ﰡ
﴿ قُلْ أَعُوذُ بربِّ الفَلَقِ ﴾ فيه ستة تأويلات :
أحدها : أن الفلق سجن في جهنم، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه اسم من أسماء جهنم، قاله أبو عبد الرحمن.
الثالث : أنه الخلق كله، قاله الضحاك.
الرابع : أنه فلق الصبح، قاله جابر بن عبد الله ومنه قول الشاعر :
يا ليلةً لم أَنَمْها بِتُّ مُرْتفقا | أرْعى النجومَ إلى أنْ نوَّرَ الفَلَقُ. |
السادس : أنه كل ما انفلق عن جميع ما خلق من الحيوان والصبح والحب والنوى وكل شيء من نبات وغيره، قاله الحسن.
ولأصحاب الغوامض أنه فلق القلوب للأفهام حتى وصلت إليها ووصلت فيها، وأصل الفلق الشق الواسع، وقيل للصبح فلق لفلق الظلام عنه كما قيل له فجر لانفجار الضوء منه.
﴿ مِن شَرِّ ما خَلَق ﴾ فيه ثلاثة أقوال :
أحدها : أن شر ما خلق جهنم، قاله ثابت البناني.
الثاني : إبليس وذريته، قاله الحسن.
الثالث : من شر ما خلق في الدنيا والآخرة، قاله ابن شجرة.
وفي هذا الشر وجهان :
أحدهما : أنه محمول على عمومه في كل شر.
الثاني : أنه خاص في الشر الذي يستحق المصاب به الثواب.
﴿ ومن شَرِّ غاسقٍ إذا وَقَبَ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يعني الشمس إذا غربت، قاله ابن شهاب.
الثاني : القمر إذا ولج أي دخل في الظلام.
روى أبو سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أنها قالت : أخذ رسول الله ﷺ بيدي ثم نظر إلى القمر فقال : يا عائشة تعوذي بالله من شر غاسقٍ إذا وقب، وهذا الغاسق إذا وقب.
الثالث : أنه الثريا إذا سقطت، وكانت الأسقام والطواعين تكثر عنذ وقوعها، وترتفع عند طلوعها، قاله ابن زيد.
الرابع : أنه الليل، لأنه يخرج السباع من آجامها، والهوام من مكامنها ويبعث أهل الشر على العبث والفساد، قاله ابن عباس والضحاك وقتادة والسدي، قال الشاعر :
يا طيْفَ هِنْدٍ لقد أبقيْتَ لي أرَقا | إذ جئْتَنا طارِقاً والليلُ قد غَسَقا |
فعلى تأويله أنه الليل في قوله « إذا وقب » أربعة تأويلات :
أحدها : إذا أظلم، قاله ابن عباس.
الثاني : إذا دخل، قاله الضحاك.
الرابع : إذا سكن، قاله اليمان بن رئاب.
﴿ ومِن شَرِّ النّفّاثاتِ في العُقَدِ ﴾ قال أهل التأويل : من السواحر ينفثن في عقد الخيوط للسحر، قال الشاعر :
أعوذ بربي من النافثا | تِ في عِضَه العاضه المعْضِه |
نَفَثْت في الخيط شبيه الرُّقَى | من خشيةِ الجِنّة والحاسدِ. |
أحدها : أنه إيهام للأذى وتخيل للمرض من غير أن يكون له تأثير في الأذى والمرض، إلا استشعار ربما أحزن، أو طعام ضار ربما نفذ بحيلة خفية.
الثاني : أنه قد يؤذى بمرض لعارض ينفصل فيتصل بالمسحور فيؤثر فيه كتأثير العين، وكما ينفصل من فم المتثائب ما يحدث في المقابل له مثله.
الثالث : أنه قد يكون ذلك بمعونة من خدم الجن يمتحن الله بعض عباده.
فأما المروي من سحر النبي ﷺ فقد أثبته أكثرهم، وأن قوماً من اليهود سحروه وألقوا عقدة سحره في بئر حتى أظهره الله عليها.
روى أبو صالح عن ابن عباس أن النبي ﷺ اشتكى شكوى شديدة، فبينا هو بين النائم واليقظان إذا ملكان أحدهما عند رأسه، والآخر عند رجليه، فقال أحدهما : ما شكواه؟ فقال الآخر : مطبوب، ( أي مسحور، والطب : السحر ) قال : ومن طبّه؟ قال : لبيد بن الأعصم اليهودي فطرحه في بئر ذروان تحت صخرة فيها، فبعث رسول الله ﷺ عمار بن ياسر فاستخرج السحر منها، ويروى أن فيه إحدى عشرة عقدة، فأمر بحل العقد، فكان كلما حل عقدة وجد راحة، حتى حلت العقد كلها، فكأنما أنشط من عقال، فنزلت عليه المعوذتان، وهما إحدى عشرة آية بعدد العقد، وأمر أن يتعوذ بهما.
وأنكره آخرون، ومنعوا منه في رسول الله ﷺ وإن صح في غيره، لما في استمراره عليه من خبل العقل، وأن الله تعالى قد أنكر على من قال في رسوله حيث يقول :﴿ إن تتبعون إلا رجلاً مسحوراً ﴾.
﴿ ومن شر حاسد إذا حسد ﴾ أما الحسد فهو تمني زوال نعمة المحسود وإن لم يصر للحاسد مثلها، والمنافسة هي تمني مثلها وإن لم تزل، فالحسد شر مذموم، والمنافسة رغبة مباحة، وقد روي أن النبي ﷺ قال :« المؤمن يغبط والمنافق يحسد ».
أحدهما : من شر نفسه وعينه، فإنه ربما أصاب بها فعان وضر، والمعيون المصاب بالعين، وقال الشاعر :
قد كان قومُك يَحْسبونك سيّدا | وإخال أنك سيدٌ مَعْيونُ |
وافتتح السورة ب « قُلْ » لأن الله تعالى أمر نبيه أن يقولها، وهي من السورة لنزولها معها، وقد قال بعض فصحاء السلف : احفظ القلاقل، وفيه تأويلان :
أحدهما : قل « قل » في كل سورة ذكر في أوائلها لأنه منها.
والثاني : احفظ السورة التي في أولها « قل » لتأكيدها بالأمر بقراءتها.