تفسير سورة لقمان

تفسير مقاتل بن سليمان
تفسير سورة سورة لقمان من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان .
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة لقمان مكية وهي أربع وثلاثون آية كوفية

﴿ الۤـمۤ ﴾ [آية: ١] ﴿ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ ﴾ [آية: ٢] يعني عز وجل المحكم من الباطل.﴿ هُدًى ﴾ من الضلالة ﴿ وَرَحْمَةً ﴾ من العذاب ﴿ لِّلْمُحْسِنِينَ ﴾ [آية: ٣] يعني للمتقين، ثم نعتهم، فقال سبحانه: ﴿ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ ﴾ يعني يتمون الصلاة، كقوله سبحانه:﴿ فَإِذَا ٱطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ ﴾[النساء: ١٠٣].
﴿ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ ﴾ من أموالهم ﴿ وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ ﴾ يعني بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال ﴿ هُمْ يُوقِنُونَ ﴾ [آية: ٤] بأنه كائن.﴿ أُوْلَـٰئِكَ ﴾ الذين فعلوا ذلك ﴿ عَلَىٰ هُدًى ﴾ يعني بيان ﴿ مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴾ [آية: ٥] ﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ ﴾ يعني النضر بن الحارث ﴿ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ ﴾ يعني باطل الحديث، يقول: باع القرآن بالحديث الباطل حديث رستم وأسفندباز، وزعم أن القرآن مثل حديث الأولين حديث رستم وأسفندباز.
﴿ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾ يعني لكي يستنزل بحديث الباطل عن سبيل الله الإسلام ﴿ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ يعلمه ﴿ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً ﴾ يقول: ويتخذ آيات القرآن استهزاء به مثل حديث رستم وأسفندباز، وهو الذي قال: ما هذا القرآن إلا أساطير الأولين، وذلك أن النضر بن الحارث قدم إلى الحيرة تاجراً، فوجد حديث رستم وأسفندباز، فاشتراه، ثم أتى به أهل مكة، فقال: محمد يحدثكم عن عاد وثمود، وإنما هو مثل حديث رستم وأسفندباز، يقول الله تعالى: ﴿ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ﴾ [آية: ٦] يعني وجيعاً. ثم أخبر عن النضر، فقال: عز وجل: ﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا ﴾ يعني وإذا قرىء عليه القرآن ﴿ وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً ﴾ يقول: أعرض متكبراً عن الإيمان بالقرآن يقول: ﴿ كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا ﴾ يعني كأن لم يسمع آيات القرآن ﴿ كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً ﴾ يعني ثقلاً كأنه أصم فلا يسمع القرآن ﴿ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [آية: ٧] فقتل ببدر قتله على بن أبى طالب. عليه السلام.
﴿ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ ﴾ في الآخرة ﴿ لَهُمْ جَنَّاتُ ٱلنَّعِيمِ ﴾ [آية: ٨] ﴿ خَالِدِينَ فِيهَا ﴾ لا يموتون ﴿ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً ﴾ يعني صدقاً، فإنه منجز لهم ما وعدهم ﴿ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ﴾ في ملكه ﴿ ٱلْحَكِيمُ ﴾ [آية: ٩] حكم لهم الجنة.﴿ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ السبع ﴿ بِغَيْرِ عَمَدٍ ﴾ فيها تقديم ﴿ تَرَوْنَهَا ﴾ يقول: هن قائمات ليس لهن عمد ﴿ وَأَلْقَىٰ فِي ٱلأَرْضِ رَوَاسِيَ ﴾ يعني الجبال ﴿ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ يقول: لئلا تزول بكم الأرض ﴿ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ ﴾ يقول: خلق في الأرض من كل دابة ﴿ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً ﴾ يعني المطر ﴿ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا ﴾ يقول: فأجرينا بالماء في الأرض ﴿ مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ ﴾ [آية: ١٠] يعني كل صنف من ألوان النبت حسن.﴿ هَـٰذَا ﴾ الذي ذكر ﴿ خَلْقُ ٱللَّهِ ﴾ عز وجل وصنعه ﴿ فَأَرُونِي ﴾ يعني كفار مكة ﴿ مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ ﴾ تدعون، يعني تعبدون ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ يعني الملائكة نظيرها في سبأ، والأحقاف، ثم استأنف الكلام: ﴿ بَلِ ٱلظَّالِمُونَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ﴾ [آية: ١١] يعني في خسران مبين.
﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ ﴾ أعطيناه العلم والفهم من غير نبوة فهذه نعمة، فقلنا له: ﴿ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ ﴾ عز وجل في نعمه، فيما أعطاك من الحكمة.
﴿ وَمَن يَشْكُرْ ﴾ لله تعالى في نعمه، فيوحده ﴿ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ ﴾ يعني فإنما يعمل الخير.
