وآياتها أربع وثلاثون
كلماتها ٥٤٨- حروفها ٢١١٠.
ﰡ
﴿ الم١ ﴾
قد تكون من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، )والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب( ١ وقد تكون من المحكم الذي يتوصل إلى إدراك معناه، فيقال فيها ما قيل في مثيلاتها من أوائل السور التي تكون حروفا، إما أن تفهم على أنها بدء أسماء وفواتح سور، أو مما أقسم المولى سبحانه به، أو هي من إعجاز القرآن، إذ الألف واللام والميم حروف ينطق بها كل عربي، ومنها يتكون كلم القرآن العظيم، فمع تكونه من حروف كالتي ينطقون بها عجز فصحاؤهم وعجز الإنس والجن عن الإتيان بمثله وسيظلون عاجزين، فثبت أن القرآن المجيد كلام رب العالمين.
﴿ تلك آيات الكتاب الحكيم ٢ هدى ورحمة للمحسنين٣ ﴾
تلك الآيات التي جاءت في القرآن آيات كتاب لا تفوته الحكمة تباركت وتبارك هذا الذكر المجيد، كلها تامة صادقة عادلة ليس فيها اختلاف ولا تبديل، أو هي عالية القدر والشرف، والكتاب حاكم على كل الكتب، وكل المكلفين، [ و﴿ تلك ﴾ في موضع رفع على إضمار مبتدأ، أي هذه تلك... و﴿ الكتاب ﴾ : القرآن ]١ والآيات تعقب هداية يشرح الله بها صدور المؤمنين، فتستنير وتنفسح، كما جاء في قول مولانا العزيز العليم :).. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه.. ( ٢، ويدركون بتقديسها، والعمل بها، والثبات على منهاجها، ورحمة واسعة من ربنا، وبرا في العاجل والآجل﴿ للمحسنين ﴾ للعاملين الحسنات، أو الذين يعبدون الله تعالى كأنهم يرونه، أو للمحسنين دينا- فالإسلام أحسن الأديان، أو للمحسنين كل فعل وقول وعمل، يجيدونه ويتقنونه، كما أورد الألوسي : ويجوز أن يكون﴿ الحكيم ﴾ من صفاته عز وجل، ووصف الكتاب به من باب الإسناد المجازي، فإنه منه سبحانه بدأ، وقد يوصف الشيء بصفة مبدئه... وأن يكون الأصل، الحكيم منزله أو قائله، فحذف المضاف إلى الضمير المجرور، وأقيم المضاف إليه مقامه، فانقلب مرفوعا، ثم استكن في الصفة المشبهة...
٢ سورة المائدة. من الآية ١٦..
﴿ هدى ورحمة ﴾ بالنصب على الحالية من﴿ آيات ﴾. اه [ وحيث زاد ههنا- أي عن أوائل سورة البقرة حيث ذكر هناك﴿ هدي ﴾ فحسب ﴿ ورحمة ﴾ قال :﴿ للمحسنين ﴾ فإن الإحسان مرتبة فوق التقوى، لقول الله تعالى :)إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون( ١ ولقوله صلى الله عليه وسلم :" الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه.. " ]٢.
٢ ما بين العلامتين[ ] من روح المعاني..
﴿ ويؤتون ﴾ يعطون.
﴿ الزكاة ﴾ حق في المال وكل ما يقوم بمال جعله الله تعالى للفقراء والمساكين والمستحقين.
﴿ الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون ٤ أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ٥ ﴾.
من أدوا الصلاة وأتموها، وداوموا عليها في أوقاتها وأتقنوها، وخشعوا فيها وتدبروها، وأعطوا حق الله تعالى في أموالهم للفقراء والمساكين، وذوي القربى وسائر المستحقين، وهم مع ذلك يصدقون بأحوال الآخرة من ذهاب الحياة على هذا الكون، وتبديل الأرض غير الأرض والسماء غير السماء، ثم بعث الناس بعد موتهم أحياء، ثم سوقهم وحشرهم للسؤال والحساب والفصل والجزاء، واستيقنوا بذلك دون شك أو ارتياب.
﴿ وأولئك هم المفلحون ﴾ وأصحاب هذه الأقدار الرفيعة، والحظ العظيم، هم أصحاب الشرف العالي، والنجح والفوز والظفر بما رجوا في أولاهم وعقباهم، فإن قيل : السورة مكية، وقد وصفت أهل الفوز بأنهم من يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، وهما مما فرض بالمدينة ؟ قلنا : الصلاة فرضت بمكة ليلة الإسراء قبل الهجرة، والزكاة كانت بمكة حقا للقريب واليتيم والمسكين، لكن الذي شرع بعد الهجرة هو نصابها، وتحديد مقاديرها.
﴿ ليضل عن سبيل الله ﴾ ليوقع في الضلال والحيرة، يصد عن الطريق الموصلة إلى مرضاة الله.
