تفسير سورة الشمس

جامع البيان في تفسير القرآن
تفسير سورة سورة الشمس من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن .
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الشمس مكية
وهي خمس عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ والشمس و ضحاها١ أي : ضوءها إذا أشرقت، وعن قتادة هو النهار كله
١ أقسم سبحانه بهذه الأمور، وله أن يقسم بما شاء من مخلوقاته، وقال قوم: إن القسم بهذه الأمور ونحوها مما تقدم ومما سيأتي هو على حذف مضاف، أي: ورب الشمس، وهكذا سائرها ولا ملجئ إلى هذا ولا موجب له، قال الرازي: المقصود من هذه السورة الترغيب في الطاعات، والتحذير من المعاصي، وقد أقسم تعالى بأنواع مخلوقاته، المشتملة على المنافع العظيمة ليتأمل المكلف فيها، ويشكر عليها لأن ما أقسم الله تعالى به يحصل منه وقع في القلب، وأقسم الله في هذه السورة بسبعة أشياء، إلى قوله:﴿ قد أفلح من زكاها﴾، فأقسم بالشمس وضحاها، فإن أهل العالم كانوا كالأموات في الليل، فلما ظهر أثر الصبح صارت الأموات أحياء، وتكاملت الحياة وقت الضحوة، وهذه الحالة تشبه أحوال القيامة، ووقت الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها، انتهى/١٢ فتح..
﴿ والقمر إذا تلاها ﴾ : تبع طلوعه طلوعها، وهو أول الشهر، أو غروبها، يعني : حين كونه بدرا
﴿ والنهار إذا جلاها ﴾ الضمير للشمس، فإنها تنجلي تاما إذا انبسط النهار، أو للظلمة وإن كانت غير مذكورة للعلم بها
﴿ والليل إذا يغشاها ﴾أي : الشمس، فإنها تغيب في الليل، وتحقيق عامل مثل هذا الظرف قد مر في سورة التكوير عند قوله :﴿ والليل إذا عسعس ﴾ ( التكوير : ١٧ )، فلا تغتر بما يرى بادي الرأي
﴿ والسماء وما بناها ﴾ أي : ومن بناها، والعدول إلى ( ما ) على الوصفية، والبلوغ في الغاية للإبهام فإن ( ما ) أشد إبهاما
﴿ والأرض وما طحاها ﴾ : ومن بسطها
﴿ ونفس وما سواها ﴾ : من سوى خلقها، بتعديل الأعضاء، والقوى، ومنها المفكرة، أو خلقها مستقيمة على الفطرة القويمة، وفي صحيح مسلم :" إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم " وتنكير نفس١ للتكثير نحو :﴿ علمت نفس ﴾
١ كتمرة خير من جرادة/١٢..
﴿ فألهمها ﴾ : علمها، وبين لها ﴿ فجورها وتقواها ﴾ وجاز أن يكون ( الماءات ) الثلاثة مصدرية، كما قال الفراء والزجاج، وقوله :﴿ فألهمها ﴾ عطف على ما بعد ما كأنه قيل : نفس وتسويتها فإلهامها فجورها، والمهلة فيها عرفية، ولا محذور
﴿ قد أفلح من زكاها ﴾ : من طهرها الله من الأخلاق الدنية، وتأنيث الضمير لأن ( من ) في معنى النفس، أو من طهر النفس، وإسناد الضمير إليه لقيامه به، والأول أرجح لما في الطبراني وغيره أنه عليه السلام إذا قرأ " فألهمها فجورها وتقواها " وقف ثم قال :" اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها " ١، وفي صحيح مسلم " إنه كان عليه السلام يدعوا بهذا الدعاء " وعن ابن عباس رضي الله عنهما : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول :" قد أفلح من زكاها " أفلحت٢ نفس زكاها الله عز وجل
١ ذكره ابن كثير في "تفسيره" (٤/٥١٩) وفي مسنده ابن لهيعة وفيه كلام..
٢ أخرجه أبو حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه، والديلمي /١٢ فتح.[من طريق جوبير عن الضحاك عن ابن عباس. وجوبير هذا ابن سعيد متروك الحديث والضحاك لم يلق ابن عباس كما قال ابن كثير (٤/٥١٩)]..
﴿ وقد خاب من دساها ﴾ : دسها الله، ونقصها وعدلها عن الهدى، وأصله دسسها كتقضى وتقضض١، وهو جواب القسم بحذف اللام للطول، أي : لقد أفلح، أو هو استطراد بذكر بعض أحوال النفس، وتابع لقوله :" فألهما "، والجواب محذوف، أي : ليدمدمن الله على كفار مكة إن لم يؤمنوا كما دمدم على ثمود
١ تقضض الطائر: هوى ليقع/١٢ منه..
﴿ كذبت ثمود بطغواها١ بسبب طغيانها
١ قال ابن عباس: اسم العذاب الذي جاءها الطغوي، فقال: كذبت ثمود بعذابها، أخرجه ابن جرير/١٢ در منثور..
﴿ إذا انبعث ﴾ أي : كذبت حين قام ﴿ أشقاها ﴾ أشقى ثمود، وعن عمار١ بن ياسر قال : قال عليه السلام لعلي :" ألا أحدثك بأشقى الناس، قال : بلى، قال : رجلان أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذا- يعني قرنه- حتى تبتل منه هذه- يعني لحيته "
١ رواه ابن أبي حاتم عن عمار بن ياسر أخرجه أحمد، والحاكم، والبغوي، والطبراني/١٢ فتح. [والهيثمي في " المجمع" (٩/١٣٦). وقال: رواه أحمد والطبراني والبزار باختصار ورجال الجميع موثوقون إلا أن التابعي لم يسمع من عمار]..
﴿ فقال لهم رسول الله ﴾ : صالح عليه السلام ﴿ ناقة الله ﴾ نصب على التحذير، أي : احذروا عقرها ﴿ وسقياها ﴾ : وشربها في يومها، فإن لها شرب يوم، ولكم شرب يوم معلوم
﴿ فكذبوه فعقروها ﴾ : قتلوا الناقة ﴿ فدمدم ﴾ : فأطبق العذاب ﴿ عليهم ربهم بذنبهم ﴾ : بسببه ﴿ فسواها ﴾ : فسوى الدمدمة بينهم، ولم يفلت منهم أحد، أو فسوى ثمود بالإهلاك
﴿ ولا يخاف عقباها ﴾ أي : ولا يخاف الله عاقبة الدمدمة وتبعتها، كما يخاف الملوك فيبقى بعض الإبقاء، أو لا يخاف ذلك الأشقى عاقبة فعلته، والواو للحال.
والحمد لله وحده.
Icon