْ قَلَاكَ مِمَّا نَرَى مِنْ جَزَعِكَ، قَالَ فَنَزَلَتْ وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى إِلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَلَعَلَّ ذِكْرَ خَدِيجَةَ لَيْسَ مَحْفُوظًا أَوْ قَالَتْهُ عَلَى وَجْهِ التَّأَسُّفِ والحزن، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ مِنْهُمُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ هِيَ الَّتِي أَوْحَاهَا جِبْرِيلُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ تَبَدَّى لَهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا، وَدَنَا إِلَيْهِ وَتَدَلَّى مُنْهَبِطًا عَلَيْهِ وَهُوَ بِالْأَبْطَحِ فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
قَالَ: قَالَ لَهُ هَذِهِ السُّورَةَ وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى قَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنُ أَبْطَأَ عَنْهُ جِبْرِيلُ أَيَّامًا فَتَغَيَّرَ بِذَلِكَ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: وَدَّعَهُ رَبُّهُ وَقَلَاهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى وَهَذَا قَسَمٌ مِنْهُ تَعَالَى بِالضُّحَى وَمَا جَعَلَ فِيهِ مِنَ الضِّيَاءِ وَاللَّيْلِ إِذا سَجى أَيْ سَكَنَ فَأَظْلَمَ وَادْلَهَمَّ؟ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى قدرة خالق هذا وهذا كما قال تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى [اللَّيْلِ: ١- ٢] وَقَالَ تَعَالَى: فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ [الأنعام: ٩٦].
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٦٢٤.
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى أي وللدار الْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ، وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَدَ النَّاسِ فِي الدُّنْيَا وَأَعْظَمَهُمْ لَهَا إِطْرَاحًا كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ سِيرَتِهِ، وَلَمَّا خُيِّرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ بَيْنَ الْخُلْدِ فِي الدُّنْيَا إِلَى آخِرِهَا ثُمَّ الْجَنَّةِ وَبَيْنَ الصَّيْرُورَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، اخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ عَلَى هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» : حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ فِي جَنْبِهِ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ جَعَلْتُ أَمْسَحُ جَنْبَهُ وَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا آذَنْتَنَا حَتَّى نَبْسُطَ لَكَ عَلَى الْحَصِيرِ شَيْئًا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ما لي وللدنيا إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا كَرَاكِبٍ ظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» «٢» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ الْمَسْعُودِيِّ بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حسن صحيح.
وقوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى أَيْ فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ يُعْطِيهِ حَتَّى يُرْضِيَهُ فِي أُمَّتِهِ، وَفِيمَا أَعَدَّهُ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ، وَمِنْ جُمْلَتِهِ نَهْرُ الْكَوْثَرِ الَّذِي حَافَّتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ وَطِينُهُ مِسْكٍ أَذْفَرَ كَمَا سَيَأْتِي، وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ الْمَخْزُومِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: عرض على رسول الله ﷺ مَا هُوَ مَفْتُوحٌ عَلَى أُمَّتِهِ مِنْ بَعْدِهِ كَنْزًا كَنْزًا فَسُرَّ بِذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى فَأَعْطَاهُ فِي الْجَنَّةِ أَلْفَ أَلْفَ قَصْرٍ فِي كُلِّ قَصْرٍ مَا يَنْبَغِي لَهُ مِنَ الْأَزْوَاجِ وَالْخَدَمِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٣» مِنْ طَرِيقِهِ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِثْلُ هَذَا مَا يُقَالُ إِلَّا عَنْ تَوْقِيفٍ، وَقَالَ السُّدِّيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رضاء محمد صلّى الله عليه وسلّم أن لا يَدْخُلَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ النَّارَ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٤» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَقَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي بِذَلِكَ الشَّفَاعَةَ، وَهَكَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا أَهْلَ بَيْتٍ اخْتَارَ اللَّهُ لَنَا الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى».
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى يُعَدِّدُ نِعَمَهُ عَلَى عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ:
(٢) أخرجه الترمذي في الزهد باب ٤٤، وابن ماجة في الزهد باب ٣.
(٣) تفسير الطبري ١٢/ ٦٢٤.
(٤) تفسير الطبري ١٢/ ٦٢٤.
وقوله تعالى: وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى كَقَوْلِهِ: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا [الشورى:
٥٢] الآية. ومنهم من قال إن المراد بهذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم ضَلَّ فِي شِعَابِ مَكَّةَ وَهُوَ صَغِيرٌ ثُمَّ رَجَعَ، وَقِيلَ إِنَّهُ ضَلَّ وَهُوَ مَعَ عَمِّهِ فِي طَرِيقِ الشَّامِ، وَكَانَ رَاكِبًا نَاقَةً فِي الليل، فجاء إبليس فعدل بِهَا عَنِ الطَّرِيقِ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ فَنَفَخَ إِبْلِيسَ نَفْخَةً ذَهَبَ مِنْهَا إِلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ عَدَلَ بالراحلة إلى الطريق حكاهما البغوي، وقوله تعالى: وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى أَيْ كُنْتَ فَقِيرًا ذَا عِيَالٍ فَأَغْنَاكَ اللَّهُ عَمَّنْ سِوَاهُ فَجَمَعَ لَهُ بَيْنَ مَقَامَيِ الْفَقِيرِ الصَّابِرِ وَالْغَنِيِّ الشَّاكِرِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى قَالَ: كَانَتْ هَذِهِ مَنَازِلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَبْعَثَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ «١» وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ قَالَ هَذَا مَا حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ» «٢» وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بما آتاه» «٣».
