هذه السورة مكية باستثناء آيتين. وقيل : ثلاث آيات. وهي تتضمن فيضا من جليل المعاني وعظيم المضامين. منها التذكير بآيات الكتاب الحكيم التي أنزلت هداية ورحمة للمحسنين.
وفي السورة تنفير شديد من التلبس بلهو الحديث على الخلاف في المراد بذلك ؛ لأنه مُضل عن سبيل الله ومشعل للذهن والقلب عن الخضوع لله وعن الإذعان له بالطاعة والخشوع.
وتتضمن السورة حقيقة لقمان، فهل كان نبيا أو صِديقا أو غير نبي ؟ وفيها تفصيل لما أوصى به لقمان ابنه من جليل الوصايا.
وفي السورة جملة من الحجج والبينات التي تدل على وحدانية الله وأنه الخالق الحق المتفرد بالربوبية وصفات الكمال دون غيره من الأنداد المزعومة المصطنعة.
وفي السورة أيضا، الحديث عن مفاتيح الغيب التي استأثر الله بعلمها، ثم الحديث عن هذه المسألة تفصيلا. إلى غير ذلك من البينات والحكم والمعاني.
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى :﴿ الم ( ١ ) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ( ٢ ) هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ ( ٣ ) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةََ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ( ٤ ) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.مضى الكلام عن الحروف المقطعة من فواتح السور.
وقيل : مرفوعان، على أنهما خبر لمبتدأ محذوف، وتقديره : هو هدى.
وقيل : مرفوعان على أنهما خبر لتلك. و ﴿ آيَاتُ ﴾ بدل من ﴿ تلك ﴾ ١.
والمعنى : هذه آيات الكتاب ذي الحكمة والسداد والحديث الباهر الفذ.
ذلكم كتاب الله الذي أنزله للناس، ليكون للمؤمنين الطائعين بيانا يهتدون به فلا يضلون أو يتعثرون أو يخبطون ؛ بل يمضون في ظل الإسلام آمنين، وهم تحيط بهم عناية الله وتوفيقه. وهو كذلك رحمة يرحم الله به من اتبعه، والتزم منهجه، وعمل بموجبه، ولم يرض عنه أيما بديل من بدائل الكفر والضلالات. أولئك يمنّ الله عليهم بفضله وإحسانه، ويدرأ عنهم برحمته الشرور والعوادي.
ويوم القيامة حقيقة كونية هائلة لا تقبل الجدال أو الخصام. وهي حقيقة لا ينكرها أو يرتاب فيها مبطل خاسر، لكن المؤمنين المصدقين يوقنون أن الساعة حق، وأنها قائمة لا ريب فيها.
قوله :﴿ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ أي الفائزون الذين ظفروا بالنجاة والسعادة التي لا تنقطع١.
ثمة قولان في سبب نزول هذه الآية. أحدهما : أنها نزلت في النضر بن الحارث وذلك أنه كان يخرج تاجرا إلى فارس، فيشتري أخبار الأعاجم فيرويها، ويحدث بها قريشا ويقول لهم : إن محمدا عليه الصلاة والسلام يحدثكم بحديث عاد وثمود، وأنا أحدثكم بحديث رستم واسفنديار وأخبار الأكاسرة، فيستملحون حديثه، ويتركون استماع القرآن. فنزلت فيه هذه الآية.
القول الثاني : إنها نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية فشُغل الناس بلهوها عن استماع النبي صلى الله عليه وسلم١.
أما المراد بلهو الحديث وشرائه فهو موضع تفصيل نعرض له في هذا البيان فنقول : لهو الحديث يشمل بعمومه كل ما يلهي عن طاعة الله وفعل الخيرات والقربات. وذلك كالغناء والملاهي والأحاديث المفتراة والمصطنعة التي تنشغل بها القلوب والأذهان عن دين الله وطاعته.
وقيل : المراد بلهو الحديث، الكفر والشرك. وهو قول الحسن البصري، وروي عنه قول : إنه الغناء والمعازف.
وقيل : المراد من يشتري ذا لهو، أو ذات لهو. فيكون التقدير : من يشتري أهل لهو الحديث وهم المغنّون والمغنيات والقينات. كقوله تعالى :﴿ واسأل القرية ﴾ يعني واسأل أهل القرية.
وقيل : المراد به الغناء. وقد قال بذلك أكثر السلف من الصحابة والتابعين وقد حلف على ذلك عبد الله بن مسعود بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات أنه الغناء. وكان يقول : الغناء ينبت النفاق في القلب. وعن ابن عمر أنه الغناء. وقال الإمام الطبري : أجمع علماء الأمصار على كراهة الغناء والمنع منه. ويؤيد هذا القول ما ورد في ذلك من أخبار. منها ما رواه الترمذي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " صوتان ملعونان فاجران أنهى عنهما : صوت مزمار، ورنة شيطان عند نغمة ومرح، ورنة عند مصيبة لطم خدود وشق جيوب ".
وروى الترمذي أيضا من حديث علي ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء " فذكر منها : " إذا اتخذت القينات والمعازف " وفيما رواه أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من جلس إلى قينة يسمع منها صُبَّ في أذنه الآنُك٢ يوم القيامة ".
على أن الغناء المنهي عنه هو المعتاد عند المشتهرين به، والذي يحرك النفوس فيستميلها للذة والطرب، ويجنح بها للهوى والغزل والمجون بعد سكون الشهوة ورقادها. إلى غير ذلك من الشعر الذي يُشَبَّب فيه بالنساء ووصف محاسنهن والافتتان بهن ووصف الخمور والمحرمات، فإن ذلك حرام قطعا. أما ما كان من غناء يخلو من ذلك فيجوز منه القليل في بعض الأحوال والظروف كالأعراس والأعياد حيث السرور والبهجة تغمر قلوب الناس في مثل هذه المناسبات. وكذلك عند التنشيط على الأعمال الشاقة مما يروح النفس ترويحا ويكفكف عنها غبار الكد والنصَب.
