ﰡ
[الآيات]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى اتصافكم بالإيمان بالله وبوحدة ذاته وكمالات أسمائه وصفاته انه لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وهم الذين خرجوا عن عروة عبوديتي بإثبات الوجود لغيري وَعَدُوَّكُمْ إذ عداوتهم إياي مستلزمة بعداوتهم إياكم ايضا إذ صديق العدو عدو كعدو الصديق أَوْلِياءَ أحباء بحيث توالون أنتم معهم موالاتكم مع احبائكم من المؤمنين وتظهرون محبتهم ومودتهم بحيث تُلْقُونَ وترسلون إِلَيْهِمْ رسالة مشعرة بِالْمَوَدَّةِ الخالصة المنبئة عن افراط المحبة والإخاء وَالحال انه هم قَدْ كَفَرُوا واعرضوا وانصرفوا بِما جاءَكُمْ اى بعموم ما قد نزل على رسولكم مِنَ الْحَقِّ الحقيق بالاطاعة والاتباع وبالغوا في الاعراض والإنكار الى حيث يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ اصالة وَإِيَّاكُمْ تبعا من بينهم بواسطة أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ الذي رباكم على فطرة التوحيد والايمان وبقبولكم دين الإسلام من النبي المبعوث الى كافة الأنام ليرشدهم الى دار السلام وبالجملة إِنْ كُنْتُمْ ايها المؤمنون الموحدون خَرَجْتُمْ عن أوطانكم وبقاع إمكانكم جِهاداً اى لأجل الجهاد والقتال فِي سَبِيلِي اى لتقوية طريق توحيدي وترويج ديني وإعلاء كلمة توحيدي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي في امتثال امرى واطاعة حكمى فلزمكم ترك موالاة أعدائي والمواخاة معهم مع انكم أنتم قد تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ وتميلون نحوهم سرا وخفية بِالْمَوَدَّةِ ظنا منكم ان لا اطلع على ما في سرائركم وضمائركم من محبة الأعداء ومودتهم وَالحال انه أَنَا أَعْلَمُ منكم بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ اى بعموم ما تسرون وما تعلنون وَبالجملة مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ اى الاتخاذ المذكور فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اى قد انحرف عن جادة العدالة الإلهية وانصرف عن الصراط المستقيم الموصل الى مقصد التوحيد وبالغ في الانحراف والانصراف واعلموا ايها المؤمنون انكم وان بالغتم في اظهار المحبة والمودة بالنسبة إليهم لا تنفعكم إذ هم بمكان من العداوة والخصومة بحيث
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ ويظفروا بكم بالفرض والتقدير يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً البتة بل يظهروا العداوة حينئذ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ اى بالقتل والأسر وقطع العضو والشتم المفرط وانواع الوقاحة وَكيف لا وهم في أنفسهم دائما قد وَدُّوا وتمنوا لَوْ تَكْفُرُونَ أنتم وترتدون عن دينكم ونبيكم حتى تلتحقوا بهم وتتصفوا بكفرهم وبالجملة عليكم ايها المؤمنون ان لا تبالوا بأقاربكم وأرحامكم من الكفرة ولا تلتفتوا نحوهم إذ
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ لا اقرباؤكم وَلا أَوْلادُكُمْ الذين أنتم توالون المشركين لأجلهم وتوادون معهم من جهتهم يَوْمَ الْقِيامَةِ المعدة لتنقيد الأعمال الصادرة عن كل نفس من النفوس خيرة كانت او شريرة إذ الله يَفْصِلُ ويفرق بَيْنَكُمْ يومئذ ويميزكم عنهم فيجازى كلا منكم حسب ما كسب واقترف خيرا كان او شرا وَاللَّهُ المطلع على عموم افعال عباده بِما تَعْمَلُونَ من الحسنات والسيئات بَصِيرٌ يجازيكم عليه بمقتضى بصارته وخبرته ولا تستنكفوا عن حكم الله إياكم بقطع أرحامكم الكفرة وأقاربكم المشركين إذ
