تفسير سورة لقمان

تفسير ابن جزي
تفسير سورة سورة لقمان من كتاب التسهيل لعلوم التنزيل المعروف بـتفسير ابن جزي .
لمؤلفه ابن جُزَيِّ . المتوفي سنة 741 هـ
سورة لقمان
مكية إلا الآيات ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ فمدنية
وآياتها ٣٤ نزلت بعد الصافات

سورة لقمان
مكية إلا الآيات ٢٧ و ٢٨ و ٢٩ فمدنية وآياتها ٣٤ نزلت بعد الصافات بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سورة لقمان) الْكِتابِ الْحَكِيمِ ذكر في يونس وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ هو الغناء، وفي الحديث أن رسول الله ﷺ قال «١» : شراء المغنيات وبيعهنّ حرام، وقرأ هذه الآية، وقيل: نزلت في قرشي اشترى جارية مغنية تغني بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالشراء على هذا حقيقة، وقيل: نزلت في النضر بن الحارث، وكان قد تعلم أخبار فارس، فذلك هو لهو الحديث، وشراء لهو الحديث استحبابه وسماعه، فالشراء على هذا مجاز، وقيل لهو الحديث: الطبل، وقيل: الشرك، ومعنى اللفظ يعم ذلك كله، وظاهر الآية أنه لهو مضاف إلى الكفر بالدين واستخفاف، لقوله تعالى: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الآية، وأن المراد شخص معين، لوصفه بعد ذلك بجملة أوصاف بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ذكر في [الرعد: ٢] أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ أي لئلا تميد بكم.
لُقْمانَ رجل ينطق بالحكمة واختلف هل هو نبيّ أم لا؟ وفي الحديث لم يكن لقمان نبيا، ولكن كان عبدا حسن اليقين أحب الله فأحبه، فمنّ عليه بالحكمة، روي أنه كان
(١). روى الترمذي الحديث بمعناه عن أبي أمامة كتاب البيوع ج ٣ باب ٥١ ونصه: لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلّموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام.
ابن أخت أيوب أو ابن خالته، وروي أنه كان قاضي بني إسرائيل، واختلف في صناعته، فقيل: كان نجارا وقيل: خياطا، وقيل: راعي غنم، وكان ابنه كافرا فما زال يوصيه حتى أسلم، وروي أن اسم ابنه ثاران وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ هذه الآية والتي بعدها اعتراض في أثناء وصية لقمان لابنه على وجه التأكيد لما في وصية لقمان من النهي عن الشرك بالله، ونزلت الآية في سعد بن أبي وقاص وأمه حسبما ذكرنا في العنكبوت حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ أي ضعفا على ضعف، لأن الحمل كلما عظم ازدادت الحامل به ضعفا، وانتصاب وهنا بفعل مضمر تقديره: تهن وهنا وَفِصالُهُ أي فطامه، وأشار بذلك إلى غاية مدة الرضاع أَنِ اشْكُرْ تفسير للوصية واعترض بينها وبين تفسيرها بقوله: وفصاله في عامين ليبين ما تكابده الأم بالولد مما يوجب عظيم حقها، ولذلك كان حقها أعظم من حق الأب.
يا بُنَيَّ الآية: رجع إلى كلام لقمان، والتقدير: وقال لقمان يا بنيّ «١» مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أي وزنها، والمراد بذلك أن الله يأتي بالقليل والكثير، من أعمال العباد فعبّر بحبة الخردل ليدل على ما هو أكثر فِي صَخْرَةٍ قيل: معنى الكلام أن مثقال خردلة من الأعمال أو من الأشياء ولو كانت في أخفى موضع كجوف صخرة، فإن الله يأتي بها يوم القيامة، وكذلك لو كانت في السموات أو في الأرض وَاصْبِرْ عَلى ما أَصابَكَ أمر بالصبر على المصائب عموم، وقيل: المعنى ما يصيب من يأمر بمعروف أو ينهى عن منكر مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ يحتمل أن يريد مما أمر الله به على وجه العزم والإيجاب، أو من مكارم الأخلاق التي يعزم عليها أهل الحزم والجد، ولفظ العزم مصدر يراد به المفعول أي: من معزومات الأمور وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ «٢» الصعر في اللغة: الميل أي لا تول الناس خدك وتعرض عنهم تكبرا عليهم مَرَحاً ذكر في [الإسراء: ٣٧] مُخْتالًا من الخيلاء
وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ أي اعتدل فيه ولا تتسرع
(١). يا بني قرأ حفص بفتح الياء وقرأ نافع وغيره: يا بني بكسر الياء. ومثقال: قرأها نافع بالضم والباقون بالفتح.