﴿ هزوا ﴾ استهزاء وسخرية
لما تبين لنا من فواتح السورة وأوائلها أنوار آيات الكتاب الحكيم وثمراتها وبركاتها، بينت هاتان الآيتان أن من الناس من سفه نفسه، وأطاع شيطانه وهواه، وكره أن يسمع أو يسمع من عداه ما جاء من هدي الله، فراح يوفر لنفسه ولمن يستطيع ما يلهي ويشغل، ويغفل به عن غيره من غناء أو نحوه، يريد أن يركن الناس إلى الباطل والجهالة، ويسخروا من الحق والدين وطريق الاستقامة، فما أبعد ضلال هؤلاء، وما أشد ما أعد لهم من عذاب يخزيهم، وإذا قرئت على أحد أئمة الضلال آيات من آيات ربنا الكبير المتعال أعرض ومضى متعاظما لا يخشع لذكر الله وما أنزل من الحق، كأنه مصاب بالصمم الذي أفقده السمع، ﴿ فبشره بعذاب أليم ﴾ أمر من الله تعالى لنبيه أن يخبر هذا أو من على شاكلته من الصادين عن الرشد، العاكفين على اللهو، بعذاب يوجعهم أشد الوجع[ واشتهر أن الآية نزلت في النضر بن الحارث، ففي رواية جويبر عن ابن عباس أنه اشترى قينة١ فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول لها : أطعميه واسقيه وغنيه، ويقول : هذا خير مما يدعوك إليه محمد –صلى الله تعالى عليه وسلم-.. فنزلت ]٢.
﴿ ولى ﴾ أعرض وفر.
﴿ وقرا ﴾ أصله الحمل الثقيل، لكن يراد به ثقل السمع والصمم- المرض الذي يفقد من أصابه حاسة السمع-
﴿ فبشره ﴾ أخبره خبرا يظهر أثره على بشرة وجلدة وجهه.
لما تبين لنا من فواتح السورة وأوائلها أنوار آيات الكتاب الحكيم وثمراتها وبركاتها، بينت هاتان الآيتان أن من الناس من سفه نفسه، وأطاع شيطانه وهواه، وكره أن يسمع أو يسمع من عداه ما جاء من هدي الله، فراح يوفر لنفسه ولمن يستطيع ما يلهي ويشغل، ويغفل به عن غيره من غناء أو نحوه، يريد أن يركن الناس إلى الباطل والجهالة، ويسخروا من الحق والدين وطريق الاستقامة، فما أبعد ضلال هؤلاء، وما أشد ما أعد لهم من عذاب يخزيهم، وإذا قرئت على أحد أئمة الضلال آيات من آيات ربنا الكبير المتعال أعرض ومضى متعاظما لا يخشع لذكر الله وما أنزل من الحق، كأنه مصاب بالصمم الذي أفقده السمع، ﴿ فبشره بعذاب أليم ﴾ أمر من الله تعالى لنبيه أن يخبر هذا أو من على شاكلته من الصادين عن الرشد، العاكفين على اللهو، بعذاب يوجعهم أشد الوجع[ واشتهر أن الآية نزلت في النضر بن الحارث، ففي رواية جويبر عن ابن عباس أنه اشترى قينة١ فكان لا يسمع بأحد يريد الإسلام إلا انطلق به إلى قينته، فيقول لها : أطعميه واسقيه وغنيه، ويقول : هذا خير مما يدعوك إليه محمد –صلى الله تعالى عليه وسلم-.. فنزلت ]٢.
لما تحدثت الآيتان السابقتان عن حال ومآل أعداء الحق، جاء في هاتين الآيتين عاقبة أهل الصلاح والصدق، فحق اليقين أن المؤمنين الصالحين، المستيقنين بآيات الكتاب المبين، المستقيمين على منهاج الدين، يورثهم ربنا جنات ذات درجات متفاوتات، ينعم من دخلها فلا يبأس، يشب فلا يهرم، ويصح فلا يسقم، ويحيا فلا يموت، وله فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين :)لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين( ١ )لا يذوقون فيها الموت.. ( ٢.
٢ سورة الدخان. من الآية ٥٦..
﴿ وهو العزيز ﴾ الذي لا يغلبه شيء على مراده، وتحقيق موعوده، ﴿ الحكيم ﴾ الذي لا تفوته الحكمة، بل يقضي كل أمر موافقا للعدل والصدق والصواب.
﴿ وألقى في الأرض رواسي ﴾ جعل على الأرض جبالا ثوابت عاليات شامخات.
﴿ أن تميد بكم ﴾ لكيلا تضطرب وتميل بعمارها وساكنيها.
﴿ وبث فيها من كل دابة ﴾ أنشأ وفرق في جنبات الأرض ما يدب عليها ويسير من الأناسي والجن والبهائم والوحش وغير ذلك.
﴿ وأنزلنا من السماء ماء ﴾ وأنزلنا من السحاب الذي يكون جهة السماء مطرا.
﴿ من كل زوج كريم ﴾ من كل صنف ما هو حسن ونافع.
