ﰡ
أخبرنا أبو نصر [أحمد بن] محمد بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد العكبري، قال: أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي، قال: حدَّثنا الحسن بن محمد [بن] الصباح، قال: حدَّثنا حجاج بن محمد، قال: أخبرنا ابن جريج، قال: حدَّثني ابن أبي مُلَيْكَة، أن عبد الله بن الزبير أخبره:
أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أَمِّر القَعْقَاعَ بن مَعْبَد، وقال عمر: بل أمِّر الأَقْرع بن حَابِس، فقال أبو بكر: ما أردت إلاَّ خِلاَفِي، وقال عمر: ما أردت خِلاَفَك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك قوله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ إلى قوله سبحانه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ﴾. رواه البخاري عن الحسن بن محمد [بن] الصباح.
نزلت في ثابت بن قيس بن شِمَاس، كان في أذنه وَقْر، وكان جَهْوَرِيَّ الصَّوت، وكان إذا كلم إنساناً جهر بصوته، فربما كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتأذى بصوته، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
أخبرنا أحمد بن إبراهيم المُزَكِّي، قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد، قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي، قال حدَّثنا قَطَن بن نُسَيْر، قال: حدَّثنا جعفر بن سليمان الضبعي، قال: حدَّثنا ثابت عن أنس، قال:
لما نزلت هذه الآية ﴿لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ﴾ قال ثابت بن قيس: أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا من أهل النار. فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هو من أهل الجنة. رواه مسلم عن قطن بن نُسَير.
وقال ابن أبي مليكة: كاد الحِيَّران أن يهلكا: أبو بكر وعمر، رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم، حين قدم عليه ركب [من] بني تميم، فأشار أحدهما بالأَقْرع بن حَابِس، وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر: ما أردتَ إلا خِلاَفي، وقال عمر: ما أردت خلافك، وارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى [في ذلك] ﴿لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ...﴾ الآية.
وقال ابن الزبير: فما كان عمر يُسْمِعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية، حتى يستفهمه.
قال عطاء عن ابن عباس: لما نزل قوله تعالى: ﴿لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ﴾ تألَّى أبو بكر أن لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأَخِي السِّرَارِ، فأنزل الله تعالى في أبي بكر: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ﴾.
أخبرنا أبو بكر القاضي، قال: حدَّثنا محمد بن يعقوب، قال: حدَّثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال: حدَّثنا يحيى بن عبد الحميد قال: حدَّثنا حُصَين بن عمر الأَحْمَسِيّ، قال: حدَّثنا مُخَارِق، عن طارق، عن أبي بكر، قال:
لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ﴾ قال أبو بكر: فآليت على نفسي أن لا أكلِّم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السِّرَارِ.
أخبرنا أحمد بن عبيد الله المَخْلَدِي، قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن زياد الدّقّاق، قال: حدَّثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة، قال: حدَّثنا محمد بن يحيى العتكي، قال: حدَّثنا المعتمر بن سليمان، قال: حدَّثنا داود الطفاوي قال: حدَّثنا أبو مسلم البَجَلِيّ، قال: سمعت زيد بن أَرْقَم يقول:
أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو في الحجرة يا محمد يا محمد، فأنزل الله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾.
وقال محمد بن إسحاق وغيره: نزلت في جُفاة بني تميم، قدم وفد منهم على النبي صلى الله عليه وسلم: فدخلوا المسجد فنادَوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته: أن أخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زَيْنٌ، وإن ذمنا شين فآذى ذلك مِنْ صياحهم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فقالوا: إنا جئناك يا محمد نفاخرك، ونزل فيهم: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ ٱلْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾. وكان فيهم: الأقْرَع بن حَابِس، وعُيَيْنَة بن حِصن، والزِّبْرِقَان بن بدر، وقيس بن عاصم.
