تفسير سورة الأعلى

التفسير الحديث
تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب التفسير الحديث .
لمؤلفه دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ
تتضمن السورة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقديس اسم الله، وإيذانا له بأن الله مسيره في طريق اليسر، وأمره بالتذكير وتبشير المستجيبين بالفلاح وإنذار المتمردين بالنار. وأسلوبها يلهم أنها بسبيل عرض عام للدعوة وأهدافها ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم. وليس فيها مواقف ومشاهد جدلية، ولعلها نزلت بعد الفاتحة. أو نزلت قبل نزول ما تضمن حكاية مواقف الكفار وأقوالهم والرد عليهم.

بسم الله الرحمن الرحيم

- التسبيح : التنزيه والتقديس عن كل ما لا يليق.
﴿ سَبِّحِ١ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى( ١ ) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى٢( ٢ ) وَالَّذِي٣ قَدَّرَ فَهَدَى( ٣ ) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى( ٤ ) فَجَعَلَهُ غُثَاء ٤ أَحْوَى٥ ( ٥ ) سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى( ٦ ) إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى( ٧ ) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى٦ ( ٨ ) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى( ٩ ) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى( ١٠ ) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى( ١١ ) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى( ١٢ ) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى( ١٣ ) ﴾ [ ١- ١٣ ].
الخطاب في الآيات موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت :

١-
أمره بتقديس اسم ربّه الأعلى الذي يستحق كل تقديس وتنزيه. فهو الذي خلق كل شيء وسوّاه على أتم وجه. وهو الذي رتب وحسب في الخلق كل أمر. وأودع في خلقه قابلية الهدى. وهو الذي أنبت النبات ثم جعله جافاً متكسراً أسود اللون بالناموس الذي أودعه في الكون بعدما كان أخضر لينا.

٢-
وتنبيها له بأنه سيوحى إليه بالقرآن ويعلمه إياه، فلا ينسى منه شيئا إلا ما شاء الله، فهو العليم بكل شيء ظاهر وخفي وبمقتضيات كل حال، وبأنه سييسره في أسهل السبل وأيسرها، وبأن عليه أن يدعو الناس إليها ويذكرهم لعل الذكرى تنفعهم وهذه مهمته.

٣-
وتقريراً بأن الناس إزاء الذكرى فريقان : تقي صالح، وشقي آثم. فالأول هو : الذي يخشى العاقبة فيتقبل الدعوة وينتفع بالذكرى، والثاني هو : الذي لا يخشى العاقبة فيعرض عن الدعوة والذكرى، فيكون جزاؤه النار الهائلة التي لا يموت فيها فيستريح، ولا يأمل الخلاص منها والحياة الآمنة المطمئنة.
وليس في الآيات إشارة إلى موقف خاص لمكذبين ومناوئين، وإنما هي بسبيل عرض عام للدعوة ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب رصين وهادئ معا.
تعليق على وصف ﴿ الأعلى ﴾
ولقد استنبط بعض أصحاب المذاهب الكلامية من صوف ﴿ الأعلى ﴾ الذي وصف به الله عز وجل أنه سبحانه وتعالى في السماء ونقول تعليقاً على ذلك أن الله تعالى منزّّه عن الجسمانية والجهة وأن في القرآن آيات عديدة تذكر أنه في السماء إله وفي الأرض إله وأنه ربّ السماوات وربّ الأرض مثل آيات سورة الزخرف هذه :﴿ سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ( ٨٢ ) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ ( ٨٣ ) وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ( ٨٤ ) وَتَبَارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ( ٨٥ ) ﴾ والمتبادر أن وصفه بالأعلى يهدف إلى تقرير وصفه بالعلوّ عن كل شيء الذي يدانيه في عظمته وقوته وتساميه شيء. و لقد روى الإمام أحمد عن عقبة بن عامر الجهني قال :( لما نزلت ﴿ سبح اسم ربك الأعلى ﴾ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اجعلوها في سجودكم )١ فجرى المسلمون من لدن النبي صلى الله عليه وسلم بدون انقطاع على ذكر هذه الصيغة مرات في كل سجدة يسجدونها مما فيه معنى لطيف متصل بالهدف المذكور فيما يتبادر لنا من حيث تضمنه الاعتراف لله بصفة العلوّ عن كل شيء في حالة السجود التي تمثل أروع حالات الخضوع لله عز وجل.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تنبيه على ما أسبغه القرآن والسنة النبوية على التسبيح من حفاوة.
وبمناسبة الأمر بتسبيح الله تعالى في مفتتح السورة نقول : إن الأوامر القرآنية للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بتسبيح الله تعالى قد تكررت كثيراً. منها ما فيه أمر بالتسبيح في أوقات معينة، ومنها ما فيه أمر بالتسبيح مطلقاً أو في كل وقت. ومنها ما فيه أمر بالتسبيح باسم الله أو التسبيح بحمد الله. ومن السنن النبوية الصحيحة المعمول بها بدون انقطاع صيغة ( سبحان الله العظيم ) في كل ركوع من كل صلاة وصيغة ( سبحان ربي الأعلى ) في كل سجود من كل صلاة. حيث تتساوق السنة النبوية مع الأوامر القرآنية.
والتسبيح هو تقديس وتنزيه وذكر لله عز وجل وثناء عليه بما هو أهله. بحيث يسوغ القول : إن الأوامر القرآنية والنبوية بمواصلة تسبيح الله تعالى قد هدفت إلى جعل المسلم يديم ذكر الله في كل وقت مقدساً منزهاً مثنياً حامداً مستعيذاً. ولا شك في أن المسلم الذي يداوم على ذلك بصدق وقلب وإيمان يظل مستشعراً بالله عز وجل مراقباً جانبه في كل ما يفعل فيجعله ذلك حريصاً على تنفيذ أوامره واجتناب نواهيه. ويكون له بذلك وسيلة عظمى من وسائل التربية الروحية والأخلاقية والاجتماعية.
ولقد أثرت أحاديث نبوية عديدة فيها صيغ التسبيح بسبيل تعليم المسلمين وبيان لما في التسبيح من ثواب وقربى عند الله عز وجل. فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم و أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله قالت :( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي )١وما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عنها أيضا :( أنه كان يقول في ركوعه وسجوده سبوحٌ قدوسٌ ربُّ الملائكة والروح )٢. وما رواه الترمذي وأبو داود عن عبد الله قال :( قال النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه : سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، وإذا سجد فقال في سجوده : سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده، وذلك أدناه )٣ وما رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن جويرية :( أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجَعَ بعد أن أ ضحى وهي جالسةٌ فقال : ما زلت على الحال التي فارقتك عليها ؟ قالت : نعم. قال : لقد قلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنَّ : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته )٤.
وما رواه مسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وأبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : من قال حين يصبح وحين يمسي : سبحان الله وبحمده مئة مرة لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه )٥. وما رواه أبو داود :( كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعلّم بعض بناته فيقول قولي حين تصبحينَ سبحان الله وبحمده ولا قوة إلا به، ما شاء كان ما ولم يشاء لم يكن، أعلم أن الله على كل شيء قد ير، وأن الله قد أحاطَ بكلّ شيء علماً، فإنه من قالهنَّ حين يصبح حفظ حتى يمسي ومن قالهنّ حين يمسي حفظ حتى يصبح )٦. وما رواه أبو داود كذلك عن ابن عباس قال :( قال النبيّ صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح ﴿ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ﴾ إلى ﴿ تخرجون ﴾٧ أدرك ما فاته في يومه ذلك، ومن قالهن حين يمسي أدركَ ما فاته في ليلته )٨.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال : إن الانتفاع بالتسبيح رهن بالإخلاص فيه وعدم اقتصاره على الحركة اللسانية التي لا يستشعر صاحبها بما فيه من تذكير وتنبيه وحافز على مراقبة الله عز وجل وتقواه. والله أعلم.