وذلك كما كان في حفر الخندق وحدو أنجشه، وهو أسود كان يسوق الإبل بنساء النبي صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع وكان حسن الحداء، وكانت الإبل تزيد في الحركة بحدائه. وفي ذلك روى الديلمي عن أنس مرفوعا : " روحوا القلوب ساعة فساعة ".
أما ما ابتدعته الصوفية من سماع المغاني وقد اختلطت بالمعازف وآلات الطرب كالشبابات والمزامير والأوتار فذلكم حرام.
أما الضرب على الدف لإظهار النكاح فمباح. وقال القرطبي في هذا الصدد : إن الطبل في النكاح كالدف، وكذلك الآلات المشهرة للنكاح يجوز استعمالها فيه بما يحسن من الكلام ولم يكن فيه رفث.
أما الاشتغال بالغناء على الدوام فهو سفه. تُرد به الشهادة وقد ذهب الإمام مالك إلى أن الغناء حرام. ولما سئل عن ذلك قال : إنما يفعله عندنا الفساق. وذهبت الحنيفية والشافعية، وكذا الحنبلية في رواية لهم إلى أن الغناء مكروه، وأن سماعه من الذنوب، ومن استكثر منه فهو سفيه ترد شهادته.
والذي نميل إليه أن الآية تتناول بعمومها سائر الأقوال والأحاديث التي تلهي عن طاعة الله والتي تشغل البال والقلب عن الخشوع والورع والتذكر، وسماع المواعظ ودروس العلم. سواء في ذلك الغناء أو قص الأساطير الموهومة بقصد الإلهاء عن سماع الإسلام بأفكاره ومعانيه، وكذلك اللغو من الكلام الذي يلهي الناس عن سماع القرآن ويضلهم عن الحق ليتيهوا في الباطل. وهو قوله :﴿ ليضل عن سبيل الله ﴾ المضل يراد به صاحب اللهو على اختلاف وجوهه فهو بتلهيته يضل الناس عن دين الله فيحول بينهم وبين سماع القرآن والاتعاظ بكلماته وإيقاعاته المؤثرة. أو يلهيهم عن الاستفادة من علوم الإسلام ؛ إذ لا يستبقي لهم من الفراغ أو الوقت ما يقرأون فيه أو يسمعون القرآن وروائع الإسلام، فضلا عن تلهيتهم عن أداء الواجبات والطاعات المفروضة والمندوبة.
وهذا هو دأب الحكام والساسة الذين يقودون المسلمين في عصرهم الراهن ؛ إذ يسوسونهم بغير شريعة الإسلام ؛ يسوسونهم بشرائع الكفر وملل الضلال والباطل مما ابتدعوه من نظم الحضارة المادية الظالمة. أولئك يصطنعون كل أسباب التلهية من مختلف وجوه اللهو الفارغ الذي تُسخّر لنشره وإشاعته كل الوسائل والأسباب وبخاصة وسائل الإعلام المختلفة ؛ وذلك من أجل أن تلتهي الأمة عن الاهتمام بدينها وقيمها ومقوماتها الثقافية والمعنوية والسلوكية ؛ وكيما تغض الطرف عن تعاليم الإسلام ولا تعبأ بسماع القرآن، فضلا عما يبتغيه الساسة الظالمون من إفساد النفس لدى الأفراد وتشويه العقول والتصورات فتزهد في الإقبال على الإسلام كل الزهد أو تنفر منه نفورا.
قوله :﴿ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ﴾ الضمير في ﴿ وَيَتَّخِذَهَا ﴾ عائد إلى ﴿ سبيل الله ﴾ والمراد بسبيل الله منهج الحق وصراط الله المستقيم ودينه الحنيف القويم. والمعنى : أن المضل عن سبيل الله بلهوه وضلاله إنما يسخر من دين الله وشرعه، ويهزأ بالإسلام وما فيه من أحكام وقيم وتصورات. وذلك هو دأب الغاوين الذين يغوون الناس بفسقهم وفجورهم ويضلونهم عن دين الله بما ابتدعوه واصطنعوه من فتن الملاهي والمعازف والغناء الفاجر المستهجن.
قوله :﴿ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ هؤلاء المضلون الفسّاق الذين يلهون الناس عن دينهم ويضلونهم عن فعل الطاعات والواجبات بما ابتدعوه من لهو فاسد ماجن –صائرون إلى عذاب الخزي والهوان في النار٣.
٢ الآنك: الرصاص الخالص. انظر المصباح المنير ج ١ ص ٣١..
٣ ١ تفسير القرطبي جزء ١٤ ص ٥١-٥٦ تفسير تبن كثير جزء ٣ ص ٤٤٢ وفتح القدير جزء ٣ ص ٢٣٤، وتفسير الطبري ج ٢١ ص ٤٠-٤١، وتفسير الرازي ج ٢٥ ص ١٤٢..
المراد بالمتولي المستكبر هو الذي يشتر يلهو الحديث لإضلال الناس به عن دين الله وعن صراطه القويم ؛ فهو إذا تليت عليه آيات الكتاب الحكيم وما تضمنه من معاني التذكير أو التحذير أو الترهيب ﴿ وَلَّى مُسْتَكْبِرًا ﴾ أي تولى عنها مدبرا إدبارا، وأعرض عن سماعها مستكبرا استكبارا. أولئك هم المضلون من أهل الملاهي والمعازف والغناء المبتذل الفاجر، فقد استغلقت قلوبهم أيما استغلاق، واستعصت طبائعهم الكزّة على الاستجابة لكلمات الله، أو الحنين لسماع الآيات الباهرة من آيات الذكر الحكيم. فهم بإيغالهم في اللهو الفاسد المحرم قد فسدت فيهم القلوب حتى حيل بينها وبين التأثر بكلمات القرآن، فأدبروا منقلبين مستكبرين كأنهم لم يسمعوا شيئا. وهو قوله :﴿ كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا ﴾
الوقر، بالفتح، معناه الثقل في الأذن. وبالكسر، الحمل١ أي كأن هذا المعرض المستكبر لم يسمع آيات الله كأن في أذنيه ثقلا وصمما فلا يستطيع السمع.
