تفسير سورة البروج

روح البيان
تفسير سورة سورة البروج من كتاب روح البيان المعروف بـروح البيان .
لمؤلفه إسماعيل حقي . المتوفي سنة 1127 هـ

المأجور استحق الأجر بعمله إطاعة لربه وان كان ذلك الاستحقاق من فضل الله كما ان إعطاء القدرة على العمل والهداية اليه من فضله أيضا. حسن بصرى قدس سره كفت كسانى را يافتم كه ايشان بدنيا جوانمرد وسخى بودند همه دنيا بدادندى ومنت ننهادند وبوقت خويش چنان بخيل بودند كه يك نفس از روزگار خويش نه به پدر دادندى ونه بفرزند. قال القاشاني لهم أجر من ثواب الآثار والصفات فى جنة النفس والقلب غير مقطوع لبرآءته من الكون والفساد وتجرده عن المواد وفى التأويلات النجمية الا الذين آمنوا من الروح والسر والقلب وقواهم الروحانية وعملوا الصالحات من الاعراض عن الدنيا والإقبال على الله لهم أجر غير ممنون بمنة نفسهم واجتهادهم واكتسابهم بل بفضل الله ورحمته. قال بعض العلماء النكتة فى ترتيب السور الثلاث ان فى انفطرت التعريف بالحفظة الكاتبين وفى المطففين التعريف بمستقر تلك الكتب وفى هذه السورة اى الانشقاق ايتاؤها يوم القيامة عند العرض والله تعالى اعلم تمت سورة الانشقاق بعون الملك الخلاق فى سلخ صفر الخير من سنة سبع عشرة ومائة وألف
تفسير سورة البروج
ثنتان وعشرون آية مكية بسم الله الرحمن الرحيم
وَالسَّماءِ كل جرم علوى فهو سماء فدخل فيه العرش ذاتِ الْبُرُوجِ جمع برج بمعنى القصر بالفارسية كوشك. والمراد البروج الاثنا عشر التي فى الفلك الأعلى فالمراد بالسماء فلك الافلاك قال سعدى المفتى لكن المعهود فى لسان الشرع اطلاق العرش عليه دون السماء ويجوز أن يراد الفلك الأقرب إلينا فالآية كقوله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح انتهى وجوابه ما أشرنا اليه فى عنوان السماء ثم انها شبهت بروج السماء بالقصور التي تنزل فيها الأكابر والاشراف لانها منازل السيارات ومقر الثوابت قال الامام السهيلي رحمه الله اسماء البروج الحمل وبه يبدأ لان استدارة الافلاك كان مبدأها من برج الحمل فيما ذكروا وفى شهر هذا البرج نيسان حيث تم العشرون منه كان مولد النبي عليه السلام وكان مولده عنده طلوع الغفر وهو بفتح الغين المعجمة وسكون الفاء منزل للقمر ثلاثة أنجم صغار والغفر يطلع فى ظاهر الشهر أول الليل لان وقته النطح وهو الشرطان بالمعجمة وبفتحتين وهما نجمان من الحمل هما قرناه والى جنب الجنوبي منهما وفى القاموس والى جانب الشمالي منهما كوكب صغير ومنهم من يعده معهما فيقول هذا المنزل ثلاثة كواكب ويسميها الاشراط والى الحمل أيضا يضاف البطين وهو كزبير منزل للقمر ثلاثة كواكب صغار كأنها أثافي وهو بطن الحمل وبعد الحمل الثور ثم الجوزاء ويقال لها النسر والجبار والتوأمان قال فى القاموس التوأم منزل للجوزاء انتهى وهامة الجوزاء الهقعة وهى ثلاثة كواكب فوق منكبى الجوزاء كما لا نافى إذا طلعت مع الفجر اشتد حر
383
الصيف ثم السرطان المهملة ثم الأسد ثم السنبلة ثم الميزان ثم العقرب وبين الزبانيين من العقرب وهما قرناها وكوكبان نيران فى قرنى العقرب كما فى القاموس وبين وركي الأسد ورجليه وهما السماك ككتاب يطلع الغفر الذي به مولد الأنبياء عليهم السلام وفيه قالوا
