تفسير سورة العنكبوت

القطان
تفسير سورة سورة العنكبوت من كتاب تيسير التفسير المعروف بـالقطان .
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

لا يُفتنون: لا يمتحنون. الفتنة: الامتحان والاختبار. ساء ما يحكمون: قَبُح حكمهم. يرجو لقاء الله: يطمع بنيل ثوابه. أجَل الله: الوقت المضروب للقائه. جاهد: بذل جهده في حرب نفسه. جاهداك: حملاك على الشرك.
﴿الم﴾ حروف صوتيه تقرأ هكذا ألف، لام، ميم، افتتحت بها السورة لبيان ان القرآن المعجز مؤلَّفٌ من هذه الحروف، ولتنبيه السامعين وتوجيه أنظارهم الى الحق، وكل سورةٍ صدرت بهذه الأحرف تتضمن حديثا عن القرآن إما مباشرة، واما في ثنايا السورة، كقوله تعالى في الآية ٤٥ من هذه السورة ﴿اتل مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب....﴾ والآية: ٤٧ ﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب....﴾ والآية ٥١ ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب....﴾
﴿أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ﴾
ايظنّ الناس أنهم يُتركون بمجرد قولهم آمنا بالله دون ان يُختبروا بما تتبيَّن به حقيقةُ إيمانهم. لا بدَّ من امتحانهم بذلك.
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين﴾
لقد اختبرنا الناسَ من الأمم السابقة بضروبٍ من البأساء والضراء فصبروا وتمسكوا بدِينهم، والله يعلم الذين صدقوا في ايمانهم، ويعلم الكاذبين.
روى البخاري وابو داود والنسائي «عن خَبَّاب بن الأرتّ قال: شكونا الى رسول الله ﷺ ما لقينا من الشمركين من شدةٍ فقلنا: الا تستنصرُ لنا؟ ألا تدعو لنا؟ فقال: قد كان من قبلِكم يؤخَذُ الرجل فيُحفَرُ له في الأرض فيُجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضعُ على رأسه فيُجعل نصفَين، ويمشَط بأمشاط الحديد لحمه وعظمه، فما يصدُّه ذلك عن دينه. والله ليتمَّنَّ هذا الأمر حتى يسير الراكبُ من صنعاء الى حضرموتَ لا يخاف الا الله، والذئبَ على غنمه، ولكنكم تستعجلون»
﴿أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾
ام يظن المشركون والذين يرتكبون الأمورَ السيئة أننا لا نقدِر عليهم!! بئسَ هذا الحكم الذي يحكمونه بجهلهم وغرورهم.
﴿مَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ الله فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ وَهُوَ السميع العليم﴾
من كان يؤمن بالبعثِ، فوي لقاء الله - فان إيمانه حق، واليومُ الموعود الذي عيّنه الله آت لا محالة، وهو سميع لاقوال العباد، عليم بأفعالهم.
ثم بين الله تعالى أن التكليفَ بجهاد النفس وغيرها ليس لنقعٍ يعود اليه بل لفائدة الناس. ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ العالمين﴾.
ومن جاهدَ نفسه بالصبر على الطاعة، فإن ثواب جهاد لنفسه، والله سبحانه لا يحتاج الى شيء من اعمالنا، كما قال: ﴿مَّنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ﴾ [فصّلت: ٤٦] وقال: ﴿إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ﴾ [الإسراء: ٧].
لقد ظن بعض المفسّرين ان هذه الآية مدينة لأن فيها ﴿وَمَن جَاهَدَ﴾ والصوابُ ان الآية مكّية والمراد هنا بالجهاد جهادُ النفس والصبر على الأذى.
63
﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾
والذين آمنوا إيماناً صادقا وعملوا الاعمالَ الصالحة سنمحو عنهم خطاياهم، ونجزيهم بأحسنَ مما عملوا، وأضعاف أضعافه.
﴿وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً﴾ تقدم في سورة الاسراء ﴿وقضى رَبُّكَ أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ إِيَّاهُ وبالوالدين إِحْسَاناً....﴾ الآية ٢٣.