قوله :﴿ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ أي بشر هذا المعرض المستكبر الذي تولى مدبرا نافرا من سماع القرآن، بالعذاب المهين يوم القيامة وهو عذاب النار.
ذلك وعد من الله لعباده المؤمنين الذين صدقوا رسوله واتبعوا النور الذي أنزل معه والتزموا منهج الله دون غيره من مناهج الأرض –بأن يجزيهم في الآخرة خير الجزاء وهي الجنة حيث النعيم المقيم الذي لا يتحول ولا يزول ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾.
قوله :﴿ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا ﴾ ﴿ وعد ﴾، مصدر مؤكد لنفسه ؛ أي وعد الله وعدا، و ﴿ حَقًّا ﴾، مصدر مؤكد لغيره ؛ أي حق ذلك حقا. والمعنى : أن وعد الله آت لا محالة، ولن يخلف الله وعده.
قوله :﴿ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ ﴿ الْعَزِيزُ ﴾، أي القوي القاهر الذي لا يغلبه غالب. وهو الحكيم في أفعاله وأقواله وتدبيره شؤون الخلق٢.
٢ فتح القدير ج ٣ ص ٥١١، وتفسير الطبري ج ٢١ ص ٤٢..
يبين الله في ذلك بالغ قدرته وعظيم سلطانه ؛ فهو سبحانه الخالق المهيمن المقتدر الذي ذرأ الكون الهائل المتسع ومنه السماوات السبع وما فيهن وما بينهن. وقد قيل : إن السماوات مبسوطة مستوية. وقيل : إنها مستديرة ويعزز هذا قوله :﴿ كل في فلك يسبحون ﴾ والفلك اسم لشيء مستدير. وفلْكة المغزل، سميت بذلك لاستدارتها. ويقال : تركته كأنه يدور في فلك١.
قوله :﴿ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ ﴿ عَمَدٍ ﴾، جمع ومفرده عماد وعمود. ترونها جملة فعلية، في موضع نصب على الحال من ﴿ السماوات ﴾. فلا يكون ثمة عمد البتة. وقيل : في موضع جر، صفة لعمد، فيكون هناك عمد لكنها لا ترى.
وكيفما تكن حال السماوات أو حقيقتها من حيث الكيفية والهيئة والسعة وكثرة الخلائق والأشياء والأجرام فإن ذلك كله من خلق الله. وتلكم آية بالغة على أن الله حق، وأنه الخالق القادر البديع.
قوله :﴿ وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ الرواسي، الجبال الثوابت ؛ فقد جعلها الله في الأرض ؛ لتستقر هذه وتثبت فلا تتحرك أو تضطرب ؛ ذلك أن الجبال هائلة وثقال، وهي بعظيم ثقلها تصير الأرض بها ثقيلة فتترسخ وتسكن، وإلا زالت عن موضعها أو تطايرت. وهو قوله :﴿ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ أي كراهية أن تميد بكم. أو لئلا تميد بكم، ماد الشيء، تحرك. ومادت الأغصان، تمايلت. وغصن مائد، أي مائل، وماد الرجل، يعني تبختر٢.
قوله :﴿ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ ﴾ الدابة اسم لكل ما دب على الأرض.
والمعنى : أن الله خلق في الأرض من أصناف الحيوانات ما لا يعلم أجناسها وأعدادها وأشكالها وألوانها إلا هو سبحانه.
قوله :﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ أنزل الله المطر من السماء فأنبت به في الأرض من كل نوع من أنواع النبات ﴿ كَرِيمٍ ﴾ أي حسن المنظر واللون.
٢ مختار الصحاح ص ٦٤٠ وأساس البلاغة ص ٦٠٩..
قوله :﴿ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ ﴾ الياء في قوله :﴿ فَأَرُونِي ﴾ مفعول أول. وجملة ﴿ مَاذَا خَلَقَ ﴾، في موضع نصب مفعول ثان للفعل أروني. ما استفهام في موضع رفع مبتدأ. وخبره ذا. وذا يعني الذي١.
والمعنى : أروني أي شيء خلقه شركاؤكم الذين اتخذتموهم أندادا لله. والاستفهام للتوبيخ والتقريع.
قوله :﴿ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾ ﴿ بل ﴾، إضراب عن تقريع المشركين وتبكيتهم على الحكم عليهم بالضلال الظاهر وأنهم ظالمون، لأنفسهم خاسرون٢.
٢ تفسير الرازي ج ٢٥ ص ١٤٣-١٤٥، وتفسير ابن كثير ج ٣ ص ٤٤٣، وفتح القدير ج ٣ ص ٢٣٥..
وقد ذهب أكثر العلماء من السلف إلى أن لقمان لم يكن نبيا بل كان حكيما فقد أوتي الحكمة والفهم وحسن الخطاب. وقيل : كان عبدا حبشيا نجارا. وقيل : كان خياطا. وهو قول ابن عباس. وقد أعطاه الله الحكمة ومنعه النبوة، وكان قاضيا في بني إسرائيل.
قوله :﴿ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ ﴾ ﴿ أن ﴾، بمعنى أي، المفسرة. يعني : قلنا له اشكر لله ؛ فقد أمره الله بشكره على ما آتاه من نعم العقل والفهم والحكمة، فشكره لقمان. وشكر الله إنما يكون بطاعته، والتزام شرعه، والمضي على صراطه المستقيم.
قوله :﴿ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ ﴾ من يشكر الله على ما أنعم به عليه من مختلف أنواع الخير والفضل والنعمة والإحسان فلا يجحده ولا ينكر ما منّ به عليه بل يفيض على لسانه ذكر الله وشكره والثناء عليه على الدوام.
قوله :﴿ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ ﴾ من يشكر الله بطاعته والإذعان لجلاله، وذكر نعمه وآلائه فإن الله يجزل له الثواب ويدرأ عنه المكاره والآلام ويصونه من عواقب الفتن.
