تفسير سورة الجمعة

زاد المسير
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب زاد المسير في علم التفسير المعروف بـزاد المسير .
لمؤلفه ابن الجوزي . المتوفي سنة 597 هـ
سورة الجمعة وهي مدنية كلها بإجماعهم
وقد سبق شرح فاتحتها. وقرأ أبو الدرداء، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعكرمة، والنخعي، والوليد عن يعقوب ﴿ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ﴾ بالرفع فيهن.
فإن قيل : فما الفائدة في إعادته ذكر التسبيح في هذه السورة ؟
فالجواب : أن ذلك لاستفتاح السور بتعظيم الله عز وجل، كما تستفتح ب ﴿ بسم الله الرحمن الرحيم ﴾ وإذا جلّ المعنى في تعظيم الله، حسن الاستفتاح به.

سورة الجمعة
وهي مدنية كلّها بإجماعهم وقد سبق شرح فاتحتها «١». وقرأ أبو الدّرداء، وأبو عبد الرّحمن السّلميّ، وعكرمة، والنّخعيّ، والوليد عن يعقوب الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ بالرفع فيهن.
فإن قيل: فما الفائدة في إعادة ذكر التسبيح في هذه السورة؟
فالجواب: أنّ ذلك لاستفتاح السّور بتعظيم الله عزّ وجلّ، كما تستفتح ب «بسم الله الرحمن الرحيم» وإذا جلّ المعنى في تعظيم الله، حسن الاستفتاح به.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤)
قوله عزّ وجلّ: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ يعني: العرب، وكانوا لا يكتبون وقد شرحنا هذا المعنى في البقرة «٢» رَسُولًا يعني: محمّدا صلّى الله عليه وسلم مِنْهُمْ أي: من جنسهم ونسبهم.
فإن قيل: فما وجه الامتنان في أنه بعث نبياً أمياً «٣» ؟ فعنه ثلاثة أجوبة: أحدها: لموافقة ما تقدّمت
(١) آل عمران: ٥٢.
(٢) البقرة: ٧٨.
(٣) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٤٢٨: الأميون هم العرب، وتخصيص الأميين بالذكر لا ينفي من عداهم، لكن المنة عليهم أبلغ وآكد، كما قال تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وهو ذكر لغيرهم يتذكرون به، وكذا قوله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ وهذا وأمثاله لا ينافي قوله تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً، وقوله لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ. وهذه الآية هي مصداق إجابة الله لخليله إبراهيم، حين دعا لأهل مكة أن يبعث الله فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة. فبعثه الله سبحانه وتعالى على حين فترة من الرسل، وطموس من السبل، وقد اشتدت الحاجة إليه، وقد مقت الله أهل الأرض عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب، أي نذرا يسيرا- ممن تمسّك بما بعث الله به عيسى ابن مريم عليه السلام.
البشارة به في كتب الأنبياء. والثاني: لمشاكلة حاله لأحوالهم، فيكون أقرب إلى موافقتهم. والثالث:
لئلا يظن به أنه يعلم كتب من قبله. وما بعد هذا في سورة البقرة «١» إلى قوله عزّ وجلّ: وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ، أي: وما كانوا قبل بعثه إلا في ضَلالٍ مُبِينٍ بَيِّن، وهو الشرك.
قوله عزّ وجلّ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ فيه قولان: أحدهما: وبعث محمداً في آخرين منهم، أي: من الأميين. والثاني: ويعلم آخرين منهم، ويزكِّيهم.
وفي المراد بالآخرين أربعة أقوال: أحدها: أنهم العجم، قاله ابن عمر، وسعيد بن جبير، وهي رواية ليث عن مجاهد. فعلى هذا إِنما قال: «منهم»، لأنهم إِذا أسلموا صاروا منهم، إذ المسلمون يد واحدة، وملَّةٌ واحدة. والثاني: أنهم التابعون، قاله عكرمة، ومقاتل. والثالث: جميع من دخل في الإسلام إِلى يوم القيامة، قاله ابن زيد، وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد. والرابع: أنهم الأطفال، حكاه الماوردي.
قوله عزّ وجلّ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ: أي: لم يلحقوا بهم.
قوله عزّ وجلّ: ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يعني: الإسلام والهدى وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ بإرسال محمّد صلّى الله عليه وسلم.