﴿ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ ﴾ النعم، فلم يوحد ربه عز وجل.
﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ ﴾ عن عبادة خلقه ﴿ حَمِيدٌ ﴾ [آية: ١٢] عن خلقه في سلطانه.﴿ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ ﴾ واسم ابنه أنعم ﴿ وَهُوَ يَعِظُهُ ﴾ يعني عز وجل يؤدبه.
﴿ يٰبُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِٱللَّهِ ﴾ معه غيره ﴿ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [آية: ١٣] كان ابنه وامرأته كفاراً، فما زال بهما حتى أسلما، وزعموا أن لقمان كان ابن خالة أيوب، صلى الله عليه. حدثنا عبيدالله، قال: حدثني أبي، قال: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة بن دعامة، قال: كان لقمان رجلاً أفطس من أرض الحبشة، قال هذيل: ولم أسمع مقاتلاً.﴿ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ ﴾ سعد بن أبي وقاص بوالديه، يعني أباه اسمه مالك، وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ﴿ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ ﴾ حمنة ﴿ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٍ ﴾ يعني ضعفاً على ضعف ﴿ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِي ﴾ يعني الله عز وجل أن هداه للإسلام ﴿ وَ ﴾ اشكر ﴿ وَلِوَالِدَيْكَ ﴾ النعم فيما أولياك ﴿ إِلَيَّ ٱلْمَصِيرُ ﴾ [آية: ١٤] فأجزيك بعملك. قال تعالى: ﴿ وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ﴾ لا تعلم بأن معي شريكاً ﴿ فَلاَ تُطِعْهُمَا ﴾ في الشرك ﴿ وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً ﴾ يعني بإحسان، ثم قال لسعد، رضي الله عنه: ﴿ وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ﴾ يعني دين من أقل إلى، يعني النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: ﴿ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ ﴾ في الآخرة ﴿ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [آية: ١٥] وقال ابن لقمان أنعم لأبيه: يا أبت، إن عملت بالخطيئة حيث لا يرانى أحد كيف يعلمه الله، عز وجل، فرد عليه لقمان، عليه السلام:﴿ يٰبُنَيَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ ﴾ يعني وزن ذرة ﴿ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ ﴾ التي في الأرض السفلى، وهي خضراء مجوفة لها ثلاث شعب على لون السماء.
﴿ أَوْ ﴾ تكن الحبة ﴿ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ السبع ﴿ أَوْ فِي ٱلأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ ﴾ يعني بتلك الحبة ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ ﴾ باستخراجها ﴿ خَبِيرٌ ﴾ [آية: ١٦] بمكانها.﴿ يٰبُنَيَّ أَقِمِ ٱلصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ ﴾ يعني التوحيد ﴿ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ ﴾ يعني الشر الذي لا يعرف ﴿ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ ﴾ فيهما من الأذى ﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ ﴾ [آية: ١٧] يقول: إن ذلك الصبر على الأذى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من حق الأمور التي أمر الله عز وجل بها، وعزم عليها.﴿ وَ ﴾ قال لقمان لابنه: ﴿ وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ ﴾ يقول: لا تعرض وجهك عن فقراء الناس إذا كلموك فخراً بالخيلاء والعظمة.
﴿ وَلاَ تَمْشِ فِي ٱلأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [آية: ١٨] يعني عز وجل كل بطر مرح فخور في نعم الله تعالى لا يأخذها بالشكر.﴿ وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ ﴾ لا تختل في مشيتك، ولا تبطر حيث لا يحل.
﴿ وَٱغْضُضْ ﴾ يعني واخفض ﴿ مِن صَوْتِكَ ﴾ يعني من كلامك بأمر لقمان ابنه بالاقتصاد في المشي، والمنطق، ثم ضرب للصوت الرفيع، مثلاً، فقال عز وجل ﴿ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ ﴾ [آية: ١٩] يعني أقبح الأصوات لصوت الحمير، لشدة صوتهن تقول العرب: هذا أصوات الحمير، وهذا صوت الحمير، وتقول: هذا صوت الدجاج، وهذا أصوات الدجاج، وتقول: هذا صوت النساء، وأصوات النساء.
﴿ أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ ﴾ يعني الشمس والقمر والنجوم والسحاب والرياح.
﴿ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ ﴾ يعني الجبال والأنهار فيها السفن والأشجار والنبت عاماً بعام، ثم قال: ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ﴾ يقول: وأوسع عليكم نعمه ﴿ ظَاهِرَةً ﴾ يعني تسوية الخلق والرزق والإسلام.
﴿ وَبَاطِنَةً ﴾ يعني ما ستر من الذنوب من بنى أدم، فلم يعلم بها أحد ولم يعاقب فيها، فهذا كله من النعم، فالحمد لله على ذلك حمداً كثيراً، ونسأله تمام النعمة في الدنيا والآخرة، فإنه ولى كل حسنة.