﴿وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَآ....﴾
على المرء أن يعامل والديه بالرِفق واللين ولو كانا مشركَين، فأما إذا اراد منه ان يشرك بالله، فلا طاعةَ لمخلوقٍ في معصية الخالق.
﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصالحين﴾
والذين آمنوا إيماناً صادقا مع العمل الطيب الخالص لله - يدخلُهم ربهم في زمرة من أنعمَ عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين ﴿وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً﴾ [النساء: ٦٩].
64
فتنة الناس: أذاهم. ونحمل خطاياكم: لتكون ذنوبكم علينا. الأثقال: واحدها ثقل بكسر الثاء وسكون القاف: الحمل الثقيل، والمراد هنا الذنب والاثم.
الناي في الدين ثلاثة أقسام: مؤمن حسن الاعتقاد والعمل، وكافر مجاهر بالكفر والعناد، ومذبذب بينهما، يُظهر الايمانَ لبسانه، ويبطن الكفر في قلبه، وقد بيّن الله تعالى القسمين الاولين بقوله: ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين﴾ وهنا يبين القسم الثالث بقوله تعالى:
﴿وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ﴾.
ومن الناس من يقول بلسانه آمنتُ بالله ويدعي الإيمانَ ظاهرا، فإذا أُصيب بأذىً بسبب ايمانه جزعَ وسوّى بين الناس وعذابِ الله في الآخرة، واعتقدَ ان هذا من نقمةِ الله تعالى، فيرتدّ عن الاسلام. وهذا كقوله تعالى: ﴿وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقلب على وَجْهِهِ﴾ [الحج: ١١].
﴿وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾
لئن فتحَ الله على المؤمنين وجاءهم بعضُ الخيرات يقول المنافقون إنا كنّا معكم فأشركونا فيها معكم.
وقد توعّدهم الله وذكر انه عليمٌ بما في صدورهم، لا يخفى عليه شيء من أمرِهم فقال: ﴿أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ العالمين﴾.
ثم بين ان هذه الفتنة إنما هي اختبارٌ من الله ليظهر المؤمنَ الصادقَ من المنافق: ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين آمَنُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين﴾ فيجازي الفريقين كلا بما يستحقه.
﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ اتبعوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾.
كان زعماء قريش من المشركين يقولون للذين دخلوا في الاسلام: ارجِعوا إلى ديننا واتّبعوا ما نحن عليه، واذا كان هناك بعثٌ وحساب تخشونه فنحن نحمل عنكم ذنوبكم. فردّ الله عليهم قولهم بأنهم لا يحملون ذنوبهم يوم القيامة، ولن تحمل نفسٌ وِزرَ نفسٍ أخرى، وان الكافرين لكاذبون في وعدهم.
وبعد ان بين عدم منفعة كلامهم لمخاطِبيهم، بيّن ما يستتبعه ذلك القول من المضرة لأنفسهم فقال:
﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القيامة عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾.
سوف يحمل أَولئك الكفار أوزارَ أنفسِهم الثقيلة، ويحملون معها مثل اوزارِ من أضلّوهم وصرفوهم: عن الحق، وسيحاسَبون يوم القيامة على ما كانوا يختلقون في الدنيا من الأكاذيب.
وفي الصحيح: ما دعا الى هدىً كان له من الأجرِ مثلُ أجور من اتبعه الى يوم القيامة، من غير ان ينقص من أجورهم شيئا، ومن دعا الى ضلالٍ كان عليه من الإثمِ مثلُ آثام من اتبعه الى يوم القيامة من غيرِ ان ينقص من آثامهم شيئا.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمُ الطوفان وَهُمْ ظَالِمُونَ فأَنْجَيْناهُ وأَصْحَابَ السفينة وَجَعَلْنَاهَآ آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾
لا يحزنك أيها الرسول ما تلقى من أذى المشركين أنت واصحابُك، فإن مصيرهم الى البوار، ومصيرك وأصحابك الى العلوّ والنصر.
65
ان نوحاً مكث في قومه تسعمائةٍ وخمسين سنة يدعوهم وهم لا يستجيبون له، فأغرقهم الله بالطوفان وهم ظالمون لأنفسِهم، وأنجاه ومن معه من المؤمنين في السفينة، وجعل قضيّتهم عبرةً للعالمين.