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ٥ الى ٨]
مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨)
ثم ضرب لليهود الذين تركوا العمل بالتوراة مثلا، فقال عزّ وجلّ: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ أي: كُلِّفوا العمل بما فيها ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها أي: لم يعملوا بموجبها، ولم يؤدُّوا حقها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً وهي جمع سفر. والسِّفْر: الكتاب، فشبَّههم بالحمار لا يعقل ما يحمل، إذ لم ينتفعوا بما في التّوراة، وهي دالّة على الإيمان بمحمّد صلّى الله عليه وسلم وهذا المثل يلحق من لم يعمل بالقرآن ولم يفهم معانيه بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ ذم مثلهم، والمراد ذمُّهم، واليهود كذبوا بالقرآن وبالتوراة حين لم يؤمنوا بمحمد وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أنفسهم بتكذيب الأنبياء.
قوله عزّ وجلّ: إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ وذلك أن اليهود، قالوا: نحن ولد إسرائيل الله، ابن ذبيح الله، ابن خليل الله، ونحن أولى بالله عزّ وجلّ من سائر الناس، وإِنما تكون النبوة فينا. فقال الله عزّ وجلّ لنبيّه عليه الصلاة والسلام: قُلْ لهم إن كنتم أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ لأن الآخرة خير لأولياء الله من الدنيا. وقد بيَّنا هذا وما بعده في البقرة «٢» إلى قوله عزّ وجلّ: قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ وذلك أنّ اليهود علموا أنهم قد أفسدوا على أنفسهم أمر الآخرة بتكذيبهم محمداً،
(١) البقرة: ١٢٩.
(٢) البقرة: ٩٤.
وكانوا يكرهون الموت، فقيل لهم: لا بد من نزوله بكم بقوله عزّ وجلّ: فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ، قال الفراء: العرب تدخل الفاء في كل خبر كان اسمه مما يوصل، مثل: «من» و «الذي» فمن أدخل الفاء هاهنا ذهب «بالذي» إِلى تأويل الجزاء. وفي قراءة عبد الله «إِن الموت الذي تفرُّون منه ملاقيكم» وهذا على القياس، لأنك تقول: إن أخاك قائم، ولا تقول: فقائم، ولو قلت: إن ضاربك فظالم، لجاز، لأن تأويله: إنّ رجلا يضربك فظالم. وقال الزجاج: إنما جاز دخول الفاء، لأن في الكلام معنى الشرط والجزاء. ويجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله عزّ وجلّ: «تفرُّون منه» كأنه قيل: إن فررتم من أي موت كان من قتل أو غيره «فإنه ملاقيكم» وتكون «فإنه» استئنافاً بعد الخبر الأول.
[سورة الجمعة (٦٢) : الآيات ٩ الى ١٠]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠)
قوله عزّ وجلّ: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ وهذا هو النداء الذي ينادى به إذا جلس الإمام على المنبر، ولم يكن في عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلم نداء سواه.
(١٤٤٦) كان إِذا جلس على المنبر أذَّن بلال على باب المسجد، وكذلك كان على عهد أبي بكر، وعمر، فلما كثر الناس على عهد عثمان أمر بالتأذين الأول على دارٍ له بالسُّوق، يقال لها: «الزوراء» وكان إذا جلس أذّن أيضا.
قوله عزّ وجلّ: لِلصَّلاةِ أي: لوقت الصلاة. وفي «الجمعة» ثلاث لغات. ضم الجيم والميم، وهي قراءة الجمهور. وضم الجيم مع إسكان الميم، وبها قرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رجاء، وعكرمة، والزهري، وابن أبي ليلى، وابن أبي عبلة، والأعمش. وبضم الجيم مع فتح الميم، وبها قرأ أبو مجلز، وأبو العالية، والنخعي، وعدي بن الفضل عن أبي عمرو. وقال الزجاج: من قرأ بتسكين الميم، فهو تخفيف الجمعة لثقل الضمتين. وأما فتح الميم، فمعناها: الذي يجمع الناس، كما تقول:
رجل لُعَنَة: يكثر لعنة الناس، وضُحَكَة: يكثر الضحك. وفي تسمية هذا اليوم بيوم الجمعة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه فيه جُمع آدم.
