ﰡ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١ الى ٢]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢)الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ الاجتماع على رفع تنزيل، ورفعه من ثلاثة أوجه:
أحدها بالابتداء والخبر لا رَيْبَ فِيهِ، والثاني على إضمار مبتدأ أي هذا المتلو تنزيل، والثالث بمعنى هذه الحروف تنزيل و «ألم» تدل على الحروف كلها كما تدل عليها أب ت ث. ولو كان تنزيل منصوبا على المصدر لجاز كما قرأ الكوفيون إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [يس: ٣- ٥].
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ٣ الى ٤]
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣) اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ (٤)
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ «أم» تدلّ على خروج من حديث إلى حديث بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ مبتدأ وخبره، وكذا اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ أي للكافرين من مولى يمنع من عذابهم وَلا شَفِيعٍ، ويجوز بالرفع على الموضع أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ هذه الموعظة.
[سورة السجده (٣٢) : آية ٧]
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ (٧)
الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو وابن كثير خَلَقَهُ «١» بإسكان اللام ونصبه في هذه القراءة على المصدر عند سيبويه مثل صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: ٨٨]، وعند غيره على البدل من «كلّ» أي الّذي أحسن خلق كلّ شيء وهما مفعولان على مذهب بعض النحويين بمعنى أفهم كلّ شيء خلقه وخَلَقَهُ على أنه فعل
[سورة السجده (٣٢) : آية ٨]
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٨)
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مشتقّ من سللت الشيء وفعالة للقليل. مِنْ ماءٍ مَهِينٍ قال أبو إسحاق: أي ضعيف، وقال غيره: أي لا خطر له عند الناس.
[سورة السجده (٣٢) : آية ٩]
ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ (٩)
ثُمَّ سَوَّاهُ يعني الماء. وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ أي الّذي يحيا به. وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ فوحّد السمع وجمع الأبصار، لأنّ السمع في الأصل مصدر، ويجوز أن يكون واحدا يدلّ على جمع وَالْأَفْئِدَةَ جمع فؤاد وهو القلب.
[سورة السجده (٣٢) : آية ١٠]
وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ (١٠)
وقالوا أأذا ضللنا في الأرض أأنا «١» لفي خلق جديد ويقرأ أَإِنَّا في هذا سؤال صعب من العربية يقال: ما العامل في «إذ» و «إنّ» لا يعمل ما بعدها فيما قبلها؟ والسؤال في الاستفهام أشدّ لأن ما بعد الاستفهام أجدر أن لا يعمل فيما قبله من «أنّ» كيف وقد اجتمعا؟ فالجواب على قراءة من قرأ أنا أنّ العامل ضللنا، وعلى قراءة من قرأ أَإِنَّا أن العامل مضمر، والتقدير: أنبعث إذا متنا، وفيه أيضا سؤال يقال: أين جواب إذا على القراءة الأولى لأن فيها معنى الشرط؟ فالقول في ذلك أن بعدها فعلا ماضيا فلذلك جاز هذا، وعن أبي رجاء وطلحة أنهما قرءا أَإِذا ضَلَلْنا «٢» وهي لغة شاذة، وعن الحسن اإذا صللنا بالصاد، وهكذا رواها الفراء «٣»، وزعم أنها تروى عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه ولا يعرف في اللغة صللنا ولكن يعرف صللنا، يقال: صل اللحم وأصل، وخمّ وأخمّ إذ أنتن.
[سورة السجده (٣٢) : آية ١١]
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١١)
قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ قال أبو إسحاق: هو من توفية العدد أي يستوفي عددكم أجمعين.
(٢) انظر البحر المحيط ٧/ ١٩٥.
(٣) انظر معاني الفراء ٢/ ٣١١.
[سورة السجده (٣٢) : آية ١٢]
وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢)وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ مبتدأ وخبر. قال أبو إسحاق: المخاطبة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم مخاطبة لأمته، والمعنى: ولو ترون، ومذهب أبي العباس غير هذا، وأن يكون المعنى: يا محمد قل للمجرم ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم لندمت على ما كان منك وحذف جواب «لو» والقول.
[سورة السجده (٣٢) : آية ١٣]
وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣)
وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها مفعولان قيل: في معناه قولان: أحدهما أن سياق الكلام يدلّ على أنه في الآخرة أي لو شئنا لرددناهم إلى الدنيا والمحنة كما سألوا وَلكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ أي حقّ القول منّي لأعذبنّ من عصاني بعذاب جهنّم وعلم الله جلّ وعزّ أنّه لو ردّهم لعادوا كما قال وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ [الأنعام: ٢٨].