﴿ خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم١٠ هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين١١ ﴾
ربكم العزيز الحكيم هو الذي أبدع السماوات وبدأ نشأتها، وأقامها مرفوعة بلا عمد، كما قال عز من قائل :).. ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه.. ( ١، وجعل على الأرض جبالا ثوابت عاليات شامخات لكيلا تضطرب وتميل بعمارها وساكنيها، فكانت سبب استقرارها إلى أجل قضاه الله، وأنشأ المولى الخلاق العليم وفرق في جنبات الأرض ما يدب عليها ويسير من الأناسي والجن والبهائم والوحش وغير ذلك، وأنزل برحمته وعظمته من السحاب الذي يكون- بتكوين الله- جهة السماء، ينزل الرزاق الوهاب منه حين يشاء مطرا بقدر ما يشاء، ).. فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء.. ( ٢، فينبت سبحانه- وهو الزارع على الحقيقة- بسبب هذا المطر المبارك أصنافا شتى مما هو حسن ونافع.
٢ سورة النور. من الآية ٤٣..
﴿ هذا خلق الله ﴾ وكل عاقل يقر بأن كل ما أشارت إليه الآية الكريمة كغيره من المخلوقات إنما هو من صنع المعبود بحق- تبارك اسمه- فإذا كان كذلك فأروني ما الذي خلقته الأصنام والشركاء التي عبدها المشركون من دونه- جل علاه- والأمر للتعجيز، كما جاء في آية مباركة :)قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السماوات.. ( ١ وكما في آية كريمة :)الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء سبحانه وتعالى عما يشركون( ٢، ثم أضرب الله تعالى عن مخاطبتهم، وبل للإضراب عن مخاطبتهم، ثم ختمت الآية ببيان حال الكافرين المشركين الجاحدين، وأن صدودهم عن الإيمان والرشد إنما هو للحيرة، وعمي البصيرة والسفه البين الواضح الذي سيعترفون به حين تحق عليهم كلمة العذاب :)وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير. فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير( ٣ والأفعال هنا للمستقبل : أي سيقولون، فيعترفون بذنوبهم، وإنما عبر عن المستقبل بالماضي لتحقق وقوعه حتى كأنه وقع فعلا.
٢ سورة الروم. الآية ٤٠..
٣ سورة الملك. الآيتان ١٠، ١١..
﴿ حميد ﴾ محمود تحمده الخلائق، وهو المستحق للحمد على الحقيقة.
﴿ ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله ومن يشكر- فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد ١٢ وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ١٣ ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ١٤ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلي ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ١٥ ﴾
ولقد أعطينا لقمان١ علما يهدي إلى الصواب، ونورا إلى نهج الرشد والخير، وعهدنا إليه أن يشكر لله تعالى أنعمه، فيقر بعطائه وجوده ويستيقن بفضله، وتستقيم جوارحه على ما يرضي الكريم والوهاب، فهو تصديق بالعقل والوجدان والقلب، وإقرار باللسان الذاكر المسبح الحامد الشاكر، وعمل بالجوارح يبتغي به مرضاة الرزاق المتين، البر الرحيم.
﴿ ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ﴾ من أقر لمولاه بالفضل، وشكره على العطاء الجزل، وأطاعه خشية ورجاء فإنما يعود ثواب شكره إلى عاجله متاعا ورزقا مباركا وذكرا طيبا في الأرض وفي السماء، وإلى آجله جنة وحريرا، ونعيما وملكا كبيرا.
﴿ ومن كفر فإن الله غني حميد ﴾ ومن جحد المنعم أو كذب بآياته ورغب عن الدين الخالص فلن يضر إلا نفسه والله غني عن طاعة المطيعين، محمود من خلقه في السماوات وفي الأرضين :).. فإن استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار... ( ٢ )ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشاء( ٣ )ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض.. ( ٤.
[ ﴿ أن اشكر الله ﴾ أي : أي اشكر، على أن ﴿ أن ﴾ تفسيرية، وما بعدها تفسير لإيتاء الحكمة، وفيه القول دون حروفه، سواء كان بإلهام أو وحي أو تعليم ]٥.
٢ سورة فصلت. من الآية ٣٨..
٣ سورة الحج. الآية ١٨..
٤ سورة النور. من الآية ٤١..
٥ ما بين العارضتين [ ] مما أورد الألوسي..
﴿ وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله ﴾ واذكر إذ تولى ابنه يزجره ويخوفه الغي، قائلا : يا ابني- مصغرا تصغير إشفاق ومحبة، ليكون أبلغ في استمالة قلبه، وأقرب إلى تحقق السماع والاتباع-﴿ لاتشرك بالله ﴾ أي اثبت على تقديس المعبود بحق وعبادته وطاعته دون ما زعم المشركون من أنداد أو أضداد لربنا الكبير المتعال، ﴿ إن الشرك لظلم عظيم ﴾- قال البخاري : حدثنا جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة بن عبد الله قال : لما نزلت :)الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم.. ( ١ شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لم يلبس إيمانه بظلم ؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" إنه ليس بذلك ألا تسمع إلى قول لقمان :﴿ يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ﴾ " ؟.
﴿ وفصاله ﴾ وفطامه بعد تمام رضاعه.
﴿ المصير ﴾ المرجع.
