هي مكية، نزلت بعد سورة الفيل.
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح المفردات :أعوذ : أي ألجأ، والفلق : شقّ الشيء وفصل بعضه من بعض، تقول : فلقت الشيء فانفلق، كما قال تعالى :﴿ فالق الحب والنوى ﴾ [ الأنعام : ٩٥ ]، والشيء المفلوق يسمى فلقا، والمراد به كل ما يفلقه الله، كالأرض التي تنفلق عن النبات، والجبال التي تنفلق عن عيون الماء، والسحائب التي تنفلق عن ماء الأمطار، والأرحام التي تنفلق عن الأولاد.
الإيضاح :
﴿ قل أعوذ برب الفلق* من شر ما خلق ﴾ أي قل : أستعيذ برب المخلوقات، ومبدع الكائنات، من كل أذى وشر يصيبني من مخلوق من مخلوقاته طرّاً.
ثم خصص من بعض ما خلق أصنافا يكثر وقوع الأذى منهم، فطلب إليه التعوذ من شرهم، ودفع أذاهم، وهم :
( ١ ) ﴿ ومن شر غاسق إذا وقب ﴾ أي ومن شر الليل إذا دخل وغمر كل شي بظلامه، والليل إذا كان على تلك الحال كان مخوفا باعثا على الرهبة، إلى أنه ستار يختفي في ظلامه ذوو الإجرام إذا قصدوك بالأذى، إلى أنه عون لأعدائك عليك.
( ٢ ) ﴿ ومن شر النفاثات في العقد ﴾ أي ومن شر النمّامين الذين يقطعون روابط المحبة، ويبددون شمل المودة، وقد شبّه عملهم بالنفث، وشبهت رابطة الوداد بالعقدة، والعرب تسمي الارتباط الوثيق بين شيئين عقدة، كما سمّى الارتباط بين الزوجين :( عقدة النكاح ).
فالنميمة تحول ما بين الصديقين من محبة إلى عداوة بالوسائل الخفية التي تشبه أن تكون ضربا من السحر، ويصعب الاحتياط والتحفظ منها ؛ فالنمّام يأتي لك بكلام يشبه الصدق، فيصعب عليك تكذيبه، كما يفعل الساحر المشعوذ إذا أراد أن يحل عقدة المحبة بين المرء وزوجه ؛ إذ يقول كلاما ويعقد عقدة وينفث فيها، ثم يحلها إيهاما للعامة أن هذا حل للعقدة التي بين الزوجين.
قال الأستاذ الإمام ما خلاصته : قد رووا هاهنا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وسلم سحره لبيد بن الأعصم، وأثر سحره فيه، حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء وهو لا يفعله، أو يأتي شيئا وهو لا يأتيه، وأن الله أنبأه بذلك، وأخرجت مواد السحر من بئر، وعوفي صلى الله عليه وسلم مما كان نزل به من ذلك، ونزلت هذه السورة.
ولا يخفى أن تأثير السحر في نفسه عليه الصلاة والسلام ماس بالعقل آخذ بالروح، فهو مما يصدق قول المشركين فيه :﴿ إن تتبعون إلا رجلا مسحورا ﴾ [ الإسراء : ٤٧ ].
والذي يجب علينا اعتقاده أن القرآن المتواتر جاء بنفي السحر عنه عليه الصلاة والسلام، حيث نسب القول بإثبات حصوله له إلى المشركين، ووبخهم على ذلك.
والحديث على فرض صحته من أحاديث الآحاد التي لا يؤخذ بها في العقائد، وعصمة الأنبياء عقيدة لا يؤخذ فيها إلا باليقين، ونفي السحر عنه صلى الله عليه وسلم لا يستلزم نفي السحر مطلقا، فربما جاز أن يصيب السحر غيره بالجنون، ولكن من المحال أن يصيبه صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله عصمه منه.
إلا أن هذه السورة مكية في قول عطاء والحسن وجابر، وما يزعمونه من السحر إنما وقع بالمدينة، فهذا مما يضعف الاحتجاج بالحديث، ويضعف التسليم بصحته.
وعلى الجملة فعلينا أن نأخذ بنص الكتاب، ونفوض الأمر في الحديث، ولا نحكمه في عقيدتنا اه.
( ٣ ) ﴿ ومن شر حاسد إذا حسد ﴾ أي ونستعيذ بك ربنا من شر الحاسد إذا أنفذ حسده، بالسعي والجد في إزالة نعمة من يحسده، فهو يعمل الحيلة، وينصب شباكه، لإيقاع المحسود في الضرر، بأدق الوسائل، ولا يمكن إرضاؤه، ولا في الاستطاعة الوقوف على ما يدبره، فهو لا يرضى إلا بزوال النعمة، وليس في الطوق دفع كيده، ورد عواديه، فلم يبق إلا أن نستعين عليه بالخالق الأكرم، فهو القادر على رد كيده، ودفع أذاه، وإحباط سعيه.
نسألك اللهم وأنت الوزَر والنصير، أن تقينا أذى الحاسدين، وتدفع عنا كيد الكائدين، إنك أنت الملجأ والمعين.