(١٤٤٧) روى سلمان قال: قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أتدري ما الجمعة؟» قلت: لا. قال: «فيه جُمع أبوك»، يعني: تمام خلقه في يوم الجمعة.
والثاني: لاجتماع الناس فيه للصلاة. والثالث: لاجتماع المخلوقات فيه، لأنه اليوم الذي فرغ فيه من خلق الأشياء.
ساقه المصنف بمعناه، وهو حديث صحيح. أخرجه البخاري ١٩١٢ و ١٩١٣ وأبي داود ١٠٨٧ و ١٠٨٨ والترمذي ٥١٦ وابن ماجة ١١٣٥ وابن حبان ١٦٧٣ والبيهقي ٣/ ١٩٢ وأحمد ٣/ ٤٥٠ من حديث السائب بن يزيد. وانظر «أحكام القرآن» ٤/ ٢٤٧ و «الجامع لأحكام القرآن» ٥٩٣٩ بتخريجنا.
أخرجه أحمد ٥/ ٤٣٩ والحاكم ١/ ٢٧٧ من حديث سلمان، وإسناده ضعيف لضعف أبي معشر، واسمه نجيح. ولصدره شاهد في الصحيح، ولباقيه شواهد كثيرة.
الخلاصة: أصل الحديث صحيح بشواهده. وانظر «الدر المنثور» ٦/ ٣٢٣- ٣٢٤.
282
وفي أول من سماها بالجمعة قولان: أحدهما: أنه كعب بن لؤي سماها بذلك، وكان يقال ليوم الجمعة: العَروبة. قاله أبو سلمة. وقيل: إِنما سماها بذلك لاجتماع قريش فيه. والثاني: أنّ أول من سماها بذلك الأنصار، قاله ابن سيرين.
قوله عزّ وجلّ: فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وفي هذا السعي ثلاثة أقوال: أحدها: أنه المشي، قاله ابن عباس. وكان ابن مسعود يقرؤها «فامضوا» ويقول: لو قرأتها «فاسعَوْا» لسعَيت حتى يسقط ردائي. قال عطاء: هو الذهاب والمشي إلى الصلاة.
والثاني: أن المراد بالسعي: العمل، قاله عكرمة، والقرظي، والضحاك، فيكون المعنى: فاعملوا على المضي إلى ذكر الله بالتفرغ له، والاشتغال بالطهارة ونحوها.
والثالث: أنه النية بالقلب، قاله الحسن. وقال ابن قتيبة: هو المبادرة بالنية والجدّ.
وفي المراد «بذكر الله» قولان: أحدهما: أنه الصلاة، قاله الأكثرون. والثاني: موعظة الإمام، قاله سعيد بن المسيب.
قوله عزّ وجلّ: وَذَرُوا الْبَيْعَ أي: دعوا التجارة في ذلك الوقت. وعندنا: لا يجوز البيع في وقت النداء، ويقع البيع باطلاً في حق من يلزمه فرض الجمعة، وبه قال مالك خلافاً للأكثرين.

فصل:


تجب الجمعة على من سمع النداء من المصر، إذا كان المؤذن صَيِّتاً، والريح ساكنة.
وقد حدَّه مالك بفرسخ، ولم يحدّه الشافعي. وعن أحمد في التحديد نحوهما. وتجب الجمعة على أهل القرى. وقال أبو حنيفة: لا تجب إلا على أهل الأمصار. ويجوز لأهل المصر أن يقيموا الجمعة في الصحراء القريبة من المصر خلافاً للشافعي. ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين. وعن أحمد: أقله خمسون. وعنه: أقله ثلاثة. وقال أبو حنيفة: تنعقد بثلاثة والإمام، والعدد شرط في الخطبة. وقال أبو حنيفة في إِحدى الروايتين: يصح أن يخطب منفرداً. وهل تجب الجمعة على العبيد؟ فيه عن أحمد روايتان. وعندنا: تجب على الأعمى إذا وجد قائداً، خلافاً لأبي حنيفة. ولا تنعقد الجمعة بالعبيد والمسافرين، خلافاً لأبي حنيفة. وهل تجب الجمعة والعيدان من غير إِذن سلطان؟ فيه عن أحمد روايتان. وتجوز الجمعة في موضعين في البلد مع الحاجة. وقال مالك، والشافعي، وأبو يوسف: لا تجوز إلا في موضع واحد. وتجوز إقامة الجمعة قبل الزوال خلافاً لأكثرهم، وإذا وقع العيد يوم الجمعة أجزأ حضوره عن يوم الجمعة، وبه قال الشعبي والنخعي، خلافاً للأكثرين، والمستحب لأهل الأعذار أن يصلوا الظهر في جماعة. وقال أبو حنيفة: يكره. ولا يجوز السفر يوم الجمعة بعد الزوال. وقال أبو حنيفة: يجوز. وهل يجوز السفر بعد طلوع الفجر؟ فيه عن الإمام أحمد روايتان. ونقل عن أحمد رضي الله عنه أنه لا يجوز الخروج في الجمعة إلا للجهاد. وقال أبو حنيفة: يجوز لكل سفر. وقال الشافعي:
لا يجوز أصلاً.