وقد تقدّم ذكر نوح في آل عمران والنساء والأنعام والأعراف والتوبة ويونس وهود وابراهيم والإسراء ومريم والانبياء والحج والمؤمنون والفرقان والشعراء والعنكبوت. هذا وسيأتي في عدد من السور.
وقوله تعالى: ﴿أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ لم يقل الف سنة الا خمسين سنة، حتى لا يكرر كلمة سنة فلا يكون الكلام بليغا، والعرب تعبر عن الخِصب بالعام، وعن الجَدْب بالسنة، ونوح لما استراح بقي في زمن حسن.
66
تخلقون افكا: تختلقون كذبا. فابتغوا: فاطلبوا.
مرت قصةُ إبراهيم في عدد من السورة وستأتي ايضا، وفي إيراد هذا القصص تثبيتٌ للنبي ﷺ وان النتيجة هي النصرُ له باذن الله.
أذكُر أيها الرسول قصة ابراهيم حين دعا قومه الى توحيد الله، ثم أرشدهم الى فضلِ ما يدعوهم اليه وفسادِ ما هم عليه، بعبادتهم الأصنامَ التي يصنعونها بأيديهم، وقال لهم إن هذه الأوثان التي تعبدونها من دون الله لا تنفع ولا تضر، ولا تعطيكم رزقاً، فاطلبوا الرزق من الله وحده، واعبدوه واشكروه، فإليه مصيركم أجمعن.
وان تستمروا على الكذب، فقد كذّبت الأمم السابقةُ رسلَها، وما ضر ذلك الرسلَ شيئا، وليس على الرسول الا تبليغ الرسالة بأمانة ووضوح.
يبدىء الخلق: يخلقه اول مرة. ويعيده: في الآخرة يوم القيامة: ينشىء: يخلق. النشأة: الخلق. تقلبون: تردون بعد موتكم. من ولي: قريب. ولا نصير: ولا معين.
في هذه الآية تكملةٌ لقصة إبراهيم فانه لهم: ألم تروا كيف بدأ الله الخلق؟ انه سيعيد الخلق يوم القيامة كما خلقه اول مرة. وذلك على الله يسير. ثم ارشدهم الى الاعتبار بما في هذه الأرض من دلائلَ وما في الآفاق من شواهد، وقال لهم: سيروا في هذه الأرض، ابحثوا فيها كيف بدأ الله الخلق، فانكم ستجدون الدلائلَ الكافية على كيفية تكوين الخلق كما بدأه الله، وهو سيعيد غنشاءه يوم القيامة. وهو حسب حكمته يعذّب من يشاء ويرحم من يشاء بعدله في حكمه، إليه مرجعُكم جميعا يوم الحساب والجزاء. لستم أيها المكذِّبون بمعجزين اينما كنتم، ولا يستطيع أحدٌ نصركم. إن الذين كفروا بالدلائل التي بينّها الله في هذا الكون، وكذّبوا برسله وكتبه - انما يئسوا من رحمة الله، ولهم عذابٌ شديد مؤلم.
فما كان جوابُ قوم إبراهيم على هذا الحوار العظيم إلا الامعان في الكفر، وقالوا: اقتلوا إبراهيم او احرقوه في النار، فأنجاه الله من النار وجعلها بردا وسلاما، وإن في ذلك لدلائل واضحة لمن يصدق بالله.
وقال ابراهيم لقومه: انما اتخذتم هذه الأصنامَ تعبدونها من دون الله، لا اعتقاداً واقتناعا بعبادتها، وانما يجاملُ فيها بعضكم بعضا. ان مودّة بعضكم بعضا هي التي دعتكم الى عبادتها، لكن هذه المودة ستنقلب الى عداوةٍ يوم القيامة، حيث يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا، ومصيركم جميعا الى النار.
وآمن لوط واجاب دعوته وكان ابن اخيه، وقال: إني مهاجر الى بلاد الشام. ووهب الله لابراهيم اسحاق ويعقوب وجعلَ من نسله النبوةَ، وأحسنَ إليه جزاء عمله، في الدنيا وفي الآخرة.