١ - أورد الحديث المفسر ابن كثير في سياق هذه السورة وفي سياق سورة الواقعة..
- سوّى : أتقن وجعل الشيء سويّاً تاماً.
﴿ سَبِّحِ١ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى( ١ ) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى٢( ٢ ) وَالَّذِي٣ قَدَّرَ فَهَدَى( ٣ ) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى( ٤ ) فَجَعَلَهُ غُثَاء ٤ أَحْوَى٥ ( ٥ ) سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى( ٦ ) إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى( ٧ ) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى٦ ( ٨ ) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى( ٩ ) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى( ١٠ ) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى( ١١ ) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى( ١٢ ) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى( ١٣ ) ﴾ [ ١- ١٣ ].
الخطاب في الآيات موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت :

١-
أمره بتقديس اسم ربّه الأعلى الذي يستحق كل تقديس وتنزيه. فهو الذي خلق كل شيء وسوّاه على أتم وجه. وهو الذي رتب وحسب في الخلق كل أمر. وأودع في خلقه قابلية الهدى. وهو الذي أنبت النبات ثم جعله جافاً متكسراً أسود اللون بالناموس الذي أودعه في الكون بعدما كان أخضر لينا.

٢-
وتنبيها له بأنه سيوحى إليه بالقرآن ويعلمه إياه، فلا ينسى منه شيئا إلا ما شاء الله، فهو العليم بكل شيء ظاهر وخفي وبمقتضيات كل حال، وبأنه سييسره في أسهل السبل وأيسرها، وبأن عليه أن يدعو الناس إليها ويذكرهم لعل الذكرى تنفعهم وهذه مهمته.

٣-
وتقريراً بأن الناس إزاء الذكرى فريقان : تقي صالح، وشقي آثم. فالأول هو : الذي يخشى العاقبة فيتقبل الدعوة وينتفع بالذكرى، والثاني هو : الذي لا يخشى العاقبة فيعرض عن الدعوة والذكرى، فيكون جزاؤه النار الهائلة التي لا يموت فيها فيستريح، ولا يأمل الخلاص منها والحياة الآمنة المطمئنة.
وليس في الآيات إشارة إلى موقف خاص لمكذبين ومناوئين، وإنما هي بسبيل عرض عام للدعوة ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب رصين وهادئ معا.
قدّر : حسب ورتب.
﴿ سَبِّحِ١ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى( ١ ) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى٢( ٢ ) وَالَّذِي٣ قَدَّرَ فَهَدَى( ٣ ) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى( ٤ ) فَجَعَلَهُ غُثَاء ٤ أَحْوَى٥ ( ٥ ) سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى( ٦ ) إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى( ٧ ) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى٦ ( ٨ ) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى( ٩ ) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى( ١٠ ) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى( ١١ ) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى( ١٢ ) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى( ١٣ ) ﴾ [ ١- ١٣ ].
الخطاب في الآيات موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت :

١-
أمره بتقديس اسم ربّه الأعلى الذي يستحق كل تقديس وتنزيه. فهو الذي خلق كل شيء وسوّاه على أتم وجه. وهو الذي رتب وحسب في الخلق كل أمر. وأودع في خلقه قابلية الهدى. وهو الذي أنبت النبات ثم جعله جافاً متكسراً أسود اللون بالناموس الذي أودعه في الكون بعدما كان أخضر لينا.

٢-
وتنبيها له بأنه سيوحى إليه بالقرآن ويعلمه إياه، فلا ينسى منه شيئا إلا ما شاء الله، فهو العليم بكل شيء ظاهر وخفي وبمقتضيات كل حال، وبأنه سييسره في أسهل السبل وأيسرها، وبأن عليه أن يدعو الناس إليها ويذكرهم لعل الذكرى تنفعهم وهذه مهمته.

٣-
وتقريراً بأن الناس إزاء الذكرى فريقان : تقي صالح، وشقي آثم. فالأول هو : الذي يخشى العاقبة فيتقبل الدعوة وينتفع بالذكرى، والثاني هو : الذي لا يخشى العاقبة فيعرض عن الدعوة والذكرى، فيكون جزاؤه النار الهائلة التي لا يموت فيها فيستريح، ولا يأمل الخلاص منها والحياة الآمنة المطمئنة.
وليس في الآيات إشارة إلى موقف خاص لمكذبين ومناوئين، وإنما هي بسبيل عرض عام للدعوة ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب رصين وهادئ معا.
- غثاء : النبات اليابس المتكسر الذي تحركه الرياح وتجره المياه.
- أحوى : أسود أو ضارب للسواد.
﴿ سَبِّحِ١ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى( ١ ) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى٢( ٢ ) وَالَّذِي٣ قَدَّرَ فَهَدَى( ٣ ) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى( ٤ ) فَجَعَلَهُ غُثَاء ٤ أَحْوَى٥ ( ٥ ) سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى( ٦ ) إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى( ٧ ) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى٦ ( ٨ ) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى( ٩ ) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى( ١٠ ) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى( ١١ ) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى( ١٢ ) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى( ١٣ ) ﴾ [ ١- ١٣ ].
الخطاب في الآيات موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت :

١-
أمره بتقديس اسم ربّه الأعلى الذي يستحق كل تقديس وتنزيه. فهو الذي خلق كل شيء وسوّاه على أتم وجه. وهو الذي رتب وحسب في الخلق كل أمر. وأودع في خلقه قابلية الهدى. وهو الذي أنبت النبات ثم جعله جافاً متكسراً أسود اللون بالناموس الذي أودعه في الكون بعدما كان أخضر لينا.

٢-
وتنبيها له بأنه سيوحى إليه بالقرآن ويعلمه إياه، فلا ينسى منه شيئا إلا ما شاء الله، فهو العليم بكل شيء ظاهر وخفي وبمقتضيات كل حال، وبأنه سييسره في أسهل السبل وأيسرها، وبأن عليه أن يدعو الناس إليها ويذكرهم لعل الذكرى تنفعهم وهذه مهمته.

٣-
وتقريراً بأن الناس إزاء الذكرى فريقان : تقي صالح، وشقي آثم. فالأول هو : الذي يخشى العاقبة فيتقبل الدعوة وينتفع بالذكرى، والثاني هو : الذي لا يخشى العاقبة فيعرض عن الدعوة والذكرى، فيكون جزاؤه النار الهائلة التي لا يموت فيها فيستريح، ولا يأمل الخلاص منها والحياة الآمنة المطمئنة.
وليس في الآيات إشارة إلى موقف خاص لمكذبين ومناوئين، وإنما هي بسبيل عرض عام للدعوة ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب رصين وهادئ معا.
﴿ سَبِّحِ١ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى( ١ ) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى٢( ٢ ) وَالَّذِي٣ قَدَّرَ فَهَدَى( ٣ ) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى( ٤ ) فَجَعَلَهُ غُثَاء ٤ أَحْوَى٥ ( ٥ ) سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى( ٦ ) إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى( ٧ ) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى٦ ( ٨ ) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى( ٩ ) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى( ١٠ ) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى( ١١ ) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى( ١٢ ) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى( ١٣ ) ﴾ [ ١- ١٣ ].
الخطاب في الآيات موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت :

١-
أمره بتقديس اسم ربّه الأعلى الذي يستحق كل تقديس وتنزيه. فهو الذي خلق كل شيء وسوّاه على أتم وجه. وهو الذي رتب وحسب في الخلق كل أمر. وأودع في خلقه قابلية الهدى. وهو الذي أنبت النبات ثم جعله جافاً متكسراً أسود اللون بالناموس الذي أودعه في الكون بعدما كان أخضر لينا.

٢-
وتنبيها له بأنه سيوحى إليه بالقرآن ويعلمه إياه، فلا ينسى منه شيئا إلا ما شاء الله، فهو العليم بكل شيء ظاهر وخفي وبمقتضيات كل حال، وبأنه سييسره في أسهل السبل وأيسرها، وبأن عليه أن يدعو الناس إليها ويذكرهم لعل الذكرى تنفعهم وهذه مهمته.

٣-
وتقريراً بأن الناس إزاء الذكرى فريقان : تقي صالح، وشقي آثم. فالأول هو : الذي يخشى العاقبة فيتقبل الدعوة وينتفع بالذكرى، والثاني هو : الذي لا يخشى العاقبة فيعرض عن الدعوة والذكرى، فيكون جزاؤه النار الهائلة التي لا يموت فيها فيستريح، ولا يأمل الخلاص منها والحياة الآمنة المطمئنة.
وليس في الآيات إشارة إلى موقف خاص لمكذبين ومناوئين، وإنما هي بسبيل عرض عام للدعوة ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب رصين وهادئ معا.
تعليق على جملة
﴿ سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله ﴾
ومسألة جواز النسيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وتعليقا على هذه الجملة نقول : إن في القرآن والحديث ما يسيغ القول بجواز النسيان على رسول الله صلى الله عليه وسلم. من ذلك آية سورة الكهف هذه :﴿ وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا( ٢٣ ) إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا( ٢٤ ) ﴾ [ ٢٣- ٢٤ ] وقد روي أن الآيات نزلت لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعد بالإجابة على أمر دون أن يقول إن شاء الله على ما سوف نشرحه في مناسبتها. ومن ذلك آية سورة الأنعام هذه :﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ( ٦٨ ) ﴾ والنبي صلى الله عليه وسلم داخل في مدى التعليم القرآني المنطوي في آية البقرة هذه :﴿ ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا( ٢٨٦ ) ﴾ على ما يلهمه سياقها.
ومن الحديث ما رواه الخمسة عن عبد الله قال :( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلّى الظهر خمساً فقيل له : أزيد في الصلاة ؟ فقال : وما ذاك ؟ قال : صليت خمسا فسجد سجدتين بعدما سلّم ). وفي رواية قال :( أنا بشرٌ مثلكم أذكرُ كَمَا تذكرونَ وأنسى كما تنسون ثم سجد سجدَتي السّهو )١.
غير أن الجملة كما يتبادر لنا توجب على المسلم أن يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن ينسى تبليغ شيء من القرآن يوحي الله به إليه إلا ما شاء الله أن ينساه. وتكون هذه في الحالة من نوع النسخ القرآني على ما سوف نشرحه في سياق تفسير إحدى آيات سورة النحل لأن ذلك أكثر ملاءمة. والله تعالى أعلم.
١ التاج الجامع ج ١ ص ١٩٧، وهناك أحاديث صحيحة أخرى من هذا الباب فاكتفينا بهذا الحديث..
-اليسرى : مؤنث الأيسر أي الأسهل، من اليسر.
﴿ سَبِّحِ١ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى( ١ ) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى٢( ٢ ) وَالَّذِي٣ قَدَّرَ فَهَدَى( ٣ ) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى( ٤ ) فَجَعَلَهُ غُثَاء ٤ أَحْوَى٥ ( ٥ ) سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى( ٦ ) إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى( ٧ ) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى٦ ( ٨ ) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى( ٩ ) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى( ١٠ ) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى( ١١ ) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى( ١٢ ) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى( ١٣ ) ﴾ [ ١- ١٣ ].
الخطاب في الآيات موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت :

١-
أمره بتقديس اسم ربّه الأعلى الذي يستحق كل تقديس وتنزيه. فهو الذي خلق كل شيء وسوّاه على أتم وجه. وهو الذي رتب وحسب في الخلق كل أمر. وأودع في خلقه قابلية الهدى. وهو الذي أنبت النبات ثم جعله جافاً متكسراً أسود اللون بالناموس الذي أودعه في الكون بعدما كان أخضر لينا.

٢-
وتنبيها له بأنه سيوحى إليه بالقرآن ويعلمه إياه، فلا ينسى منه شيئا إلا ما شاء الله، فهو العليم بكل شيء ظاهر وخفي وبمقتضيات كل حال، وبأنه سييسره في أسهل السبل وأيسرها، وبأن عليه أن يدعو الناس إليها ويذكرهم لعل الذكرى تنفعهم وهذه مهمته.

٣-
وتقريراً بأن الناس إزاء الذكرى فريقان : تقي صالح، وشقي آثم. فالأول هو : الذي يخشى العاقبة فيتقبل الدعوة وينتفع بالذكرى، والثاني هو : الذي لا يخشى العاقبة فيعرض عن الدعوة والذكرى، فيكون جزاؤه النار الهائلة التي لا يموت فيها فيستريح، ولا يأمل الخلاص منها والحياة الآمنة المطمئنة.
وليس في الآيات إشارة إلى موقف خاص لمكذبين ومناوئين، وإنما هي بسبيل عرض عام للدعوة ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب رصين وهادئ معا.
﴿ سَبِّحِ١ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى( ١ ) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى٢( ٢ ) وَالَّذِي٣ قَدَّرَ فَهَدَى( ٣ ) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى( ٤ ) فَجَعَلَهُ غُثَاء ٤ أَحْوَى٥ ( ٥ ) سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى( ٦ ) إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى( ٧ ) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى٦ ( ٨ ) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى( ٩ ) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى( ١٠ ) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى( ١١ ) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى( ١٢ ) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى( ١٣ ) ﴾ [ ١- ١٣ ].
الخطاب في الآيات موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت :

١-
أمره بتقديس اسم ربّه الأعلى الذي يستحق كل تقديس وتنزيه. فهو الذي خلق كل شيء وسوّاه على أتم وجه. وهو الذي رتب وحسب في الخلق كل أمر. وأودع في خلقه قابلية الهدى. وهو الذي أنبت النبات ثم جعله جافاً متكسراً أسود اللون بالناموس الذي أودعه في الكون بعدما كان أخضر لينا.