والخطبة شرط في الجمعة. وقال داود: هي مستحبة. والطهارة لا تشترط في الخطبة، خلافا للشّافعي تصحّ في أحد قوليه. والقيام ليس بشرط في الخطبة، خلافاً للشافعي. ولا تجب القعدة بين الخطبتين، خلافاً له أيضاً.
ومن شرط الخطبة: التحميد، والصلاة على النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وقراءة آية، والموعظة. وقال أبو حنيفة:
283
يجوز أن يخطب بتسبيحة.
والخطبتان واجبتان. وأما القراءة في الخطبة الثانية، فهي شرط، خلافاً للشافعي.
والسُّنَّة للإمام إذا صعِد المنبر، واستقبل الناس: أن يسلِّم، خلافاً لأبي حنيفة، ومالك. وهل يحرم الكلام في حال سماع الخطبة؟ فيه عن أحمد روايتان. ويحرم على المستمع دون الخاطب، خلافاً للأكثرين. ولا يكره الكلام قبل الابتداء بالخطبة، وبعد الفراغ منها، خلافاً لأبي حنيفة.
ويستحب له أن يصليَ تحية المسجد والإمام يخطب، خلافاً لأبي حنيفة، ومالك.
وهل يجوز أن يخطب واحد، ويصلي آخر، فيه عن أحمد روايتان.
قوله عزّ وجلّ: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أي: إِن كان لكم علم بالأصلح فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ أي: فرغتم منها فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ هذا أمر إباحة وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ إباحة لطلب الرزق بالتجارة بعد المنع منها بقوله تعالى: وَذَرُوا الْبَيْعَ وقال الحسن، وسعيد بن جبير: هو طلب العلم.
[سورة الجمعة (٦٢) : آية ١١]
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١)
قوله عزّ وجلّ: وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً.
(١٤٤٨) سبب نزولها أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة، إذ أقبلت عير قد قَدِمَتْ، فخرجوا إليها حتى لم يبق معه إلا إثنا عشر رجلاً، فنزلت هذه الآية.
(١٤٤٩) أخرجه البخاري ومسلم في «الصحيحين» من حديث جابر بن عبد الله، قال الحسن:
وذلك أنهم أصابهم جوع، وغلاء سعر، فلما سمعوا بها خرجوا إليها، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «لو اتبع آخرُهم أوَّلَهم التهب عليهم الوادي ناراً».
(١٤٥٠) قال المفسرون: كان الذي قدم بالتجارة دحية بن خليفة الكلبي، قال مقاتل: وذلك قبل
صحيح. أخرجه البخاري ٤٨٩٩ عن حفص بن عمر به من حديث جابر. وأخرجه مسلم ٨٦٣ ح ٣٧ من طريق خالد به. وأخرجه البخاري ٩٣٦ و ٣٠٦٤ و ٣٣٠٨ ومسلم ٨٦٣ وأبو يعلى ١٨٨٨ والطبري ٣٤٣٦ و ٣٤١٤٤ والدارقطني ٢/ ٥ والبيهقي ٣/ ١٩٧ والواحدي في «أسباب النزول» ٨٢٠ وابن بشكوال في «غوامض الأسماء» ٨٥١ من طرق عن حصين به. وأخرجه البخاري ٤٨٩٩ ومسلم ٨٦٣. وأخرجه البخاري ٤٨٩٩ ومسلم ٨٦٣ والترمذي ٣٣٠٨ والطبري ٣٤١٤٣ والواحدي ٨١٩ من طرق عن حصين عن أبي سفيان عن جابر به.