قوله :﴿ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴾ من جحد نعم الله، وأنكر ما منّ به عليه من الخيرات والآلاء ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ ﴾ عن عبادة الخلق وعن شكرهم إياه لا حاجة به سبحانه إلى شكر العباد فشكرهم إياه لا يزيد في سلطانه شيئا، وكفرانهم نعمه لا ينقص من ملكه أيما شيء ولو مثقال ذرة أو أصغر. وهو سبحانه ﴿ حَمِيدٌ ﴾ أي محمود في خلقه. أو مستحق للحمد من عباده على ما أنعم به عليهم من الآلاء١.
ذلك إخبار من الله عن قول لقمان الحكيم لابنه وهو يعظه خير موعظة ؛ إذ ينهاه عن التلبس بالشرك فإنه من رأس الخطايا وأفظع الموبقات، وهو مفض بصاحبه لا محالة إلى النار. فقد وعظه ناصحا ومشفقا ومحذرا ومبتغيا له الخير والسداد ﴿ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ الشرك أعظم الظلم، والظلم معناه وضع الشيء في غير موضعه٢.
وبذلك فإن الشرك – وهو اتخاذ الأنداد مع الله والشركاء- وضع للعبادة في غير موضعها. وذلك أمر عظيم النكر والاعوجاج٣.
٢ مختار الصحاح ص ٤٠٥..
٣ تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٥٩-٦٢ وتفسير ابن كثير ج ٣ ص ٤٤٣..
يوصي الله بالوالدين في هذه الآية الحكيمة كغيرها من آيات أُخر فيهن توصية للأولاد ببر الوالدين والإحسان إليهما، وحسن طاعتهما في غير معصية لله.
وذلك هو شأن الإسلام في إكرام الوالدين، والاهتمام بهما، وفعل ما يرضيهما ودفع الأذى والمكروه عنهما، والحرص على كسب رضاهما ؛ طلبا لمرضاة الله. لا جرم أن رضى الله مقرون برضى الوالدين. فلا يرضى الله عن ولد عاق لوالديه أو أحدهما.
إن هذه الحقيقة الساطعة البلجة تكشف عن جمال الإسلام، وإشراق منهجه للبشرية، وهو يرسخ قواعد الرحمة والمحبة والود في المجتمع.
ويأتي في طليعة ذلك كله طاعة الوالدين على أمثل وأكرم ما تكون عليه الطاعة من تواضع أوفى، وأدب رفيع جم، وحياء غامر ودود، وإجلال مستفيض يتقاطر من خصال الولد وهو يكرم والديه ويمد لهما كامل العون والإحسان.
على أن الترجيح لجانب الأم في كمال الطاعة لها ظاهر، جزءا مكافئا، لما بذلته من فرط العناء والحدب والنصب، وهي ترعى ولدها وتدفع عنه الأذى والسوء. ولشدة ما لقيت في اضطلاعها بهذه الوجيبة من بالغ الحرص والجد والإشفاق عليه بدءا بكونه جنينا مستورا في أحشائها، وانتهاء باندلاقه إلى الدنيا حيث الإرضاع والعناية والمكابدة المضنية كيما ينمو ولدها ويكبر ويترعرع ومن أجل ذلك فرض الإسلام للأم من عظيم التكريم وبالغ الطاعة والبر ما لم يفرضه لأحد سواها، ولقد فرض لها ذلك كله مما ليس له نظير في تاريخ الشرائع والعقائد والديانات والملل كافة. ويدل على هذه الحقيقة من الأخبار ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، من أحقُّ الناس بحٌسن صحابتي ؟ قال " أمك " قال : ثم من ؟ قال : " أمك " قال : ثم من ؟ قال :" أمك " قال : ثم من ؟ قال : " أبوك ".
وفي رواية، قال : يا رسول الله من أحق بحسن الصحبة ؟ قال " أمك، ثم أمك، ثم أمك، ثم أباك، ثم أباك ".
ومن جملة الاهتمام البالغ بالوالدين، وجوب طاعتهما في المباحات، ويستحسن ذلك في ترك المندوبات، والطاعات على غير الأعيان، مثل الجهاد على الكفاية، والاستجابة لنداء الأم في الصلاة المسنونة مما يبيح قطع الصلاة ".
قوله :﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ ﴾ ﴿ وَهْنًا ﴾، منصوب على المصدر.
وقيل : منصوب على أنه مفعول ثان بتقدير حذف حرف الجر. أي حملته أمه بضعف على ضعف١ والمعنى المراد : أنه أمه حملته في بطنها ضعفا على ضعف وشدة على شدة. فكانت بذلك تزداد كل يوم ضعفا ومشقة وجهدا على جهد.
قوله :﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ المراد بالفصال، الفطام، وقد عبّر عنه بغايته ونهايته وهو الفصال. والمعنى : أن إرضاعه بعد وضعه يستغرق عامين وهي المدة المثلى والأتم للرضاعة. كما قال تعالى :﴿ والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ﴾.
قوله :﴿ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾ ﴿ أنِ ﴾، في موضع نصب على حذف حرف الجر، وتقديره : بأن اشكر لي ولوالديك. وقيل : مفسرة بمعنى أي فيكون المعنى : قلنا له أن اشكر لي ولوالديك٢ وذلك بما مننت به عليك من النعم الكثيرة، وأولها نعمة الإيمان بالله إلها واحدا مقتدرا متفردا بالإلهية والربوبية. أما الشكر للوالدين فبما أفاضا على الولد من نعمة التربية والتنشئة والرعاية والحرص، ويكون الشكر لهما بمختلف وجوه البر والحدب والإحسان والطاعة في غير معصية لله، وبالدعاء والاستغفار لهما في حياتهما وعقب الممات. وفي ذلك روى أبو داود والبيهقي أن رجلا من بني سلمة قال : يا رسول الله هل بقي من برّ أبوي شيء أبرهما بعد موتهما ؟ قال " نعم : الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما ".
قوله :﴿ إلي المصير ﴾ الرجوع إلى الله يوم القيامة، يوم الحساب والجزاء.
٢ نفس المصدر السابق..