٢-
وتنبيها له بأنه سيوحى إليه بالقرآن ويعلمه إياه، فلا ينسى منه شيئا إلا ما شاء الله، فهو العليم بكل شيء ظاهر وخفي وبمقتضيات كل حال، وبأنه سييسره في أسهل السبل وأيسرها، وبأن عليه أن يدعو الناس إليها ويذكرهم لعل الذكرى تنفعهم وهذه مهمته.

٣-
وتقريراً بأن الناس إزاء الذكرى فريقان : تقي صالح، وشقي آثم. فالأول هو : الذي يخشى العاقبة فيتقبل الدعوة وينتفع بالذكرى، والثاني هو : الذي لا يخشى العاقبة فيعرض عن الدعوة والذكرى، فيكون جزاؤه النار الهائلة التي لا يموت فيها فيستريح، ولا يأمل الخلاص منها والحياة الآمنة المطمئنة.
وليس في الآيات إشارة إلى موقف خاص لمكذبين ومناوئين، وإنما هي بسبيل عرض عام للدعوة ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب رصين وهادئ معا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:التلقين المنطوي في الآيتين
﴿ سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى ﴾
ولقد احتوت الآيتان [ ١٠- ١١ ] تلقيناً جليلاً مستمداً من الوصف الذي وصف به الفريقين اللذين أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بتذكيرهما ودعوتهما. فالذي يعرض عن دعوة الحق هو شقي بطبعه عن نية خبيثة وطوية فاسدة وخلق بعكس الذي يتأثر بدعوة الحق ويستجيب إليها فإنه يصدر عن نية حسنة وطوية سليمة وخلق فاضل ويخشى العاقبة ويسارع إلى رضاء الله.
وينطوي في هذا تقرير كون الاستجابة والإعراض عملين اختياريين يقدم من يقدم عليهما بدافع من عقله وطبعه وخلقه وطويته. وفي الآية [ ٣ ] تأييد لهذا التقرير ؛ حيث تقرر أن الله قد أودع في الناس قابلية الهدى والسير في طريق الحق والخير والصواب. فمن لم ينتفع بها فيكون هو الشقي الذي اختار لنفسه طريق الضلال المؤدية إلى الهلاك والخسران، والمتبادر أن هذا مبدأ من المبادئ المحكمة التي نوهنا بها في سياق تفسير سورة المدثر، والتي ينبغي النظر في إشكالات بعض الآيات والعبارات القرآنية في ضوئها.

﴿ سَبِّحِ١ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى( ١ ) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى٢( ٢ ) وَالَّذِي٣ قَدَّرَ فَهَدَى( ٣ ) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى( ٤ ) فَجَعَلَهُ غُثَاء ٤ أَحْوَى٥ ( ٥ ) سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى( ٦ ) إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى( ٧ ) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى٦ ( ٨ ) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى( ٩ ) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى( ١٠ ) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى( ١١ ) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى( ١٢ ) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى( ١٣ ) ﴾ [ ١- ١٣ ].
الخطاب في الآيات موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت :

١-
أمره بتقديس اسم ربّه الأعلى الذي يستحق كل تقديس وتنزيه. فهو الذي خلق كل شيء وسوّاه على أتم وجه. وهو الذي رتب وحسب في الخلق كل أمر. وأودع في خلقه قابلية الهدى. وهو الذي أنبت النبات ثم جعله جافاً متكسراً أسود اللون بالناموس الذي أودعه في الكون بعدما كان أخضر لينا.

٢-
وتنبيها له بأنه سيوحى إليه بالقرآن ويعلمه إياه، فلا ينسى منه شيئا إلا ما شاء الله، فهو العليم بكل شيء ظاهر وخفي وبمقتضيات كل حال، وبأنه سييسره في أسهل السبل وأيسرها، وبأن عليه أن يدعو الناس إليها ويذكرهم لعل الذكرى تنفعهم وهذه مهمته.

٣-
وتقريراً بأن الناس إزاء الذكرى فريقان : تقي صالح، وشقي آثم. فالأول هو : الذي يخشى العاقبة فيتقبل الدعوة وينتفع بالذكرى، والثاني هو : الذي لا يخشى العاقبة فيعرض عن الدعوة والذكرى، فيكون جزاؤه النار الهائلة التي لا يموت فيها فيستريح، ولا يأمل الخلاص منها والحياة الآمنة المطمئنة.
وليس في الآيات إشارة إلى موقف خاص لمكذبين ومناوئين، وإنما هي بسبيل عرض عام للدعوة ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب رصين وهادئ معا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:التلقين المنطوي في الآيتين
﴿ سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى ﴾
ولقد احتوت الآيتان [ ١٠- ١١ ] تلقيناً جليلاً مستمداً من الوصف الذي وصف به الفريقين اللذين أمر الله النبي صلى الله عليه وسلم بتذكيرهما ودعوتهما. فالذي يعرض عن دعوة الحق هو شقي بطبعه عن نية خبيثة وطوية فاسدة وخلق بعكس الذي يتأثر بدعوة الحق ويستجيب إليها فإنه يصدر عن نية حسنة وطوية سليمة وخلق فاضل ويخشى العاقبة ويسارع إلى رضاء الله.
وينطوي في هذا تقرير كون الاستجابة والإعراض عملين اختياريين يقدم من يقدم عليهما بدافع من عقله وطبعه وخلقه وطويته. وفي الآية [ ٣ ] تأييد لهذا التقرير ؛ حيث تقرر أن الله قد أودع في الناس قابلية الهدى والسير في طريق الحق والخير والصواب. فمن لم ينتفع بها فيكون هو الشقي الذي اختار لنفسه طريق الضلال المؤدية إلى الهلاك والخسران، والمتبادر أن هذا مبدأ من المبادئ المحكمة التي نوهنا بها في سياق تفسير سورة المدثر، والتي ينبغي النظر في إشكالات بعض الآيات والعبارات القرآنية في ضوئها.

