تفسير سورة العصر

تفسير القرآن الكريم
تفسير سورة سورة العصر من كتاب تفسير القرآن الكريم .
لمؤلفه شحاته . المتوفي سنة 1423 هـ
تفسير سورة العصر
أهداف سورة العصر
( سورة العصر مكية، وآياتها ٣ آيات، نزلت بعد سورة الشرح )
( وفي هذه السورة الصغيرة يتمثل منهج كامل للحياة البشرية كما يريدها الله، وتبرز معالم التصور الإيماني بحقيقته الكبيرة الشاملة في أوضح وأدق صورة.
إنها تضع الدستور الإسلامي كله في كلمات قصار، وتصف الأمة المسلمة : حقيقتها ووظيفتها في آية واحدة، هي الآية الثالثة من السورة.. وهذا هو الإعجاز الذي لا يقدر عليه إلا الله.
والحقيقة الضخمة التي تقررها هذه السورة بمجموعها هي : أنه على امتداد الزمان في جميع العصور، وامتداد الإنسان في جميع الدهور، ليس هنالك إلا منهج واحد رابح، وطريق واحد ناج هو ذلك المنهج الذي ترسم السورة حدوده وتوضح معالمه )i.
إن العمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان، وبذلك يصبح قوة دافعة، وحركة وعملا، وبناء وتعميرا يتجه إلى الله.
أما التواصي بالحق والصبر فيبرز صورة الأمة المسلمة متضامنة متضامّة، خيّره واعية، قائمة على حراسة الحق والخير، متواصية بالحق والصبر في مودة وتعاون وتآخ.
مع آيات السورة
١، ٢- والعصر* إنّ الإنسان لفي خسر. أقسم الله بالزمن وهو ماض لا يقف، متغير لا يقرّ، على أن الإنسان الذي يهمل إيمانه ومرضاة ربه خاسر مهما كان رابحا من مظاهر الحياة، لأنه قد خسر الجنة وخسر الكمال المقدر له فيهما، وخسر مرضاة الله وطاعته.
٣- إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالصبر وتواصوا بالصبر.
المؤمن يدرك أنه جسم وروح، وهو ذو قلب وعقل، وذو عواطف وجوارح، وسعادته في نمو هذه القوى نموّا متناسقا، وفي دور الخلافة الرشيدة للمسلمين تعاونت قوة الروح والأخلاق والدين والعلم والأدوات المالية، في تنشئة الإنسان الكامل وفي ظهور المدينة الصالحة.
وكانت حكومة المسلمين من أكبر حكومات العالم قوة وسياسة وسيادة، وتزدهر فيها الأخلاق والفضيلة مع التجارة والصناعة، ويساير الرقى الروحي التقدم المادي والحضاري.
وخلاصة السورة أن الناس جميعا في خسران إلا من اتصفوا بأربعة أشياء :
الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر.
( وهذه السورة حاسمة في تحديد الطريق.. إنه الخسر، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
طريق واحد لا يتعدد، طريق الإيمان والعمل الصالح، وقيام الجماعة المسلمة التي تتواصى بالحق وتتواصى بالصبر، وتقوم متضامنة على حراسة الحق، مزودة بزاد الصبر.
إنه طريق واحد، ومن ثم كان الرجلان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يتفرقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر سورة ( العصر ) ثم يسلم أحدهما على الآخرii.
لقد كانا يتعاهدان على الإيمان والعمل الصالح، والتناصح بالحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر والتحمل في سبيل الدعوة إلى الهدى والرشاد.
مقاصد السورة
١- جنس الإنسان في خسر وضياع.
٢- النجاة لمن آمن وعمل صالحا، وحثّ على الفضيلة والحق، وتحلى بالثبات والصبر.

بسم الله الرحمان الرحيم
﴿ والعصر ١ إنّ الإنسان لفي خسر ٢ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ٣ ﴾
المفردات :
العصر : اسم للدهر، أي : الزمن الذي يحياه الإنسان، وقيل : أقسم الله بصلاة العصر لفضلها، أو أقسم بالعشي كما أقسم بالضحى.
التفسير :
١، ٢- والعصر* إنّ الإنسان لفي خسر.