قوله :﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ﴾ ﴿ مَعْرُوفًا ﴾، صفة لمصدر محذوف ؛ أي وصاحبهما صحابا معروفا ؛ أي صاحبهما في الدنيا بالمعروف والإحسان، وأطعهما في ما ليس فيه معصية لله. ويستدل من الآية على صلة الأبوين الكافرين بالمستطاع من المال إن كانا فقيرين، وأن يعاملهما الولد باللين والرحمة والرفق عسى أن يهتديا. ولا يحل بذلك للولد أن يقسو على أبويه الكافرين فيعاملهما بالغلظة، أو يخاطبهما بسوء الكلام مما فيه إيذاء لهما أو إهانة. وأي شيء من الإهانة وسوء الخطاب لأبويه أو لأحدهما فإنه خطيئة فادحة، وكبيرة من الكبائر.
قوله :﴿ وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ أي اتبع سبيل المؤمنين المنيبين إلى الله بعبادته وحده، والتزام شرعه ومنهاجه ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ أي أنتم مبعوثون من بعد الموت وصائرون إلى الله يوم القيامة ﴿ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ عقب معادكم ومصيركم إلى الله فإنه مطلعكم على جميع ما أسلفتم في دنياكم من الأعمال من خير أو شر فمجازيكم على ذلك كله١.
هذه جملة وصايا جيدة وسديدة أخبر الله بها عن لقمان ؛ إذ أوصى بها ابنه ؛ لتكون تذكرة وعبرة للناس. لا جرم أنها وصايا نافعة وجليلة ومؤثرة، حقيقة بدوام التفكر والتدبر.
والضمير في قوله :﴿ إنها ﴾ يراد المعصية والخطيئة. يعني إن تكن المعصية في بساطتها في وزن الحبة من الخردل وهي غاية الصغر ﴿ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ ﴾ يعني إن تكن هذه الخطيئة الصغيرة التي في وزن الخردلة مخبوءة في جوف صخرة لا يدري بها أحد من الخلق، أو تكن مستورة في أطواء السماء أو في طباق الأرض أو مجاهل الفضاء ﴿ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ ﴾ أي يظهرها الله يوم القيامة حينما يضع الموازين القسط، فيجازي كلا من عباده بما عمل إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا.
قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ﴾ الله لطيف لا تخفى عليه الخوافي، مهما دقت وصغرت. نقول : لطف الشيء أي صغر فهو لطيف١ و ﴿ خَبِيرٌ ﴾ أي عليم بكل شيء.
قوله :﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾ أمره بالصبر على أذى الناس ؛ فإنه لا يدعو الناس أحد إلى عبادة الله وحده أو يحذرهم معصية ربهم ومجانبة أمره إلا أصابه منهم البلاء والأذى بمختلف صوره وأشكاله، وليس على العبد المؤمن الخاشع الذي التزم شرع الله وسار على صراطه القويم إلا أن يصبر على طاعة الله والثبات على دينه وشرعه، وأن يحتمل في ذلك كل وجوه المكاره والإساءات، والله جل وعلا يجزيه أجر الصابرين المحتسبين.
قوله :﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ إن العمل بما ذكر، والثبات عليه والتزام الصبر على المكاره والأذى من أجل ذلك لهو ﴿ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ أي مما عزمه الله وأمر به. أو هو من عزائم أهل الحزم الثابتين على الحق، الراسخين في الإيمان.
قوله :﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ﴾ ﴿ مرحا ﴾، مصدر منصوب على الحال٢ أي لا تمش مختالا متكبرا وقد استحوذ عليك الغرور والإعجاب بالنفس ﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ لا يحب الله المختال، وهو من الاختيال أي المبالغة في المرح. والفخور، المعجب بنفسه، والذي يفتخر على الناس بما أوتيه من حظوظ الدنيا.
٢ البيان لابن الأنباري ج ٢ ص ٢٥٦..
قوله :﴿ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ﴾ غض الصوت خفضه٢ والمراد عدم المبالغة في رفع الصوت والجهر به وإنما يجهر بصوته مقدار ما يحتاجه السامع.
قوله :﴿ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ ﴾ ذلك مثل في ذم الأصوات العالية من غير حاجة أو فائدة ؛ فقد شبّه حديث المتصايحين الذين يتخاطبون بأعلى الأصوات بصوت الحمير ؛ وذلك لقبح صوت الحمير وبشاعته وهو نهيقه أو نُهاقُه. لا جرم أن نهيق الحمير قبيح ومنفر. وفي ذلك روى النسائي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه ومسلم قال : " إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان ؛ فإنها رأت شيطانا " ٣.
٢ المصباح المنير ج ١ ص ١٠٢..
٣ تفسير القرطبي ج ١٤ ص ٦٨-٧٢، وفتح القدير ج ٣ ص ٢٣٨-٢٣٩، وتفسير الرازي ج ٢٥ ص ١٥، وتفسير ابن كثير ج ٣ ص ٤٤٦..
يمنّ الله في هذه الآية على عباده بما في ذلك من استفهام على سبيل التقريع للمشركين المكذبين الذين يجحدون نعم الله الكثيرة، فقد سخر الله لهم ما في السماوات والأرض من النعم. أي يسَّرها وذللها لهم لينتفعوا بها، سخر لهم ما حوته السماوات والأرض من شمس مضيئة مشرقة، وقمر ساطع منير، وكواكب لوامع ونجوم هائلة ثوابت، وأجرام كثيرة ومختلفة ومبثوثة في أرجاء الكون الفسيح، تجمع بينها قوانين مستقرة، في غاية الدقة والإحكام فلا خبط ولا عِِثار ولا فوضى. وكذلك سخر لهم ما في الأرض. هذا الكوكب المتقن الدائر العجيب بما حواه من بحار وأنهار وأشجار فيها من كل الثمرات. وكذلك الهواء الذي يملأ الأرض بمركباته الدقيقة، ومن أهمها عنصر الأكسجين الذي تتنفسه الأحياء فلا تموت. إلى غير ذلك من وجوه المنافع المستفادة من طبقات الأرض ومركباته كالمعادن والمياه والأسماك والطقوس والبيئات والأحوال المختلفة المتكاملة. كل ذلك بفعل الله وتقديره فهو سبحانه الخالق القادر المنّان.