﴿ سَبِّحِ١ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى( ١ ) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى٢( ٢ ) وَالَّذِي٣ قَدَّرَ فَهَدَى( ٣ ) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى( ٤ ) فَجَعَلَهُ غُثَاء ٤ أَحْوَى٥ ( ٥ ) سَنُقْرِؤُكَ فَلَا تَنسَى( ٦ ) إِلَّا مَا شَاء اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى( ٧ ) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى٦ ( ٨ ) فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذِّكْرَى( ٩ ) سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى( ١٠ ) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى( ١١ ) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى( ١٢ ) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى( ١٣ ) ﴾ [ ١- ١٣ ].
الخطاب في الآيات موجه للنبي صلى الله عليه وسلم وقد تضمنت :

١-
أمره بتقديس اسم ربّه الأعلى الذي يستحق كل تقديس وتنزيه. فهو الذي خلق كل شيء وسوّاه على أتم وجه. وهو الذي رتب وحسب في الخلق كل أمر. وأودع في خلقه قابلية الهدى. وهو الذي أنبت النبات ثم جعله جافاً متكسراً أسود اللون بالناموس الذي أودعه في الكون بعدما كان أخضر لينا.

٢-
وتنبيها له بأنه سيوحى إليه بالقرآن ويعلمه إياه، فلا ينسى منه شيئا إلا ما شاء الله، فهو العليم بكل شيء ظاهر وخفي وبمقتضيات كل حال، وبأنه سييسره في أسهل السبل وأيسرها، وبأن عليه أن يدعو الناس إليها ويذكرهم لعل الذكرى تنفعهم وهذه مهمته.

٣-
وتقريراً بأن الناس إزاء الذكرى فريقان : تقي صالح، وشقي آثم. فالأول هو : الذي يخشى العاقبة فيتقبل الدعوة وينتفع بالذكرى، والثاني هو : الذي لا يخشى العاقبة فيعرض عن الدعوة والذكرى، فيكون جزاؤه النار الهائلة التي لا يموت فيها فيستريح، ولا يأمل الخلاص منها والحياة الآمنة المطمئنة.
وليس في الآيات إشارة إلى موقف خاص لمكذبين ومناوئين، وإنما هي بسبيل عرض عام للدعوة ومهمة النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب رصين وهادئ معا.
جزء ذو علاقة من تفسير الآية السابقة:تنبيه على ما أسبغه القرآن والسنة النبوية على التسبيح من حفاوة.
وبمناسبة الأمر بتسبيح الله تعالى في مفتتح السورة نقول : إن الأوامر القرآنية للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين بتسبيح الله تعالى قد تكررت كثيراً. منها ما فيه أمر بالتسبيح في أوقات معينة، ومنها ما فيه أمر بالتسبيح مطلقاً أو في كل وقت. ومنها ما فيه أمر بالتسبيح باسم الله أو التسبيح بحمد الله. ومن السنن النبوية الصحيحة المعمول بها بدون انقطاع صيغة ( سبحان الله العظيم ) في كل ركوع من كل صلاة وصيغة ( سبحان ربي الأعلى ) في كل سجود من كل صلاة. حيث تتساوق السنة النبوية مع الأوامر القرآنية.
والتسبيح هو تقديس وتنزيه وذكر لله عز وجل وثناء عليه بما هو أهله. بحيث يسوغ القول : إن الأوامر القرآنية والنبوية بمواصلة تسبيح الله تعالى قد هدفت إلى جعل المسلم يديم ذكر الله في كل وقت مقدساً منزهاً مثنياً حامداً مستعيذاً. ولا شك في أن المسلم الذي يداوم على ذلك بصدق وقلب وإيمان يظل مستشعراً بالله عز وجل مراقباً جانبه في كل ما يفعل فيجعله ذلك حريصاً على تنفيذ أوامره واجتناب نواهيه. ويكون له بذلك وسيلة عظمى من وسائل التربية الروحية والأخلاقية والاجتماعية.
ولقد أثرت أحاديث نبوية عديدة فيها صيغ التسبيح بسبيل تعليم المسلمين وبيان لما في التسبيح من ثواب وقربى عند الله عز وجل. فمن ذلك ما رواه البخاري ومسلم و أبو داود والنسائي عن عائشة رضي الله قالت :( كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي )١وما رواه مسلم وأبو داود والنسائي عنها أيضا :( أنه كان يقول في ركوعه وسجوده سبوحٌ قدوسٌ ربُّ الملائكة والروح )٢. وما رواه الترمذي وأبو داود عن عبد الله قال :( قال النبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه : سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه، وذلك أدناه، وإذا سجد فقال في سجوده : سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده، وذلك أدناه )٣ وما رواه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي عن جويرية :( أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلّى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجَعَ بعد أن أ ضحى وهي جالسةٌ فقال : ما زلت على الحال التي فارقتك عليها ؟ قالت : نعم. قال : لقد قلتُ بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهنَّ : سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته )٤.
وما رواه مسلم والترمذي والنسائي وأبي داود وأبي هريرة قال :( قال النبي صلى الله عليه وسلم : من قال حين يصبح وحين يمسي : سبحان الله وبحمده مئة مرة لم يأت أحدٌ يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه )٥. وما رواه أبو داود :( كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يعلّم بعض بناته فيقول قولي حين تصبحينَ سبحان الله وبحمده ولا قوة إلا به، ما شاء كان ما ولم يشاء لم يكن، أعلم أن الله على كل شيء قد ير، وأن الله قد أحاطَ بكلّ شيء علماً، فإنه من قالهنَّ حين يصبح حفظ حتى يمسي ومن قالهنّ حين يمسي حفظ حتى يصبح )٦. وما رواه أبو داود كذلك عن ابن عباس قال :( قال النبيّ صلى الله عليه وسلم من قال حين يصبح ﴿ فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون ﴾ إلى ﴿ تخرجون ﴾٧ أدرك ما فاته في يومه ذلك، ومن قالهن حين يمسي أدركَ ما فاته في ليلته )٨.
ومن تحصيل الحاصل أن يقال : إن الانتفاع بالتسبيح رهن بالإخلاص فيه وعدم اقتصاره على الحركة اللسانية التي لا يستشعر صاحبها بما فيه من تذكير وتنبيه وحافز على مراقبة الله عز وجل وتقواه. والله أعلم.

- تزكى : تطهر أو أدى الزكاة. والمعنى الأخير هو المرجح هنا.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى١ ( ١٤ ) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى( ١٥ ) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( ١٦ ) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( ١٧ )إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى٢ ( ١٨ ) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى( ١٩ ) ﴾ [ ١٤-١٩ ].

٢ -
الصحف الأولى : الكتب المنزلة السابقة.

وفي هذه الآيات :


١-
تقرير توكيدي لفلاح ونجاة الذين يتزكون ويذكرون ربهم ويصلون له.