﴿ ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير ﴾ لكأن هذه الآية والتي بعدها وصية من الله تعالى لكل الأناسي جاءت بين قول لقمان لابنه ووعظه إياه، وصى ربنا سبحانه كل فرد من بني الإنسان ببر أبيه وأمه١ والإحسان إليهما، وذكر بما تلاقيه الأم من أجل وليدها، فهي بحكم تكوينها ضعيفة يزيدها الحمل ضعفا على ضعفها، أو ﴿ حملته ﴾ فألحق بها إبان حمله ضعفا، تزايد خطره وتفاقم أمره يوما بعد يوم إلى أن بلغ المدى حين الولادة والنفاس﴿ وهنا على وهن ﴾ ثم رعايته ورضاعه إلى أن يتم فطامه بإكمال سنتين، وأمرنا للإنسان برعاية أبويه يكون بإكرامهما وطاعتهما، وعرفان حقهما، والوفاء لهما، وذلك من شكر الله المنعم علينا وعلى والدينا وعلى الخلق كافة، ثم نرد إلى ربنا فيجزي الشاكرين ويسعد مصيرهم.
﴿ سبيل من أناب إلي ﴾ طريق من تاب من زلته، ورجع إلى طاعتي.
﴿ فأنبئكم ﴾ فأخبركم خبرا تجازون بمقتضاه- خيرا أو شرا-.
﴿ وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا ﴾ وإن بذل أبوك وأمك الجهد وحرصا على حملك على أن تدعي لله تعالى شريكا فلا تجبهما إلى ما دعواك إليه من الإشراك، ولا تطعهما في ذلك١، ولكن اصنع معهما ما تعارف عليه العقلاء مما هو حق وبر، ﴿ واتبع سبيل من أناب إلي ﴾ والزم طريق المنيبين إلى ربهم، المستقيمين على هداه وما يبلغ رضاه، ﴿ ثم إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ﴾ ثم بعد الحياة يكون رجوعكم إلي ووقوفكم للعرض والحساب بين يدي، فأخبر كل عامل بما كان يعمل، وأثيبه بما قدم، فليقدم كل منكم ما يجب أن يقدم عليه، [ لما خص – تعالى- الأم بدرجة ذكر الحمل وبدرجة ذكر الرضاع حصل لها بذلك ثلاث مراتب، وللأب واحدة، وأشبه ذلك قوله حين قال له رجل : من أبر ؟ قال : " أمك " قال : ثم من ؟ قال :" أمك " قال : ثم من ؟ قال :" أمك " قال : ثم من ؟ قال :" أبوك " فجعل له الربع من المبرة.. ﴿ وصاحبهما في الدنيا معروفا ﴾ نعت لمصدر محذوف، أي مصاحبا معروفا... والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين، وإلانة القول، والدعاء إلى الإسلام برفق، وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبي عليه الصلاة والسلام- وقد قدمت عليها خالتها، وقيل أمها من الرضاعة- فقالت : يا رسول الله ! إن أمي قدمت علي وهي راغبة، أفأصلها ؟ قال :" نعم " وراغبة : قيل معناه : عن الإسلام، قال ابن عطية : والظاهر عندي أنها راغبة في الصلة، وما كانت لتقدم على أسماء لولا حاجتها.. ]٢
٢ ما بين العلامتين[ ] مما أورد القرطبي..
﴿ تك ﴾ مضارع من كان التامة، وأصلها : تكن، فحذفت النون للجزم، أي توجد.
﴿ يأت بها ﴾ يحضرها.
﴿ لطيف ﴾ يصل علمه إلى دقيق الأمور وخفيها.
﴿ يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير١٦ يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور١٧ ولا تصغر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور١٨ واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ١٩ ﴾
يقص علينا الكتاب العظيم كيف تابع لقمان الحكيم عظة ولده، أو وعظ كل سامع عاقل في شخص ابنه، فيذكر بأنها- أي القصة أو الحقيقة، أو الفعلة حسنة أو سيئة إن توجد أو تقع أو تستكن في جوف صخرة، أو في آفاق وأرجاء السماء، أو في جنبات وأقطار الأرض فإن الله تعالى يحضرها للحساب عليها والجزاء بمقتضاها :)فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره. ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره( ١ ).. وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين( ٢، ومع أنها في ثقل حبة الخردل، وهما غابت عن أعين المخلوقين، فإنها لا تخفى على الملك المتين، إنه الخبير البصير.
٢ سورة الأنبياء. من الآية ٤٧..
﴿ يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك ﴾ فإذا تم لك الإيمان، واجتنب الرجس من الأوثان، ولم تشرك بالواحد الديان، وهيبته وعظمت جلاله واستيقنت برقابته فأقم وجهك للدين، وحافظ على صلاتك تكن من العابدين، وادع إلى الرشد والهدي، وحذر من الغي والفحش، وازجر عن الردى، وكن صابرا في البأساء والضراء وحين البأس وعلى كل حال﴿ إن ذلك من عزم الأمور ﴾ مما أوجبه الله تعالى، وعزمه، أي من الأمور المعزومة- والعزم بهذا المعنى مما ينسب إلى الله تعالى، ومنه ما ورد : من عزمات الله عز وجل-١.
﴿ مرحا ﴾ مبالغا في الفرح، بطرا.
﴿ مختال ﴾ متبختر في مشيته، كبرا.