(٢). تصعّر قرأها نافع وآخرون: تصاعر.
138
إسراعا يدل على الطيش والخفة، ولا تبطئ إبطاء يدل على الفخر والكبر نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً الظاهرة: الصحة والمال وغير ذلك، والباطنة: النعم التي لا يطلع عليها الناس، ومنها ستر القبيح من الأعمال، وقيل: الظاهرة نعم الدنيا، والباطنة: نعم العقبى، واللفظ أعم من ذلك كله.
وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ نزلت في النضر بن الحارث وأمثاله أَوَلَوْ كانَ الشَّيْطانُ يَدْعُوهُمْ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ معناه أيتبعونهم ولو كان الشيطان يدعوهم إلى النار وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ يسلم أي يخلص أو يستسلم أو ينقاد، والوجه هنا عبارة عن القصد بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى ذكر في البقرة قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وما بعده ذكر في العنكبوت.
وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ الآية إخبار بكثرة كلمات الله، والمراد اتساع علمه ومعنى الآية: أن شجر الأرض لو كانت أقلاما، والبحر لو كان مدادا يصب فيه سبعة أبحر صبّا دائما وكتبت بذلك كلمات الله لنفدت الأشجار والبحار ولم تنفد كلمات الله، لأن الأشجار والبحار متناهية، وكلمات الله غير متناهية، فإن قيل: لم لم يقل والبحر مدادا كما قال في الكهف قل لو كان البحر مدادا؟ فالجواب: أنه أغنى عن ذلك قوله: يمدّه لأنه من قولك مدّ الدواة وأمدّها، فإن قيل لم قال: من شجرة ولم يقل من شجر باسم الجنس الذي يقتضي العموم؟ فالجواب أنه أراد تفصيل الشجر إلى شجرة شجرة حتى لا يبقى منها واحدة، فإن قيل: لم قال كلمات الله ولم يقل كلم الله بجمع الكثرة؟ فالجواب أن هذا أبلغ لأنه إذا لم تنفد الكلمات مع أنه جمع قلة، فكيف ينفد الجمع الكثير. وروي أن سبب الآية أن اليهود قالوا: قد أوتينا التوراة وفيها العلم كله فنزلت الآية لتدل أن ما عندهم قليل من كثير، والآية على هذا مدنية، وقيل: إن سببها أن قريشا قالوا إن القرآن سينفد.
ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ بيان لقدرة الله على بعث الناس وردّ على
139
من استبعد ذلك
يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ أي يدخل كلا منهما في الآخر بما يزيد في أحدهما وينقص من الآخر، أو بإدخال ظلمة الليل على ضوء النهار وإدخال ضوء النهار على ظلمة الليل إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى يعني يوم القيامة ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يحتمل أن تكون الباء سببية، أو يكون المعنى ذلك بأن الله شاهد هو الحق بِنِعْمَتِ اللَّهِ يحتمل أن يريد بذلك ما تحمله السفن من الطعام والتجارات، والباء للإلصاق أو للمصاحبة، أو يريد الريح فتكون الباء سببية صَبَّارٍ شَكُورٍ مبالغة في صابر وشاكر كَالظُّلَلِ جمع ظلة وهو ما يعلوك من فوق، شبّه الموج بذلك إذا ارتفع وعظم حتى علا فوق الإنسان فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ المقتصد المتوسط في الأمر، فيحتمل أن يريد كافرا متوسطا في كفره لم يسرف فيه أو مؤمنا متوسطا في إيمانه، لأن الإخلاص الذي عليه في البحر كان يزول عنه، وقيل: معنى مقتصد مؤمن ثبت في البر على ما عاهد الله عليه في البحر خَتَّارٍ أي غدّار شديد الغدر، وذلك أنه جحد نعمة الله غدرا لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ أي لا يقضي عنه شيئا، والمعنى: أنه لا ينفعه ولا يدفع عنه مضرة وَلا مَوْلُودٌ أي ولد فكما لا يقدر الوالد لولده على شيء، كذلك لا يقدر الولد لوالده على شيء الْغَرُورُ الشيطان وقيل: الأمل والتسويف عِلْمُ السَّاعَةِ أي متى تكون، فإن ذلك مما انفرد الله بعلمه، ولذلك جاء في الحديث: مفاتح الغيب خمس «١» وتلا هذه الآية ماذا تَكْسِبُ غَداً يعني من خير أو شر أو مال أو ولد أو غير ذلك.
(١). أورده المناوي في التيسير ولفظه: مفاتيح الغيب خمس وعزاه للبخاري وأحمد عن عبد الله بن عمر.
Icon