﴿ وَمِنَ ٱلنَّاسِ ﴾ يعني النضر بن الحارث ﴿ مَن يُجَادِلُ ﴾ يعني يخاصم ﴿ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ يعلمه حين يزعم أن لله عز وجل البنات، يعني الملائكة.
﴿ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴾ [آية: ٢٠] يعني لا بيان معه من الله عز وجل، يقول: ولا كتاب مضيء له فيه حجة بأن الملائكة بنات الله عز وجل.﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ﴾ يعني للنضر ﴿ ٱتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ ﴾ من الإيمان بالقرآن ﴿ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَا ﴾ من الدين، بقول الله عز وجل ﴿ أَوَلَوْ كَانَ ﴾ يعني وإن كان ﴿ ٱلشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ ﴾ [آية: ٢١] يعني الوقود يتبعونه، يعني النضر بن الحارث مثله فى سورة الحج، ثم أخبر عن الموحدين.
﴿ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى ٱللَّهِ ﴾ يقول: من يخلص دينه لله، كقوله تعالى:﴿ وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ ﴾[البقرة: ١٤٨] يعني لكل أهل دين، ثم قال ﴿ وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ في عمله ﴿ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ ﴾ يقول: فقد أخذ ﴿ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ ﴾ التى لا انفصام لها، لا انقطاع لها ﴿ وَإِلَىٰ ٱللَّهِ عَاقِبَةُ ٱلأَمُورِ ﴾ [آية: ٢٢]ٍ يعني مصير أمور العباد إلى الله عز وجل في الآخرة، فيجزيهم بأعمالهم.﴿ وَمَن كَفَرَ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ ﴾ وذلك أن كفار مكة، قالوا: في حم عسق:﴿ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً ﴾[الشورى: ٤٢]، يعنون النبي صلى الله عليه وسلم حين يزعم أن القرآن جاء من الله عز وجل، فشق على النبى صلى الله عليه وسلم قولهم وأحزنه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَمَن كَفَرَ ﴾ بالقرآن ﴿ فَلاَ يَحْزُنكَ كُفْرُهُ ﴾ ﴿ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوۤاْ ﴾ من المعاصي ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴾ [آية: ٢٣] يقول: إن الله عز وجل عالم بما في قلب محمد صلى الله عليه وسلم من الحزن بما قالوا له، ثم أخبر عز وجل عنهم، فقال: ﴿ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً ﴾ في الدنيا إلى آجالهم ﴿ ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ ﴾ نصيرهم ﴿ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍ ﴾ [آية: ٢٤] يعني شديد لا يفتر عنهم.﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ ﴾ يعني ولكن ﴿ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾ [آية: ٢٥] بتوحيد الله عز وجل، ثم عظم نفسه عز وجل، فقال: ﴿ لِلَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ ﴾ من الخلق، عبيده، وفي ملكه.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِيُّ ﴾ عن عباده خلقه ﴿ ٱلْحَمِيدُ ﴾ [آية: ٢٦] عند خلقه في سلطانه.
﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ ﴾ يعنى علم الله يقول: لو أن كل شجرة ذات ساق على وجه الأرض بريت أقلاماً، وكانت البحور السبعة مداداً، فكتب بتلك الأقلام، وجميع خلق الله عز وجل يكتبون من البحور السبعة، فكتبوا علم الله تعالى وعجائبه، لنفدت تلك الأقلام وتلك البحور، ولم ينفد علم الله وكلماته ولا عجائبه.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ﴾ في ملكه ﴿ حَكِيمٌ ﴾ [آية: ٢٧] فى أمره، يخبر الناس أن أحداً لا يدرك علمه.﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ نزلت في أبي بن خلف، وأبى الأشدين واسمه أسيد بن كلدة، ومنبه ونبيه ابنى الحجاج بن السباق بن حذيفة السهمي، كلهم من قريش، وذلك أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن الله خلقنا أطواراً، نطفة، علقة، مضغة، عظاماً، لحماً، ثم تزعم أنا نبعث خلقاً جديداً جميعاً في ساعة واحدة، فقال الله عز وجل: ﴿ مَّا خَلْقُكُمْ ﴾ أيها الناس جميعاً على الله سبحانه في القدرة، إلا كخلق نفس واحدة.
﴿ وَلاَ بَعْثُكُمْ ﴾ جميعاً على الله تعالى، إلا كبعث نفس واحدة ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ﴾ [آية: ٢٨] لما قالوا من الخلق والبعث.
