تفسير سورة الحديد

تفسير العز بن عبد السلام
تفسير سورة سورة الحديد من كتاب تفسير العز بن عبد السلام المعروف بـتفسير العز بن عبد السلام .
لمؤلفه عز الدين بن عبد السلام . المتوفي سنة 660 هـ
سُورة الحَديد مدنية عند الجمهور، أو مكية.

١ - ﴿سَبِّحِ﴾ التسبيح هنا دلالة المخلوقات على وجوب تسبيحه عن الأمثال، أو التنزيه قولاً مما نسبه الملحدون إليه عند الجمهور، أو الصلاة سميت تسبيحاً لاشتمالها عليه ﴿الْعَزِيزُ﴾ في انتصاره ﴿الْحَكِيمُ﴾ في تدبيره.
٣ - ﴿الظاهر﴾ العال على كل شيء ﴿وَالْبَاطِنُ﴾ المحيط بكل شيء أو القاهر لما ظهر وبطن، أو العالم بما ظهر وبطن.
{هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيامٍ ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير (٤) له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور (٥) يولج الليل في النهار
283
ويولج النهارِ في الليل وهو عليم بذات الصدور (٦) }
284
٤ - ﴿يَلِجُ فِى الأَرْضِ﴾ من مطر، أو مطر وغيره ﴿وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا﴾ من نبات، أو نبات وغيره ﴿وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا﴾ من ملائكة، أو ملائكة وغيرها ﴿مَعَكُمْ﴾ بعلمه فلا تخفى عليه أعمالكم، أو بقدرته فلا يعجزه شيء من أموركم [١٩٤ /] /.
﴿ءامنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين ءامنوا منكم وأنفقوا لهم أجرٌ كبيرٌ (٧) وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين (٨) هو الذي ينزل على عبده ءايتٍ بيناتٍ ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤوف رحيم (٩) وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات والأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير (١٠) من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجرٌ كريم (١١) ﴾
٧ - ﴿مُستَخْلَفين﴾ بوراثته عمن قبلكم، أو معمَّرين فيه.
١٠ - ﴿لا يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ﴾ أي أسلم، أو أنفق ماله في الجهاد ﴿الْفَتْحِ﴾ فتح مكة، أو الحديبية قال قتادة كان القتال والنفقة قبل فتح مكة أفضل منهما بعد فتحها ﴿الْحُسْنَى﴾ الجنة أو الحسنة.
١١ - ﴿قَرْضاً﴾ النفقة في سبيل الله، أو على الأهل أو تطوع العبادات
284
" ح "، أو عمل الخير، أو قول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر سمي قرضاً لاستحقاق ثوابه ﴿حَسَناً﴾ طيبة بها نفسه، أو محتسباً لها عند الله سمي حسناً لصرفه في وجوه حسنة، أو لأنه لا منَّ فيه ولا أذى فيضاعف القرض الحسنة بعشر، أو الثواب تفضلاً بما لا نهاية له ﴿كَرِيمٌ﴾ " على من يناله "، أو لأنه لم يبتذل في طلبه، أو لأنه كريم الحظ، أو لكرم صاحبه.
﴿يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم (١٢) يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين ءامنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب (١٣) ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور (١٤) فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير (١٥) ﴾
285
١٢ - ﴿نُورُهُم﴾ ضياء يثابون به، أو هداهم، أو نور أعمالهم ﴿بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ ليدلهم على الجنة، أو ليستضيئوا به على الصراط ﴿وَبِأَيْمَانِهِم﴾ كتبهم، أو نورهم، أو ما أخرجوه بأيمانهم في الصدقات والزكوات وسبل الخير، أو بإيمانهم في الدنيا وتصديقهم بالجزاء ﴿بُشْرَاكُمُ﴾ نورهم بشراهم أو بشارة تلقاهم الملائكة بها في القيامة.
١٣ - ﴿انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ﴾ يغشى الناس ظلمة يوم القيامة فيعطى المؤمن نوراً بقدر إيمانه ولا يعطاه الكافر ولا المنافق، أو يعطاه المنافق ثم يسلبه " ع "، فيقول المنافق لما غشيته الظلمة للمؤمن لما أعطي النور الذي يمشي به انظروا أي انتظرونا ﴿فَضُرِبَ بَيْنَهُم﴾ وبين المؤمنين بسور أو بينهم وبين النور فلم يقدروا على التماسه ﴿بِسُورٍ﴾ حائط بين الجنة والنار، أو بسور المسجد الشرقي، أو حجاب من الأعراف ﴿بَاطِنُهُ﴾ فيه الجنة ﴿وَظَاهِرُهُ﴾ فيه جهنم، أو في باطنه المسجد وما يليه. والعذاب الذي في ظاهره وادي جهنم يعني بيت المقدس قاله عبد الله بن عمرو بن العاص.