قوله :﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ أسبغ أي أفاض وأتم. أسبغت الوضوء أي أتممته١ والمعنى : أن الله أتم نعمه عليكم وأكملها لكم ﴿ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ واختلفوا في المراد بنعم الله الظاهرة والباطنة. فقد قيل : المراد بالظاهرة الإسلام، إذ أتمه الله على عباده ليسعدوا به وينجوا، والباطنة، ما ستر الله على عبده من سوء العمل ؛ فقد روي أن ابن عباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية فقال : " الظاهرة الإسلام وما حسن من خلْقك. والباطنة ما ستر عليك من سيئ عملك. وقيل : الظاهرة : تمام الصحة وكمال الخلْق من السمع والبصر واللسان وسائر الجوارح الظاهرة. والباطنة : المعرفة والعقل والقلب. وقيل : الظاهرة نعم الدنيا، والباطنة نعم الآخرة. وقيل : الظاهرة ما تشهد به الأبصار من مال وجاه وجمال في الحياة والطبيعة. أو ما يدرك بالعقل والحس والمشاهدة. وأما الباطنة فهي ما يخفى على الناس ولا يدركونه من النعم.
قوله :﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴾ من الناس معاندون فجّار يخاصمون في شأن الله من حيث وجوده أو وحدانيته أو إفراده دون غيره بالعبادة والطاعة وكامل الإذعان، وذلك على سبيل المكابرة والمعاندة والعتو ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ أي ليس لهم فيما يتقولونه ويتخرصونه من حجة أو دليل من عقل ولا نقل ﴿ وَلاَ هُدًى ﴾ أي ولا بيان يهدي إلى الصواب ويميز بين الحق والباطل ﴿ وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴾ أي ليس له فيما يزعمه برهان من تنزيل من الله كاشف ونير يعزز حقيقة دعواه، ويشهد بصدق خصامه. إنه ليس لهؤلاء المكذبين في خصامهم من دليل أو حجة إلا العناد والتمرد والاستكبار.
قوله :﴿ أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ ﴾ يعني أيتبعون آباءهم في عبادتهم ولو كان الشيطان يدعو آباءهم إلى الضلال والشرك وما يفضي بهم إلى النار المستعرة الحامية. والاستفهام للتوبيخ والتبكيت. فما ينبغي لذي عقل أن يقلد السابقين الغابرين ؛ لكونهم آباء وأجدادا إن كانوا أولي ضلال وكفر. وإنما يقلد النبيه الحريص أهلَ الهدى والتقى من المؤمنين الذين استقاموا على منهج الله، منهج الإسلام١.
خص الوجه ؛ لأنه أشرف الأعضاء في الجسد من حيث الهيئة والصورة، وفيه جماع الحواس. والمراد إسلام النفس كلها إلى الله بحسن التوجه إلى جنابه العظيم، وتمام الخضوع والإذعان لجلاله الكريم، والإقرار الكامل له بالإلهية، والتجرد كليا من عبادة غيره من الأنداد والشركاء.
قوله :﴿ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ مطيع لله فيما أمر، ومُنته عما حذر منه أو زجر.
قوله :﴿ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى ﴾ عروة الثوب، أي مدخل زره، وعروة القميص أو الكوز ومحوهما : مقبضه. وجمعها عرى١ وتستعار العروة لما يوثَق به ويُعول عليه. و ﴿ الوثقى ﴾ القوية الثابتة. والوثيق أي الثابت المحكم. والموثق والميثاق بمعنى العهد٢ والمعنى : أنه استعصم وتمسك بالحبل المتين المأمون انقطاعه. أو لا يخشى من تمسك به أن ينقطع.
وذلك هو شأن المؤمن الذي أخلص النية لله وأسلم وجهه إليه مُخبتا ومذعنا له بالامتثال والاستسلام. لا جرم أنه بذلك مستعصم بما لا ينقطع البتة ؛ لأنه رصين ومكين ومنيع.
قوله :﴿ وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ إلى الله تصير الخلائق والأعمال يوم القيامة.
٢ العجم الوسيط ج ٢ ص ١٠١١، والمصباح المنير ج ٢ ص ٣٢٢..
قوله :﴿ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ﴾ ذلك وعيد للمجرمين المكذبين فإنهم صائرون إلى الله يوم القيامة، وحينئذ يبين الله لهم ما فعلوه من الكفر والعصيان، فيجازيهم بذلك كله، وليس لهم إذ ذاك من مفر ولا مناص.
قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ الله يعلم ما تخفيه قلوب هؤلاء المكذبين الجاحدين من الكفر وسوء المقاصد.
هؤلاء المشركون الضالون مكابرون معاندون في كفرهم وإشراكهم، وهم موقنون في قرار أنفسهم بأن الله حق، وأنه خالق كل شيء، وأنه إله العالمين، ولو سألهم الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ﴾ يقرون في أعماق قلوبهم أن الله خلق السماوات والأرض. وهم مع ذلك يعبدون معه آلهة أخرى مصنوعة لا تضر ولا تنفع ولا تغني ولا تشفع.
قوله :﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ ﴾ الله المحمود في خلقه، وله الشكر والثناء على ما أنعم به على عباده وتفضل، وليس لما تتخذونه من آلهة مصنوعة ومزعومة.
قوله :﴿ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ أكثر الكافرين لا يعلمون الحق، ولا يتدبرون الصواب فهم ساهون غافلون موغلون في الضلالة والجهالة والباطل جريا وراء الهوى والشهوات.
قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ﴾ الله غني عن العالمين وعن عبادة الخلق له. وهو سبحانه ﴿ الْحَمِيدُ ﴾ أي المحمود في العالمين على ما أنعم به على عباده١.
سبب نزول هذه الآية أن اليهود قالت : يا محمد، كيف عُنينا بهذا القول ﴿ وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ﴾ ونحن قد أوتينا التوراة فيها كلام الله وأحكامه، وعندك أنها تبيان كل شيء ؟ فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : " التوراة قليل من كثير " والآية مدنية١.