خير المنازل فى الأبد... بين الزباني والأسد
لانه يليه من الأسد ذنبه ولا ضرر فيه ومن العقرب زبانياها ولا ضرر فيهما وانما تضر بذنبها إذا شالته اى رفعته وهو الشولة فى المنازل اى ما تشول العقرب من ذنبها وكوكبان نيران ينزلهما القمر يقال لهما حمة العقرب ثم القوس ثم الجدى ثم الدلو ثم رشاء الدلو وهو منزل للقمر وهو الحوت يحسب فى البروج وفى المنازل وجعل الله الشهور على عدد هذه البروج فقال تعالى ان عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا قال فى كشف الاسرار واين برجها بر چهار فصل است يك فصل از ان وقت بهار است سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه در حمل وثور وجوزا باشد وفصل دوم روزكار صيف است تابستان كرم سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه در سرطان واسد وسنبله باشد وفصل سوم روزكار خريف است سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه در ميزان وعقرب وقوس باشد وفصل چهارم روزكار زمستانست سه ماه وآفتاب اندرين سه ماه در جدى ودلو وحوت باشد وهر فصلى را طبعى ديكرست وكردش او ديكر. يقول الفقير أيده الله القدير الفصل الربيعي عبارة عن ثلاثة أشهر يعبر عن أولها بأذار وعن الثاني بنيسان وعن الثالث بأيار فاذا مضت سبع عشرة ليلة من الشهر الاول استوى الليل والنهار بأن يكون كل منهما ثنتى عشرة ساعة ثم يأخذ النهار من الليل كل يوم شعيرة حتى إذا مضت سبعة عشر يوما من حزيران وهو أول فصل الصيف وبعده تموز ثم اغستوس يكون النهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات ويكون اليوم أطول الأيام كما ان الليلة تكون أقصر الليالى ثم يأخذ الليل من النهار على عكس ما سبق فينتقص من النهار كل يوم شعيرة حتى إذا مضت سبعة عشر يوما من أيلول وهو أول فصل الخريف وبعده تشرين الاول الذي هو اوسط الخريف ثم تشرين الثاني الذي هو آخره استوى الليل والنهار ايضا ثم يتزايد الليل كل يوم شعيرة حتى إذا كان سبعة عشر يوما من كانون الاول وهو أول فصل الشتاء وبعده كانون الثاني ثم شباط ينتهى طول الليل بان يكون خمس عشرة ساعة وقصر النهار بأن يكون تسع ساعات فهذا الحساب يعود ويدور أبدا انى ساعة القيام فالله تعالى يولج الليل فى النهار اى يدخله فيه بأن ينقص من ساعات الليل
ويزيد فى ساعات النهار وذلك إذا مضى من كانون الاول سبعة عشر يوما الى ان يمضى من حزيران هذا العدد وذلك ستة أشهر وهى كانون الاول وكانون الثاني وشباط وأذار ونيسان وأيار ويولج لنهار فى الليل اى يدخله فيه بأن ينقص من ساعات النهار ويزيد فى ساعات الليل وذلك ستة أشهر أيضا وهى حزيران وتموز واغستوس وأيلول وتشرين الاول
384
