تفسير سورة التين

زاد المسير
تفسير سورة سورة التين من كتاب زاد المسير في علم التفسير المعروف بـزاد المسير .
لمؤلفه ابن الجوزي . المتوفي سنة 597 هـ
سورة التين وفيها قولان :
أحدهما : مكية، قاله الجمهور، منهم الحسن، وعطاء.
والثاني : أنها مدنية، حكاه الماوردي عن ابن عباس، وقتادة.

سورة التّين
وفيها قولان: أحدهما: أنها مكّيّة، قاله الجمهور، منهم الحسن، وعطاء. والثاني: أنها مدنيّة، حكاه الماورديّ عن ابن عباس، وقتادة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة التين (٩٥) : الآيات ١ الى ٨]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)
ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٦) فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (٧) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ (٨)
قوله عزّ وجلّ: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فيها سبعة أقوال «١» : أحدها: أنه التين المعروف، والزيتون المعروف، قاله ابن عباس، والحسن، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، وجابر بن زيد، وإبراهيم. وذكر بعض المفسرين أنه إنما أقسم بالتين لأنها فاكهة مُخَلَّصة من شائب التنغيص، وهو يدل على قدرة من هيَّأه على تلك الصفة، وجعل الواحد منه على مقدار اللقمة، وإنما أقسم بالزيتون لكثرة الانتفاع به.
والثاني: أن التين: مسجد نوح الذي بنى على الجودي. والزيتون: بيت المقدس، رواه عطية عن ابن عباس. والثالث: التين: المسجد الحرام، والزيتون: المسجد الأقصى، قاله الضحاك. والرابع: التين:
مسجد دمشق، والزيتون: بيت المقدس، قاله كعب، وقتادة، وابن زيد. والخامس: أنهما جبلان، قاله عكرمة في رواية. وروي عن قتادة قال: التين: الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون: الجبل الذي عليه بيت المقدس. والسادس: أن التين: مسجد أصحاب الكهف، والزيتون: مسجد إيلياء، قاله القرظي.
والسابع: أن التين: جبال ما بين حلوان إلى همذان، والزيتون: جبال الشام، حكاه الفرّاء. فأمّا وَطُورِ سِينِينَ فالطور: جبل. وفيه قولان «٢» : أحدهما: أنه الجبل الذي كلم الله موسى عليه، قاله كعب الأحبار في الأكثرين. والثاني: أنه جبل بالشام، قاله قتادة.
فأما سِينِينَ فهو لغة في سيناء. وقد قرأ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وسعد بن أبي وقاص، وأبو العالية، وأبو مجلز «وطور سَيناء» ممدودة مهموزة، مفتوحة السين. وقرأ ابن مسعود،
(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ٦٣٤: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: طور سينين:
جبل معروف، لأن الطول هو جبل ذو النبات، فإضافته إلى سينين تعريف له، ولو كان نعتا للطور كما قال من قال: معناه: حسن أو مبارك لكان الطور منونا، وذلك أن الشيء لا يضاف إلى نعته لغير علة تدعو إلى ذلك.
(٢) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ٦٣٤: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: طور سينين:
جبل معروف، لأن الطول هو جبل ذو النبات، فإضافته إلى سينين تعريف له، ولو كان نعتا للطور كما قال من قال: معناه: حسن أو مبارك لكان الطور منونا، وذلك أن الشيء لا يضاف إلى نعته لغير علة تدعو إلى ذلك. [.....]
463
وأبو الدرداء، وأبو حيوة «وطورِ سيناء» مثلهم إلا أنهم كسروا السين. وقرأ أبو رجاء، والجحدريّ «سينين» كما في القرآن، لكنهما فتحا السين. وقال ابن الأنباري: «سينين» هو سيناء.
واختلفوا في معناه فقيل: معناه: الحسن. وقيل: المبارك. وقيل: إنه اسم للشجر الذي حوله.
وقد شرحنا هذا في سورة المؤمنون «١» قال الزّجّاج: وقد قرئ هاهنا «وطور سيناء» وهو أشبه لقوله عزّ وجلّ: وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ. وقال مقاتل: كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين، وسيناء بلغة النّبط.
قوله عزّ وجلّ: وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ يعني: مكة يأمن فيه الخائف في الجاهلية، والإسلام «٢». قال الفراء: ومعنى «الأمين» الآمن. والعرب تقول للآمن: أمين.
قال الشاعر:
أَلَمْ تَعْلَمي يا أَسْمَ وَيْحَكِ أَنَّني حَلَفْتُ يَمِيناً لا أَخُونُ أَمِينِي
يريد آمني.