قراءات:
قرأ حمزة والكسائي وابو بكر: ألم تروا بالتاء. والباقون: الم يروا بالياء. وقرأ ابن كثير وابو عمرو: النشَاءة بفتح الشين ومدها. الباقون: النشْأة: بسكون الشين.
قرأ ابن كثير وابو عمرو والكسائي: مودةُ بينِكم برفع مودة وجر بينكم بالاضافة، وقرأ نافع وابو بكر وابن عامر: مودةً بينكم بنصب مودة منونا ونصب بينكم. وقرأ حفص عن عاصم وحمزة: مودةَ بينِكم بنصب مودة وخفض بينكم بالاضافة وهي قراءة المصحف.
الفاحشة: العمل القبيح الذي تنفر منه النفوس. السبيل: الطريق. القرية: سدوم في منطقة البحر الميت بالأردن. الغابرين: الباقين. سيء بهم: حصل له سوء وغم بسببهم. ضاق بهم ذرعا: عجز عن تدبير شئونهم. الرجز: العذاب.
ذُكرت قصة لوط في عدد من السور باختلاف يسير، وبعضها يكمل بعضا، وقد مرت في كل من سورة الأعراف وهود والحِجر والشعراء والنمل.
وخلاصتها ان قوم لوط كانوا أشراراً يقطعون الطريق على السابلة، قد ذهب الحياء من وجوههم فلا يستقبحون قبيحا، ولا يرغبون في حسَن. وكانوا يأتون الذكورَ من الناس، ويُعلنون ذلك ولا يرون فيه سوءا. فكانوا يتربصون لكل داخلٍ مدينتَهم من التجّار ويجتمعون عليه ويمدون ايديهم الى بضاعته يأخذُ كل واحد منها شيئا حتى لا يبقى معه شيء. كما قال تعالى: ﴿وَتَقْطَعُونَ السبيل﴾.
ولقد أنجىلله لوطاً وابنتَيه من القرية وبقيت امرأته فيها، لأنها كانت كافرة مع قومها، فحل بهم العذاب، وامطر الله عليهم حجارةً من سِجِّيل، قلبتْ ديارَهم عاليَها سافلها، وبقيت الى آيامنا آية بيّنة لقوم يعقلون.
قراءات:
قرأ أهل الحجاز وابن عامر ويعقوب وحفص: إنكم لتأتون الفاحشة بهمزة واحدة. وقرأ اهل الكوفة أإنكم بهمزتين على الاستفهام.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف ويعقوب: لنُنَجينه بفتح النون الثانية وتشديد الجيم المكسورة. وانا مُنَجوك: بفتح النون وتشديد الجيم المضمومة.
وقرأ ابن عامر والكسائي: منزلون بفتح النون وتشديد الزاي المكسورة. والباقون: منزلون، باسكان النون وكسر الزاي دون تشديد.
مدين: اسم قرية شعيب في شمال الحجاز، وشُعيب عربي. وارجو اليوم الآخر: توقعوا يوم القيامة وما يحدث فيه من أهوال. لا تعثوا: لا تفسدوا. الرجفة: الزلزلة. جاثمين: باركين على ركبكم، هالكين. ما كانوا سابقين: وما كانوا هرابين. حاصبا: ريحا فيها رمل وحجارة صغيرة.
تقدم ذكر قصة شعيب في سورة الأعراف وهود والشعراء بأطولَ مما هنا، وكذلك مرت قصة صالح مع قومه عادٍ في سورة الأعراف وهود وغيرها، وهم عربٌ مساكنهم في الأحقاف في شمال حضرموت. وموضع بلادهم اليوم رمال خالية على اطراف الرَّبع الخالي. وصالح وقومه ثمود عربٌ ايضا، ومساكنهم الحِجر في شمال الحجاز وتُعرف اليوم بمدائن صالح، واسماؤهم عربية. وهذا نصّق وجده المنقبون على حجرٍ بالحرف النبطي وتاريخه قبل الميلاد.