جذع ثم خذسهما من كنانتى وهى التي يجعل فيها السهام ثم ضع السهم فى كبد القوس وهو مقبضها عند الرمي ثم قل بسم الله رب الغلام ففعل كما قال الغلام ثم رماه فوقع السهم فى صدغه وهو ما بين العين والاذن فوضع يده على صدغه فى موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام آمنا برب الغلام فأتى الملك فقيل له يعنى أتى الملك آت فقال أرأيت ما كنت تحذر والله قد نزل بك حذرك اى والله قد نزل بك ما كنت تحذر منه وتخاف قد آمن الناس فأمر بالأخدود أي بحفر شق مستطيل فى أفواه السكك اى فى أبواب الطرق فخدت اى شقت واضرم النيران اى أوقدها واشعلها وقال من لم يرجع عن دينه فاقحموه فيها اى فاطرحوه فيها كرها ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبى رضيع لها فتقاعست اى تأخرت أن تقع فيها فقال لها الغلام يا أماه اصبري فانك على الحق وفى أهلي اى منعونى وإذا خشيت أهلك فقل حبسنى الساحر فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة بعض الروايات كان للمرأة ثلاثة أولاد أحدهم رضيع فقال لها الملك ارجعي عن دينك والا ألقيتك وأولادك فى النار فأبت فأخذابنها الأكبر فألقاه فى النار ثم قال لها ارجعي عن دينك فأبت فألقى ابنها الأوسط ثم قال ارجعي عن دينك فأبت فأخذوا الصبى ليلقوه فيها فهمت بالرجوع فقال الصبى يا أماه لا ترجعى عن الإسلام فانك على الحق ولا بأس عليك وفى كشف الاسرار فان بين يديك نارا لاتطفأ فألقى الصبى فى النار وامه على اثره وكان هو ممن تكلم فى المهد وهو رضيع وقد سبق عددهم فى سورة يوسف وكانت هذه القصة قبل مولده عليه السلام بتسعين سنة وفيما ذكر من الحديث اثبات كرامات الأولياء وجواز الكذب عند خوف الهلاك سوآء كان الهالك هو الكاذب او غيره وروى ان خربة اختفرت فى زمن عمر بن الخطاب فوجد الغلام الذي قتله الملك وأصبعه على صدغه كما وضعها حين قتل وفى بعض التفاسير فوجدوا عبد الله بن الثامر واضعا أصبعه على صدغه فى رأسه إذا اميطت يده عنها سال دمه وإذا تركت على حالها انقطع وفى يده خاتم من حديد فيه ربى الله فكتبوا الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فكتب بأن يواروه ويعيدوا التراب عليه وفى بعض التفاسير فكتب إليهم عمر رضى الله عنه ان ذلك الغلام صاحب الأخدود فاتركوه على حاله حتى يبعثه الله يوم القيامة على حاله وعن على رضى الله عنه ان بعض الملوك المجوس وقع على أخته وهو سكران فلما صحاندم وطلب المخرج فأمرته ان يخطب الناس فيقول ان قد أحل نكاح الأخوات ثم يخطبهم بعد ذلك ويقول ان الله حرمه فخطب فلم يقبلوا منه فقالت له ابسط فيهم السوط ففعل فلم يقبلوا فأمرته بالاخاديد وإيقاد النار وطرح من أبى فيها فهم الذين أرادهم تعالى بقوله قتل اصحاب الأخدود النَّارِ بدل اشتمال من الأخدود لان الأخدود مشتمل على النار وهو بها يكون مهيبا مشتد الهول والتقدير النار فيه او أقيم ال مقام الضمير على اختلاف مذهبى اهل البصرة والكوفة ذاتِ الْوَقُودِ خداوند آتش باهيمه يعنى افروخته بهيزم. وهو بفتح الواو ما يوقد به وفيه وصف لها بغاية العظم وارتفاع اللهب وكثرة ما يوجبه من
