تفسير سورة الشمس

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
تفسير سورة سورة الشمس من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل .
لمؤلفه أبو بكر الحداد اليمني . المتوفي سنة 800 هـ

﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ ؛ أقسمَ اللهُ سبحانه بالشمسِ ونحوِها مما ذكرَهُ من أوَّلِ السُّورة لما فيها من دلائلِ وحدانيَّة اللهِ تعالى فقالَ ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ أرادَ بالضُّحَى ارتفاعَها، قال مجاهدُ :((مَعْنَاهُ : وَالشَّمْسِ وَضَوْئِهَا)) ﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا ﴾ ؛ أي إذا تَبعَ الشَّمسَ وطلعَ بعد غُروبها، وذلك في أوَّلِ ليلةِ الهلال إذا سقَطت الشمسُ ريءَ الهلالُ، وكذلك في نصفِ الشَّهر إذا غرَبت الشمسُ يتبعُها القمرُ في الطلوعِ من المشرقِ، وأخذ موضعَها وصار خلفَها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا ﴾ ؛ أي إذا بيَّن الشمسَ، وذلك أن الشمسَ إنما تضيءُ وتتبيَّن إذا انبسطَ النهارُ، وأما في حالِ طلُوعِها فهي تطلعُ لا نورَ لها، ثم يضحِّيها اللهُ تعالى. ويجوز أن يكون معناهُ : إذا جلاَّ ظُلمةَ الليلِ أو جلاَّ الدُّنيا، فيكون هذا كنايةً عن غيرِ مذكور، وقولُه :﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ ؛ أي إذا يغشَى الشمسَ فيذهبُ بنورها، وتُظلِمُ الدنيا عند غروبها.
وقَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ ؛ أي والسَّماء وما بناهَا ؛ وهو تأليفُها الذي نشاهدهُ في سعَتِها، وارتفاعِ سَمكِها، وقرارها بغير عمَدٍ. و(مَا) مع الفعلِ بتأويل المصدر، ويجوز أن يكون معناهُ : والسماءِ والذي بنَاها كما يقال : سبحانَ من سبَّحتُ له وسبحانَ من سبَّحَ الرعدُ بحمدهِ.
والمعنى ﴿ وَالسَّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ أي ومَن خلقَها، وهو اللهُ تعالى كما قال تعالى﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ ﴾[النساء : ٣]﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ ﴾[النساء : ٢٢] وعلى هذا قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴾ ؛ معناه على القولِ الأول : والأرضِ وطَحوِها وهو بسطُها على وجهِ الماء، وعلى القولِ الثاني والأرضِ ومَن طحَاها.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ ؛ معناه على القولِ الأوَّل : والأنفُسِ كلِّها وتسويتُها باليدينِ والرجلين والعينينِ والأُذنين وغيرِ ذلك من الحواسِّ، وما ألْهَمَها اللهُ من طريقِ فجُورها لتترُكَهُ، وطريقِ تقواها لتلزمَهُ، فعَرفَتْ ذلك بأدلَّة اللهِ، وعلى القولِ الثاني : ونفسٍ ومَن سوَّاها، فبيَّن لها ما تأتِي، وما تبقي، وخذلَها للفجور.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴾ ؛ جوابُ القسَمِ، يقولُ : قد فازَ ونَجَا من طهَّرَ نفسَهُ بالإيمانِ والطاعةِ فصار زاكياً طَاهراً بنعيمِ الجنة، ﴿ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ ؛ أي وقد خَسِرَ من دسَّ نفسَهُ ؛ أي أهملَها في الكفرِ والمعاصي.
ويقال : معناهُ : قد أفلحَ من زكَّى اللهُ نفسَهُ ؛ أي أصلحَها اللهُ وطهَّرَها من الذنوب ووفَّقَها للتقوَى، وقد خابَ وخسِرَ مَن دسَّاها، دسَّا اللهُ نفسَهُ أي شَهَرَها وأخذلَها وأحملها وأخفَى محملها حتى عمِلت بالفجور ورَكبتِ المعاصي. وَقِيْلَ : معنى (دَسَّاهَا) أغوَاها وأضلَّها وأثَّمَها وأفجرَها. وقال ابنُ عبَّاس :((أهْلَكَهَا)).
والأصلُ في جواب القسَمِ أن يقالَ :(لَقَد أفلحَ) باللامِ، وإنما حُذفت ؛ لأن الكلامَ إذا طالَ صار طولهُ عِوَضاً من اللامِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَآ ﴾ أي كذبت قومُ صالح الرسُل بطغيانِهم، والطَّغْوَى مصدرٌ كالفتوَى والدَّعوَى، والمعنى : كذبت ثمودُ بطغيانِها وعُدوانِها.
قَوْلُهُ تََعَالَى :﴿ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ ؛ أي حين قامَ أشقَاها لعقرِ الناقةِ، وصار هو السببَ لهلاكِ الكلِّ. قِيْلَ : إنه كان أشقَاهُم رجلٌ يقال له مُصدِّع، وهو الذي ابتدأ عقرَها، وقال الكلبيُّ :((كَانَا اثْنَيْنِ مُصدِّع وقُدَار)). والمعنى إذِ انبعثَ أشقَاها، وإنما ذكرَها بلفظ التأنيثِ ؛ لأنَّ الهاء راجعةٌ إلى القبيلةِ، وَقِيْلَ : المرادُ بقولهِ ﴿ أَشْقَاهَا ﴾ قِدَارُ بنُ سالف، وكان رجُلاً أشقرَ أرزقَ قصيراً ملتزقَ الخلقِ، واسم أُمه قديدةُ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا ﴾ ؛ أي قالَ لهم صالحُ عليه السلام : احذرُوا ناقةَ اللهِ التي هي الآيةُ الدالَّة على توحيدهِ أن تُصِيبُوها بمكروهٍ فتُؤخَذُوا بذلك، واحذرُوا سُقيَاها ؛ أي شُربَها ونوبَتها ؛ أي لا تُزاحموها في يومِها. هذا نَصْبٌ كما يقال : الأسَدَ الأسَدَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا ﴾ ؛ أي فكذبوا صَالحاً فيما قالَ لهم : إنَّكم إنْ أصَبتُموها بسوءٍ أخذكم عذابُ يومٍ عظيم، فعَقَروها وقتَلوها. قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا ﴾ ؛ أي فأطبقَ عليهم بالصَّيحة، وأرجفَ بهم الأرضَ، ودمَّر عليهم، يقالُ : دَمْدَمْتَ على الميْت إذا اطبقتَ عليه القبرَ.
قال ابنُ الأنباريِّ :((أصْلُ الدَّمْدَمَةِ : الْغَضَبُ)) والمعنى : غَضِبَ عليهم ربُّهم فسوَّى عليهم العقوبةَ، فلم ينفَلِتْ منهم صغيرٌ ولا كبير. ويجوزُ أن يكون معناهُ : فسوَّاها ؛ أي سوَّى الأرضَ عليهم حتى لم يُرَ لهم أثرٌ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾ ؛ أي ولا يخافُ الله عاقبةَ إهلاكِهم. وَقِيْلَ : إنَّ قولَهُ تعالى ﴿ وَلاَ يَخَافُ ﴾ راجعٌ إلى رسولِهم صالِحُ عليه السلام، كان لا يخافُ عند التدميرِ من عاقبةِ أمرهم. وَقِيْلَ : هو راجعٌ إلى قولهِ تعالى ﴿ إِذِ انبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ كأنه قالَ : قامَ لعقرِها وهو كالآمِن من نُزولِ الهلاك به وبقومهِ جَهلاً منه.
Icon