قوله عزّ وجلّ: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ هذا جواب القسم. وفي المراد بالإنسان هاهنا خمسة أقوال «٣» : أحدها: أنه كَلدَة بن أسيد، قاله ابن عباس. والثاني: الوليد بن المغيرة، قاله عطاء. والثالث:
أبو جهل بن هشام. والرابع: عتبة، وشيبة، حكاهما الماوردي. والخامس: أنه اسم جنس، وهذا مذهب كثير من المفسرين، وهو معنى قول مقاتل.
قوله عزّ وجلّ: فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ فيه أربعة أقوال «٤» : أحدها: في أعدل خلق. والثاني: منتصب القامة، رويا عن ابن عباس. والثالث: في أحسن صورة، قاله أبو العالية. والرابع: في شباب وقوة، قاله عكرمة.
قوله: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ فيه قولان «٥» : أحدهما: إلى أرذل العُمُر، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال عكرمة، وإبراهيم، وقتادة. وقال الضحاك: إلى الهرم بعد الشباب، والضعف بعد
(١) المؤمنون: ٢٠.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٦٢٨: وقال بعض الأئمة: هذه محال ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيا مرسلا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار، فالأولى محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى عليه السلام والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران عليه السلام والثالث: مكة: وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل فيه محمدا صلّى الله عليه وسلم.
(٣) والقول الخامس هو الصواب: أنه اسم جنس ولم يكن المراد منه إنسان باسمه.
(٤) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ٦٣٨: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن معنى ذلك. لقد خلقنا الإنسان في أحسن صورة وأعدلها، لأن قوله: أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ إنما هو نعت لمحذوف، وهو في تقويم أحسن تقويم، فكأنه قيل: لقد خلقناه في تقويم أحسن تقويم.
(٥) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٦٢٨: ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ أي: إلى أرذل العمر. روي هذا عن ابن عباس وعكرمة، واختاره ابن جرير الطبري ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك، لأن الهرم قد يصيب بعضهم إنما المراد ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ أي إلى النار، كقوله وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ.
464
القوََّة. والسافلون: هم الضعفاء، والزَّمنى، والأطفال، والشيخ الكبير أسفل هؤلاء جميعاً، قال الفراء:
وإنما قال: «سافلين» على الجمع، لأن الإنسان في معنى جمع. تقول: هذا أفضل قائم، ولا تقول:
قائمين، لأنك تريد واحداً، فإذا لم ترد واحداً ذكرته بالتوحيد وبالجمع. والثاني: إلى النار، قاله الحسن، وأبو العالية، ومجاهد. والمعنى: إنا نفعل هذا بكثير من الناس. تقول العرب: أنفق فلان ماله على فلان، وإنما أنفق بعضه، ومثله قوله عزّ وجلّ: الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى «١» لم يُرِدْ كُلَّ ماله. ثم استثنى من الإنسان فقال عزّ وجلّ: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا لأن معنى الإنسان الكثير. وللمفسرين في معنى الاستثناء قولان: أحدهما: إلا الذين آمنوا، فإنهم لا يُرَدُّون إلى الخَرَف، وأَرْذَل العُمُر وإن عُمِّروا طويلاً، وهذا على القول الأول. قال ابن عباس: من قرأ القرآن لم يُردّ إِلى أرذل العمر. وقال إبراهيم النخعي: إذا بلغ المؤمن من الكِبَر ما يعجز عن العمل كُتِبَ له ما كان يعمل، وهو قوله عزّ وجلّ:
فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ وقال ابن قتيبة: المعنى: إلا الذين آمنوا في وقت القوَّة والقدرة، فإنهم في حال الكِبَر غير منقوصين وإن عجزوا عن الطاعات، لأنّ الله عزّ وجلّ يعلم أنه لو لم يسلبهم القوَّة لم ينقطعوا عن أفعال الخير، فهو يجري لهم أجر ذلك. والثاني: إلا الذين آمنوا، فإنهم لا يُرَدُّون إلى النار. وهذا على القول الثاني. وقد شرحنا معنى «الممنون» في «ن» «٢».
قوله عزّ وجلّ: فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ فيه قولان: أحدهما: فما يكذِّبك أيها الإنسان بعد هذه الحجة «بالدِّين» أي: ما الذي يجعلك مكذِّباً بالجزاء؟!، وهذا توبيخ للكافر، وهو معنى قول مقاتل.
وزعم أنها نزلت في عدي بن ربيعة. والثاني: فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعد ما تبين له خلقُنا الإنسان على ما وصفنا، قاله الفراء. فأما «الدِّين» فهو الجزاء. والمشار إليه بذكره إلى البعث، كأنه استدلّ بتقلّب الأحوال على البعث.
قوله عزّ وجلّ: أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ أي: بأقضى القاضين. قال مقاتل: يحكم بينك وبين مكذِّبيك. وذكر بعض المفسرين: أن معنى هذه الآية تسليته في تركهم والإعراض عنهم. ثم نسخ هذا المعنى بآية السيف.
(١) الليل: ١٨.
(٢) ن: ٣.
465
Icon