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ وقدوة حَسَنَةٌ
خاتمة سورة الجمعة
عليك ايها الموحد الخائض في لجج بحر الوجود المتحقق بمقام الكشف والشهود مكنك الله في مقر عز الوحدة وجنبك عن الزيغ والضلال ان تتوكل على الله وتتخذه وكيلا وتفوض أمورك كلها اليه وتجعله حسيبا وكفيلا فعليك ان لا تشتغل في آن وشأن ولا تغفل عنه في حين من الأحيان سيما في امر الرزق الصوري المقدر من عند الله المدبر الحكيم لكل من دخل في حيطة الوجود وظهر على صورة الموجود فانه يصل على من يصل حسب ارادة الله ومشيته وإياك إياك ان تطلبه وتعتقده بالتجارة او السؤال بل لك ان تستعمل آلاتك الموهوبة لك من الله العليم الحكيم الى ما قد جبلت لأجله لتكون من زمرة الشاكرين المتوكلين وبالجملة الرزق على الله ولا تكن من القانطين واعبد ربك واشكره على آلائه ونعمائه حتى يأتيك اليقين وكن في عموم احوالك من الشاكرين المتوكلين
[سورة المنافقين]
فاتحة سورة المنافقين
لا يخفى على من وصل الى مرتبة حق اليقين وتمكن في مقعد الصدق مع الموقنين الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ان الكذب والافتراء والجدال والمراء الواقع بين اصحاب الضلال والآراء الفاسدة الحادثة في عالم الكون والفساد انما هو من عدم الوصول الى كعبة الوجود وقبلة الواجد والموجود ومن عدم التمكن والتحقق والرسوخ التام في مقام الرضاء والتسليم الحاصل من كمال المعرفة واليقين والا فلا يصدر من ارباب الوصول واليقين أمثال هذه الجرائم المنبئة عن النفاق والشقاق المستلزم للجهل والغفلة عن الله الظاهر المتجلى في الأنفس والآفاق بكمال الاستقلال والاستحقاق ولهذا اخبر سبحانه حبيبه صلّى الله عليه وسلّم بما اخبر من اخبار اهل النفاق ونبهه على ما نبه عليه من ضلالهم فقال بعد ما تيمن بِسْمِ اللَّهِ الذي قد أحاط علمه بما لا يتناهى من المعلومات الرَّحْمنِ على عموم عباده بأمر المعروف ونهى المنكرات الرَّحِيمِ لهم يهديهم الى سبيل السلامة وطريق النجاة
[الآيات]
إِذا جاءَكَ يا أكمل الرسل الْمُنافِقُونَ على وجه الملاينة والخداع تغريرا لك ولمن تبعك من المؤمنين حيث قالُوا مبالغين في اظهار الايمان مؤكدين نَشْهَدُ نقر ونعترف عن محض الوداد وصميم الفؤاد إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ قد أرسلك الحق على الحق بالحق لتبيين الحق وَبعد ما قد أكدوا شهادتهم بأنواع التواكيد بالغوا ايضا في التأكيد لتشييد تغريرهم وتزويرهم حيث قالوا اللَّهِ المطلع على عموم السرائر والخفايا يَعْلَمُ ويشهد إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَبالجملة هم وان بالغوا في شهادتهم الكاذبة على سبيل التلبيس والتزوير اللَّهِ المطلع على ما في ضمائرهم من النفاق والشقاق
[الآيات]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى اتصافكم بالإيمان بالله وبوحدة ذاته وكمالات أسمائه وصفاته انه لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وهم الذين خرجوا عن عروة عبوديتي بإثبات الوجود لغيري وَعَدُوَّكُمْ إذ عداوتهم إياي مستلزمة بعداوتهم إياكم ايضا إذ صديق العدو عدو كعدو الصديق أَوْلِياءَ أحباء بحيث توالون أنتم معهم موالاتكم مع احبائكم من المؤمنين وتظهرون محبتهم ومودتهم بحيث تُلْقُونَ وترسلون إِلَيْهِمْ رسالة مشعرة بِالْمَوَدَّةِ الخالصة المنبئة عن افراط المحبة والإخاء وَالحال انه هم قَدْ كَفَرُوا واعرضوا وانصرفوا بِما جاءَكُمْ اى بعموم ما قد نزل على رسولكم مِنَ الْحَقِّ الحقيق بالاطاعة والاتباع وبالغوا في الاعراض والإنكار الى حيث يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ اصالة وَإِيَّاكُمْ تبعا من بينهم بواسطة أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ الذي رباكم على فطرة التوحيد والايمان وبقبولكم دين الإسلام من النبي المبعوث الى كافة الأنام ليرشدهم الى دار السلام وبالجملة إِنْ كُنْتُمْ ايها المؤمنون الموحدون خَرَجْتُمْ عن أوطانكم وبقاع إمكانكم جِهاداً اى لأجل الجهاد والقتال فِي سَبِيلِي اى لتقوية طريق توحيدي وترويج ديني وإعلاء كلمة توحيدي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي في امتثال امرى واطاعة حكمى فلزمكم ترك موالاة أعدائي والمواخاة معهم مع انكم أنتم قد تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ وتميلون نحوهم سرا وخفية بِالْمَوَدَّةِ ظنا منكم ان لا اطلع على ما في سرائركم وضمائركم من محبة الأعداء ومودتهم وَالحال انه أَنَا أَعْلَمُ منكم بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ اى بعموم ما تسرون وما تعلنون وَبالجملة مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ اى الاتخاذ المذكور فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ اى قد انحرف عن جادة العدالة الإلهية وانصرف عن الصراط المستقيم الموصل الى مقصد التوحيد وبالغ في الانحراف والانصراف واعلموا ايها المؤمنون انكم وان بالغتم في اظهار المحبة والمودة بالنسبة إليهم لا تنفعكم إذ هم بمكان من العداوة والخصومة بحيث
إِنْ يَثْقَفُوكُمْ ويظفروا بكم بالفرض والتقدير يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً البتة بل يظهروا العداوة حينئذ وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ اى بالقتل والأسر وقطع العضو والشتم المفرط وانواع الوقاحة وَكيف لا وهم في أنفسهم دائما قد وَدُّوا وتمنوا لَوْ تَكْفُرُونَ أنتم وترتدون عن دينكم ونبيكم حتى تلتحقوا بهم وتتصفوا بكفرهم وبالجملة عليكم ايها المؤمنون ان لا تبالوا بأقاربكم وأرحامكم من الكفرة ولا تلتفتوا نحوهم إذ
لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ لا اقرباؤكم وَلا أَوْلادُكُمْ الذين أنتم توالون المشركين لأجلهم وتوادون معهم من جهتهم يَوْمَ الْقِيامَةِ المعدة لتنقيد الأعمال الصادرة عن كل نفس من النفوس خيرة كانت او شريرة إذ الله يَفْصِلُ ويفرق بَيْنَكُمْ يومئذ ويميزكم عنهم فيجازى كلا منكم حسب ما كسب واقترف خيرا كان او شرا وَاللَّهُ المطلع على عموم افعال عباده بِما تَعْمَلُونَ من الحسنات والسيئات بَصِيرٌ يجازيكم عليه بمقتضى بصارته وخبرته ولا تستنكفوا عن حكم الله إياكم بقطع أرحامكم الكفرة وأقاربكم المشركين إذ
قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ وقدوة حَسَنَةٌ
اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ المغلظة الحاصلة من شهادتهم المؤكدة بها جُنَّةً وجعلوها وقاية لأموالهم وأنفسهم فَصَدُّوا وصرفوا غزاة المسلمين بسبب ذلك الحلف الكاذب عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الذي هو قتالهم واسرهم ونهبهم وبالجملة إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الصد والنفاق والإصرار على الشقاق
