تفسير سورة الكوثر

تفسير أبي السعود
تفسير سورة سورة الكوثر من كتاب إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم المعروف بـتفسير أبي السعود .
لمؤلفه أبو السعود . المتوفي سنة 982 هـ
مكية، وآيها ثلاث.

﴿إِنَّا أعطيناك﴾ وقُرِىءَ أَنْطَينَاكَ ﴿الكوثر﴾ أيِ الخيرُ المفرطُ الكثيرُ من شرفِ النبوةِ الجامعةِ لخيريِّ الدارينِ والرياسةِ العامةِ المستتبعةِ لسعادةِ الدُّنيا والدين فوعلٌ منَ الكثرةِ وقيلَ هُوَ نهرٌ في الجَّنةِ وعن النبيِّ صلَّى الله عليهِ وسلم أنه قرأهَا فقالَ أتدرونَ ما الكوثَرُ إنَّه نهرٌ في الجنةِ وَعَدنيهِ ربِّي فيهِ خيرٌ كثيرٌ ورُويَ في صفتِهِ أنَّه أَحْلَى من العسلِ وأشدُّ بياضاً من اللبنِ وأبردُ من الثلجِ وألينُ من الزبدِ حافتاهُ الزبرجدُ وأوانيهِ من فضةٍ عددَ نجومِ السماءِ ورُوي لا يظمأُ من شربَ منْهُ أبداً أولُ وارديهِ فقراءُ المهاجرينَ الدَّنِسُو الثيابِ الشُّعْثُ الرؤوسِ الذينَ لا يزوجونَ المنعمّاتِ ولا تفتحُ لهم أبوابُ السُّدَدِ يموتُ أحدُهم وحاجتُهُ تتلجلجُ في صدرِه لو أقسمَ على الله لأبرَّهُ وعنِ ابن عباس رضي الله عنهُما أنه فسرَ الكوثرَ بالخيرِ الكثيرِ فقالَ لَه سعيدُ بنُ جُبيرٍ فإنَّ ناساً يقولونَ هُوَ نهرٌ في الجنةِ فقالَ هُو منَ الخيرِ الكثيرِ وقيلَ هو حوضٌ فيهَا وقيلَ هو وأولاده وأتباعُه أو علماءُ أمتِه أو القرآنُ الحاوِي لخيرِ الدُّنيا والدينِ
والفاء في قوله تعالى ﴿فَصَلّ لِرَبّكَ﴾ لترتيبِ ما بعدها على ما قبلها فإنَّ إعطاءَهُ تعالَى إيَّاهُ عليهِ السلامُ ما ذكرَ من العطيةِ التي لم يُعطِهَا ولنْ يعطيهَا أحداً منَ العالمينَ مستوجبٌ للمأمورِ بهِ أيَّ استيجابٍ أي فدُمْ على الصلاةِ لربكَ الذي أفاضَ عليكَ هذه النعمةِ الجليلةِ التي لاَ يضاهيها نعمة خالصا لوجهِه خلافَ الساهينَ عنهَا المرائينَ فيهَا أداءً لحقوقِ شكرِهَا فإنَّ الصلاةَ جامعةٌ لجميعِ أقسامِ الشكرِ ﴿وانحر﴾ البدنَ التي هيَ خيارُ أموالِ العربِ باسمِه تعالَى وتصدقْ على المحاويجِ خلافاً لمن يدعهُمْ ويمنعُ عنهُم الماعونَ وعن عطيةَ هيَ صلاةُ الفجرِ بجمعٍ والنحُرُ بمنًى وقيلَ صلاةُ العيدِ والتضحيةُ وقيلَ هيَ جنسُ الصلاةِ والنحرُ وضعُ اليمينِ على الشمالِ وقيلَ هُوَ أنْ يرفعَ يديهِ في التكبيرِ إلى نحرِه هُوَ المروي عنِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلم وعن ابن عباس رضي الله عنهمَا استقبلِ القبلةَ بنحركَ وهُو قولُ الفَرَّاءِ والكَلْبي وأبي الأَحْوَص
﴿إِنَّ شَانِئَكَ﴾ أيْ مبغضكَ كائناً منْ كانَ ﴿هُوَ الأبتر﴾ الذي لاَ عقِبَ له
205
} ٠٨ سورة الكوثر آية (٣) حيثُ لا يبقَى منهُ نسلٌ ولا حُسنُ ذكرٍ وأمَّا أنتَ فتبقَى ذريتُكَ وحسنُ صيتكَ وآثارُ فضلكَ إلى يوم القيامة لك في الآخرةِ ما لا يندرجُ تحتَ البيانِ وقيلَ نزلتْ في العاصِ بنِ وائلٍ وأياً ما كانَ فلا ريب وفي عمومِ الحكمِ عنِ النبيِّ ﷺ مَنْ قرأَ سورةَ الكوثرِ سقاهُ الله تُعالى مِنْ كلِّ نهرٍ في الجنةِ ويكتبُ لهُ عشرَ حسناتٍ بعددِ كلِّ قُربانٍ قربَهُ العبادُ في يومِ النحرِ
} ٠٩ سورة الكافرون مكية وآيها ست

بسم الله الرحمن الرحيم

206
Icon