﴿ أَلَمْ تَرَ ﴾ يا محمد ﴿ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ ﴾ يعني انتقاض كل واحد منهما من صاحبه حتى يصير أحدهما خمس عشرة ساعة والآخر سبع ساعات ﴿ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ ﴾ لبني آدم ﴿ كُلٌّ يَجْرِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ ﴾ وهو الأجل الـ ﴿ مُّسَمًّى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ فيهما ﴿ خَبِيرٌ ﴾ [آية: ٢٩].
﴿ ذَلِكَ ﴾ يقول: هذا الذي ذكر من صنع الله، والنهار والشمس والقمر ﴿ بِأَنَّ ٱللَّهَ ﴾ جل جلاله ﴿ هُوَ ٱلْحَقُّ ﴾ وغير باطل يدل على توحيده بصنعه، ثم قال تعالى: ﴿ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ ﴾ يعني يعبدون ﴿ مِن دُونِهِ ﴾ من الآلهة هو ﴿ ٱلْبَاطِلُ ﴾ لا تنفعكم عبادتهم وليس بشيء، ثم عظم نفسه عز وجل، فقال سبحانه: ﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِيُّ ﴾ يعني الرفيع فوق خلقه ﴿ ٱلْكَبِيرُ ﴾ [آية: ٣٠] فلا أعظم منه، ثم ذكر توحيده وصنعه.
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ ﴾ السفن ﴿ تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ ﴾ بالرياح ﴿ بِنِعْمَةِ ٱللَّهِ ﴾ يعني برحمة الله عز وجل ﴿ لِيُرِيَكُمْ مِّنْ آيَاتِهِ ﴾ يعني من علاماته، وأنتم فيهن، يعني ما ترون من صنعه وعجائبه في البحر والابتغاء فيه الرزق والحلي ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ ﴾ الذي ترون في البحر ﴿ لآيَاتٍ ﴾ يعني لعبرة ﴿ لِّكُلِّ صَبَّارٍ ﴾ على أمر الله عز وجل عند البلاء في البحر ﴿ شَكُورٍ ﴾ [آية: ٣١] لله تعالى في نعمه حين أنجاه من أهوال البحر، ثم قال عز وجل:﴿ وَإِذَا غَشِيَهُمْ ﴾ في البحر ﴿ مَّوْجٌ كَٱلظُّلَلِ ﴾ يعني كالجبال ﴿ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ﴾ يعني موحدين له ﴿ ٱلدِّينَ ﴾ يقول: التوحيد ﴿ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ ﴾ من البحر ﴿ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ ﴾ يعني عدل في وفاء العهد في البر، فيما عاهد الله عز وجل عليه في البحر من التوحيد، يعني المؤمن، ثم ذكر المشرك الذي وحد الله في البحر حين دعاه مخلصاً، ثم ترك التوحيد في البر ونقض العهد، فذلك قوله عز وجل: ﴿ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَآ ﴾ يعني ترك العهد ﴿ إِلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ ﴾ يعني غدار بالعهد ﴿ كَفُورٍ ﴾ [آية: ٣٢] لله عز وجل في نعمه في تركه التوحيد في البر.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ ﴾ يقول الله تعالى: وحدوا ربكم ﴿ وَٱخْشَوْاْ يَوْماً ﴾ يخوفهم يوم القيامة ﴿ لاَّ يَجْزِي ﴾ يعني لا يغنى ﴿ وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ ﴾ شيئاً من المنفعة، يعني الكفار ﴿ وَلاَ مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ ﴾ يعني هو مغن ﴿ عَن وَالِدِهِ شَيْئاً ﴾ من المنفعة ﴿ نَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ ﴾ في البعث أنه كائن ﴿ إِ فَلاَ تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا ﴾ عن الإسلام ﴿ وَلاَ يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ ﴾ [آية: ٣٣] يعني الباطل، وهو الشيطان يعني به إبليس.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ ﴾" نزلت في رجل اسمه الوارث بن عمرو بن حارثة بن محارب من أهل البادية آتى النبي صلىالله عليه وسلم، فقال: إن أرضنا أجدبت فمتى الغيث؟ وتركت امرأتى حبلى فماذا تلد؟ وقد علمت أين ولدت، فبأي أرض أموت؟ وقد علمت ما عملت اليوم، فما أعمل غداً؟ ومتى الساعة؟ فأنزل الله تبارك وتعالى في مسألة المحاربي: ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ ﴾ يعني يوم القيامة لا يعلمها غيره.
﴿ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ ﴾ يعني المطر.
﴿ وَيَعْلَمُ مَا فِي ٱلأَرْحَامِ ﴾ ذكراً، أو أنثى، أو غير سوى.
﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ ﴾ بر، وفاجر.
﴿ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً ﴾ من خير وشر.
﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ في سهل، أو جبل، في بر، أو بحر.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [آية: ٣٤] بهذا كله مما ذكر في هذه الآية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أين السائل عن الساعة "؟ فقال المحاربي: ها أنذا، فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية ".
Icon