تفسير سورة الكوثر

بيان المعاني
تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب بيان المعاني المعروف بـبيان المعاني .
لمؤلفه ملا حويش . المتوفي سنة 1398 هـ

في المدينة بعد الهجرة فلا مجال للقول بصحته من جهة النزول أما التلاوة فنعم.
هذا، والله أعلم، واستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين.
تفسير سورة الكوثر عدد ١٥- ١٠٨
نزلت بمكة بعد العاديات وهي ثلاث آيات، وعشر كلمات، واثنان وأربعون حرفا، لا ناسخ ولا منسوخ فيها، ويوجد في القرآن أربع سور مبدوءة بما بدئت به هذه والفتح ونوح والقدر، ولا يوجد سورة مختومة بما ختمت به ولم تكرر بالقرآن كله.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى: «إِنَّا» نحن إله السموات والأرض وما فيهما وما فوقهما وتحتهما «أَعْطَيْناكَ» يا أكمل الرسل «الْكَوْثَرَ ١» نهرا في الجنة يدعى بهذا الاسم روى البخاري ومسلم عن أنس قال بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما فقلت ما أضحكك يا رسول الله قال أنزلت علي آنفا سورة فقرأ (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ) إلخ قال: أتدرون ما الكوثر قلنا الله ورسوله أعلم: قال فإنه نهر في الجنة وعدنيه ربي عز وجل، خير كثير، هو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته عدد نجوم السماء فيختلج (أي يذاد عنه ويمنع) العبد منهم فأقول رب إنه من أمتي، فيقول ما تدري ما أحدث بعدك. وقد ذكرنا في تفسير الآية ٦ من سورة المزمل المارة أنها نزلت في اليقظة وأن حضرة الرسول حينما أغفى هذه الاغفاءة رأى نفس النهر الذي أخبره به ربه في هذه السورة فذكره لأصحابه ويؤيد هذا قوله في الحديث (آنفا) أي قبل الوقت الذي ذكر لهم الحديث عنه، لأن هذه اللفظة تفال على ما قبل المتكلم ويطلق الكوثر على الخير الكثير أي أن الله تعالى إعطاء خيرا كثيرا جزيلا في جملة نهر الكوثر، قالت عائشة: ليس أحد يدخل إصبعيه في أذنه إلا يسمع خرير ذلك النهر وهو على التشبيه البليغ وإذا كان كذلك وهو كذلك «فَصَلِّ» يا حبيبي وادع واذكر وتفرغ «لِرَبِّكَ» الذي رباك وأغدق عليك نعمه وأعزّك بعطائه وشرفك بانتسابك اليه وصانك من منن الخلق مراغما لقومك
168
الذين يعبدون غيري «وَانْحَرْ ٢» ما تذبحه من الأنعام لوجهي وباسمي مخالفا عادة قومك الذين يذبحون للأوثان ويذكرون أسمائها على ذبائحهم «إِنَّ شانِئَكَ» مبغضك «هُوَ الْأَبْتَرُ ٣» المنقطع عن الخير الذي لا يذكر بعد موته بخير ما والأبتر في عرفهم الذي لا عقب له. نزلت في العاص بن وائل إذ أطلق على حضرة الرسول لفظ الأبتر بسبب موت أولاده الذكور فرد الله عليه بأنه هو الأبتر المنقطع دابره وأنت الأعز الأشرف الذي يبقى ذكره مرفوعا لآخر الدهر، وقد ذكرنا عدم اتجاه قول من نسى هذه الصلاة وفي كافة السور التي نزلت قبل الاسراء بالصلاة المفروضة أو بصلاة العيد لأنهما لم يفرضا بعد ولم يكن في مكة صلاة عيد البتة والقول بأن السورة مدنية ضعيف مخالف لما عليه الجمهور وأضعف منه القول بأنها نزلت مرتين وأن تلاوتها عند وجوب صلاة العيد ونحر الضحايا لا يعني أنها نزلت ثانيا ولا مانع أن يقال أنها من المقدم نزوله على حكمه المار ذكره في الآية ١٠ من سورة الأعلى، واللفظ يحتمل ذلك وفيها من الأخبار بالغيب بأن الله تعالى بوسع على نبيه صلّى الله عليه وسلم ويكثر من النحر، وأنها ستكون صلاة تسمى صلاة العيد، وتكون بعكس ما تأخر حكمه عن نزوله كما في الآية ١٥ من سورة الأعلى المارة. وما قيل إنها نزلت في أبي جهل عند وفاة ابراهيم ابن حضرة الرسول لا صحة له لأن الخبيث قتل قبل وفاته على التحقيق لأنه من مارية القبطية وقد أهديت للرسول وهو بالمدينة. وكذلك القول بنزولها في أبي لهب غير صحيح للعلة نفسها وقد فندنا القول بنزول بعض القرآن مرتين من سورة الفاتحة المارة، هذا وهذه أقصر سورة في القرآن من حيث الآيات والكلمات وقد جرى على ألسنة بعض الجهلة (أقصر من سورة الكوثر) وهذا لا يجوز البته لأن القرآن عبره ومواعظه جليلة في قليله وكثيره، وهو انما أنزل ليعتبر ويتعظ به لا ليتمثل به فحسب مما هو غير لائق بجلالته راجع سورة الفيل الآتية تجد ما يتعلق بهذا البحث. هذا والله أعلم، وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين وسلم كثيرا.
169
Icon