٢-
وخطاب موجه إلى السامعين فيه تنبيه بأنهم يؤثرون الحياة الدنيا، في حين أن الآخرة هي خير وأبقى لهم، وبأن هذه الدعوة التي يدعوهم إليها النبي صلى الله عليه وسلم ليست بدعاً وإنما هي حلقة من سلسلة دعوة أنبياء الله الأولين والكتب المنزلة عليهم وخاصة كتب موسى وإبراهيم.
والآيات متصلة بسابقاتها اتصالاً وثيقاً، وفيها ذكر مصير الذي ينتفع بالذكرى ويخشى العاقبة وتتمة للكلام عنه بعد ذكر مصير الشقي الذي يعرض عنها.
وكلمة " تزكى " تحتمل في الآية معنى التطهير أو أداء الزكاة، غير أن تلازم ذكر الصلاة والزكاة في جلّ المواضع القرآنية قد يسوّغ الترجيح بأن المقصد هنا هو زكاة المال. وإذا صح هذا كانت الدعوة إلى الزكاة والحثّ عليها قد لازما الأمر بالصلاة والحثّ عليها منذ بدء الدعوة. وقد يفسر هذا الموقف المتجهم الذي وقفه الأغنياء بالإجمال من الدعوة منذ بدئها.
وأسلوب الدعوة إلى الزكاة إذا صح الترجيح هو أسلوب الحثّ والترغيب. وهذا هو المتسق مع ظروف العهد المكي وخاصة مع ظروف أوائله. وهذا الأسلوب ملموح في الدعوة إلى الصلاة أيضا، وهو ملموح في المواضع المماثلة في جميع السور المكية.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى١ ( ١٤ ) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى( ١٥ ) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( ١٦ ) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( ١٧ )إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى٢ ( ١٨ ) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى( ١٩ ) ﴾ [ ١٤-١٩ ].

٢ -
الصحف الأولى : الكتب المنزلة السابقة.

وفي هذه الآيات :


١-
تقرير توكيدي لفلاح ونجاة الذين يتزكون ويذكرون ربهم ويصلون له.

٢-
وخطاب موجه إلى السامعين فيه تنبيه بأنهم يؤثرون الحياة الدنيا، في حين أن الآخرة هي خير وأبقى لهم، وبأن هذه الدعوة التي يدعوهم إليها النبي صلى الله عليه وسلم ليست بدعاً وإنما هي حلقة من سلسلة دعوة أنبياء الله الأولين والكتب المنزلة عليهم وخاصة كتب موسى وإبراهيم.
والآيات متصلة بسابقاتها اتصالاً وثيقاً، وفيها ذكر مصير الذي ينتفع بالذكرى ويخشى العاقبة وتتمة للكلام عنه بعد ذكر مصير الشقي الذي يعرض عنها.
وكلمة " تزكى " تحتمل في الآية معنى التطهير أو أداء الزكاة، غير أن تلازم ذكر الصلاة والزكاة في جلّ المواضع القرآنية قد يسوّغ الترجيح بأن المقصد هنا هو زكاة المال. وإذا صح هذا كانت الدعوة إلى الزكاة والحثّ عليها قد لازما الأمر بالصلاة والحثّ عليها منذ بدء الدعوة. وقد يفسر هذا الموقف المتجهم الذي وقفه الأغنياء بالإجمال من الدعوة منذ بدئها.
وأسلوب الدعوة إلى الزكاة إذا صح الترجيح هو أسلوب الحثّ والترغيب. وهذا هو المتسق مع ظروف العهد المكي وخاصة مع ظروف أوائله. وهذا الأسلوب ملموح في الدعوة إلى الصلاة أيضا، وهو ملموح في المواضع المماثلة في جميع السور المكية.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى١ ( ١٤ ) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى( ١٥ ) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( ١٦ ) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( ١٧ )إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى٢ ( ١٨ ) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى( ١٩ ) ﴾ [ ١٤-١٩ ].

٢ -
الصحف الأولى : الكتب المنزلة السابقة.

وفي هذه الآيات :


١-
تقرير توكيدي لفلاح ونجاة الذين يتزكون ويذكرون ربهم ويصلون له.

٢-
وخطاب موجه إلى السامعين فيه تنبيه بأنهم يؤثرون الحياة الدنيا، في حين أن الآخرة هي خير وأبقى لهم، وبأن هذه الدعوة التي يدعوهم إليها النبي صلى الله عليه وسلم ليست بدعاً وإنما هي حلقة من سلسلة دعوة أنبياء الله الأولين والكتب المنزلة عليهم وخاصة كتب موسى وإبراهيم.
والآيات متصلة بسابقاتها اتصالاً وثيقاً، وفيها ذكر مصير الذي ينتفع بالذكرى ويخشى العاقبة وتتمة للكلام عنه بعد ذكر مصير الشقي الذي يعرض عنها.
وكلمة " تزكى " تحتمل في الآية معنى التطهير أو أداء الزكاة، غير أن تلازم ذكر الصلاة والزكاة في جلّ المواضع القرآنية قد يسوّغ الترجيح بأن المقصد هنا هو زكاة المال. وإذا صح هذا كانت الدعوة إلى الزكاة والحثّ عليها قد لازما الأمر بالصلاة والحثّ عليها منذ بدء الدعوة. وقد يفسر هذا الموقف المتجهم الذي وقفه الأغنياء بالإجمال من الدعوة منذ بدئها.
وأسلوب الدعوة إلى الزكاة إذا صح الترجيح هو أسلوب الحثّ والترغيب. وهذا هو المتسق مع ظروف العهد المكي وخاصة مع ظروف أوائله. وهذا الأسلوب ملموح في الدعوة إلى الصلاة أيضا، وهو ملموح في المواضع المماثلة في جميع السور المكية.
وروح آيات السورة وأسلوبها يلهمان أن الخطاب في الآية [ ١٦ ] لم يوجه لفريق خاص بقصد التثريب والتنديد، وإنما هو موجه إلى الناس جميعا بقصد تقرير الطبيعة الغالبة فيهم وهي إيثار النفع العاجل على الآجل، وبقصد تنبيههم إلى ما هو خير وأبقى استهدافا لإقبالهم على الاستجابة للدعوة.
القرآن لا يحظر الاستمتاع بالطيبات
وليس في الآية بطبيعة الحال حظر الاستمتاع بالحياة الدنيا إذا ما استجاب الناس للدعوة وقرنوا العمل للدنيا والآخرة معا.
وفي آيات سورة الأعراف هذه :﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ( ٣١ ) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( ٣٢ ) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ( ٣٣ ) ﴾ تأييد صريح لما نقرره.
وفي سورة المائدة آية نهت المسلمين عن تحريم طيبات ما أحله الله لهم على أنفسهم بدون تجاوز على الحدود المعقولة. وهي هذه :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين( ٨٧ ) ﴾ وكان هذا النهي في مناسبة جنوح بعض المسلمين إلى الرهبانية والتقشف والامتناع عن النساء ولذائذ العيش. وحلفهم على ذلك وقد فرض الله لهم تحلة لأيمانهم في آية أخرى بعد هذه الآية وهي :﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مسكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين لكم آياته لعلكم تشكرون( ٨٩ ) ﴾ وفي هذا تدعيم آخر كما هو واضح.
- الصحف الأولى : الكتب المنزلة السابقة.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:- تزكى : تطهر أو أدى الزكاة. والمعنى الأخير هو المرجح هنا.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى١ ( ١٤ ) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى( ١٥ ) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( ١٦ ) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( ١٧ )إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى٢ ( ١٨ ) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى( ١٩ ) ﴾ [ ١٤-١٩ ].


