ﰡ
﴿ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴾ خبران آخران. قوله: ﴿ يَوْمَئِذٍ ﴾ أي يوم إذ غشيت، فالتنوين عوض عن جملة. إن قلت: إنه لم يتقدمها جملة يصح أن يكون التنوين عوضاً عنها. أجيب: بأن تقدمها لفظ الغاشية، وهو في معنى الجملة، لأن أل موصولة باسم الفاعل، فكأنه قال التي غشيت، فالتنوين عوض عن هذه الجملة التي انحل لفظ الغاشية إليها. قوله: (عبر بها عن الذوات) أي فهو مجاز مرسل من التعبير عن الكل بالجزء، خص الوجه لأنه أشرف الأعضاء، ولأنه يظهر عليه ذلك أولاً. قوله: (بالسلاسل والأغلال) أي بسبب جر السلاسل وحمل الأغلال، وكذلك يخوضون في النار خوض الإبل في الوحل، والصعود والهبوط في تلال النار، قال تعالى:﴿ إِذِ ٱلأَغْلاَلُ فِيۤ أَعْنَاقِهِمْ وٱلسَّلاَسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي ٱلْحَمِيمِ ثُمَّ فِي ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ ﴾[غافر: ٧١-٧٢] وهذا جزاء لما ارتكبوه من إراحة أبدانهم في اللذات والشهوات قال سعيد بن جبير: تكبرت في الدنيا عن طاعة الله تعالى، فأعملها الله تعالى وأنصبها في النار، بجر السلاسل الثقال وحمل الأغلال والوقوف حفاة عراة في العرصات، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. قوله: (بضم التاء وفتحها) أي فهما قراءتان سبعيتان، والضمير للوجوه على كل. قوله: ﴿ نَاراً حَامِيَةً ﴾ أي لأنه أوقد عليها مدة طويلة، ففي الحديث:" أحمى عليها ألف سنة حتى احمرت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة ". قوله: ﴿ آنِيَةٍ ﴾ أي بلغت أناها في الحرارة، والمعنى انتهى حرها. قوله: ﴿ لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ ﴾ قال أبو الدرداء والحسن: إن الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع، حتى يعدل عندهم ما هم فيه من العذاب، فيستغيثون فيغاثون بالضريع، وهو ذو غصة فيغصون به، فيذكرون أنهم كانوا يحيزون الغصص في الدنيا بالماء، فيستسقون فيعطشهم ألف سنة، ثم يسقون من عين آنية، لا هنيئة ولا مريئة، فإذا أدنوه من وجوههم، سلخ جلود وجوههم وشواها، فإذا وصل بطونهم قطعها، فذلك قوله تعالى﴿ وَإِن يَسْتَغِيثُواْ يُغَاثُواْ بِمَآءٍ كَٱلْمُهْلِ يَشْوِي ٱلْوجُوهَ ﴾[الكهف: ٢٩] وقوله تعالى:﴿ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ ﴾[محمد: ١٥].
إن قلت: كيف حصر الطعام هنا في الضريع، مع أنه في الحاقة قال:﴿ وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ ﴾[الحاقة: ٣٦]؟ أجيب أن العذاب ألوان، والمعذبون أنواع، فمنهم من يكون طعامه الزقوم، ومنهم من يكون طعامه الضريع، ومنهم ما يكون الغسلين، وهكذا. قوله: ﴿ لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ ﴾ كل منهما صفة لضريع، والمعنى: لا يحصل السمن لآكله، ولا يدفع عنه جوعاً.
قوله: ﴿ فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ ﴾ أي على وجه الأرض من غير أخدود، لا ينقطع جريها أبداً، والمراد بالعين الجنس الصادق بالأنهار المتقدم ذكرها في سورة محمد عليه السلام. قوله: ﴿ فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ ﴾ قال ابن عباس: ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت، مرتفعة في السماء ما لم يجيء أهلها، فإذا أراد أن يجلس عليها صاحبها، تواضعت حتى يجلس عليها ثم ترتفع إلى مواضعها. قوله: ﴿ وَأَكْوَابٌ ﴾ جمع كوب. قوله: (لا عرى لها) أي ولا خرطوم. قوله: (معدة لشربهم) أي فكلما أرادوا الشرب وجدوها مملوءة بالشراب، ويصح أن المراد موضوعة بين أيديهم يلتذذون بالنظر إليها، ويصح أن المراد موضوعة عن حد الكبر فهي متوسطة، وحينئذ فيكون نظير قوله تعالى:﴿ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً ﴾[الإنسان: ١٦].
قوله: ﴿ وَنَمَارِقُ ﴾ جمع نمرقة بضم النون والراء وكسرهما لغتان. قوله: (وسائد) جمع وسادة وهي المعروفة بالمخدة. قوله: ﴿ مَصْفُوفَةٌ ﴾ أي فوق الطنافس. قوله: ﴿ وَزَرَابِيُّ ﴾ جمع زريبة بتثليث الزاي. قوله: (طنافس) جمع طنفسة بتثليث الفاء والطاء، ففيه تسع لغات صفة لبسط، وتسمى أيضاً السجادة، فلها ثلاثة أسماء: سجادة وطنفسة وزريبة.
﴿ حِسَابَهُمْ ﴾ عليه تعالى، فإنهما أمران مستمران، وجمع الضمير في ﴿ إِيَابَهُمْ ﴾ و ﴿ حِسَابَهُمْ ﴾ باعتبار معنى من.