«هذا القبرُ الذي بنته كمكم بنتُ وائلة بنت حرم وكليبة انتها لأنفسِهن وذريتهن، في أشهرٍ طيبةٍ من السنة التاسعة للحارث ملك النبطيين محب شعبه.... الخ».
لقد أهلك الله قوم شعيب في «مدين»، وقوم هود في «الاحقاف»، وقوم ثمود في «الحجر» ويخاطب قريشاً بقوله تعالى: ﴿وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ﴾ لانهم يمرون عليها في ذهابهم الى اليمن والشام.
وأهلك الله فرعون وقارون وهامان الذي جاءهم موسى بالمعجزات الواضحة فاستكبروا وكفروا، فما استطاعوا ان ينجوا من عذاب الله الأليم، بل أخذَهم الله بذنوبهم. فعادٌ أخذهم حاصبٌ، وهو الريحُ الصرصر التي تتطاير معها حصباء الأرض فتضربهم وتقتلهم. وثمود اخذتهم الرَّجفة والصيحة. وقارون خَسف به وبداره الأ ﴿ض. وفرعون وهامان غرقا في اليمّ وذهبوا جميعا مأخوذين بظلمهم {وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾.
وذا نظرنا الى احوال الأمم الآن في معظم أقطار الأرض نجد الفتنَ والحروب والمشاكل التي لا تنتهي، وغلاءض الاسعار المتزايدَ في جميع أقطار الأرض، أليسَ هذا كلّه من انواع العذاب والبلاء! لكن فرعون اليوم هو أمريكا وأوروبا من دول الاستعمار، وهامان هو بعض الحكّام الذين لا يخلصون لشعوبهم.
اما نحن، المسلمين، فقد حِدنا عن جادة الصواب، وانحرفنا عن ديننا واتبعنا اهواءنا فضعُفنا وتخاذلنا وتأخرنا، وصرنا نبهاً للأمم تنهب شركاتها خيراتنا حتى التي في باطن الارض، وتغتصب اراضينا بتواطؤ بعضنا في ذلك. أليس هذا من العذاب!!
بعد هذه الجولة في سورة العنكبوت، والحديث عن الفتنة والابتلاء والاغراء وقصص بعض الانبياء وأممهم، والذين بهرتهم قوى المال والجاه، فظنوا انها تحميهم من الله - يضرب الله المثلَ لحقيقة القوى المتصارعة في هذه الميادين وانهم خاطئون بكل تقديراتهم، وان هنالك قوة واحدة هي قوة الله، وما عداها فهو هزيل ضعيف، لن يحميهم الا كالعنكبوت الضعيفة التي اتخذت أوهنَ البيوت لحمايتها.
ثم زاد الله الانكار توكيدا بقوله:
﴿إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ العزيز الحكيم﴾
فكيف يتسنى للعاقل ان يترك القادر الحكيمويعبد سواه!!،
بعد ذلك بين الله فائدة ضرب الامثال للناس، وانه لا يدرك مغزاها الا ذوو الألباب الذين يعلمون ويعقلون. إن الإله الذي يستحق العبادة هو الذي ﴿خَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق﴾، لا عبثا ولا لعباً بل لحكمة يعلمها المؤمنون، وفي نظام دقيق لا يتخلف ولا يبطىء ولا يصدم بعضه بعضا. ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ الذين تتفتح قلوبهم لآيات الله الكونية وعجائب هذا الكون الكبير.
وبعد نهاية هذه الجولة العظيمة سلّى رسوله الكريم بتلاوة ما أوحى اليه من الكتاب، وامره بإقامة الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، هي اكبر مطهر للانسان حين يقيمها حق الاقامة.
﴿وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
فذِكر الله اكبر من كل شيء، واكبر من كل تعبد وخشوع. والله يعلم ماتفعلون من خيرٍ وشر فيجازيكم عليه.
قراءات:
قرأ ابو عمرو ويعقوب عاصم: ان الله يعلم ما يدعون من دونه، بالياء، والباقون: ان الله يعلم ما تدعون من دونه، بالتاء.
الجدَل: الحِجاج والمناظرة، مأخوذ من جدلَ الحبلَ وفتله، والمُناظر يفتل خصمه عن رأيه. مسلمون: مطيعون، خاضعون. وما يجحدون بآياتنا: وما ينكر. اذاً لارتاب المبطلون: اذا لشك أهل الباطل.