وكانت قصة هذه المفاخرة على ما أخبرناه أبو إسحاق أحمد بن محمد المقرئ، قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن السّدُوسِي، قال: حدَّثنا الحسن بن صالح بن هانئ، قال: حدَّثنا الفضل بن محمد بن المسيب، قال: حدَّثنا القاسم بن أبي شيبة قال: حدَّثنا مُعَلّى بن عبد الرحمن، قال: حدَّثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عمر بن الحكم، عن جابر بن عبد الله، قال:
جاءت بنو تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا على الباب: يا محمد اخرج إلينا فإن مدحنا زَيْن، وإن ذَمَّنا شَيْن. فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحه زين، وذمه شين، فقالوا: نحن ناس من بني تميم، جئنا بشاعرنا وخطيبنا نُشَاعِرك ونُفاخرك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بالشعر بعثت، ولا بالفخار أمرت، ولكن هاتوا. فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم: قم فاذكر فضلك وفضل قومك. فقام فقال:
الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالاً نفعل فيها ما نشاء، فنحن من خير أهل الأرض، ومن أكثرهم عُدَّة ومالاً وسلاحاً، فمن أنكر علينا قولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا، وفَعَال هو أحسن من فعالنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شِمَاس: قم فأجبه، فقام فقال:
الحمد لله أحمده وأستعينه، وأومن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، دعا المهاجرين من بني عمه - أحسن الناس وجوهاً وأعظمهم أحلاماً - فأجابوه، فالحمد لله الذي جعلنا أنصاره، ووزراء رسوله، وعِزَّاً لدينه، فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها منع مِنّا نَفْسه وماله، ومن أباها قتلناه، وكان رغمه في الله تعالى علينا هيناً، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات.
فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبابهم: قم يا فلان فقل أبياتاً تذكر فيها فضلك وفضل قومك، فقام الشاب فقال:
نحن الكرام فـلا حَيٌّ يُعادلنــا * فينا الرؤوس وفينا تُقْسَمُ الرُّبَعُ
ونطعمُ الناسَ عندَ القحطِ كلَّهم * من السّدِيفِ إِذا لم يؤنس القَزَعُ
إذا أبَيْنَا فلا يأبى لنـا أحــدٌ * إنا كذلك عند الفخرِ نرتفعُ
قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسان بن ثابت، فانطلق إليه الرسول فقال: وما يريد مني وقد كنت عنده؟ قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم وخطيبهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس فأجابهم، وتكلم شاعرهم فأرسل إليك تجيبه. فجاء حسان، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبه، فقال حسانٌ: [يا رسول الله مره فليسمعني ما قال، فأنشده ما قال، فقال حسان]:
نصرنا رسولَ الله والديـنَ عَنْوةً * على رغم بادٍ من مَعَدٍّ وحاضـرِ
ألسنا نخوض الموتَ في حَوْمَة الوَغَى * إذا طَابَ وِرْدُ الموتِ بَيْنَ العساكر
ونضرب هام الدَّارعين وَنَنْتَمِــي * إلى حسب من جِذْم غَسَّان قاهـر
فلولا حيــاءُ الله قلْنـا تكَرُّمـا * على الناس بالخَيفين هل من منافر
فأَحياؤُنا مِن خير مَن وطِئَ الحصى * وأمواتنا مِـن خير أهـل المقابـر
قال: فقام الأقْرَع بن حابس فقال: إني والله لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء، وقد قلت شعراً فأسمعه، فقال: هات، فقال:
أتيناك كيما يعرف الناسُ فضلنَـا * إذا فاخرُونا عند ذكـرِ المكـارمِ
وإنا رؤوس الناس في كلّ مَعْشَـرٍ * وأن ليس في أرض الحجاز كَدَارِمِ
وإنّ لنا المِرْبَاعَ في كــل غارة * تكون بنجد أو بأرض التَّهَائــمِ
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حسان فأجبه [فقام حسان] فقال:
بَنِي دَارِمٍ لا تفخروا إنّ فَخْرَكُمْ * يَعودُ وَبَالاً عند ذكرِ المكـارِم
هَبِلْتُم علينا تَفْخَرُونَ وأنتُــم * لنا خَوَلٌ من بين ظِئْـرٍ وخَادِمِ
وأفْضلُ ما نلتم من المجد والعُلَى * رِدَافَتُنا منْ بعد ذكر الأكـارم
فإن كنُتم جئتُم لَحِقْنِ دمائكْم * وأموالكم أن تقسموا في المَقاسِمِ
فلا تجعلوا لله نداً وأسلمـوا * ولا تفخروا عند النبي بـدارم
وإلا وربِّ البيت مالت أكُفُّنَا * على هامِكم بالمُرْهَفَات الصَّوارِمِ
قال: فقام الأقْرَع بن حابس فقال: إِن محمداً لمؤتى له والله ما أدري ما هذا الأمر! تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولاً، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر. ثم دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما يَضُرُّكَ ما كان قبل هذا"، ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم، وارتفعت الأصوات، وكثر اللَّغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى هذه الآيات ﴿لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ﴾ إلى قوله: ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
نزلت في الوليد بن عُقْبَة بن أبي مُعَيْط، بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المُصْطَلِق مصدِّقاً، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع القوم [به] تلقوه تعظيماً لله تعالى ولرسوله، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله، فهابهم فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن بني المُصْطَلِق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي. فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهمَّ أن يغزوهم، فبلغ القومَ رجوعه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قِبَلَنا مِنْ حقِّ الله تعالى، فبدا له في الرجوع، فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فأنزل الله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ يعني الوليد بن عقبة.
أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الشَّاذياخي، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الشَّيْباني، قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدَّغُولي، قال: حدَّثنا سعيد بن مسعود، قال: حدَّثنا محمد بن سابق، قال: حدَّثنا عيسى بن دينار، قال: حدَّثنا أبي أنه سمع الحارث بن ضِرَار يقول:
قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام، فدخلت في الإسلام وأقررت، فدعاني إلى الزكاة فأقررت بها، فقلت، يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجاب لي جمعت زكاته، فترسل لإبَّانِ كذا وكذا، لآتيك بما جمعت من الزكاة. فلما جمع الحارث بن ضرار [ممن استجاب له] وبلغ الإبَّانَ الذي اراد أن يبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم - احتبس عليه الرسول فلم يأته، فظن الحارث أنّه قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله فدعا سَرَوَات قومه فقال لهم: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان وقّت لي وقتاً ليرسل إليّ ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس مِنْ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخلفُ، ولا أرى حَبْسَ رسوله إلا من سَخْطَة، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وبعثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليدَ بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق فزع فرجع فقال: يا رسول الله، إن الحارث منعني الزكاة وأراد قتلي. فَضَرَبَ رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث، وأقبل الحارث بأصحابه فاستقبل البَعْثَ وقد فَصَلَ من المدينة، فلقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك، قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عُقْبةٍ، فرجع إليه فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله. قال: [لا] والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته ولا أتاني. فلما أن دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟ قال: لا والذي بعثك [بالحق] ما رأيت رسولك ولا أتاني، ولا أقبلت إلا حين احتبس عليّ رسولُك خشية أن تكون سخطة من الله ورسوله. قال: فنزلت في الحجرات: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿فَضْلاً مِّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾.
أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر النحوي، قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان المقري، قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي، قال: حدَّثنا إسحاق بن [أبي] إسرائيل، قال: أخبرنا معتمر بن سليمان، قال: سمعت أبي يحدث عن أنس، قال:
قلت يا نبي الله، لو أتيت عبد الله بن أبيّ. فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون، وهي أرض سَبِخَةَ، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، فوالله لقد آذاني نَتْنُ حمارك! فقال رجل من الأنصار: [والله] لَحِمارُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، أطيب ريحاً منك. فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزلت فيهم: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا﴾. رواه البخاري عن مُسدَّدَ، ورواه مسلم عن محمد بن عبد الأعلى؛ كلاهما عن المعتمر.
نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وذلك أنه كان في أذنيه وقر، فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه فيسمع ما يقول، فجاء يوماً وقد أخذ الناس مجلسهم فجعل يتخطى رقاب الناس ويقول: تفسحوا تفسحوا، فقال له رجل: قد أصبت مجلساً فاجلس، فجلس ثابت مغضباً، فغمز الرجل فقال: من هذا؟ فقال: أنا فلان، فقال ثابت: ابن فلانة؟ وذكر أمَّاً كانت له يعيَّر بها في الجاهلية، فنكس الرجل رأسه استحياء، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَلاَ نِسَآءٌ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ﴾. [١١].
نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سَخِرَتَا من أمّ سَلَمَة وذلك أنها ربطت حِقْوَيْهَا بِسَبَنِيَّة - وهي ثوب أبيض - وسدلت طرفها خلفها فكانت تجره، فقالت عائشة لحفصة: انظري [إلى] ما تجر خلفها كأنه لسان كلب! فهذا كان سخريتها.
وقال أنس: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم، عيرن أمّ سَلَمَةَ بالقصر.