ذلِكَ اى اجتراؤهم على تلك الشهادة على وجه المراء والنفاق وإصرارهم على الكفر والشقاق بِأَنَّهُمْ آمَنُوا اى بسبب انهم آمنوا أولا بالله ورسوله وأقروا بألسنتهم بما ليس في قلوبهم على وجه النفاق صونا لأموالهم ودمائهم ثُمَّ كَفَرُوا بعد ما أمنوا من مكر المؤمنين فَطُبِعَ الكفر حينئذ عَلى قُلُوبِهِمْ ورسخ فيها واستحكم وبعد الطبع والتمرن فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ولا يفهمون حقية الايمان ولذته وصحته ولا باطلية الكفر وفساده
وَبالجملة هم من غاية غفلتهم عن الله ونهاية عرائهم وخلوهم عن نور الايمان إِذا رَأَيْتَهُمْ يا أكمل الرسل تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ اى سمنها وضخامتها وَإِنْ يَقُولُوا ايضا كلاما تَسْمَعْ أنت لِقَوْلِهِمْ لفصاحتهم وحلاوة نظمهم الا انهم لخلوهم عن العلم اللدني والرشد الجبلي والصفاء الفطري الذاتي الذي هي عبارة عن نقود ارباب المحبة والولاء كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ يابسة فاقدة للقابلية الفطرية مُسَنَّدَةٌ على جواهر الجهل والبلادة ومع ذلك يَحْسَبُونَ يظنون ويترقبون من شدة شكيمتهم وغيظهم على المؤمنين كُلَّ صَيْحَةٍ واقعة عَلَيْهِمْ مسموعة لهم هُمُ الْعَدُوُّ يصيح عليهم ليهلكهم وبعد ما صار بغضهم مع المؤمنين ووهمهم ومخافتهم من العدو بهذه الحيثية فَاحْذَرْهُمْ يا أكمل الرسل واترك مصاحبتهم واحترز من غيلتهم وطغيانهم إذ الخائن الخائف ربما يصول بلا سبب وداع عليه وقل في شأنهم دعاء عليهم قاتَلَهُمُ اللَّهُ المنتقم الغيور أَنَّى يُؤْفَكُونَ وكيف يصرفون ومن اين ينحرفون عن الحق الصريح الى الباطل الغير الصحيح مع انه لا ضرورة تلجئهم اليه
وَمن شدة بغضهم وضغينتهم مع المؤمنين المخلصين إِذا قِيلَ لَهُمْ امحاضا للنصح تَعالَوْا هلموا ايها المسرفون المفرطون الى مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ويطلب المغفرة لكم من العفو الغفور لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وعطفوا أعناقهم عن القبول معتذرين باعذار كاذبة مخافة وصونا وَرَأَيْتَهُمْ ايها الرائي حينئذ في وجوههم التي هي عنوان بواطنهم وقلوبهم آثار الكفر والعناد ظاهرة لذلك يَصُدُّونَ ويعرضون عن المؤمنين مسرعين معتذرين وَهُمْ في أنفسهم مُسْتَكْبِرُونَ عن القبول والاعتذار وبالجملة
سَواءٌ عَلَيْهِمْ يا أكمل الرسل أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ من الله المنتقم الغيور أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ العليم الحكيم المتقن في عموم الأفعال ابدا إِنَّ اللَّهَ المطلع على ما في استعدادات عباده لا يَهْدِي ولا يرشد الى جادة توحيده الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ منهم الخارجين عن مقتضى الحدود الاسلامية وكيف يهديهم ويغفر لهم سبحانه مع انهم
هُمُ القوم المسرفون الَّذِينَ يَقُولُونَ للأنصار من نهاية عداوتهم وبغضهم مع الرسول والمؤمنين لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ يعنون فقراء المهاجرين حَتَّى يَنْفَضُّوا وينتشروا بعد ما اضطروا من حوله وَلم يعلموا هؤلاء الغفلة الضالون والجهلة الهالكون في تيه الجهل والعناد ان لِلَّهِ وفي قبضة قدرته وتحت ضبطه وملكته خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى الكنوز المكنونة المطوية في ضمن العلويات
اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ المغلظة الحاصلة من شهادتهم المؤكدة بها جُنَّةً وجعلوها وقاية لأموالهم وأنفسهم فَصَدُّوا وصرفوا غزاة المسلمين بسبب ذلك الحلف الكاذب عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ الذي هو قتالهم واسرهم ونهبهم وبالجملة إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ من الصد والنفاق والإصرار على الشقاق