[سورة السجده (٣٢) : آية ١٤]
فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا إِنَّا نَسِيناكُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٤)
فَذُوقُوا بِما نَسِيتُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا في معناه قولان: أحدهما أنه من النسيان الذي لا ذكر معه أي لم تعملوا لهذا اليوم فكنتم بمنزلة الناسين، والآخر أن نسيتم بمعنى تركتم، وكذا إِنَّا نَسِيناكُمْ واحتجّ محمد بن يزيد بقوله: وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ [طه: ١١٥] قال: والدليل على أنه بمعنى ترك أنّ الله جلّ وعزّ أخبر عن إبليس أنه قال له: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ [الأعراف:
٢٠] فلو كان آدم صلّى الله عليه وسلّم ناسيا لكان قد ذكّره: وأنشد: [البسيط] ٣٤٠-
كأنّه خارجا من جنب صفحته | سفّود شرب نسوه عند مفتأد «١» |
[سورة السجده (٣٢) : آية ١٥]
إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (١٥)إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً أي إنما يؤمن بالعلامات والبراهين والحجج الذين إذا ذكّروا بها خضعوا لله وسبّحوا بحمده. وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ عن عبادته ولا الانقياد لما أبانه.
[سورة السجده (٣٢) : آية ١٦]
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (١٦)
تَتَجافى جُنُوبُهُمْ في موضع نصب على الحال أو رفع لأنه فعل مستقبل ولم يتبيّن فيه الإعراب لأنه فعل مقصور. ومعنى مقصور أنه قصر منه الإعراب ومعنى منقوص أنه نقص منه الإعراب. يَدْعُونَ في موضع نصب على الحال خَوْفاً مفعول من أجله، ويجوز أن يكون مصدرا. وَطَمَعاً مثله أي خوفا من العذاب وطمعا في الثواب. وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ تكون «ما» بمعنى الذي وتكون مصدرا، وفي كلا الوجهين يجب أن تكون منفصلة من «من».
[سورة السجده (٣٢) : آية ١٧]
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)
فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ويقرأ ما أخفي لهم «١» بإسكان الياء على أنه فعل مستقبل. وفي قراءة عبد الله ما نخفي «٢» بالنون، قال أبو إسحاق: ويقرأ ما أخفي لهم بمعنى ما أخفى الله لهم فإن جعلت «ما» بمعنى الذي كانت في موضع نصب على الوجوه كلّها، وإن جعلتها بمعنى أي وقرأت بقراءة المدنيين كانت في موضع رفع وإن قرأت بغيرها كانت في موضع نصب.
جَزاءً مفعول من أجله أو مصدر.
[سورة السجده (٣٢) : آية ١٨]
أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨)
لأن لفظ «من» تؤدّي عن الجماعة فلهذا قال: لا يستوون. هذا قول كثير من النحويين، وقال بعضهم: يستوون لاثنين إلّا أنّ الاثنين جمع، لأنه واحد جمع مع آخر. والحديث يدلّ على هذا القول لأنه عن ابن عباس رحمه الله وغيره قال: نزلت أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً في علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كَمَنْ كانَ فاسِقاً في الوليد بن عقبة بن أبي معيط «٣».
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٣٢، والبحر المحيط ٧/ ١٩٧.
(٣) انظر البحر المحيط ٧/ ١٩٨.
[سورة السجده (٣٢) : الآيات ١٩ الى ٢٠]
أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها أُعِيدُوا فِيها وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢٠)أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ في موضع رفع بالابتداء فوصفه الله جلّ وعزّ بالإيمان، وخبر الابتداء فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوى والمعنى: فله ولنظرائه فعلى هذا جاء الجمع، وكذا وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْواهُمُ النَّارُ كُلَّما ظرف.
[سورة السجده (٣٢) : آية ٢١]
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢١)
وَلَنُذِيقَنَّهُمْ لام قسم. مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى أي الأقرب، وأكثر أهل التفسير على أنها المصيبات في الدنيا.
[سورة السجده (٣٢) : آية ٢٢]
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (٢٢)
وَمَنْ أَظْلَمُ أي لنفسه. مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ أي بحججه وعلاماته. ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها بترك القبول فاعلم أنه ينتقم منه، فقال جلّ وعزّ: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ.
[سورة السجده (٣٢) : آية ٢٣]
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ (٢٣)
وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مفعولان. فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ قد ذكرناه، وقد قيل: إن معناه فلا تكن في شكّ من تلقي موسى صلّى الله عليه وسلّم الكتاب بالقبول، وعن الحسن أنه قال في معناه: ولقد آتينا موسى الكتاب فأوذي وكذّب فلا تكن في شكّ من أنه سيلقاك ما لقيه من التكذيب والأذى. وهو قول غريب إلّا أنه من رواية عمرو بن عبيد.