والمعنى : لو أن جميع الأشجار جُعلت أقلاما ثم جُعل البحر مدادا، وأمدّه معه سبعة أبحر، فكتبت بها كلمات الله لتكسرت الأقلام ونفذت مياه البحار ولو جيء بأمثالها مدادا. والمراد بكلمات الله علمه بحقائق الكون والأشياء. وقيل : أسماؤه الحسنى وصفاته العظمى وكلماته التامة. والأول أظهر ﴿ والبحر ﴾ يقرأ بالرفع والنصب. أما الرفع على أن تكون الواو، واو الحال. والبحر مبتدأ، وخبره ﴿ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ﴾ والجملة في موضع نصب على الحال، وأما النصب فبالعطف على ﴿ مَّا ﴾ وقيل : منصوب بتقدير فعل. وتقديره : يمد البحر يمده٢.
قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ الله قوي قاهر لا يغلبه غالب، وهو منتقم من الظالمين المعرضين عن دينه، السادرين في الغي والكفر. وهو سبحانه حكيم في أفعاله وأقواله وتدبيره شؤون خلقه.
٢ البيان لابن الأنباري ج ٢ ص ٢٥٦..
قوله :﴿ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ الله يسمع ما يقوله العباد وما يفتريه المشركون من الكفر والضلالات، وهو كذلك بصير بما يعملونه.
وهو مجازيهم على ذلك كله ما يستحقونه من الجزاء١.
يصلح الخطاب ههنا لكل أحد من الناس، والاستفهام يستفاد منه التنبيه والتذكير على حقيقة كونية من صنع الله تدل على أن الله حق، وأنه الغالب المقتدر ؛ فهو سبحانه ﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾ أي يدخل كل واحد منهما في الآخر، وذلك أن الله جلت قدرته يزيد من نقصان ساعات الليل في ساعات النهار. وهو قوله :﴿ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ ﴾ وكذلك يزيد من نقصان ساعات النهار في ساعات الليل وهو قوله :﴿ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ ﴾.
﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ أي ذللهما لمنافع العباد، ومن أجل أن تستقر الحياة وتستقيم على وجه الأرض. والشمس قد وضعها الله في مكان مناسب ومقدور فلا هي أبعد مما هي عليه الآن، ولا أدنى، بل هي في موضع مقدور موزون، صنع الله الذي أتقن كل شيء. وكذلك القمر، جعله الله في مكانه المناسب المقدور انسجاما مع قانون الطبيعة ونجومها وكواكبها المتسقة، ومراعاة لقانون الجاذبية المتبادلة بين الأرض والقمر.
وأيما خلل في مسافة كل من الشمس والقمر عن الأرض سيفضي بالضرورة إلى خلل في مسافة كل من الشمس والقمر عن الأرض سيفضي بالضرورة إلى خلل فظيع واضطراب هائل هائل ومريع في الحياة ومصير الأحياء على ظهر الأرض، فضلا عن منافع الشمس بدفئها وحرارتها وإشراقها، وكذا القمر بنوره المشع، وسطوعه المتلألئ الذي ينشر في الدنيا البهجة والجمال.
قوله :﴿ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ الشمس والقمر، كلاهما يجري طيلة هذه الحياة الدنيا، ثم يسكنان ويسكتان عن الحركة والجريان يوم القيامة.
قوله :﴿ وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ الله مطلع على الأستار والأخبار، وهو يعلم ما يصدر عن الخلق من أعمال وأقوال فمجازيهم بها يوم القيامة.
قوله :﴿ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴾ الله المتعالي على كل شيء. وما من شيء إلا هو متذلل لجلاله، منقاد لكبريائه، وهو سبحانه الكبير في هيمنته وسلطانه، وكل شيء دونه خاضع له، ومتصاغر أمام جبروته١.
ذلك تنبيه من الله على ما منَّ به على عباده من الآلاء وهي كثيرة ومختلفة لا تحصى لكثرتها. ومن جملة ذلك : تسخير السفن ﴿ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ ﴾ أي بلطفه وتسخيره كيلا يغرقوا. وذلك بما أودع الله الأجسام من خصوصية الطفو فوق سطح الماء. فما من جسم ذي كثافة أقل من كثافة الماء إلا يطفو على الماء فلا يغرق. لا جرم أن الذي بث هذه الخصوصية لهو الله الخالق المقتدر. وهو قوله :﴿ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ﴾ ﴿ من ﴾، للتبعيض ؛ أي ليريكم بعض علاماته، وحججه الدالة على قدرته وعظيم مشيئته.
قوله :﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ ﴾ أي فيما ذكر من الحجج الباهرة البلجة وبينات يتدبرها ويتعظ بها كل صبار شكور أي شديد الصبر على طاعة الله، والتزام شرعه وأوامره، ومجانبة نواهيه وزواجره، وكثير الشكر على أنعمه الجليلة كنعمة الإسلام خاصة.
والمراد بالظلل، الجبال. وذلك وصف لحال العباد إذا ركبوا الفلك فهاج بهم البحر، وتعاظمت من حولهم الأمواج الهادرة، فغشيهم الفزع والإياس حينئذ يجأرون إلى الله بالدعاء. وهو قوله :﴿ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ أي دعوا ربهم وحده موقنين أنه الملاذ لخلاصهم واستنقاذهم من الهلاك دون غيره من الشركاء والأنداد. لكن نشأتهم الضالة وشدة جنوحهم للتقليد الأعمى والتعصب المذموم قد طغى عليهم وأنساهم ذكر ربهم ؛ فهم إذا انكشفت عنهم الكروب، وانجلت الشدائد والأهوال عاودوا الإشراك والعصيان، وهو قوله :﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ ﴾ المقتصد، الموفي بما عاهد عليه الله وهو في البحر، أي أوفى في البر بما عاهد عليه الله وهو في البحر. وقيل : المقتصد، معناه المتوسط في العمل، وهو بعد أن عاين الآيات الظاهرة وهو في البحر كان ينبغي أن يقابل ذلك ببالغ الطاعة والشكران لله، وأن يبادر العبادة والخشوع.