ذلِكَ اى اجتراؤهم على تلك الشهادة على وجه المراء والنفاق وإصرارهم على الكفر والشقاق بِأَنَّهُمْ آمَنُوا اى بسبب انهم آمنوا أولا بالله ورسوله وأقروا بألسنتهم بما ليس في قلوبهم على وجه النفاق صونا لأموالهم ودمائهم ثُمَّ كَفَرُوا بعد ما أمنوا من مكر المؤمنين فَطُبِعَ الكفر حينئذ عَلى قُلُوبِهِمْ ورسخ فيها واستحكم وبعد الطبع والتمرن فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ ولا يفهمون حقية الايمان ولذته وصحته ولا باطلية الكفر وفساده
وَبالجملة هم من غاية غفلتهم عن الله ونهاية عرائهم وخلوهم عن نور الايمان إِذا رَأَيْتَهُمْ يا أكمل الرسل تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ اى سمنها وضخامتها وَإِنْ يَقُولُوا ايضا كلاما تَسْمَعْ أنت لِقَوْلِهِمْ لفصاحتهم وحلاوة نظمهم الا انهم لخلوهم عن العلم اللدني والرشد الجبلي والصفاء الفطري الذاتي الذي هي عبارة عن نقود ارباب المحبة والولاء كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ يابسة فاقدة للقابلية الفطرية مُسَنَّدَةٌ على جواهر الجهل والبلادة ومع ذلك يَحْسَبُونَ يظنون ويترقبون من شدة شكيمتهم وغيظهم على المؤمنين كُلَّ صَيْحَةٍ واقعة عَلَيْهِمْ مسموعة لهم هُمُ الْعَدُوُّ يصيح عليهم ليهلكهم وبعد ما صار بغضهم مع المؤمنين ووهمهم ومخافتهم من العدو بهذه الحيثية فَاحْذَرْهُمْ يا أكمل الرسل واترك مصاحبتهم واحترز من غيلتهم وطغيانهم إذ الخائن الخائف ربما يصول بلا سبب وداع عليه وقل في شأنهم دعاء عليهم قاتَلَهُمُ اللَّهُ المنتقم الغيور أَنَّى يُؤْفَكُونَ وكيف يصرفون ومن اين ينحرفون عن الحق الصريح الى الباطل الغير الصحيح مع انه لا ضرورة تلجئهم اليه
وَمن شدة بغضهم وضغينتهم مع المؤمنين المخلصين إِذا قِيلَ لَهُمْ امحاضا للنصح تَعالَوْا هلموا ايها المسرفون المفرطون الى مجلس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ ويطلب المغفرة لكم من العفو الغفور لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وعطفوا أعناقهم عن القبول معتذرين باعذار كاذبة مخافة وصونا وَرَأَيْتَهُمْ ايها الرائي حينئذ في وجوههم التي هي عنوان بواطنهم وقلوبهم آثار الكفر والعناد ظاهرة لذلك يَصُدُّونَ ويعرضون عن المؤمنين مسرعين معتذرين وَهُمْ في أنفسهم مُسْتَكْبِرُونَ عن القبول والاعتذار وبالجملة
سَواءٌ عَلَيْهِمْ يا أكمل الرسل أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ من الله المنتقم الغيور أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ العليم الحكيم المتقن في عموم الأفعال ابدا إِنَّ اللَّهَ المطلع على ما في استعدادات عباده لا يَهْدِي ولا يرشد الى جادة توحيده الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ منهم الخارجين عن مقتضى الحدود الاسلامية وكيف يهديهم ويغفر لهم سبحانه مع انهم
هُمُ القوم المسرفون الَّذِينَ يَقُولُونَ للأنصار من نهاية عداوتهم وبغضهم مع الرسول والمؤمنين لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ يعنون فقراء المهاجرين حَتَّى يَنْفَضُّوا وينتشروا بعد ما اضطروا من حوله وَلم يعلموا هؤلاء الغفلة الضالون والجهلة الهالكون في تيه الجهل والعناد ان لِلَّهِ وفي قبضة قدرته وتحت ضبطه وملكته خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ اى الكنوز المكنونة المطوية في ضمن العلويات