من الفتنة فى الدين لا يتصور من دين الكافر قطعا وفى إيراد ثم اشعار بكمال حلمه وكرمه حيث لا يعجل فى القهر ويقبل التوبة وان طالت مدة الحوبة قال الامام وذلك يدل على ان توبة القاتل عمدا مقبولة فَلَهُمْ فى الآخرة بسبب كفرهم عَذابُ جَهَنَّمَ يعذبون به أبدا وَلَهُمْ بسبب فتنتهم للمؤمنين عَذابُ الْحَرِيقِ او عذاب عظيم زائد فى الإحراق على عذاب سائر أهل جهنم فظهرت المغايرة بين المعطوفين وان كان كل منهما حاصلا فى الآخرة ويحتمل أن يكون المراد بعذاب جهنم بردها وزمهريرها وبعذاب الحريق حرها فيرددون بين برد وحر على أن يكون الحر لاحراقهم المؤمنين فى الدنيا والبرد لغيره كما قالوا الجزاء من جنس العمل والحريق اسم بمعنى الاحتراق كالحرقة وقول الكاشفى
فى تفسيره عذاب الحريق عذاب آتش سوزان يشير الى ان الحريق بمعنى النار المحرقة
كما قال فى المفردات الحريق النار وكذا الحرق بالتحريك النار أو لهبها كما فى القاموس وحرق الشيء إيقاع حرارة فى الشيء من غير لهب كحرق الثوب بالدق والإحراق إيقاع نار ذات لهب فى شىء ومنه استعير أحرقنى بلومه إذا بالغ فى أذيته بلوم يقول الفقير الظاهر أن الحريق هنا بمعنى المحرق كالأليم بمعنى المؤلم فيكون اضافة العذاب الحريق من قبيل اضافة الموصوف الى صفته ويستفاد زيادة الإحراق من المقابلة فان العطف من باب الترقي بحسب العذاب المترتب على الترقي من حيث العمل إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ على الإطلاق من المفتونين وغيرهم لَهُمْ بسبب ما ذكر من الايمان والعمل الصالح الذي من جملته الصبر على أذى الكفار وإحراقهم وإيراد الفاء اولا وتركها ثانيا يدل على جواز الامرين جَنَّاتٌ يجازون بها بمقابلة النار ونحوها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يجازون بذلك بمقابلة الاحتراق والحرارة ونحو ذلك قال فى الإرشاد ان أريد بالجنات الأشجار فجريان الأنهار من تحتها ظاهر وان أريد بها الأرض المشتملة عليها فالتحتية باعتبار جريها الظاهر فان أشجارها ساترة لساحتها كما يعرب عنه اسم الجنة ذلِكَ المذكور العظيم الشان وهو حصول الجنان الْفَوْزُ الْكَبِيرُ الذي تصغر عنده الدنيا وما فيها من فنون الرغائب بحذافيرها فالحصر إضافي قال فى برهان القرآن ذلك مبتدأ والفوز خبره والكبير صفته وليس له فى القرآن نظير والفوز النجاة من الشر والظفر بالخير فان أشير بذلك الى الجنات نفسها فهو مصدر أطلق على المفعول مبالغة والا فهو مصدر على حاله قال الامام انما قال ذلك الفوز ولم يقل تلك لدقيقة لطيفة وهى ان قوله ذلك اشارة الى اخبار الله بحصول هذه الجنات ولو قال تلك لكانت الاشارة الى نفس الجنات واخبار الله عن ذلك يدل على كونه راضيا والفوز الكبير هو رضى الله لا حصول الجنة يقول الفقير وعندى ان حصول الجنات هو الفوز الكبير وحصول رضى الله هو الفوز الأكبر كما قال تعالى ورضوان من الله اكبر وانما لم يقل تلك لان نفس الجنات من حيث هى ليست بفوز وانما الفوز حصولها ودخولها إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ استئناف خوطب به النبي عليه السلام إيذانا بأن لكفار قومه نصيبا موفورا من مضمونه كما ينبئ عنه التعرض لعنوان الربوبية مع الاضافة
