تفسير سورة الشمس

إعراب القرآن للنحاس
تفسير سورة سورة الشمس من كتاب إعراب القرآن المعروف بـإعراب القرآن للنحاس .
لمؤلفه ابن النَّحَّاس . المتوفي سنة 338 هـ

٩١ شرح إعراب سورة الشمس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الشمس (٩١) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١)
المعروف في اللغة أن الضحى أول طلوع الشمس إذا أشرقت وإن كان مجاهد قد قال: الضحى النهار، وهو قول الفرّاء «١».
[سورة الشمس (٩١) : آية ٢]
وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢)
المعروف في اللغة أن تلاها تبعها، وإن كان الفرّاء «٢» قد حكى تلاها أخذ منها، يذهب إلى أن القمر أخذ من ضوء الشمس.
[سورة الشمس (٩١) : آية ٣]
وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣)
وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها (٣) الظاهر من معناه والبيّن إذا جلّى الشّمس أي إذا أظهرها وأبداها لأن الشمس لا تكون إلّا فيه وإن كان الفرّاء قد قال: والنهار إذا جلّى الظلمة.
هو قول بعيد لأن الظلمة لم يتقدّم لها ذكر.
[سورة الشمس (٩١) : آية ٤]
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤)
يعود الضمير على الشمس أيضا.
[سورة الشمس (٩١) : الآيات ٥ الى ٦]
وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦)
وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) ما في موضع خفض أي وبنائها، وكذا وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦). روى إسماعيل عن أبي خالد عن أبي صالح طحاها بسطها، وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس طحاها قسمها.
(١) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٦٦.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٦٦.

[سورة الشمس (٩١) : آية ٧]

وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧)
أي تسويتها. قال أبو جعفر: ومن قال: المعنى الذي سواها أراد الله جلّ وعزّ، ولو كان كما قال لكان ومن.
[سورة الشمس (٩١) : آية ٨]
فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨)
مفعولان.
[سورة الشمس (٩١) : آية ٩]
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩)
روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال: قد أفلح من زكّى الله نفسه.
[سورة الشمس (٩١) : آية ١٠]
وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠)
فأضلّها، وقال قتادة: قد أفلح من زكى نفسه بالعمل الصالح. قال أبو جعفر: في هذا شيء من النحو غامض لم يذكره الفرّاء وإن كان قد ذكر القولين في المعنى، وذلك أنه إذا كان الضمير يعود على الله جلّ وعزّ لم يعد على من من صلته شيء إلّا على حيلة بعيدة، وذلك أنك إذا قدّرت قد أفلح الإنسان الذي زكّى النفس لم يعد على الذي شي من صلته، وإن قدّرته قد أفلح الإنسان الذي زكّى الله نفسه لم يجز أن يكنّى عن النفس، لأنه لا يعود على النفس شيء، ولو قدّرت «من» للنفس كان بعيدا لأن من لا تكاد تقع في مثل هذا، والحيلة التي يجوز عليه أن يحمل على المعنى أن تؤنّث «من» بمعنى النفس أو يكون المعنى قد أفلحت الفرقة التي زكاها الله فيكون «من» للجميع ومعنى زكاها الله طهّرها بالتوفيق لطاعته، وزكّى فلان ماله، في اشتقاقه قولان: أحدهما أنه من زكا الزرع إذا زاد ونما أي كثر ماله بإخراجه الزكاة والقول الآخر بيّن حسن يكون زكى ماله طهّره وخلّصه بإخراج سهمان المساكين منه. ومنه: أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً [الكهف: ٧٤] أي طاهرة مخلصة من الذنوب، ومنه عبد زكي أي طاهر «وقد خاب» أي لم يظفر بما يريد من دسى نفسه الله أي خذلها فارتكبت المعاصي. وعلى القول الآخر من دسّى نفسه أي سترها لركوب المعصية. فاشتقاقه من دسّ ودسس فأبدل، من أحد السينين ياء كما قال: [الطويل] ٥٦٨- رأت رجلا أيما إذا الشّمس عارضت «١» يريد أما.
[سورة الشمس (٩١) : آية ١١]
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١)
(١) مرّ الشاهد رقم (١١).
الطّغوى الطغيان واحد إلا أن عطاء الخراساني روى عن ابن عباس قال: بطغواها بعذابها، والطّغوى اسم العذاب. قال أبو جعفر: وهذا يصحّ على حذف أي بعذاب طغواها مثل وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢].
[سورة الشمس (٩١) : آية ١٢]
إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢)
حكى الفرّاء أنهما اثنان، وأنشد: [الطويل] ٥٦٩-
ألا بكّر النّاعي بخيري بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسّيّد الصّمد «١»
يريد أنه جعل خبر الاثنين، وشبهه بقولهم: هذان أفضل الناس، وهذان خير الناس. قال أبو جعفر: هذا الذي حكاه خلاف ما قال الله جلّ وعزّ، وقاله رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وقاله أهل التأويل قال الله: أشقاها. فخبّر عن واحد فحكي أنهما اثنان وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: انتدب لها رجل، ولم يقل رجلان، وقال أهل التأويل انتدب لها قدار بن سالف. قال أبو جعفر: وله نظير أو أعظم منه في سورة الرّحمن.
[سورة الشمس (٩١) : آية ١٣]
فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها (١٣)
أي احذروا ناقة الله. قال الفرّاء «٢» : ولو قرأ قارئ «ناقة الله» بالرفع أي هذه ناقة الله لجاز. قال أبو جعفر: ولا يجوز الابتداع في القراءات.
[سورة الشمس (٩١) : آية ١٤]
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤)
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها قال الفرّاء: أراد فعقروها فكذبوه. وهذا خطأ في الفاء لأنها تدلّ على أن ثانيا بعد الأول، وهذا عكس اللغة، ومع هذا فليست ثم حال يضطر إليه لأنهم كذّبوا صالحا بأن قال لهم: إن عقرتموها انتقم الله منكم فكذبوه في ما قال فعقروها، وقد قيل: «فكذبوه» كلام تام ثم عطف عليه فعقروها. قال أبو جعفر: وفي هذا من المشكل أن يقال: قد كانوا آمنوا وصدقوا، وجعلوا للناقة يوما ولهم يوما في الشرب فزعم الفرّاء «٣» إن الجواب عن هذا أنهم أقروا به ولم يؤمنوا. وهذا القول الذي قاله مما لا يجب أن يجترأ عليه إلا برواية لأنه مغيّب، والرواية بخلافه. روى سعيد عن قتادة قال: توقّف أحيمر ثمود عن عقر الناقة حتى اجتمعوا كلّهم معه على تكذيب صالح صغيرهم وكبيرهم وذكرهم وأنثاهم فلهذا عمّم الله بالعذاب فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ قال الفرّاء «٤» : أي أرجف، وقال غيره: أي عذّبهم، فَسَوَّاها قال أبو جعفر:
(١) الشاهد لسبرة بن عمرو الأسدي في التنبيه والإيضاح ٢/ ١١٩، وجمهرة اللغة ٦٥٧، وسمط اللآلي ٩٣٣، وبلا نسبة في لسان العرب (صمد) و (خير)، والمخصّص ١٢/ ٣٠١، وديوان الأدب ١/ ٢٠٩ وتهذيب اللغة ١٢/ ١٥٠، وإصلاح المنطق ٤٩، وأمالي القالي ٢/ ٢٨٨.
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٦٨.
(٣) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٦٩.
(٤) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٦٩.
سألت علي بن سليمان عن هذا الضمير فقال: يعود على الدمدمة التي دلّ عليها دمدم، وقال غيره: أي سوّى بينهم في العقوبة فأهلكهم جميعا.
[سورة الشمس (٩١) : آية ١٥]
وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥)
هكذا قرأ أهل البصرة وأهل الكوفة وقرأ أهل الحجاز «١» وَلا يَخافُ عُقْباها، وزعم الفرّاء «٢» أن الواو أجود. وهذا عظيم من القول أن يقال في ما قرأت به الجماعة ووقع للسواد المنقول عن الصحابة الذين أخذوه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: أجود أو خير.
والقراءتان جميعا نقلهما الجماعة عن الجماعة، فهما بمنزلة آيتين لأن معناهما مختلف.
قال أبو جعفر: سمعت إبراهيم بن محمد نفطويه يقول: من قرأ بالفاء فالمعنى لله لا غير، وهذا كما قال، وعليه أهل التأويل وهو صحيح عن ابن عباس قال إبراهيم بن محمد: ومن قرأ بالواو ذهب إلى أن المعنى للعاقر أي انبعث أشقاها ولا يخاف عقباها أي وهذه حاله. والذي قال حسن غير أنه لا يجوز أن يكون بالواو لله جلّ وعزّ الذي قاله بيّن والله أعلم بما أراد.
(١) انظر تيسير الداني ١٨١ (قرأ نافع وابن عامر بالفاء والباقون بالواو).
(٢) انظر معاني الفراء ٣/ ٢٧٠.
Icon