يؤكد القرآن الكريم على الدعوة بالرِّفق واللين، ومجادلة اهل الكتاب بالتي هي أحسن، ومقابلة الغضب ولاعصبية بالهدوء وكظم الغيظ، فيقول ﴿وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾. ويقول: ﴿ادع إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة وَجَادِلْهُم بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [النحل: ١٢٥]. ويقول: ﴿ادفع بالتي هِيَ أَحْسَنُ﴾ [المؤمنون: ٩٦].
هذه أوامر الله تعالى في القرآن الكريم، يأمرنا ان نتحلّى بالرفق واللين، وندعو ونجادل بالتي هي أحسن. لكننا مع الأسف نجد معظم الذين يرتدون في الظاهر زِيّ الدين، ويدعون الى الله - لا يتحلّون بهذه الاخلاق، فتجدهم على المنابر متشنّجين متشدّدين، وقد لا نظلمهم إذا قلنا ان بعضهم يتشنّج في خدمة جيبه، لا خدمة ربّه.
﴿إِلاَّ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ﴾
اما الذين ظلمونا وحاربونا وناصبونا العداء فإن الله تعالى أمرنا ان نقابلهم بالمثل، حيث لا ينفع معهم الرفق ولا اللين. وفي مذابح لبنان وافغانستان شاهدٌ على ذلك.
﴿وقولوا آمَنَّا بالذي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وإلهنا وإلهكم وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ﴾
قولوا لهم: آمنّا بالقرآن الذي أُنزل الينا، والتوراةِ والإنجيل، معبودُنا ومعبودكم واحد ونحن خاضعون له، ومنقادون لأمره.
ثم بين الله انه لا عجبَ في إنزال القرآن على الرسول الكريم، فهو على مثال ما أُنزل من الكتب من قبل فقال:
﴿وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الكتاب فالذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤلاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الكافرون﴾.
كما أنزلنا الكتب على من قبلَك من الرسل أنزلنا إليك القرآن، فالذين آتيناهم الكتابَ قبل القرآن من اليهود والنصارى - يؤمنون به، اذ كانوا مصدّقين بنزوله حسب ما ورد في كتبهم. ومن هؤلاء العربِ من يؤمن به، وما يكذّب بآياتنا بعد ظهورها الا المصرّون على الكفر.
ثم اكد الله إنزاله من عنده، وأزال الشبهة في افترائه فقال:
﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَّرْتَابَ المبطلون﴾.
ما كنتَ يا محمد تقرأ ولا تكتب من قبل ان ينزل اليك القرآن، وهذا أمرٌ يعلمه جميعُ أهل مكة، ولو كنتَ تقرأ وتكتب لشكّ أهل الباطل في أن هذا القرآن من عند الله.
ثم اكد ما سلف وبيّن ان هذا القرآن منزلٌ من عند الله حقا فقال:
﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الذين أُوتُواْ العلم وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ إِلاَّ الظالمون﴾.
ان هذا القرآن لا يمكن ان يكون موضعَ ارتياب، بل هو آياتٌ واضحات محفوظة في صدور الذين آتاهم الله العلم. ولا ينكر آياتن الا الظالمون للحقّ ولأنفسِهم، الذين لا يَعدلِون في تقدير الحقائق وتقويم الأمور.
فاجابهم الله بقوله:
﴿قُلْ إِنَّمَا الآيات عِندَ الله﴾
قل يا محمد: إن المعجزات عند الله ينزلها حين يشاء، وانما أنا مكلف بالإنذار الواضح، وتبليغ الرسالة، وليس عليَّ هداكم.
ثم قال تعالى: كيف يطلبون الآياتِ مع نزول القرآن! أليس فيه ما يكفي ويقنع!
﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الكتاب يتلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلك لَرَحْمَةً وذكرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.
انهم يطلبون المعجزات الحسية، أما كفاهم دليلاً على صدقك هذا القرآنُ الذي أنزلناه عليك يُقرأ عليهم، وهو الآيةُ الخالدة على الزمن!. ان في إنزال هذا الكتاب عليك لرحمةً من الله بهم وبالناس اجمعين، وتذكرةً دائمة نافعة لمن يؤمن به.
