تفسير سورة البينة

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
تفسير سورة سورة البينة من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل .
لمؤلفه أبو بكر الحدادي اليمني .

﴿ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ ؛ وهم اليهودُ والنصارى، ﴿ وَالْمُشْرِكِينَ ﴾ ؛ وهم عَبدةُ الأوثانِ، ﴿ مُنفَكِّينَ ﴾ ؛ أي مُنتَهين عن كُفرِهم وشِركهم، وَقِيْلَ : لم يكونوا زائلين، ﴿ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ ؛ الواضحةُ، وهي مُحَمَّدٌ ﷺ أتَاهُمْ بالقرآنِ، فبيَّن ضلالتَهم وجهالتَهم ثم دعاهُم.
ثم فسَّرَ البيِّنة فقالَ :﴿ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً ﴾ ؛ من الباطلِ والتناقُض، ﴿ فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ ؛ أي مستقيمةٌ عادلة، ومعنى قولهِ تعالى ﴿ رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ ﴾ يعني مُحَمَّداً ﷺ ﴿ يَتْلُواْ صُحُفاً مُّطَهَّرَةً ﴾ أي يقرأُ عليهم ما تضمَّنَتْهُ الصُّحفُ المطهَّرَةُ من المكتوب، سُمِّيت مطهَّرةً ؛ لأنَّها مطهَّرةٌ من الباطلِ والتناقض، ولا يَمسُّها إلاّ المطهَّرون من الأنجاسِ وهم الملائكةُ، وأرادَ بها الصُّحف التي في أيدِيهم كما قال﴿ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ * كِرَامٍ بَرَرَةٍ ﴾[عبس : ١٥-١٦]، في تلك الصُّحف ﴿ كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ أي مستقيمةٌ في جهة الصَّواب، لا تؤدِّي إلى اعوجاجٍ، ولا تدلُّ إلاَّ على الحقِّ؟
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ ﴾ ؛ فيه تقريعٌ لليهودِ والنصارَى، فإنَّهم ما اختلَفُوا في أمرِ النبيِّ ﷺ إلاَّ من بعدِ ما جاءَهم النبيُّ ﷺ بالقرآنِ والمعجزات، ﴿ وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللَّهَ ﴾ ؛ أي ما أُمرِ هؤلاءِ الذين سبقَ ذِكرُهم من اليهودِ والمشركين في جميعِ كُتب اللهِ إلاّ أنْ يعبُدوا اللهَ، ﴿ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾ ؛ في دينِهم ؛ ﴿ حُنَفَآءَ ﴾ ؛ مائِلين عن كلِّ دينٍ سِوَى الإسلام ؛ وَأنْ ؛ ﴿ وَيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ﴾ ؛ بحقوقِها في مواقيتها، وَأنْ ؛ ﴿ وَيُؤْتُواْ ﴾ ؛ يُعطوا ؛ ﴿ الزَّكَاةَ ﴾ ؛ المفروضةَ، ﴿ وَذَلِكَ دِينُ ﴾ ؛ اللهِ ﴿ القَيِّمَةِ ﴾ ؛ أي المستقيمةِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَآ أَوْلَـائِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾ ؛ أي شرُّ خليقةٍ، ومنه بَرَئَ الله، والبرْئَةُ بالهمزِ هم الخليقةُ، ومنه بَرَأ اللهُ الخلقَ، ومنه البارئ بمعنى الخالقُ، ومن قرأ بغير الهمزِ كأَنه تركَ الهمزَ على وجهِ التخفيف.
قَوْلُهُ تَعَالَى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ ؛ أي خيرُ الخليقةِ، ﴿ جَزَآؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ ﴾ ؛ أي بساتِين إقامةٍ، ﴿ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ﴾ ؛ الأربعةُ، ﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رِّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ ﴾ ؛ بإيمانِهم، ﴿ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ ؛ بالثَّواب الذي أكرمَهم اللهُ به، ﴿ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ ؛ بامتثالِ أوامره، واجتناب معاصيه.
Icon