٢ -
الصحف الأولى : الكتب المنزلة السابقة.

وفي هذه الآيات :



١-
تقرير توكيدي لفلاح ونجاة الذين يتزكون ويذكرون ربهم ويصلون له.


٢-
وخطاب موجه إلى السامعين فيه تنبيه بأنهم يؤثرون الحياة الدنيا، في حين أن الآخرة هي خير وأبقى لهم، وبأن هذه الدعوة التي يدعوهم إليها النبي صلى الله عليه وسلم ليست بدعاً وإنما هي حلقة من سلسلة دعوة أنبياء الله الأولين والكتب المنزلة عليهم وخاصة كتب موسى وإبراهيم.
والآيات متصلة بسابقاتها اتصالاً وثيقاً، وفيها ذكر مصير الذي ينتفع بالذكرى ويخشى العاقبة وتتمة للكلام عنه بعد ذكر مصير الشقي الذي يعرض عنها.
وكلمة " تزكى " تحتمل في الآية معنى التطهير أو أداء الزكاة، غير أن تلازم ذكر الصلاة والزكاة في جلّ المواضع القرآنية قد يسوّغ الترجيح بأن المقصد هنا هو زكاة المال. وإذا صح هذا كانت الدعوة إلى الزكاة والحثّ عليها قد لازما الأمر بالصلاة والحثّ عليها منذ بدء الدعوة. وقد يفسر هذا الموقف المتجهم الذي وقفه الأغنياء بالإجمال من الدعوة منذ بدئها.
وأسلوب الدعوة إلى الزكاة إذا صح الترجيح هو أسلوب الحثّ والترغيب. وهذا هو المتسق مع ظروف العهد المكي وخاصة مع ظروف أوائله. وهذا الأسلوب ملموح في الدعوة إلى الصلاة أيضا، وهو ملموح في المواضع المماثلة في جميع السور المكية.

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٤:- تزكى : تطهر أو أدى الزكاة. والمعنى الأخير هو المرجح هنا.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى١ ( ١٤ ) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى( ١٥ ) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ( ١٦ ) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ( ١٧ )إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى٢ ( ١٨ ) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى( ١٩ ) ﴾ [ ١٤-١٩ ].


٢ -
الصحف الأولى : الكتب المنزلة السابقة.

وفي هذه الآيات :



١-
تقرير توكيدي لفلاح ونجاة الذين يتزكون ويذكرون ربهم ويصلون له.


٢-
وخطاب موجه إلى السامعين فيه تنبيه بأنهم يؤثرون الحياة الدنيا، في حين أن الآخرة هي خير وأبقى لهم، وبأن هذه الدعوة التي يدعوهم إليها النبي صلى الله عليه وسلم ليست بدعاً وإنما هي حلقة من سلسلة دعوة أنبياء الله الأولين والكتب المنزلة عليهم وخاصة كتب موسى وإبراهيم.
والآيات متصلة بسابقاتها اتصالاً وثيقاً، وفيها ذكر مصير الذي ينتفع بالذكرى ويخشى العاقبة وتتمة للكلام عنه بعد ذكر مصير الشقي الذي يعرض عنها.
وكلمة " تزكى " تحتمل في الآية معنى التطهير أو أداء الزكاة، غير أن تلازم ذكر الصلاة والزكاة في جلّ المواضع القرآنية قد يسوّغ الترجيح بأن المقصد هنا هو زكاة المال. وإذا صح هذا كانت الدعوة إلى الزكاة والحثّ عليها قد لازما الأمر بالصلاة والحثّ عليها منذ بدء الدعوة. وقد يفسر هذا الموقف المتجهم الذي وقفه الأغنياء بالإجمال من الدعوة منذ بدئها.
وأسلوب الدعوة إلى الزكاة إذا صح الترجيح هو أسلوب الحثّ والترغيب. وهذا هو المتسق مع ظروف العهد المكي وخاصة مع ظروف أوائله. وهذا الأسلوب ملموح في الدعوة إلى الصلاة أيضا، وهو ملموح في المواضع المماثلة في جميع السور المكية.