وقال عكرمة عن ابن عباس: إن صفية بنت حُيَيّ بن أخْطَب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: [يا رسول الله] إن النساء يعيرنني ويقلن: يا يهودية بنت يهوديين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلا قلتِ: إن أبي هارون، وإن عمي موسى، وإن زوجي محمد. فأنزل الله تعالى هذه الآية.
قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ..﴾ الآية. [١١].
[أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم المهرجاني] قال: أخبرنا أبو عبد الله بن بطة قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، قال: حدَّثنا إسحاق بن إبراهيم المَرْوزِيّ قال: حدَّثنا حفْص بن غِيَاث، عن داود بن [أبي] هند، عن الشعبي، عن أبي جبيرة بن الضحاك، عن أبيه وعمومته، قالوا:
قدم علينا النبي صلى الله عليه وسلم فجعل الرجل يدعو الرجل ينبزه، فيقال يا رسول الله، إنه يكرهه. فنزلت: ﴿وَلاَ تَنَابَزُواْ بِٱلأَلْقَابِ﴾.
قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس وقولِهِ في الرجل الذي لم يفسح له: ابن فلانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الذَّاكِرُ فلانة؟ فقام ثابت فقال: أنا يا رسول الله، فقال: انظر في وجوه القوم، فنظر فقال: ما رأيت يا ثابت؟ فقال: رأيت أبيض وأحمر وأسود، قال: فإنك لا تَفْضُلُهم إلا في الدين والتقوى، فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقال مقاتل: لما كان يوم فتح مكة، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى أذّن على ظهر الكعبة، فقال عَتَّاب بن أَسِيد بن أبي العِيس: الحمد لله الذي قَبَض أبي حتى لم ير هذا اليوم. وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً! وقال سُهَيل بن عَمْرو: إن يرد الله شيئاً يغيره. وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئاً أخاف أن يخبر به رب السماء. فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا: فأقروا، فأنزل الله تعالى هذه الآية، وزجرهم عن التفاخر بالأنساب، والتَّكَاثُر بالأفوال والإزْرَاءِ بالفقراء.
أخبرنا أبو حسان المُزَكِّي، قال: أخبرنا هارون بن محمد الإسْتَرَاباذَي، قال: حدَّثنا أبو محمد إسحاق بن محمد الخُزَاعي، قال: حدَّثنا أبو الوليد الأزْرَقي قال: حدثني جدي، قال: أخبرنا عبد الجبر بن الورد المكي، قال: أخبرنا ابن أبي مُلَيْكَة، قال:
لما كان يوم الفتح رقي بلال [على] ظهر الكعبة [فأذن] فقال بعض الناس: يا عباد الله، أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة؟ فقال بعضهم: إِن يَسْخَطِ الله هذا يُغَيِّره، فأنزل الله تعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ﴾.
وقال يزيد بن شَجَرَة: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ببعض الأسواق بالمدينة، وإذا غلام أسود قائم ينادي عليه: بياع فيمن يزيد، وكان الغلام يقول: من اشتراني فعلى شَرْط، قيل: ما هو؟ قال: لا يمنعني من الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتراه رجل على هذا الشرط، وكان يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كل صلاة مكتوبة، ففقده ذات يوم فقال لصاحبه: أين الغلام؟ فقال: محموم يا رسول الله، فقال لأصحابه: قوموا بنا نعوده، فقاموا معه فعادوه، فلما كان بعد أيام قال لصاحبه: ما حال الغلام؟ فقال: يا رسول الله إن الغلام لِمَا بِهِ، فقام ودخل عليه وهو في بُرَحَائه فقبض على تلك الحال، فتولى رسول الله صلى الله عليه وسلم غسله وتكفينه ودفنه، فدخل على أصحابه من ذلك أمر عظيم، فقال المهاجرون: هجرنا ديارنا وأموالنا وأهلينا فلم ير أحد منا في حياته ومرضه وموته ما لقي هذا الغلام. وقالت الأنصار: آويناه ونصرناه وواسيناه بأموالنا فآثر علينا عبداً حبشياً. فأنزل الله تبارك وتعالى: ﴿يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ﴾ يعني أنكم بنو أب واحد وامرأة واحدة. وأراهم فضل التقوى بقوله تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
نزلت في أعراب من بني أسد بن خُزَيمة، قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في سنة جدبة، فأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السر، وأفسدوا طرق المدينة بالعَذَرَات وأغْلَوْا أسعارها، وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان، فأعطنا من الصدقة. وجعلوا يمنون عليه، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.