﴿ فخور ﴾ متباه بما أوتي.
﴿ ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا ﴾ لا تمل وجهك للناس حين يلقونك أو تلقاهم استصغار لشأنهم، وأصل[ الصعر ] داء يصيب الإبل فيلوي من أعناقها، ويميل بها عن رؤوسها، ولا تسر سير البطر المستكبر، فإن قارون حين خرج على قومه في زينته لم يلبث إلا يسيرا حتى خسف الله به وبداره الأرض ).. فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين( ١، ﴿ إن الله لا يحب كل مختال فخور ﴾ فمن ملأه العجب ومشى مشية البطر، وعاش مزهوا بما أوتي، مفتخرا يحسب أن ما هو فيه يدل على فضله، أو يختال بما هو حسي، ويفتخر بما هو من قبيل التفوق العرقي والنسبي والطبقي.
﴿ واغضض من صوتك ﴾ انقص منه، وخفض، واقصر.
﴿ صوت الحمير ﴾ النهاق الذي أوله زفير وآخره شهيق.
﴿ واقصد في مشيك ﴾ بعد التخلية عن النقائص – تصعير الخد، ومشي المرح، الذي نهى الله تعالى عنه كذلك في سورة الإسراء فقال عز من قائل :)ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا( ١- جاءت الآية الكريمة تدل على التحلية، وتهدي إلى الطريقة المرضية، ومنها المشي القصد الذي هو وسط بين التماوت وشدة الإسراع، ﴿ واغضض من صوتك ﴾ وانقص من صوتك وخفض منه واقصر، فإن ذلك أرفق بك وبالناس، ﴿ إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ﴾ أشد الأصوات قبحا ونكرا صوت منفر، من حيوان محقر، ).. ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون( ٢، هذا وقصص الكتاب العزيز عبرة " والقرآن حجة لك أو عليك " - كما جاء في الحديث الصحيح- فهل نقتدي بهدي الذين آتاهم ربنا الحكمة ؟ وهل يعظ الآباء الأبناء بمثل هذا الرشد والضياء ؟ ! )يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا.. ( ٣ فإنه " ما نحل والد ولده أفضل من أدب حسن " إن خسار الناس وهلاكهم وبوارهم واقع ما لم يتدارسوا منهاجهم، ويلزموا ملتهم ودينهم :)والعصر. إن الإنسان لفي خسر. إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر( ٤ فالإيمان واليقين بالله الواحد نور القلوب وحياتها، والصلاة رأس العبادة وعمودها، والدعوة إلى الهدي طريق الأمة الخاتمة ومنهاجها :)قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني.. ( ٥، وحسن العشرة، وأدب الصحبة، تدرك بهما المودة والألفة ) والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض.. ( ٦ )إنما المؤمنون إخوة... ( ٧ ولقد وصف الحق سبحانه الذين يحبهم ويحبونه بأنهم أذلة على المؤمنين٨، يقول ربنا الرحمان الرحيم :).. فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله.. ( ٩.
٢ سورة إبراهيم. من الآية ٢٥..
٣ سورة التحريم. من الآية ٦..
٤ سورة(والعصر(..
٥ سورة يوسف. من الآية ١٠٨..
٦ سورة التوبة. من الآية ٧١..
٧ سورة الحجرات. من الآية ١٠..
٨ أورد ابن كثير بحثا مستفيضا قد تزيد كلماته على ألفي كلمة، أورد فيه بابا فيما جاء في الشهرة، وفصلا في الخمول والتواضع، وفصلا في ذم الكبر وفصلا في الاختيال وساق أحاديث كثيرة لكن أكثرها لم يبلغ درجة الصحة..
٩ سورة المائدة. من الآية ٥٤..
﴿ سخر ﴾ ذلل وقهر.
﴿ وأسبغ ﴾ وأوسع، وأتم.
﴿ يجادل ﴾ ينازع.
﴿ ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ٢٠ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان الشيطان يدعوهم إلى عذاب السعير٢١ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى وإلى الله عاقبة الأمور٢٢ ﴾
ينكر القرآن الكريم على الغافلين عن سلطان الله، والمرتابين في آياته ورسالاته وملاقاته، مع أنهم يرون بأبصارهم وبصائرهم وفكرهم أن العزيز العليم ذلل وقهر لنا ما في السماوات من شمس وقمر ونجوم وكواكب ومنازل فهي منقادة له سبحانه جعلها في منافع العباد في عاجلهم وآجلهم، وملائكتها عليهم السلام كذلك، وسخر لنا ما في الأرض من يابسة وماء ونبات وحيوان وهواء، وما بين ذلك من سحاب ورياح، وأوسع علينا نعمه- جمع نعمة- وأتمها : ظاهرة كالمحسوسات، وباطنة كالمعقولات.