تعليق على ذكر إبراهيم وموسى
عليهما السلام وصحفهما
وإبراهيم وموسى عليهما السلام يذكران في القرآن هنا لأول مرة. ثم تكرر ذكرهما كثيراً وبحفاوة عظيمة في سور عديدة مكية ومدنية.
وقد ذكر إبراهيم عليه السلام وسيرته وأولاده وأحفاده في سفر التكوين أول أسفار العهد القديم المتداولة اليوم بشيء غير قليل من الإسهاب. ويستفاد من ذلك أنه هاجر من بلاد أور الكلدانيين أو حاران إلى أرض كنعان التي صارت تعرف بفلسطين بأمر الله عز وجل هو وزوجته ساره وابن أخيه لوط عليهم السلام. فاستقروا ونموا فيها وكانوا موحدين مخلصين لله ومحل تجلياته وعنايته وشاخ ومات ودفن وفي فلسطين.
وفي السور الأخرى شيء من سيرتهم، منه ما يتطابق مع ما ورد في السفر المذكور ومنه ما لا يتطابق أو ما لم يذكر فيه على ما سوف ننبه عليه في مناسبات أخرى.
وفي كتب التفسير روايات كثيرة ومسهبة عنهم مروية عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم وعلماء الأخبار في الصدر الإسلامي الأول. منها المتطابق مع ما جاء في سفر التكوين ومنها غير المتطابق. وفيها على كل حال دلالة على أن ذكرهم كان متداولاً بنطاق واسع في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة ومصدر ذلك على ما هو المتبادر الكتابيون الذين كانوا في هذه البيئة وبنوع خاص الإسرائيليون الذين ينتسبون إليهم بالأبوة. على أن لإبراهيم عليه السلام مقاماً خاصاً عند العرب يأتي مما كان متواتراً حتى بلغ مبلغ اليقين من أن القرشيين والعدنانيين الذين يتفرع الأولون منهم كانوا يتداولون منهم نسبتهم بالأبوة إليه من ناحية إسماعيل ابنه البكر عليهما السلام. ونسبة الكعبة وتقاليد الحج المتنوعة إليه أيضا. وفي القرآن آيات فيها تأييد وترديد لذلك منها آيات سورة البقرة هذه :﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( ١٢٥ )وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ( ١٢٦ ) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( ١٢٧ ) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ( ١٢٨ ) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ( ١٢٩ ) ﴾ وآية سورة الحج هذه :﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ( ٢٦ ) وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ( ٢٧ ) ﴾ وهذه :﴿ وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ... ﴾ ( ٧٨ ).
وقد ذكر موسى في سفر الخروج ثاني أسفار العهد القديم والأسفار التالية له المتداولة اليوم بإسهاب. وهو من نسل إبراهيم على ما يستفاد من أسفار العهد القديم ومن القرآن معا. وكثير مما ورد في القرآن عنه متطابق مع ما ورد في أسفار هذا العهد، ومنه غير المتطابق أيضا. وفي كتب التفسير روايات كثيرة عنه مروية عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم وعلماء الأخبار في الصدر الإسلامي الأول منها ما هو المتطابق مع هذه الأسفار ومنها غير المتطابق. وفيها على كل حال دلالة على أن ذكره كان متداولاً بنطاق واسع في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة. ومصدر ذلك على ما هو المتبادر الكتابيون الذين كانوا في هذه البيئة وبنوع خاص الإسرائيليون.
ونكتفي بهذه اللمحة عنه لأن ذكره هنا جاء خاطفاً وسوف نعود إلى ذكره بتوسع أكثر في المناسبات التي ذكر فيها بتوسع أكثر.
والإشارة الواردة في الآيتين الأخيرتين [ ١٨- ١٩ ] هي أولى الإشارات إلى كتب الله الأولى التي فسرت في الآية [ ١٩ ] بصحف إبراهيم وموسى. والإشارة خاطفة يمكن أن تؤيد أولية ذكر هذه الكتب وأسلوبها يمكن أن يدل على أن السامعين لا يجهلون أن هناك كتبا إلهية نزلت على أنبيائه، ومنهم إبراهيم وموسى عليهما السلام. ولقد كان في الحجاز جاليات نصرانية ويهودية وكانوا يتداولون الأسفار المنسوبة إلى الله وإلى الأنبياء ولا بد من أن السامعين كانوا يعرفون ذلك من طريقهم.
والمتبادر أن المقصود من تعبير ( صحف موسى ) هو ما أوحاه الله إليه من تعليقات وتشريعات. وقد ذكر ذلك بصراحة في آيات عديدة مكية ومدنية غير أنه عبر عنه بتعبير " الكتاب " الذي أنزله الله هدى للناس وآتاه الله موسى هدى لبني إسرائيل وبتعبير التوراة التي فيها نور وهدى يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار مما أوردنا أمثلة منه في تعليق آخر في سورة المدثر.
ولقد كتب موسى عليه السلام ما بلغه الله إليه في سفر سمي التوراة وكتاب الشريعة وفي ألواح. ولكن ذلك لم يصل إلينا وكان يتداوله اليهود في الأزمنة القديمة على ما ذكر في بعض الأسفار المتداولة اليوم١. والمتبادر أن ذلك هو ما قصد بصحف موسى.
أما ما في أيدي اليهود والنصارى اليوم مما يسمى بالعهد القديم والمؤلف من مجموعة كبيرة من الأسفار، والتي في بعضها تشريعات وأحكام ربانية مبلغة من الله لموسى عليه السلام ومن موسى لبني إسرائيل، والتي في بعضها تاريخ بني إسرائيل قبل موسى وبعده مع تاريخ أنبياء وأشخاص وأحداث شعوب أخرى قبله وبعده أيضا، فإنها مكتوبة بأسلوب الحكاية وبأقلام كتاب عديدين في أزمنة مختلفة بعد موسى. وفيها كثير من التناقض والمفارقات وفيها أشياء كثيرة منسوبة إلى الله عز وجل وأنبيائه لا يمكن أن تكون صحيحة. ولا يصح أن توصف بوصف صحف موسى كما هو ظاهر. وسيأتي بيان أوفى عنها في مناسبة أخرى.
أما صحف إبراهيم فليس هناك شيء عنها إلا هذه الإشارة التي تفيد أن فيها ما قررته آيات سورة الأعلى من مبادئ وإشارة مثلها في سورة النجم مع زيادة توضيحية هذا نصها :﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى( ٣٦ ) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى( ٣٧ ) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى( ٣٨ ) وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى( ٣٩ ) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى( ٤٠ ) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الْأَوْفَى( ٤١ ) ﴾ ( ٣٦- ٤١ ).
وهناك حديث طويل أورده المفسر ابن كثير في سياق تفسير الآية [ ١٦٣ ] من سورة النساء مرويا عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم جاء فيه :( إن عدد الصحف المنزلة على إبراهيم عشر ) ولكن الحديث لم يرد في كتب الأحاديث الصحيحة. وقد توقف بل طغى فيه بعض علماء الحديث على ما ذكره المفسر المذكور. والله تعالى أعلم.
وذكر صحف إبراهيم وموسى في مقام عرض الدعوة وأهدافها يلهم أنه بسبيل تقرير كون الدعوة المحمدية وما يبشر وينذر به النبي صلى الله عليه وسلم مما هو متطابق مع دعوة الأنبياء السابقين، وما أنزل عليهم واستمرار له. وهذا ما تكرر تقريره في القرآن كثيراً من ذلك آية سورة الشورى هذه :﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ( ١٣ ) ﴾ وآيات سورة النساء هذه :﴿ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا( ١٦٣ ) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا( ١٦٤ ) رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا( ١٦٥ ) ﴾.
ونرجح، بل نعتقد أنه كان في أيدي اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أسفار أو قراطيس فيها أخبار أخرى غير الواردة في سفر التكوين، وهو أول أسفار العهد القديم المتداولة اليوم عن إبراهيم عليه السلام وملته كانوا يسمونها صحف إبراهيم لم تصل إلينا. ولقد ذكر في سور عديدة مثل مريم والشعراء والأنعام والأنبياء قصص رسالة إبراهيم لأبيه وقومه، وما كان بينهم وبينه من جدل وحجاج حول عبادتهم للأصنام، وما كان من تأجيجهم النار وإلقاء إبراهيم فيها. وهذه القصص لم ترد في سفر التكوين. ويتبادر لنا أن هذه القصص كانت في تلك الأسفار والقراطيس.
ولعل اختصاص صحف إبراهيم وموسى بالذكر في هذه السورة المبكرة متصل خاصة بما كان للنبيين الكريمين من صورة خطيرة في أذهان السامعين أكثر من غيرهما. فقد كان في الحجاز جاليات يهودية كبيرة ذات تأثير في أهلها، وكانت توراة موسى وشريعته وقصة رسالته إلى فرعون ومعجزاته مشهورة متداولة. ولقد كان إبراهيم عليه السلام وملته الحنيفية وصلته بالكعبة وتقاليد الحج وأبوته - من طريق ابنه إسماعيل - للعدنانيين سكان الحجاز مما يشغل في أذهان العرب حيزا كبيرا مما احتوى القرآن آيات عديدة في صدده مثل آيات سورة البقرة هذه :{ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ( ١٢٥ ) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ( ١٢٦ ) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( ١٢٧ ) رَبَّنَا
١ - انظر سفر الخروج الإصحاح ٢٤ وسفر التثنية الإصحاح ٣١ وسفر الملوك الثاني والإصحاح ٢٢ وسفر نحميا الإصحاح ٨..
Icon