١٤ - ﴿مَّعَكُمْ﴾ نصلي ونغزو ونفعل كما تفعلون ﴿فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ بالنفاق أو المعاصي، أو الشهوات ﴿وَتَرَبَّصْتُمْ﴾ بالحق وأهله، أو بالتوبة ﴿الأَمَانِىُّ﴾ خدع الشيطان، أو الدنيا، أو قولهم سيغفر لنا، أو قولهم اليوم وغداً ﴿الْغَرُورُ﴾ الشيطان، أو الدنيا قاله الضحاك.
﴿ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثيرٌ منهم فاسقون (١٦) اعلموا أن الله يحي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون (١٧) ﴾
١٦ - ﴿للذين آمنوا﴾ بألسنتهم دون قلوبهم، أو قوم موسى، قبل أن يبعث الرسول [صلى الله عليه وسلم]، أو مؤمنو هذه الأمة " ع "، استبطأ قلوب المهاجرين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن " ع " قال ابن مسعود ما كان بين إسلامنا ومعاتبتنا بها إلا أربع سنين فنظر بعضنا إلى بعض يقول ما أحدثنا قال الحسن يستبطئهم وهم أحب خلقه إليه، أو ملوا مثله فقالوا: حدثنا يا رسول الله فنزل ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ [١٩٥ / أ] / أَحْسَنَ القصص﴾ [يوسف: ١٣] ثم ملوا أخرى فقالوا حدثنا فنزل ﴿الله أنزل أَحْسَنَ الحديث﴾ [الزمر: ٢٣] ثم ملوا أخرى فقالوا حدثنا
286
فنزلت ﴿ألم يأن للذين آمنوا﴾ يأنِ: يحن يخشع يلين، أو يذل، أو يخرج ﴿لِذِكْرِ اللَّهِ﴾ القرآن ﴿وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ﴾ القرآن، أو الحلال والحرام.
287
١٧ - ﴿يحيي الأَرْضَ﴾ يلين القلوب بعد قسوتها أو مثل ضربه لإحياء الموتى.
﴿إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضاً حسناً يضاعف لهم ولهم أجرٌ كريم (١٨) والذين ءامنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم (١٩) ﴾
١٨ - ﴿المُصَدِّقين﴾ لله ورسوله أو ﴿الْمُصَّدِّقِينَ﴾ بأموالهم.
١٩ - ﴿الصِّدِّيقُونَ﴾ هم الصديقون وهم الشهداء، أو الشهداء مبتدأ الرسل تشهد على أمتها بالتصديق والتكذيب، أو الأمم تشهد لرسلها بتبليغ الرسالة، أو تشهد على أنفسهم بما عملوا، أو القتلى في سبيل الله تعالى
287
﴿وَنُورُهُمْ﴾ على الصراط، أو إيمانهم في الدنيا.
﴿اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخرٌ بينكم وتكاثرٌ في الأموال والأولاد كمثل غيثٍ أعجب الكفارَ نباتُهُ ثم يَهيجُ فتراه مصفراً ثم يكونُ حطاماً وفي الآخرة عذابٌ شديدٌ ومغفرةٌ من الله ورضوانٌ وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (٢٠) سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنةٍ عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين ءامنوا بالله ورسلهِ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم (٢١) ﴾
288
٢٠ - ﴿لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ على ظاهره أو أكل وشرب.
٢١ - ﴿إِلَى مَغْفِرَةٍ﴾ التوبة، أو الصف الأول، أو التكبيرة الأولى مع الإمام، أو الرسول [صلى الله عليه وسلم] ﴿كَعَرْضِ السَّمَآءِ﴾ نبّه بذكر العرض على الطول ويعبرون عن سعة الشيء بعرضه دون طوله ﴿فضل الله﴾ الجنة أو الدين " ع ".
﴿ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير (٢٢) لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما ءاتاكم والله لا يحب كل مختال فخور (٢٣) الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد (٢٤) ﴾
٢٢ - ﴿مُّصِيبَةٍ فِى الأَرْضِ﴾ بالجوائح في الثمار والزرع، أو القحط والغلاء ﴿أَنفُسِكُمْ﴾ الدَّين، أو الأمراض والأوصاب، أو إقامة الحدود، أو ضيق المعاش ﴿كِتَابٍ﴾ اللوح المحفوظ ﴿نَّبْرَأَهَآ﴾ نخلق الأنفس والأرض.
