ﰡ
قوله جل ذكره: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» «بِسْمِ اللَّهِ» اسم لا يشبهه كفو «١» فى ذاته وصفاته، ولا يستفزّه «٢» لهو في إثبات مصنوعاته، ولا يعتريه سهو في علمه وحكمته، ولا يعترضه لغو في قوله وكلمته.
فهو حكيم لا يلهو، وعليم لا يسهو، وحليم يثبت ويمحو فالصدق قوله، والحقّ حكمه، والخلق خلقه والملك ملكه.
قوله جل ذكره:
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ١ الى ٦]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤)وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى (٥) أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى (٦)
«وَالضُّحى» : ساعة من النهار. أو النهار كلّه يسمّى ضحى. ويقال: أقسم بصلاة الضّحى.
ويقال: الضحى الساعة التي كلّم فيها موسى عليه السلام.
«وَاللَّيْلِ إِذا سَجى» أي: ليلة المعراج، و «سَجى» : أي سكن، ويقال: هو عامّ فى جنس الليل.
ويقال: «الضُّحى» وقت الشهود. «وَاللَّيْلِ إِذا سَجى» الذي قال: إنه ليغانّ على قلبى «٣»... »
ويقرأ بضم الفاء وسكونها، فإن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان إلا قوله تعالى «وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً» (آية ١٥ سورة الزخرف).
(٢) استفزه الشيء- استخفه، واستفزه فلان- أثاره وأزعجه.
(٣) عن أغر مزينة قال: قال رسول الله (ص) : إنه ليغان على قلبى حتى أستغفر الله في اليوم والليلة مائة مرة» أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي. وفي رواية لمسلم: «توبوا إلى ربكم، فو الله إنى لأتوب إلى ربى تبارك وتعالى في اليوم مائة مرة».
«ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» ما قطع عنك الوحى وما أبغضك «٢».
وكان ذلك حين تأخّر جبريل- عليه السلام- عنه أياما «٣»، فقال أهل مكة: إن محمدا قد قلاه ربّه. ثم أنزل الله هذه السورة.
وقيل: احتبس عنه جبريل أربعين يوما، وقيل: اثنى عشر يوما، وقيل: خمسة وعشرين يوما.
ويقال: سبب احتباسه أن يهوديا سأله عن قصة ذى القرنين وأصحاب الكهف، فوعد الجواب ولم يقل: إن شاء الله».
«وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى» أي: ما يعطيك في الآخرة خير لك مما يعطيك في الدنيا.
ويقال: ما أعطاك من الشفاعة والحوض، وما يلبسك من لباس التوحيد- غدا- خير مما أعطاك اليوم.
«وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى» قيل: أفترضى بالعطاء عن المعطى؟ قال: لا.
قوله جل ذكره: «أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى؟»
(٢) هكذا في ص وهي في م (يغضبك).
(٣) فى البخاري عن جندب بن سفيان قال: اشتكى رسول الله (ص) فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة (هى العوراء بنت حرب أخت أبى سفيان، وهي حمالة الحطب، زوج أبى لهب) فقالت: يا محمد، إنى لأرجو أن يكون شيطانك قد تركك، لم أره قربك منذ ليلتين أو ثلاث، فأنزل الله عز وجل «والضحى». [.....]
(٤) يقال: إن جروا دخل تحت السرير في حجرته ومات، فلما تغيب الوحى سأل خادمه خولة: يا خولة ما حدث في بيتي؟ ما لجبريل لا يأتينى؟ فلما قامت إلى البيت فكنسته وأخبرته بما وجدت... فلما عاده الوحى سأله عن سرّ تأخره فقال جبريل: أما علمت أنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة؟
ويقال: بل آواه إلى كنف ظلّه، وربّاه بلطف رعايته.
ويقال: فآواك إلى بساط القربة بحيث انفردت بمقامك، فلم يشاركك فيه أحد
[سورة الضحى (٩٣) : الآيات ٧ الى ١١]
وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى (٧) وَوَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى (٨) فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ (٩) وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ (١٠) وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (١١)
أي: ضللت في شعاب مكة، فهدى إليك عمّك أبا طالب في حال صباك.
ويقال: «ضَالًّا» فينا متحيّزا... فهديناك بنا إلينا.
ويقال: «ضَالًّا» عن تفصيل الشرائع فهديناك إليها بأن عرّفناك تفصيلها.
ويقال: فيما بين الأقوام ضلال فهداهم بك.
وقيل: «ضَالًّا» للاستنشاء «١» فهداك لذلك.
ويقال «ضَالًّا» فى محبتنا، فهديناك بنور القربة إلينا.
ويقال: «ضَالًّا» عن محبتى لك فعرّفتك أنّى أحبّك.
ويقال: جاهلا بمحلّ شرفك، فعرّفتك قدرك.
ويقال: مستترا في أهل مكة لا يعرفك أحد فهديناهم إليك حتى عرفوك «٢» «وَوَجَدَكَ عائِلًا فَأَغْنى» فى التفسير: فأغناك بمال خديجة.
ويقال: أغناك عن الإرادة والطلب بأن أرضاك بالفقد «٣» ويقال: أغناك بالنبوّة والكتاب. ويقال: أغناك بالله.
(٢) ربما تتفق هذه الإشارة مع ما جرت عليه العرب في وصف الشجرة المنفردة في الفلاة لا شجر معها بأنها ضالة يهتدى بها إلى الطريق لأنها علامة مميزة، فهى معروفة لذاتها، ولأنها علامة على الطريق هادية إليه.
(٣) هكذا في م، وهي في ص (بالعقل)، ولكننا نرجح ما جاء في م، ولا نستبعد أنها في الأصل (الفقر).. فالرضا في حال الفقر أو (الفقد) أتم في النعمة من الرضا في حال الغنى... وهل أعظم من الغنى بالله؟!
قوله جل ذكره: «فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ» فلا تخفه، وارفق به، وقرّبه.
«وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ» أي: إمّا أن تعطيه.. أو تردّه برفق، أو وعد.
ويقال: السائل عنّا، والسائل المتحيّر فينا- لا تنهرهم، فإنّا نهديهم، ونكشف مواضع سؤالهم عليهم.. فلاطفهم أنت في القول.
«وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ» فاشكر، وصرّح بإحسانه إليك، وإنعامه عليك.