﴿قُلْ كفى بالله بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ مَا فِي السماوات والأرض والذين آمَنُواْ بالباطل وَكَفَرُواْ بالله أولئك هُمُ الخاسرون﴾.
بعد ان أقام الله الادلة على صدق رسالة النبي الكريم، وبيّن أن المعاندين من أهل الكتاب والمشركين لم يؤمنوا به - أمر رسوله ان يَكِلَ عِلم ذلك الى الله، فهو العليم بصدقه. أما الذين عبدوا غيره فقد خسروا الدنيا والآخرة.
قراءات:
قرأ نافع وابو عمرو وابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم: لولا انزل عليه آياتٌ من ربه، بالجمع، وقرأ الباقون: لولا انزل عليه آيةٌ من ربه، بالإفراد.
﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بالعذاب....﴾ الآيات.
بعد ان أنذر المشركين بالعذاب وهدّدهم، قالوا تهكماً واستهزاء: ان كان هذا حقاً فأْتنا بالعذاب. فأجابهم الرسول بانه لا يأتيكم بسؤالكم، ولا يعجّل باستعجالكم، لأن الله أجَّله لحكمة، ولولا ذلك الأجل المسمّى الذي اقتضته حكمته لعجّله لكم، ولَيأتينكم فجأة وانتم لا تشعرون.
ثم تعجّب منهم في طلبهم استعجال العذاب، وهو سيحيط بهم في جميع نواحيهم، ويكون من الأهوال ما لا يوصف، ويقال لهم على سبيل التوبيخ ﴿ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.
قراءات:
قرأ أهل الكوفة ونافع: ويقول ذوقوا.... بالياء. والباقون: ونقول: بالنون.
فإياي فاعبدون: فاعبدوني. لنبوّئنهم: لننزلنّهم، بوأهم: أنزلهم منزلا حسنا. يؤفكون: يُصرَفون عن الحق. ويقدر: ويضيق.
بعد ان بيّن حال الجاحدين المكذّبين، وما يغشاهم من عذاب محيط بهم، لأنهم قد اشتد عنادهم وكثر أذاهم للمؤمنين، ومنعوهم من أداء عبادتهم - امره الله بالهجرة الى دار اخرى حتى ينجوا بعقيدتهم.
ولما كانت مفارقة الأوطان عزيزة على النفس، بيَّن لهم ان المكروه واقع لا محالة، ان لم يكن بالهجرة فهو حاصل بالموت، وأنتم ايها المؤمنون، لا تستصعِبوا مفارقة الأوطان في مرضاة الله، فان أرض الله واسعة، ومدى الدنيا قريب، والموتُ لا بد منه، ثم مرجعكم الى ربكم، وحينئذ تنالون من النعيم المقيم ما لا عينٌ رأت ولا أُذن سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر، فهنالك الجنة ﴿خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ العاملين﴾.
وقد بين الله هؤلاء العاملين الذي استحقوا تلك الجنات بقوله:
﴿الذين صَبَرُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
ولا تقلقوا على توفّر الرزق ولا تخافوا بعد مغدرة الأوطان، إن الله هو الكافي أمرَ الرزق في الوطن والقرية.
﴿وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا الله يَرْزُقُهَا...﴾
ان الله يرزق الجميع حيث كانوا، هو يسمع لهم، ويعلم حالهم، ولا يدعهم وحدهم ﴿وَهُوَ السميع العليم﴾.
قراءات:
قرأ ابو بكر: ثم الينا يرجعون بالياء. والباقون: ترجعون بالتاء. وقرأ حمزة والكسائي لنتوينهم بالثاء، يعني لنقيمنهم، من: ثوى بالمكان: أقام. والباقون: لنبوئنّهم: بالباء.
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله فأنى يُؤْفَكُونَ؟﴾.
