تفسير سورة القدر

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة القدر من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٩٧ شرح إعراب سورة ليلة القدر (القدر)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة القدر (٩٧) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)
إِنَّا أصله إنّنا فحذفت النون لاجتماع النونات ولأنها زائدة أَنْزَلْناهُ النون والألف في موضع رفع بالفعل، وأسكنت اللام لاتصالها بالمضمر المرفوع اتباعا لما تتوالى فيه الحركات والهاء في موضع نصب، وحذفت الواو بعدها لسكونها وسكون الألف، وإن الهاء ليست بحاجز حصين لخفائها وبعدها، وقيل: لاجتماع حرفي مدّ ولين فحذف أحدهما، والهاء كناية عن القرآن، وإن كان لم يتقدم له ذكر في هذه السورة، وأكثر النحويين يقولون: لأنه قد عرف المعنى، كما قال: [الطويل] ٥٨٠- ألا ليتني أفديك منها وأفتدي «١» ومن العلماء من يقول: جازت الكناية في أول السورة لأن القرآن كلّه بمنزلة سورة واحدة لأنه أنزل جملة إلى السماء الدنيا وسنذكر هذا بإسناده، وقول ثالث بيّن حسن وهو: إنّا أنزلناه يدلّ على الإنزال والمنزل، كما حكى النحويون «٢» : من كذب كان شرّا له، لأن كذب يدلّ على الكذب، وأخفيت ليلة القدر على الناس إلّا ما جاء في الحديث من أنها في العشر الأواخر من شهر رمضان فقيل: إنما أخفيت لفضل العمل فيها لئلا يدع الناس العمل في غيرها والاجتهاد ويتّكلوا على فضل العمل فيها، وقيل: لأنها مختلفة تكون في سنة لثلاث وعشرين ثم يكون في غيرها. وأما الحديث في تنزيل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا في ليلة القدر فصحيح غير مدفوع عند أهل السّنّة وإنّما يدفعه قول من أهل الأهواء كما قرئ على محمد بن جعفر بن حفص عن يوسف بن موسى قال: حدثنا جرير عن منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في
(١) الشاهد لطرفة بن العبد في ديوانه ٢٩، والدرر ٢/ ٢٦٩، وبلا نسبة في الإنصاف ١/ ٩٦ وصدره:
«على مثلها أمضي إذا قال صاحبي» [.....]
(٢) انظر الكتاب ٢/ ٤١٢.
قوله: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) قال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى السماء الدنيا فكان بموقع النجوم، وكان الله ينزله على رسوله بعضه في إثر بعض فقالوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا [الفرقان: ٣٢]. فأما تسميتها بليلة القدر ففيه قولان: أحدهما أنها ليلة الجلالة والتعظيم من قولهم: لفلان القدر، والقول الآخر، وهو الذي عليه العلماء المتقدمون، أنّها سمّيت ليلة القدر لأنها تقدّر فيها آجال العباد وأرزاقهم كما قال قتادة: يقدّر في ليلة القدر ما يكون إلى السنة الأخرى من الآجال والأرزاق.
[سورة القدر (٩٧) : آية ٢]
وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢)
ما في موضع رفع بالابتداء وأَدْراكَ فعل ماض في موضع الخبر والكاف في موضع نصب ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ مبتدأ وخبره، فيه معنى التعظيم.
[سورة القدر (٩٧) : آية ٣]
لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣)
مبتدأ وخبره أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر.
هذا البين، وإن كان قد روي عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه قال: هي ألف شهر وليت فيها بنو أمية. قال: وكان النبي صلّى الله عليه وسلّم قد أريهم على المنابر فهاله ذلك فأحصيت ولايتهم بعد ذلك فكانت كذلك. فهذا حديث مرويّ ليس في ظاهر التلاوة ما يدلّ عليه والله أعلم.
