ﰡ
واعلم أن القارئ إذا وصل التكبير بآخر السورة، فإن كان آخرها ساكنًا، كسره للساكنين؛ نحو: (فَحَدِّثِ اللهُ أكبرُ)، و (فَارْغَبِ اللهُ أكبرُ)، وإن كان منونًا، كسره أيضًا للساكنين، وسواء كان الحرف المنون مفتوحًا أو مضمومًا أو مكسورًا، نحو: (تَوَّابًا اللهُ أكبرُ) و (لَخَبِيرٌ اللهُ أكبرُ)، و (مِنْ مَسَدٍ اللهُ أكبرُ)، وإن كان آخر السورة مفتوحًا، فتحه، وإن كان مكسورًا، كسره، وإن كان مضمومًا، ضمه، نحو: قولِه: (إِذَا حَسَدَ الله أَكبرُ)، (والنَّاسِ اللهُ أَكبرُ)، و (الأَبْتَرُ اللهُ أكبرُ)، وشبهه، وإن كان آخر السورة هاء كناية موصولة بواو، حذف صلتها للساكنين؛ نحو: (رَبَّهُ اللهُ أكبرُ) و (شَرًّا يَرَهُ اللهُ أكبرُ)، وأسقطت ألف الوصل التي في أول اسم الله -عز وجل- في جميع ذلك استغناءً عنها، والله أعلم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿وَالضُّحَى (١)﴾.[١] ﴿وَالضُّحَى﴾ هو سطوعُ الضوء وعِظَمُه، وتقدم ذكرُ وقته أول سورة الشمس، أقسم الله به، وأراد به النهارَ كلَّه؛ بدليل أنه قابله بالليل.
...
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢)﴾.
[٢] فقال: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى﴾ أقبل بظلامه.
[٣] وجواب القسم: ﴿مَا وَدَّعَكَ﴾ ما قطعك (١) ﴿رَبُّكَ﴾ قطعَ المودَّعِ.
﴿وَمَا قَلَى﴾ أي: ما أبغضَكَ، وحذفت الكاف من قلاك؛ لدلالة الكلام.
...
﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى (٤)﴾.
[٤] ﴿وَلَلْآخِرَةُ﴾ وما أعدَّ لك فيها من الكرامة ﴿خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى﴾ لأن الآخرة باقية، والأولى فانية.
...
﴿وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى (٥)﴾.
[٥] ﴿وَلَسَوْفَ﴾ خبر مبتدأ محذوف؛ أي: ولأنت سوف.
﴿يُعْطِيكَ رَبُّكَ﴾ في الآخرة عطاء ﴿فَتَرْضَى﴾.
عن ابن عباس، وعلي، والحسين: "هو الشفاعة" (٢).
و (سَوْفَ) إذا كان في قصة المؤمنين، فمعناه الوعد، وإذا كان في قصة المشركين، فمعناه الوعيد.
وقال الأزرق (٣): ومما يرضيه بعد إخراج كل مؤمن من النار ألَّا يسوءَهُ في أمه وأبيه، وإن منع من الاستغفار لهما، وأذن له في زيارة قبرهما في وقت دون وقت؛ لأنهما من أهل الفترة، وقال سبحانه: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا﴾ [الإسراء: ١٥]، ومن لم يقنعه هذا، فحظ المؤمن منهما الوقف
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٤/ ٦٣٤).
(٣) في "ت": "الفهري".
...
﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى (٦)﴾.
[٦] ثم عدَّد تعالى نعمه على نبيه - ﷺ -، فقال: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا﴾ مات أبوك ﴿فَآوَى﴾ أي: آواك إلى عمك بعد موت أبيك.
...
﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (٧)﴾.
[٧] وقوله: ﴿أَلَمْ يَجِدْكَ﴾ معناه: قد وجدك، ودليله عطف قوله: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا﴾ عن معالم الشرع (٢) ﴿فَهَدَى﴾ أي: فهداك إليها.
...
﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (٨)﴾.
[٨] ﴿وَوَجَدَكَ عَائِلًا﴾ فقيرًا ﴿فَأَغْنَى﴾ فقنَّعك بما أعطاك من الغنائم والرزق.
قال - ﷺ - "ليس الغِنى عن كثرةِ العَرَض، ولكنَّ الغِنى غِنى النَّفْس" (٣).
(٢) في "ت": "الشرائع".
(٣) رواه البخاري (٦٠٨١)، كتاب: الرقاق، باب: الغنى غنى النفس، ومسلم (١٠٥١)، كتاب: الزكاة، باب: ليس الغنى عن كثرة العرض، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[٩] ثم أوصاه باليتامى والفقراء، فقال: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾ بأخذ ماله.
...
﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ﴾ لا تزجر، فإما أن تطعمه، وإما أن ترده ردًّا لينًا.
...
﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)﴾.
[١١] ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ﴾ عليك بالنبوة وغيرها من الصلاح ﴿فَحَدِّثْ﴾ به الناس.
قال - ﷺ -: "التحدُّث بالنعم شكرٌ" (١).
أمال رؤوس آي هذه السورة ورش، وأبو عمرو بخلاف عنهما، وافقهما على الإمالة: حمزة، والكسائي، وخلف، واختص الكسائي دونهما بإمالة (سَجَى) (٢).
وأما حكم صلاة الضحى، فهي سنة بالاتفاق، ووقتها إذا علت الشمس إلى قبيل وقت الزوال، وهي عند أبي حنيفة ركعتان، أو أربع بتسليمة،
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٦٩٠)، و"التيسير" للداني (ص: ٢٢٣)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٤٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ١٧٩).
* * *