ثم قال تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ أَيْ كَمَا كُنْتَ يَتِيمًا فَآوَاكَ اللَّهُ فَلَا تَقْهَرِ الْيَتِيمَ أَيْ لَا تُذِلَّهُ وَتَنْهَرْهُ وَتُهِنْهُ وَلَكِنْ أَحْسِنْ إِلَيْهِ وَتَلَطَّفْ بِهِ، قَالَ قَتَادَةُ: كُنْ لِلْيَتِيمِ كَالْأَبِ الرَّحِيمِ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ أَيْ وَكَمَا كُنْتَ ضَالًّا فَهَدَاكَ اللَّهُ فَلَا تَنْهَرِ السَّائِلَ فِي الْعِلْمِ الْمُسْتَرْشِدَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ أَيْ وَكَمَا كُنْتَ ضَالًّا فَهَدَاكَ اللَّهُ فَلَا تَنْهَرِ السَّائِلَ فِي الْعِلْمِ
(٢) أخرجه البخاري في الرقاق باب ١٥، ومسلم في الزكاة حديث ١٢٠، والترمذي في الزهد باب ٤٠، وابن ماجة في الزهد باب ٩، وأحمد في المسند ٢/ ٣١٢، ٣١٥.
(٣) أخرجه مسلم في الزكاة حديث ١٢٥.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ أَيْ فَلَا تَكُنْ جَبَّارًا وَلَا مُتَكَبِّرًا وَلَا فَحَّاشًا وَلَا فَظًّا عَلَى الضُّعَفَاءِ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَقَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي رُدَّ الْمِسْكِينَ بِرَحْمَةٍ وَلِينٍ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ أَيْ وَكَمَا كُنْتَ عَائِلًا فَقِيرًا فَأَغْنَاكَ اللَّهُ فَحَدِّثْ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكَ كَمَا جَاءَ فِي الدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ النَّبَوِيِّ: «وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ مُثِنِينَ بِهَا عَلَيْكَ قابليها وأتمها علينا» «١» وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ «٢» : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ إِيَاسٍ الْجُرَيْرِيُّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ:
كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَرَوْنَ أَنَّ مِنْ شُكْرِ النِّعَمِ أَنْ يُحَدَّثَ بِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ الله ابن الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ أَبِي مُزَاحِمٍ، حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ: «مَنْ لَمْ يَشْكُرِ الْقَلِيلَ لَمْ يَشْكُرِ الْكَثِيرَ، وَمَنْ لَمْ يَشْكُرِ النَّاسَ لَمْ يَشْكُرِ اللَّهَ، وَالتَّحَدُّثُ بِنِعْمَةِ اللَّهِ شَكْرٌ وتركها كفر، والجماعة رحمة والفرقة عذاب» «٣» إسناده ضَعِيفٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ الْمُهَاجِرِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَهَبَ الْأَنْصَارُ بِالْأَجْرِ كُلِّهِ، قَالَ: «لَا مَا دَعَوْتُمُ اللَّهَ لَهُمْ وَأَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِمْ» «٤». وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ» «٥» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ مُسْلِمٍ وَقَالَ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ «٦» : حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَرَّاحِ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ أُبْلِي بَلَاءً فَذَكَرَهُ فقد شكره، ومن كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ» تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ. وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ غَزِيَّةَ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أُعْطِيَ عَطَاءً فَوَجَدَ فَلْيَجْزِ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُثْنِ بِهِ فَمَنْ أَثْنَى بِهِ فَقَدْ شَكَرَهُ وَمَنْ كَتَمَهُ فَقَدْ كَفَرَهُ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ شُرَحْبِيلَ عَنْ جَابِرٍ كَرِهُوهُ فَلَمْ يُسَمُّوهُ، تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي النُّبُوَّةَ الَّتِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ الْقُرْآنُ، وَقَالَ لَيْثٌ عَنْ رَجُلٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ قَالَ: مَا عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ فحدث إخوانك، وقال
(٢) تفسير الطبري ١٢/ ٦٢٥.
(٣) أخرجه أحمد في المسند ٤/ ٢٧٨، ٣٧٥.
(٤) أخرجه أبو داود في الأدب باب ١١، والترمذي في القيامة باب ٤٤، وأحمد في المسند ٣/ ٢٠٠، ٢٠٤.
(٥) أخرجه أبو داود في الأدب باب ١١، والترمذي في البر باب ٣٥.
(٦) كتاب الأدب باب ١١.