﴿ ومن الناس من يجادل في الله ﴾ يخاصم وينازع ويغالب في وحدانية المعبود بحق وقدسيته من غير أن تكون لديه حجة أو برهان على ما يدعيه، فانعدم السلطان والدليل من جهة العقل، ﴿ ولا كتاب منير ﴾ لم يأته من وحي، ولا جاءه من السماء كتاب يوضح ما زعمه وينير ظلمات افترائه، كما تحدى الكتاب المبين ضلال هؤلاء المفترين فقال :).. أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شر في السماوات ائتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين( ١ وأبطل الحق سبحانه إفك الملحدين والمنكرين الجاحدين لجلال رب العالمين فقال تبارك اسمه :)أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون( ٢ ثم جاء بعدها :)أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين( ٣.
٢ سورة الطور. الآية ٣٥..
٣ سورة الطور. الآية ٣٨..
٢ سورة الشعراء. الآيات ٧٢، ٧٣، ٧٤..
٣ سورة البقرة. من الآية١٧٠..
﴿ بالعروة الوثقى ﴾ كالذي تمسك بعقدة من حبل قوي مأمون انقطاعه.
﴿ ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى ﴾ بينت الآيتان السابقتان على هذه باطل الضالين، وخسار الكافرين، وسفه عقولهم، واقتدائهم في الهلاك بشياطينهم وآبائهم – وبشرت هذه الآية المباركة بما يدرك المؤمن بالحق، المستقيم على الرشد من سلامة وحسن مآل، فمن أسلم ذاته ووجهته إلى شرعة الله ومنهاجه، فصفا ورسخ يقينه، ووفى بعهد ربه وميثاقه، فعبد المولى الرقيب الحسيب كأنه يراه، فحقيق أن يكون هذا من الناجين من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، المفلحين في الأولى والعقبى، كما جاءت البشرى بذلك في قوله تعالى :).. فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم( ١.
[ ﴿ وهو محسن ﴾ لأن العبادة من غير إحسان ولا معرفة قلب لا تنفع.. فإن قلت : ماله عدي ب﴿ إلى ﴾، وقد عدي باللام في قوله عز وجل :)بلى من أسلم وجهه لله.. ( ٢ ؟ قلت : معناه مع اللام أنه جعل وجهه وهو ذاته ونفسه سالما لله- أي خالصا له-، ومعناه مع ﴿ إلى ﴾ راجع إلى أنه سلم إليه نفسه كما يسلم المتاع إلى الرجل إذا دفع إليه، والمراد التوكل عليه، والتفويض إليه، ﴿ وإلى الله عاقبة الأمور ﴾ أي مصيرها. ]٣ يقول ابن كثير :﴿ فقد استمسك بالعروة الوثقى ﴾ أي فقد أخذ موثقا من الله متينا أنه لا يعذبه. اه- والنعم الظاهرة : كل ما يوجد إلى الحس الظاهر إليه سبيل، ومن جملتها الحواس أنفسها، والباطنة : ما لا يدرك إلا بالحس الباطن، أو بالعقل، أو لا يعلم أصلا-٤.
٢ سورة البقرة. من الآية ١١٢..
٣ ما بين العلامتين[ ] أورده القرطبي..
٤ ما بين العارضتين مما جاء في تفسير غرائب القرآن..
تسلية من الله تعالى لنبيه، ووعيد لمن خالفه وكذب بالحق لما جاءه، فإن من عمي عن الهدى يعود هلاكه على نفسه، وإليه يرجع وبال كفره، ولن تسأل أيها البشير النذير عن أصحاب الجحيم، فلا تأس ولا تحزن وتأسف على ما هم فيه من إصرار على الحنث العظيم، فهم راجعون إلينا، وموقوفون بين يدينا، نخبرهم بما كانوا قد أجرموا وعملوا، وما أسروا به، أو عنه غفلوا، فإنا نعلم سرهم ونجواهم، وما يمكرون ويبيتون، ومهما حلمنا عليهم وأمهلناهم، فإنا نعمرهم ما يتذكر فيه من تذكر، ونمتعهم استدراجا ثم نسوقهم إلى العذاب الشديد الأكبر، كما تهددهم القوي العزيز بقوله المجيد :).. قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار( ١(.. والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم( ٢ ).. قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار( ٣.
٢ سورة محمد- عليه السلام- من الآية ١٢..
٣ سورة إبراهيم. من الآية ٣٠..
تسلية من الله تعالى لنبيه، ووعيد لمن خالفه وكذب بالحق لما جاءه، فإن من عمي عن الهدى يعود هلاكه على نفسه، وإليه يرجع وبال كفره، ولن تسأل أيها البشير النذير عن أصحاب الجحيم، فلا تأس ولا تحزن وتأسف على ما هم فيه من إصرار على الحنث العظيم، فهم راجعون إلينا، وموقوفون بين يدينا، نخبرهم بما كانوا قد أجرموا وعملوا، وما أسروا به، أو عنه غفلوا، فإنا نعلم سرهم ونجواهم، وما يمكرون ويبيتون، ومهما حلمنا عليهم وأمهلناهم، فإنا نعمرهم ما يتذكر فيه من تذكر، ونمتعهم استدراجا ثم نسوقهم إلى العذاب الشديد الأكبر، كما تهددهم القوي العزيز بقوله المجيد :).. قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار( ١(.. والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم( ٢ ).. قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار( ٣.
٢ سورة محمد- عليه السلام- من الآية ١٢..