[سورة القدر (٩٧) : الآيات ٤ الى ٥]
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (٥)
تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ الأصل تتنزّل فحذفت التاء لاجتماع تاءين، وقال أهل التفسير: بِإِذْنِ رَبِّهِمْ بأمر ربهم مِنْ كُلِّ أَمْرٍ هذا تمام الكلام عند النحويين منهم الفراء، والمعنى على قولهم: تنزّل الملائكة والروح فيها بأمر ربهم أي ينزلون بأمر الله الذي فيه الآجال والأرزاق إلى السماء الدنيا من كلّ أمر أي من كلّ أمر فيه الرزق والأجل والحجّ لمن يحجّ وغير ذلك، وحكى أبو عبيد أنه روي عن ابن عباس وعكرمة أنهما قرءا «من كلّ امرى» «١» قال إسماعيل بن إسحاق: لم يذكر أبو عبيد إسناده ولعلّه ضعيف. قال أبو جعفر: إسناده ضعيف بغير لعلّ: رواها الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، وهذا إسناد لا يعرّج عليه، وهو مخالف للمصحف الذي تقوم به الحجّة فمن جاء به هكذا قال التمام: من كل امرئ سلام، كما قال الشعبي من كل امرئ من الملائكة سلام على المؤمنين والمؤمنات، وقيل: المعنى من كل أمر مخيف سلام أي سلامة، وعلى قراءة الجماعة سَلامٌ مرفوع على خبر هي كما تقول: قائم زيد أي هي
(١) انظر البحر المحيط ٢/ ٣٦٨، والبحر المحيط ٨/ ٤٩٣.
166
سلام أي دار سلامة أي ذات سلامة، كما قرئ على محمد بن حفص عن يوسف بن موسى قال حدّثنا جرير عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى «سلام هي» قال: لا تعمل فيها الشياطين، ولا يجوز فيها السّحر ولا يحدث فيها شيء إلى الفجر قال يوسف وحدّثنا تميم بن زياد قال: حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية «سلام هي» قال: خير كلّها إلى مطلع الفجر، وروى الضحّاك عن ابن عباس قال تصفد فيها مردة الشّياطين، وتقبل فيها التوبة فهذه أقوال المتقدمين من أهل التفسير، وقال بعد المتأخرين: معنى «سلام هي» إنما يقضى فيها الخير من الأرزاق والحجّ والشرّ يقضى في غيرها يذهب إلى أن ليلة النصف من شعبان قد جاء فيها حديث من تقدير الأشياء فهذه أقوال المتقدمين والمتأخرين والله أعلم بما أراد.
حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ «١» بفتح اللام قراءة العامة، وقال الفراء «٢» : وقرأ يحيى بن وثّاب وحده حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ. قال أبو جعفر: وهي قراءة أبي رجاء العطارديّ. وأحسن ما قيل في هذا قول سيبويه «٣» قال: وقد كسروا المصدر قالوا: أتيتك عند مطلع الشمس أي عند طلوع الشمس. هذه لغة بني تميم، وأما أهل الحجاز فيقولون: مطلع والمطلع المكان.
قال أبو جعفر: شرح هذا أنه ما كان على فعل يفعل فالباب فيه أن يكون المصدر منه واسم المكان مفعلا بالفتح، وكان يجب أن يكون اسم المكان منه بالضم إلا أنه ليس في كلام العرب مفعل فلم يكن بدّ من تحويله إلى الفتحة أو الكسرة فكانت الفتحة أولى لأنها أخفّ والدليل على ما قلناه أنه ما كان على فعل يفعل فالمصدر منه مفعل بالفتح، اسم المكان والزمان بالكسر قالوا: جلس مجلسا وهو في مجلسك، وفي الزمان أتت الناقة على مضربها بالكسر فهذا يبيّن لك أن الأصل مطلع في المكان ثم حوّل إلى الفتح ثم سمع من العرب أشياء تؤخذ سماعا بغير قياس قالوا: مطلع للمكان الذي تطلع فيه الشمس، وقال بعضهم: مطلع للمصدر والفتح أولى لأن الفتح في المصدر قد كان لفعل يفعل فكيف يكون في فعل يفعل وأيضا فإنّ قراءة الجماعة الذين تقوم بهم الحجة «حتّى مطلع» هذا في قوّته في العربية وشذوذ الكسر وخروجه من القياس. قال أبو حاتم: وفي حرف أبيّ «سلام هي إلى مطلع الفجر» قال أبو جعفر:
وهذه القراءة على التفسير، ولا يجوز لأحد أن يقرأ بها لمخالفتها السواد الأعظم.
(١) انظر تيسير الداني ١٨٢، ومعاني الفراء ٣/ ٢٨٠.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٨٠.
(٣) انظر الكتاب ٤/ ٢٠٥.
167
Icon