٢٣ - ﴿فَاتَكُمْ﴾ من الدنيا " ع "، أو العافية والخصب قال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - ﴿لِّكَيْلا تَأْسَوْاْ﴾ ليس أحد إلا وهو يحزن ويفرح ولكن
288
من جعل المصيبة صبراً والخير شكراً.
289
٢٤ - ﴿الَّذِينَ يبخلون﴾ بالعلم ﴿ويأمرون الناس﴾ بأن لا يعملوا شيئاً، أو بما في التوراة من ذكر محمد [صلى الله عليه وسلم]، أو بحقوق الله في أموالهم، أو بالصدقة والحقوق، أو بما في يديه.
﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ ومنافعُ للناسِ وليعلم الله من ينصرهُ ورسلهُ بالغيب إن الله قويٌ عزيزٌ (٢٥) ﴾
٢٥ - ﴿وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ﴾ نزل مع آدم: الحجر الأسود أشد بياضاً من الثلج، وعصا موسى من آس الجنة طولها عشرة أذرع كطول موسى، والسندان والكلبتان والميقعة وهي المطرقة، أو ما ينزل من السماء وإنزاله إظهاره وإثارته، أو لأن ما ينعقد من جوهره في الأرض أصله من ماء السماء ﴿بَأْسٌ شَدِيدٌ﴾ الحرب تكون بآلته وسلاحه، أو خوف شديد من خشية القتل به ﴿ومنافع﴾ الآلة.
{ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتدٍ وكثيرٌ منهم فاسقون (٢٦) ثم قفينا علىءاثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وءاتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمةً ورهبانيةً
289
ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين ءامنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون (٢٧) }
290
٢٧ - ﴿ورهبانيةٌ﴾ من الرَّهب وهو الخوف ﴿ابْتَدَعُوهَا﴾ لم يفعلها من تقدمهم فأحسنوا بفعلها ولم تكتب عليهم وهي رفض النساء واتخاذ الصوامع، أو لحوقهم بالجبال ولزوم البراري، أو الانقطاع عن الناس تفرداً بالعبادة ﴿رَأْفَةً﴾ في قلوبهم بالأمر بها والترغيب فيها، أو بخلقها في قلوبهم ﴿إِلا ابْتِغَآءَ رِضْوَانِ اللَّهِ﴾ ابتدعوها طلباً لمرضاة الله ولم تفرض عليهم قبل ذلك [١٩٥ / ب] / ولا بعده، أو تطوعوا بها ثم كتبت بعد ذلك عليهم " ح " ﴿فَمَا رَعَوْهَا﴾ بتكذيبهم لمحمد [صلى الله عليه وسلم]، أو بتبديلهم دينهم وتغييرهم له قبل أن يبعث محمد [صلى الله عليه وسلم]، ارتكبت الملوك المحارم بعد عيسى ثلاثمائة سنة فأنكرها عليهم أهل الاستقامة فقتلوهم فقال من بقي منهم لا يسعنا المقام بينهم فاعتزلوا الناس واتخذوا الصوامع.
﴿يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وءامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفورٌ رحيم (٢٨) لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيءٍ من فضل الله وأن الفضلِ بيدِ الله يؤتيهِ من يشاء والله ذو الفضل العظيم (٢٩) ﴾
٢٨ - ﴿يا أيها الذين﴾ بموسى وعيسى آمِنوا بمحمد ﴿كِفْلَيْن﴾ ضعفين بلغة الحبشة، أو أجرين أحدهما لإيمانهم بمن تقدم من الأنبياء، والآخر لإيمانهم بمحمد [صلى الله عليه وسلم] " ع "، أو أجر الدنيا وأجر الآخرة ﴿نُوراً﴾ القرآن، أو الهدى.
٢٩ - ﴿لِّئَلاَّ يَعْلَمَ﴾ ليعلم و " لا " صلة ﴿فَضْلِ الله﴾ الإسلام، أو الرزق.
290
سُورة المجادلة
مدنية اتفاقاً أو العشر الأول مدني والباقي مكي أو كلها مدني إلا قوله: ﴿ما يكون من نجوى﴾ [الآية: ٧].

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

﴿قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميعٌ بصيرٌ (١) ﴾
291
Icon