٣ سورة إبراهيم. من الآية ٣٠..
٢ سورة الأعراف. الآيتان: ١٩٢، ١٩٣..
٣ سورة الذاريات. الآيتان ٥٧، ٥٨..
لما بينت السورة المباركة أن ربنا الذي خلق السماء بغير عمد، وخلق الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها، وبث فيها من كل دابة، وأنبت بالمطر صنوف النبات، فأحيا به الجماد والحيوان والإنسان، وأن مولانا الذي وسع علمه كل شيء وإن دق- خردلة أو ذرة أو أصغر من ذلك أو أكبر- ونعمه الظاهرة والباطنة لا نحصيها، وهو الخالق والمدبر والمالك لكل ذلك ولما وراء ذلك- هذا الولي الكريم صاحب الفضل العظيم لا نحصي أفضاله، ولو كانت أغصان أشجار الأرض أقلاما١، وبحار الأرض مدادا، وكتب بهذه الأقلام آلاء الملك العلام لجفت البحار ونفد ماؤها ولم تنفد كلمات الله، ولو جيء بمثل الأبحر ومثلها كما جاء في آية كريمة أخرى :)قل لو كان البحر مدادا كلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا )٢[ وإنما الغرض الإعلام بكثرة معاني كلمات الله، وهي في نفسها غير متناهية، وإنما قرب الأمر على أفهام البشر بما يتناهى لأنه غاية ما يعهده البشر من الكثرة، لا أنها تنفد بأكثر من هذه الأقلام والبحور ]٣، ﴿ إن الله عزيز ﴾ له العزة الغالبة على الكل﴿ حكيم ﴾ لا يفوته صواب، ولا يخفى عليه شيء، - أي عزيز قد عز كل شيء وقهره وغلبه، فلا مانع لما أراد ولا مخالف ولا معقب لحكمه.
﴿ حكيم ﴾ في خلقه وأمره وأقواله وأفعاله وشرعه، وجميع شئونه-٤.
٢ سورة الكهف. الآية ١٠٩..
٣ ما بين العلامتين[ ] مما أورد صاحب الجامع لأحكام القرآن، وأسند هذا ونحوه إلى القفال، والقشيري، وأبي علي، وأبي جعفر النحاس، ونقل عن ابن عباس في سبب نزول الآية أن اليهود قالت: يا محمد! كيف عنينا بهذا القول:) وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلام الله وأحكامه، وعندك أنها تبيان كل شيء؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:" التوراة قليل من كثير" ونزلت هذه الآية، والآية مدنية اهـ..
٤ ما بين العارضتين مما أورد ابن كثير..
٢ سورة النحل. الآية ٤٠..
٣ ما بين العارضتين أورده الألوسي..
٤ سورة الرعد. الآية ١٠..
٢ ما بين العارضتين أورده الطبري..
﴿ وأن الله هو العلي الكبير ﴾ والله المعبود بحق علا على كل شيء فقهره، فهو الذي بيده ملكوت كل شيء وهو الذي ذلل وسخر، وهل بعد تسخير السماوات والأرض تسخير :( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين( ٢﴿ الكبير ﴾ الذي كل شيء دونه فله متصاغر.
٢ سورة فصلت. الآية ١١..
﴿ صبار ﴾ مبالغ في الصبر، وقد تكون أبلغ من [ صبور ].
﴿ شكور ﴾ كثير الشكر.
﴿ ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمت الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور٣١ وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور٣٢ ﴾
ألم تعلم يا من يتأى منه العلم أن جنس السفن والجوار المنشآت تجري على سطح الماء في البحر بتسخير الله تعالى لها، وتذليله وما يمخر فيه لمنافع العباد من جلب أقوات، ونقل تجارة، وتيسير عمارة، وطلب علم، وصلة رحم، وقهر عدو، ومشاهدة واعتبار، وتبارك المنعم الوهاب الذي عمت آلاؤه ).. وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون. لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين( ١ لتروا من علامات قدرته وتسخيره ما يزيد الذين اهتدوا هدى، ﴿ إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور ﴾ إن في كل ما ذكرتم به من آثار الملك والخلق، والتدبير والرزق، لعلامات لأهل اليقين والصدق، والصبر على الوفاء بعهد الله وميثاقه، والشكر على ما أعطى ووهب، وما صرف من بلايا وكرب، وفي الآية التاسعة والعشرين تذكير بتسخيره سبحانه لكواكب السماء، وفي هذه الآية تذكير بتسخيره جل علاه لصفحة الماء، فهي على رقتها ولطافتها تحمل المنشآت في البحر كالأعلام، وتجري تمخر وتشق اللجج بقدرة الملك العلام- إن قال قائل : وكيف خص هذه الدلالة بأنها دلالة للصبار الشكور دون سائر الخلق ؟ قيل : لأن الصبر والشكر من أفعال ذوي الحجة والعقول، فأخبر أن في ذلك لآيات لكل ذي عقل، لأن الآيات جعلها الله عبرا لذوي العقول والتمييز٢. مما قال أهل المعاني : والعلامة لا تستبين في صدر كل مؤمن، إنما تستبين لمن صبر على البلاء وشكر على الرخاء. اه ومما جاء في روح المعاني :﴿ صبار شكور ﴾ كناية عن المؤمن.. لأن هاتين الصفتين عمدتا الإيمان... وقيل المراد بالصبار كثير الصبر على التعب في كسب الأدلة من الأنفس والآفاق... وإنما اختير زيادة المبالغة في الصبر إيماء إلى أن قليله- لشدة مرارته وزيادة ثقله على النفس- كثير. اه.