بمعنى الفاعل هاهنا وهو الذي يقتضيه المقام وقال سهل رحمه الله الودود المحب الى عباده بإسباغ النعم عليهم ودوام العافية فيكون بمعنى المفعول لانه يحبه عباده الصالحون ومحبة العبد لله طاعته له وموافقته لامره او تعظيمه له وهيبته فى قلبه واجمع أهل الحقيقة ان كل محبة تكون عن ملاحظة عوض فهى معلولة بل المحبة الصحيحة هى المحبة الصافية عن كل طمع والأثر ان الله تعالى يقول ان أود الأوداء الى من عبدنى لغير نوال لكن ليعطى الربوبية حقها قال بعض الكبار العشق التفاف الروحين والحب صفاء ذلك الالتفاف وخلوصه والود ثباته وتمكنه من القلب والهوى أول وقوع الحب فى القلب وفى التأويلات النجمية الودود لمن يتوجه اليه بالمحبة على سنة من تقرب الى شبرا تقربت اليه زراعا فمن تقرب اليه بالمحبة تقرب اليه بالود لان الود أثبت فى أرض القلب من المحبة لاشتقاقه من الوتد انتهى قال فى القاموس الود الوتد وقال الامام الغزالي رحمه الله الودود هو الذي يحب الخير الجميع الخلق فيحسن إليهم ويثنى عليهم وهو قريب من معنى الرحيم لكن الرحمة اضافة الى المرحوم والمرحوم هو المحتاج والمضطر وأفعال الرحيم تستدعى مرحوما ضعيفا وأفعال الودود لا تستدعى ذلك بل الانعام على سبيل الابتداء من نتائج الود كما ان معنى رحمته تعالى إرادته الخير للمرحوم وكفايته له وهو منزه عن رقة الرحمة فكذلك وده إرادته للكرامة والنعمة وهو منزه عن ميل المودة والودود من عباد الله من يريد لخلق الله كل ما يريده لنفسه وأعلى من ذلك من يؤثرهم على نفسه كمن قال منهم أريد أن أكون جسرا على النار يعبر على الخلق ولا يتأذون بها وكمال ذلك أن لا يمنعه من الإيثار والإحسان الحقد والغضب وما يناله من الأذى كما قال عليه السلام حين كسرت رباعيته ودمى وجهه وضرب اللهم اغفر لقومى فانهم لا يعلمون فلم يمنعه سؤء صنيعهم عن ارادة الخير لهم وكما أمر عليه السلام عليا رضى الله عنه حيث قال ان أردت أن تسبق المقربين فصل من قطعك وأعط من حرمك واعف عمن ظلمك وخاصية الاسم الودود ثبوت الوداد لا سيما بين الزوجين فمن قرأه ألف مر على طعام وأكله مع زوجته غلبتها محبته ولم يمكنها سوى طاعته وقد روى انه اسم الله الأعظم فى دعاء التاجر الذي قال فيه يا ودود بإذا العرش المجيد يا مبدئ يا معيد أسألك بنور وجهك الذي ملأ اركان عرشك وبقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك وبرحمتك التي وسعت كل شىء لا اله الا أنت يا مغيث أغثنى يا مغيث أغثنى يا مغيث أغثنى الحديث قد ذكره غير واحد من الائمة. يقول الفقير كنت اذكر فى السحر الأعلى يا ودود وذلك بلسان القلب فصدر منى بلا اختيار أن أقول يا رب اجعلنى محيطا فعرفت ان للاسم المذكور تأثيرا عظيما فى الإحاطة وذلك ان الودود بمعنى المحبوب ولا شك ان جميع الأسماء الهية يود الاسم الأعظم ويميل اليه فالاسم الأعظم ودود بمعنى المفعول وغيره ودود بمعنى الفاعل فمن ذكره كان ودودا بمعنى المودود فيحبه جميع المظاهر فيحصل له الإحاطة باسرار جميع الأسماء ويصل اليه جميع التوجهات ذُو الْعَرْشِ خالقه وقيل المراد بالعرش الملك مجازا اى ذو السلطنة القاهرة على المخلوقات السفلية والمخترعات العلوية وان لم يكن على السرير ويقال ثل عرش فلان إذا ذهب سلطانه