عجزه ضعيف. أخرجه الطبري ٣٤٣٧ وعبد الرزاق في «التفسير» ٣٢٢٢ من طريق معمر عن الحسن مرسلا.
وأخرجه الطبري ٣٤١٣٤ من طريق سفيان عن إسماعيل السدي عن أبي مالك مرسلا وليس فيه اللفظ المرفوع.
ذكره الواحدي في «الأسباب» ٨٢٠ عن المفسرين. وأخرجه البيهقي في «الشعب» ٦٤٩٥ من طريق بكير بن معروف عن مقاتل بن حيان مرسلا. وأخرجه أبو داود في «المراسيل» ٥٩ عن مقاتل بن حيان مرسلا بنحوه.
وعجزه ضعيف وفيه اللفظ المرفوع فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «والذي نفس محمد بيده لو خرجوا جميعا لأحزم الله
284
أن يسلم. قالوا: قَدِمَ بها من الشام، وضرب لها طبل يُؤذن الناس بقدومها. وهذه كانت عادتهم إذا قدمت عير. قال جابر بن عبد الله: كانت التجارة طعاماً «١». وقال أبو مالك: كانت زيتاً «٢». والمراد باللهو: ضرب الطّبل. وانْفَضُّوا بمعنى: تفرَّقوا عنك، فذهبوا إليها. والضمير للتجارة. وإنما خصت برد الضمير إِليها، لأنها كانت أهم إليهم، هذا قول الفراء، والمبرد. وقال الزجاج: المعنى:
وإذا رأوا تجارة انفضوا إليها، أو لهواً انفضوا إليه، فحذف خبر أحدهما، لأن الخبر الثاني يدل على الخبر المحذوف. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة «انفضوا إليهما» على التثنية. وعن ابن مسعود، وابن أبي عبلة «انفضوا إليه» على ضمير مذكر وَتَرَكُوكَ قائِماً وهذا القيام كان في الخطبة قُلْ ما عِنْدَ اللَّهِ من ثواب الصلاة والثبات مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لأنه يرزق من يؤمن به ويعبده، ومن يكفر به ويجحده، فهو يعطي من سأل، ويبتدئ من لا يسأل، وغيره إنما يرزق من يرجو منفعته، ويقبل على خدمته.
عليهم الوادي نارا». لكن لعجزه شاهد من: حديث جابر عند أبي يعلى ١٩٧٩ وابن حبان ٦٨٧٧ وفي إسناده زكريا بن يحيى بن زحمويه ذكره ابن حبان في «الثقات» ٨/ ٢٥٣، وأورده ابن أبي حاتم في «العلل» ٣/ ٦١ ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا، فالرجل مجهول. وحديث جابر في هذا الشأن رواه الشيخان كما تقدم بغير هذا السياق، وليس فيه اللفظ المرفوع فهذه زيادة منكرة، وتقدم حديث جابر. ويشهد لكون دحية الكلبي قدم بالتجارة، ما أخرجه بشكوال في «غوامض الأسماء» ص ٨٥٢ والطبري ٣٤١٣٥ من طريق سفيان عن السدي عن مرة مرسلا. وحديث ابن عباس عند البزار ٢٢٧٣، وفي إسناده عبد الله بن شبيب، وهو ضعيف كما في «المجمع» ٧/ ١٣٤.
الخلاصة: أصل الحديث يعتضد بشواهده دون اللفظ المرفوع، فإنه ضعيف لا يصح.
وانظر «أحكام القرآن» ٢١٢٢.
__________
(١) انظر الحديث ١٤٤٨ عن جابر بن عبد الله. [.....]
(٢) انظر الحديث المتقدم ١٤٤٩.
تنبيه: قال الحافظ في «تخريجه» ٤/ ٥٣٧ رواية الاثني عشر هي المشهورة في «الصحيحين» ولم أقف على رواية أنهم كانوا ثمانية ولا أحد عشر. ورواية الأربعين أخرجها الدارقطني من طريق علي بن عاصم عن حصين، وقال: لم يقل أحد من أصحاب حصين: أربعون إلا علي بن عاصم، والكل قالوا: اثني عشر رجلا.