٢ ما بين العارضتين من جامع البيان.. للطبري..
﴿ كالظلل ﴾ جمع ظلة، وهو ما يظل ويستر.
﴿ مقتصد ﴾ سالك القصد، وهو الطريق المستقيم، وأصله : استقامة الطريق.
﴿ ختار ﴾ غدار أشد الغدر.
﴿ كفور ﴾ ممعن في الكفر.
﴿ وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين ﴾ فإذا ركبوا البحر وجرت بهم السفينة هادئة فرحوا، فإذا فاجأتهم الريح العاصف وجاءهم الموج من كل مكان وغطاهم كأنه سحاب، وظنوا أنهم أحيط بهم ).. دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين( ١ ).. تدعونه تضرعا وخفية لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين( ٢، ﴿ فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ﴾ فلما كشف الله تعالى ضرهم، وأمن خوفهم، فرج كربهم، فمنهم سالك القصد، والطريق المستقيم، موف بعهد الله العلي العظيم، ، ومنهم من ينقض وينكث، ويغدر بعهد عاهد عليه ربه حين مسه الضر، بدليل قول الله سبحانه :﴿ وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ﴾ هم يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها، فهم أشد الناس غدرا، وأقبحهم فجورا وكفورا، إذ بالغ في كفران نعم الله.
٢ سورة الأنعام. من الآية ٦٣..
أعذر الله تعالى إلى الناس فحذرهم نفسه وغضبه ونقمته، وأنذرهم لقاءه وحسابه وجزاءه، وأن يوم الفصل يعظم فيه الهول، ولا يغني أحد عن أحد، كما قال جل علاه :)لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم.. ( ١ وقال تبارك اسمه :)ولا يسأل حميم حميما. يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه. وصاحبته وأخيه. وفصيلته التي تؤويه. ومن في الأرض جميعا.. ( ٢ )يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئد شأن يغنيه( ٣، ﴿ إن وعد الله حق ﴾ إن الساعة لآتية لا ريب فيها، فلا تشغلنكم زخارف الحياة الدنيا، ولا يلهينكم لعبها وتكاثرها وتفاخرها، ولا يحسبن أحد مهما جمع أن ماله سيخلده، أو أن سلطانه في الدنيا سينجده، كلا ! سيعرف عجزه وانقطاعه يومئذ ويندم حين لا ينفعه الندم ).. فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه. ولم أدر ما حسابيه. ياليتها كانت القاضية. ما أغنى عني ماليه. هلك عني سلطانيه( ٤، ﴿ ولا يغرنكم بالله الغرور ﴾ ولا يخدعنكم الشيطان، فإنه لكم عدو فاتخذوه عدوا، وإنه لم يوالي حزبه إلا إلى حين يستحوذ عليهم ويغويهم، ثم يتبرأ منهم ويعاديهم )كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين. فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها.. ( ٥ )وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتموني من قبل.. ( ٦ وإنما، سمي غرورا لأنه يمني الخلق ويلهيهم عن الآخرة كما وصفه الله تعالى وكشف كيده :)يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا( ٧، نقل عن سعيد بن جبير : هو أن يعمل المعصية ويتمنى المغفرة. اه وعن الراغب : الغرور هو كل ما يغر الإنسان من مال وجاه وشهوة وشيطان. اه والظاهر أن﴿ بالله ﴾ صلة﴿ يغرنكم ﴾ أي لا يخدعنكم بذكر شيء من شئونه تعالى يجسركم على معاصيه سبحانه٨.
٢ سورة الحاقة: الآيات: من ١٠ إلى ١٣، ومن الآية ١٤..
٣ سورة عبس. الآيات: ٣٤، ٣٥، ٣٦، ٣٧..
٤ سورة الحاقة من الآية ٢٥، والآيات ٢٦، ٢٧، ٢٨، ٢٩..
٥ سورة الحشر. الآية ١٦، ومن الآية ١٧..
٦ سورة إبراهيم. من الآية ٢٢..
٧ سورة النساء. الآية ١٢٠..
٨ ما بين العارضتين مما أورد الألوسي..
٢ سورة الأعراف. من الآية ١٨٧..
٣ سورة الأنعام. من الآية ٥٩..
٤ ما بين العارضتين أورده ابن كثير، وقد أورد في تفسيرها أحاديث تزيد كلماته على ألف وخمسمائة كلمة..
٥ في رواية:" جاءه"..
٦ في رواية:" وكتبه"..
٧ في رواية(الأمة (..
٨ في رواية:" وخمس"..
٩ وهي النجوم والمنازل للكواكب، وربما يكون هنا سقط، نحو: يعلمون شيئا، لكن هذا أورده القرطبي..