أقسم الله تعالى بالعصر، وهو الزمان والدهر، وفيه الأيام والليالي والصباح والمساء، والليل والنهار، وفي الزمان نجد يد الله تقلّب الأمور، فهو سبحانه يعزّ ويذل، ويرفع ويضع، ويعلى ويخفض، وفي الزمان تبدّل الأحداث والدول، والأحوال والمصالح.
وقيل : أقسم الله بصلاة العصر وتنبيها لأهميتها وفضلها، حيث في أواخر النهار.
وقيل : يطلق العصر على وقت العشيّ، وفيه الغروب والشفق، كما أقسم سبحانه بالضحى.
ورجّح الطبري الرأي الأول، فالحق سبحانه يريد أن ينبّه الإنسان إلى أهمية الزمان، والصباح والمساء، وكان أهل الجاهلية ينسبون الأحداث إلى الدهر، فيقولون : زمان جائر أو دهر ظالم، مع أن الذي يرفع ويضع، ويعطي ويمنع، هو الله تعالى وليس الدهر.
أخرج الإمام مسلم في صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :( لا تسبّوا الدهر، فإن الله هو الدهر )iii.
أي أن الله هو الذي يقلّب الليل على النهار، والنهار على الليل، وهو الذي يعزّ ويذل.
قال تعالى : قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير. ( آل عمران : ٢٦ ).
المفردات :
خسر : هلاك، لسوء تصرفه وكثرة آثامه.
التفسير :
إنّ الإنسان لفي خسر.
أي : جنس الإنسان خاسر خسرانا مبينا، عندما يشتري الدنيا ويبيع الآخرة، عندما يفقد صلته بربه وإيمانه، واعتماده على تلك القوى الكبيرة، عندما يأخذه الغرور ويصير من الملحدين، أو من عبيد العلم، أو عبيد المادة الذين هجروا الإيمان بالله واليوم الآخر.
قال تعالى : وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون* يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون. ( الروم : ٦، ٧ ).
وقيل : إن المراد بالإنسان إنسان معين من رؤوس الكفر.
قال ابن عباس :
أراد بالإنسان جماعة من المشركين كالوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن المطلب.
والأصح أن المراد بالإنسان هنا أنه اسم جنس، يشمل جميع الناس، أي أن من طبيعة الإنسان أن يكون في خسران، لإقباله على الدنيا، وإعراضه عن الإيمان والعمل للآخرة، لأنه يرى الدنيا ويهرجها فيدخل في دوّامتها وينسى الآخرة ودوام ما فيها.
كما قال سبحانه وتعالى : بل تؤثرون الحياة الدنيا* والآخرة خير وأبقى. ( الأعلى : ١٦، ١٧ ).
المفردات :
تواصوا : تناصحوا وتعاهدوا.
بالحق : الواجب من فعل الطاعات وترك المحرمات.
التفسير :
٣- إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
أي : إن الإنسان لفي خسارة ونقصان وهلاك، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فإنهم في نجاح وفلاح، ونصر مبين في الدنيا، وسعادة في الآخرة.
لقد حكم الله بأن جنس الإنسان في خسران إلا من أتى بأربعة أشياء :
١- الإيمان.
٢- العمل الصالح.
٣- التواصي بالحق.
٤- التواصي بالصبر.
( أ‌ ) وعناصر الإيمان ستة :
الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقضاء والقدر خيره وشره، حلوه ومرّه.
( ب‌ ) وعناصر العمل الصالح ثلاثة :
أداء الفرائض، واجتناب النواهي، وفعل الخير.
( ج ) والتواصي بالحق :
هو التواصي بالثبات على أمور الدين، وشرائع الإسلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والعمل بالقرآن والسنة، والبعد عن الزور والبدعة.
( د ) والتواصي بالصبر :
هو أن يوصي الناس بعضهم بعضا بالثبات على الطاعات، والبعد عن المعاصي، والرضا بالقضاء والقدر في المصائب والمحن.
قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره :
دلّت الآية على أن الحق ثقيل، وأن المحن تلازمه، فذلك قرن به التواصي.
Icon