انهم يعترفون بأن الله هو خالق السموات والأرض والمسخِّر للشمس والقمر، وهم مع ذلك يعبدون سواه، فلماذا هذا التناقض؟! وكيف إذْن يُصرفون عن توحيد الله وعن عبادته، مع اقرارهم بهذا كله؟
﴿الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ...﴾
ما دام الخالقُ هو الله، فانه يوسع الرزق على من يشاء، ويضيق على من يشاء، حسبما يقتضيه علمه بالمصالح، ﴿إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٍ﴾.
وان اقوال هؤلاء المشركين تخالف أفعالهم، فهم يقرّون بالوحدانية ثم هم يعبدون مع الله سواه، ولذلك يقول:
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله﴾
إنهم مقرّون بان الله هو الخالق، وهو الرازق، وهو مدبّر الكون، لكنهم انحرفوا وعبدوا غيره ولذلك يتعجب من أقوالهم ويقول:
﴿قُلِ الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾.
قل يا محمد، الحمدُ لله على اعترافهم بالحق، ولكن اكثرهم لا يَستعملون عقولهم، ولا يفهمون ما يقعون فيه من تناقض.
لما بين الله فيما تقدم ان المشركين يعترفون بان الله هو الخالق والمدبر لهذا الكون، ومع ذلك فانهم يتركون عبادته اغترارا بزخرف الدنيا وزينتها - بين هنا ان الدنيا وما فيها باطلٌ وعبث زائل، وانما الحياة الحقيقية هي الحياة الآخرة التي لا فناء بعدها، ولكنهم لا يعلمون.
ثم ارشد الى انهم مع اشراكهم بربهم سِواه في الدعاء والعبادة، اذا هم ابتلوا بالشدائد كما اذا ركبوا البحر وعلتهم الامواج من كل جانب، وخافوا الغرق - دعوا الله معترفين بوحدانيته ولكنهم سرعان ما يرجعون بعد نجاتهم ويعودون سيرتهم الأولى.
﴿لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ يَعلَمُونَ﴾
لينكروا ما أعطيناهم من النعم، ويتمتعوا بلذّاتهم وشهواتهم، فسوف يعلمون عاقبةَ الكفر حين يشاهدون العذابَ الأليم. وفي هذا تهديد كبير لو كانوا يعلمون.
ثم يذكّرهم بنعمة الله عليهم باعطائهم هذا الحرمَ الآمن يعيشون فيه بأمن وسلام، فلا يذكرون نعمة الله ولا يشكرونها.
﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ؟﴾
لقد جعلهم الله تعالى في بلد آمن يعيشون فيه، يعظّمهم الناس من أجل بيت الله، ومن حولهم القبائل تقتتلُ وتتناحر، فلا يجدون الأمان الا في ظل البيتِ العظيم. وقد من الله عليهم بقوله: ﴿لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ إِيلاَفِهِمْ رِحْلَةَ الشتآء والصيف فَلْيَعْبُدُواْ رَبَّ هذا البيت الذي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ﴾.
ثم بين ان العقل كان يقضي بأن يشكروا هذه النِعم، لكنهم كفروا بها فقال:
﴿أفبالباطل يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ؟﴾.
ولما وضحت الحُجة، وظهر الدليل، ولم يكن لهم فيه مقنَع - بين انهم قوم ظلمة مفترون مكذبون فقال:
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افترى عَلَى الله كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بالحق لَمَّا جَآءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ﴾.
ليس هناك أحدٌ أشدَّ ظلماً ممن نَسَب الى الله ما لم يشرعه، او كذّب بالدين الحق. ان مثوى هؤلاء واشباههم جَهنمُ وبئس المصير.
ثم يختم السورةَ بصورة المؤمنين الّذين جاهدوا في الله، واحتملوا الأذى، وصبروا ولم ييأسوا، الذين اهتدوا بهدى الله وساروا على الصراط المستقيم فقال:
﴿والذين جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ الله لَمَعَ المحسنين﴾.
أولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع ايمانهم، ولن ينسى جهادهم، وان الله لمعهم يعينهم ويؤيدهم بالنصر والتوفيق.
قراءات:
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: لْيكفروا ولْيتمتعوا، بسكون اللام. والباقون: لِيكفروا وليتمتعوا، بكسر اللام.
Icon