وعرفت ما فعلوا من التكذيب وما فعل بهم من التعذيب فذكر قومك بشؤون الله وأنذرهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أمثالهم وقد كانوا سمعوا قصة فرعون وجنوده قوم موسى عليه السلام ورأوا آثار هلاك ثمود قوم صالح عليه السلام لانها كانت فى ممرهم وفى بلادهم وأخر ثمود مع تقدمه على فرعون زمانا لرعاية الفواصل قال القاشاني هل أتاك حديث المحجوبين اما بالانانية كفرعون ومن يدين بدينه او بالآثار والأغيار كثمود ومن يتصل بهم بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا من قومك فِي تَكْذِيبٍ إضراب عن مماثلتهم لهم وبيان لكونهم أشد منهم فى الكفر والطغيان وتنكير تكذيب للتعظيم كأنه قيل ليسوا مثلهم فى ذلك بل هم أشد منهم فى استحقاق العذاب واستيجاب العقاب فانهم مستقرون فى تكذيب شديد للقرءآن الناطق بذلك لكن لا انهم يكذبون بوقوع الحادثة بل يكذبون كون ما نطق به قرءانا من عند الله مع وضوح أمره وظهور حاله بالبينات الباهرة وفى التأويلات النجمية فى تكذيب لاشمال خلقهم وجبلتهم على صفة الكذب والتكذيب وأمن جبل على صفة لا يقدر على مفارقتها الا القليل من الكمل كما قال تعالى فمن لم يجعل الله له نورا اى فى الاستعداد فماله من نور.
خوى بد در طبيعتى كه نشست نرهد جز بوقت مرك از دست
وفيه اشارة الى تكذيب المنكرين لاهل الحق ووقوفهم مع حالهم واحتجابهم عن حال من فوقهم وَاللَّهُ مِنْ وَرائِهِمْ من خلفهم مُحِيطٌ بهم بالقدرة وهو تمثيل العدم نجاتهم من بأس الله بعدم فوت المحاط المحيط إذا سد عليه مسلكه بحيث لا يجد هربا منه وفى التأويلات النجمية محيط والمحيط لا يفوته المحاط ولا يفوت المحيط شىء لا حاطة الله سبحانه عند العارفين بالكافرين بل الموجودات كلها عبارة عن تجليه بصور الموجودات فهو سبحانه بأحدية جميع أسمائه سار فى الموجودات كلها ذاتا وحياة علما وقدرة الى غير ذلك من الصفات والمراد بإحاطته تعالى هذه السراية ولا يعزب عنه ذرة فى السموات والأرض وكل ما يعزب عنه يلتحق بالعدم وقالوا هذه الإحاطة ليست كاحاطة الظرف بالمظروف ولا كاحاطة الكل بأجزائه ولا كاحاطة الكلى بجزئياته بلى كاحاطة الملزوم بلازمه فان التعينات اللاحقة لذاته المطلقة انما هى لوازم له بواسطة او بغير واسطة وبشرط او بغير شرط ولا تقدح كثرة اللوازم فى وحدة الملزوم ولا تنافيها والله أعلم بالحقائق بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ اى ليس الأمر كما قالوا بل هذا الذي كذبوا به قرآن شريف عالى الطبقة فيما بين الكتب الالهية فى النظم والمعنى متضمن للمكارم الدنيوية والاخروية فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ اى من التحريف ووصول الشياطين اليه واللوح كل صحيفة عريضة خشبا او عظما كما فى القاموس قال الراغب اللوح واحد ألواح السفينة وما يكتب فيه من الخشب ونحوه والمراد به هنا ما قال ابن عباس رضى الله عنهما ان الله خلق لوحا محفوظا من درة بيضاء دفناه ياقوتة حمراء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ما بين المشرق والمغرب ينظر الله فيه كل يوم ثلاثمائة وستين مرة يحيى ويميت ويعز
Icon