يَقُولُونَ على سبيل التهور والتهديد لَئِنْ رَجَعْنا من سفرنا هذا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ يريدون أنفسهم مِنْهَا اى المدينة الْأَذَلَّ يريدون المؤمنين وذلك ان أعرابيا من المهاجرين نازع أنصاريا في بعض الغزوات على ماء فضرب الأعرابي رأسه بخشبة فشكى الى ابن ابى وملائه فقالوا حينئذ لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا وإذا رجعنا الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وَلم يعلموا أولئك الغواة الطغاة الضالون في تيه العتو والعناد انه لِلَّهِ الْعِزَّةُ والقوة والغلبة اصالة وَلِرَسُولِهِ تبعا وَلِلْمُؤْمِنِينَ بمتابعة الرسول وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ عزته وعزة اهل الله لفرط جهلهم وغرورهم بأموالهم وأولادهم لذلك يحصرون العزة والقوة لأنفسهم. ثم قال سبحانه تسلية للمؤمنين مشتملة على نوع من التعريض والحث والترغيب
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مقتضى ايمانكم ان لا تلتفتوا لعزة الدنيا ولا تغتروا بكثرة الأموال والأولاد فيها لا تُلْهِكُمْ ولا تشغلكم أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وعن التوجه نحوه والركون اليه في مطلق الأحوال وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ والتفت الى مزخرفات الدنيا وشغل بها عن الله فَأُولئِكَ البعداء المشغولون بالخسيس الأدنى عن الشريف الأعلى هُمُ الْخاسِرُونَ المقصورون على الخسران الكلى والحرمان الحقيقي لاستبدالهم الباقي بالفاني والزاهق الزائل بالقار القديم
وَبعد ما سمعتم مآل أموالكم وما يتفرع عليها من الحرمان والخسران أَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ وسقنا نحوكم من اموال الدنيا وزخارفها مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ يعنى أنفقوا قبل حلول الأجل وظهور امارات الموت وعلامات الفزع فَيَقُولَ المحتضر منكم حينئذ متحسرا متمنيا رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي وهلا أمهلتني يا رب إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ وأمد غير بعيد فَأَصَّدَّقَ وأتصدق من مالي هذا على الوجه المأمور طلبا لمرضاتك وَبعد التصدق أَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ المنفقين الممتثلين لأمرك المقبولين عندك يا ربي
وَاعلموا ايها المؤمنون يقينا انه لَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ الحكيم العليم نَفْساً ولن يمهلها ابدا إِذا جاءَ أَجَلُها وحل ما قدر لها من الوقت الذي قدر فيه رد الامانة وكذا لن يقدمها عليه أصلا فعليكم التدارك والتلافي قبل حلول الأجل وَبالجملة اللَّهُ المراقب عليكم في عموم أحوالكم خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ في ايام حياتكم من خير وشر فيجازيكم على مقتضى خبرته بلا فوت شيء من عملكم خيرا كان او شرا
خاتمة سورة المنافقين
عليك ايها المحمدي المنكشف برجوع العكوس والاظلال الظاهرة الحادثة الى ما منه بدت وظهرت ألا وهي شمس الوحدة الذاتية ان تعرف ان اظهار المظاهر وبسط الظل عليها وامتداده فيها انما هو بغتة بلا سبق مادة ومدة وآلة ومقدمة كذلك القبض والإخفاء انما يكون كذلك فلك ان تكون في مدة ظهورك على ذكر من ربك بحيث لا يشغلك عن ذكره شيء ساعة ولا تغفل عنه وعن التوجه نحوه لحظة وطرفة فإنك ما تدرى متى يحل الأجل فإذا حل لم يمكنك التدارك والتلافي. جعلنا الله من زمرة المستيقظين في عموم الأحوال بمنه وجوده