قوله :﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ ﴾ الختار، معناه الغدار، من الختر وهو الغدر والخديعة، أو أقبح الغدر وأسوأه٢ أي : لا ينكر الآيات الواضحات والدلائل المستبينات الناطقة بقدرة الله وعظيم سلطانه إلا كل خوّان شديد الغدر، ﴿ كَفُورٍ ﴾. أي جحود للنعمة، سريع الكفران لما منّ الله به عليه من الاستنقاد والتنجية والخلاص. وذلك دأب الجاحد الغادر الذي يتناسى فضل الله عليه وما منّ به عليه من بالغ النعم فيتولى مدبرا منكرا سادرا في عصيانه وجحوده.
٢ القاموس المحيط ص ٤٨٩..
ذلك تحريض من الله لعباده من أجل أن يخشوه، ويبادروا لطاعته وإفراده وحده بالإلهية قبل أن تقوم الساعة فيحيط بهم العذاب، ويغشاهم من الإياس والفزع ما يغشاهم. وهو قوله :﴿ اتقوا ربكم ﴾
قوله تعالى :﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾.
ذلك تحريض من الله لعباده من أجل أن يخشوه، ويبادروا لطاعته وإفراده وحده بالإلهية قبل أن تقوم الساعة فيحيط بهم العذاب، ويغشاهم من الإياس والفزع ما يغشاهم. وهو قوله :﴿ اتقوا ربكم ﴾ أي خافوه وأطيعوه واجتنبوا نواهيه ﴿ وَاخْشَوْا يَوْمًا لاَّ يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا ﴾ أي لا يغني والد عن ولده ولا مولود هو مغن عن والده شيئا. أو لا يحمل والد ذنب ولده، ولا يحمل مولود ذنب والده فلا يؤاخذ أحدهما عن الآخر.
وقد ذكر الله ههنا صنفين من القرابات وهما الوالد والولد لما بينهما من بالغ الشفقة وفرط الرحمة والتحنان. وهما يوم القيامة لا يغني أحدهما عن الآخر من المسائلة والعذاب شيئا. إنما ينجو الواحد منهما بما أسلف في دنياه من عمل، وفوق ذلك كله رحمة الله يصيب بها من يشاء من عباده.
قوله :﴿ إن وعد الله حق ﴾ ذلك إعلان رباني جازم بأن الساعة آتية لا ريب فيها. وهذا وعد من الله ولن يخلف الله وعده.
قوله :﴿ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ﴾ أي لا تلهينكم، ولا تخدعنكم الدنيا بزينتها ومتاعها وملذاتها فتجنحوا إليها وتنسوا الآخرة ﴿ وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ ﴾ أي لا يلهينكم ولا يغوينكم عن دين الله وطاعته ﴿ الْغَرُورُ ﴾ وهو الشيطان المخادع. ويستوي في الشيطان ما كان من الجن ذي الوسوسة في الصدور والتي تسول للإنسان الكفر وفعل المعاصي، أو كان من الإنس الذين يغوون الناس ويضلونهم عن دينهم بمختلف الأساليب والحيل التي تثير في الإنسان بواعث الشر والفتنة وتفضي به إلى الإيغال في الجحود والفساد والمعاصي١.
هذا إخبار من الله عن مفاتيح الغيب التي استأثر بعلمها لنفسه فلا يعلمها أحد من خلقه إلا أن يُعلمه الله بها وهي :
علم الساعة فإن خبرها مستور قد خفي على العالمين فلا يدري به أحد إلا الله.
ثم إنزال المطر من السماء إلى الأرض. فإن أحدا سوى الله لا يعلم بذلك قبل نزوله إلا أن يُعلمه الله الوسيلة لمعرفة ذلك. كأهل الخبرة والدراية بعلوم الطبيعة الذين يقفون على أحوال الطقس تبعا لدرجات الحرارة التي تقاس بمقاييسها المعروفة، مما يشير إلى احتمال نزول الغيث قبل يوم أو يومين من نزوله. ولا يندرج ذلك في عمل الكهان أو القائلين بالأنواء١.
ثم قوله :﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ﴾ الله يعلم حقيقة ما في الأرحام إن كانوا صلحاء أو طلحاء، مؤمنين أو كافرين، طيبين أو خبيثين، سعداء أو أشقياء، طائعين أبرارا، أو عصاة فجارا. كل هذه المعاني المستكنة في كينونة الجنين بدءا بكونه نطفة أو علقة أو مضغة وما بعد ذلك من المراحل البدائية، لا يعلمها أحد سوى الله. أما ما وقف عليه أهل الخبرة من ذوي الاختصاص في التحليل أو الطب من إمكان الكشف عن الجنين ليُعلم أذكرا هو أم أنثى، فإن ذلك لا ينافي حقيقة المفهوم للآية الكريمة وهو قوله :﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ﴾ و ﴿ ما ﴾، تستعمل لغير العاقل وفيها عموم. فهي تشمل كل ما يجتمع في الجنين من المركبات أو الخصال أو الخصائص، أو الصفات الخَلقية والخُلقية والنفسية والعقلية الكائنة مستقبلا.
ثم قوله :﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ﴾ أي لا يدري أحد من الناس ماذا هو عامل في غده من خير أو شر.
ثم قوله :﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ لا يدري أحد متى هو ميت وأين هو موضع مماته. لا يدري أحد أن موته كائن غدا أو بعد غد، وهل هو في البر أو في البحر، أو السهل، أو الجبل، أو في الفضاء. لا يدري أحد بذلك سوى الله ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ خبر بعد خبر. وقيل : خبير صفة لعليم. والمعنى : أن الله عليم بكل شيء وهو سبحانه علاّم الغيوب على الأسرار والأستار جميعا، وخبير بعلوم الكون كله في الدنيا والآخرة. وفي ذلك كله روى الإمام أحمد عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله :﴿ إن الله عنده علم الساعة وينزل ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي لأرض تموت إن الله عليم خبير ﴾ ٢.
٢ الكشاف ج ٣ ص ٢٣٩، وتفسير ابن كثير ج ٣ ص ٤٥٣، وتفسير القرطبي ج ١٤ ص ٨٣..