[سورة السجده (٣٢) : آية ٢٤]
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ (٢٤)
وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً والكوفيون يقرءون أمّة وهو لحن عند جميع النحويين، لأنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة وهو من دقيق النحو، وشرحه أن الأصل أأممة ثم ألقيت حركة الميم الأولى على الهمزة، وأدغمت الميم في الميم وخفّفت الهمزة الثانية لئلا تجتمع همزتان، والجمع بين همزتين في حرفين بعيد فأما في حرف واحد فلا يجوز البتة إلّا بتخفيف آدم وآخر وهذا آدم من هذا لَمَّا صَبَرُوا «١» لصبرهم ولَمَّا صَبَرُوا أي حين صبروا جعلناهم أئمة.
[سورة السجده (٣٢) : آية ٢٦]
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ (٢٦)أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وقتادة أو لمن نهد لهم «١» بالنون فهذه قراءة بيّنة. والقراءة الأولى بالياء فيها إشكال لأنه يقال: الفعل لا يخلو من فاعل فأين الفاعل ليهد فتكلّم النحويون في هذا فقال الفراء «٢» :«كم» في موضع رفع بيهد.
وهذا نقض لأصول النحويين في قولهم: إنّ الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله ولا في كم بوجه أعني ما قبلها. ومذهب أبي العباس أنّ يهد يدلّ على الهدى فالمعنى أو لم يهد لهم الهدى، وقيل: المعنى أو لم يهد الله لهم فيكون معنى الياء ومعنى النون واحدا، وقال أبو إسحاق: كم في موضع نصب بأهلكنا. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ في موضع نصب بأنّ. أَفَلا يَسْمَعُونَ بمعنى أفلا يقبلون مثل: سمع الله لمن حمده.
[سورة السجده (٣٢) : آية ٢٧]
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ (٢٧)
أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ روى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال: هي أرض اليمن، وقال سفيان وحدّثني معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: هي أبين «٣»، وقال الحكم بن أبان عن عكرمة «إلى الأرض الجرز» قال:
هي الظّمأى، وقال جويبر عن الضحاك إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ قال: الميتة العطشى، وقال الفراء «٤» : هي التي لا نبات فيها، وقال الأصمعي: الأرض الجرز التي لا تنبت شيئا. قال محمد بن يزيد: يبعد أن تكون إلّا أرضا بعينها لدخول الألف واللام إلّا أنه يجوز على قول ما قال ابن عباس والضحاك. قال أبو جعفر: الإسناد عن ابن عباس صحيح لا مطعن فيه، وهذا إنما هو نعت، والنعت للمعرفة يكون بالألف واللام. وهو مشتق من قولهم: رجل جروز إذا كان لا يبقي شيئا إلّا أكله. وحكى الفراء»
وغيره أنه يقال: أرض جرز وجرز وجرز، وكذلك بخل ورعب ورهب في الأربعة أربع لغات فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً يكون معطوفا على نسوق، أو منقطعا مما قبله تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ في موضع نصب على النعت. وَأَنْفُسُهُمْ أي ويأكلون منه. والنفس في كلام العرب
(٢) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٣٣.
(٣) انظر البحر المحيط ٧/ ٢٠٠ (وقال ابن عباس: هي أرض أبين من اليمن، وهي أرض تشرب بسيول لا تمطر).
(٤) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٣٣.
(٥) انظر معاني الفراء ٢/ ٣٣٣.
[سورة السجده (٣٢) : آية ٢٨]
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٢٨)
وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ «متى» في موضع رفع ويجوز أن تكون في موضع نصب على الظرف. قال الفراء «١» : يعني فتح مكة، وأولى من هذا ما قاله مجاهد قال:
يعني يوم القيامة. قال أبو جعفر: ويوم فتح مكة قد نفع من آمن إيمانه. ويروى أن المؤمنين قالوا: سيحكم الله جلّ وعزّ بيننا يوم القيامة فيثيب المحسن ويعاقب المسيء، فقال الكفار على التهزي: متى هذا الفتح أي هذا الحكم؟ ويقال: للحاكم فاتح وفتّاح لأن الأشياء تتفتح على يديه وتنفصل، وفي القرآن رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ [الأعراف: ٨٩].
[سورة السجده (٣٢) : آية ٢٩]
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ (٢٩)
قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ على الظرف وأجاز الفراء الرفع.
[سورة السجده (٣٢) : آية ٣٠]
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ (٣٠)
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ قيل: معناه أعرض عن سفههم ولا تجبهم إلا بما أمرت به.
وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ أي انتظر يوم الفتح يوم يحكم الله لك عليهم، فإن قال قائل: فكيف ينظرون يوم القيامة وهم لا يؤمنون به ففي هذا جوابان: أحدهما أن يكون المعنى أنهم ينتظرون الموت، وهو من أسباب القيامة فيكون هذا مجازا، والآخر أن فيهم من يشكّ ومنهم من يوقن بالقيامة فيكون هذا لهذين الصنفين والله جلّ وعزّ أعلم.