وكذلك قال أبو سفيان عن جابر كما تقدم اه. قلت: رواية الدارقطني هي في «السنن» ٢/ ٤.
وانظر «الكشاف» ٤/ ٥٣٨ بتخريجنا.
285
سورة المنافقون
وهي مدنيّة بإجماعهم (١٤٥١) وذكر أهل التفسير أنها نزلت في عبد الله بن أبي ونظرائه. وكان السبب أنّ عبد الله خرج مع النبيّ صلّى الله عليه وسلم في خلق كثير من المنافقين إلى المريسيع، وهو ماء لبني المصطلق طلبا للغنيمة، لا للرغبة في الجهاد، لأن السفر كان قريبا. فلمّا قضى رسول الله صلّى الله عليه وسلم غزاته، أقبل رجل من جهينة، يقال له: سنان، وهو حليف لعبد الله بن أبيّ، ورجل من بني غفار يقال له: جهجاه بن سعيد، وهو أجير لعمر بن الخطّاب لاستقاء الماء، فدار بينهما كلام، فرفع الغفاريّ يده فلطم الجهنيّ، فأدماه، فنادى الجهنيّ: يا آل الخزرج، فأقبلوا، ونادى الغفاريّ: يا آل قريش، فأقبلوا، فأصلح الأمر قوم من المهاجرين. فبلغ الخبر عبد الله بن أبيّ، فقال وعنده جماعة من المنافقين: والله ما مثلكم ومثل هؤلاء الرّهط من قريش إلّا مثل ما قال الأول: سمّن كلبك يأكلك، ولكن هذا فعلكم بأنفسكم، آويتموهم في منازلكم، وأنفقتم عليهم أموالكم، فقووا وضعفتم. وايم الله: لو أمسكتم أيديكم لتفرّقت عن هذا جموعه، ولئن رجعنا إلى المدينة ليُخرجن الأعزُّ منها الأذل، وكان في القوم زيد بن أرقم، وهو غلام يومئذ لا يؤبه له، فقال لعبد الله: أنت والله الذّليل القليل، فقال: إنما كنت ألعب، فأقبل زيد بالخبر إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقال عمر: دعني أضرب عنقه. فقال: إذن ترعد له آنف كبيرة، قال: فإن كرهت أن يقتله رجل من المهاجرين، فمر سعد بن عبادة، أو محمّد بن مسلمة، أو عبّاد بن بشر فيقتله، فقال:
إذن يتحدّث الناس أنّ محمّدا يقتل أصحابه، فأرسل رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلى عبد الله بن أبيّ، فأتاه، فقال:
أنت صاحب هذا الكلام؟ فقال: والذي أنزل عليك ما قلت شيئا من هذا، وإنّ زيدا لكذّاب، فقال من حضر: لا يصدق عليه كلام غلام، عسى الله أن يكون قد وهم، فعذره رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وفشت الملامة في الأنصار لزيد، وكذّبوه، وقال له عمّه: ما أردت إلّا أن كذّبك رسول الله صلّى الله عليه وسلم والمسلمون، ومقتوك!
ذكره الواحدي في «أسباب النزول» بإثر ٨٢١ نقلا عن أهل التفسير، وأصحاب السير. وأخرجه الطبري ٣٤١٧٨ من طريق محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر عن قتادة عن عبد الله بن أبي بكر، وعن محمد بن يحيى بن حيان قال: كل قد حدثني بعض حديث بني المصطلق قالوا: بلغ رسول الله صلّى الله عليه وسلم أن بني المصطلق يجمعون له... فذكره مع اختلاف يسير. وأصل الخبر في الصحيحين من حديث زيد بن أرقم. أخرجه البخاري ٤٩٠٠ و ٤٩٤ ومسلم ٢٧٧٢ والترمذي ٢٣١٢ و ٢٣١٣ والنسائي في «التفسير» ٦١٧ والواحدي في «أسباب النزول» ٨٢١ و «الوسيط» ٤/ ٣٠٣- ٣٠٤. أما عجزه فقد أخرجه الطبري ٣٤١٥٩ عن بشير بن مسلم... فذكره بأحضر منه.
الخلاصة: عامة هذا السياق محفوظ بطرقه وشواهده.
286
Icon