تفسير سورة الحجرات

نيل المرام تفسير آيات الأحكام
تفسير سورة سورة الحجرات من كتاب نيل المرام من تفسير آيات الأحكام المعروف بـنيل المرام تفسير آيات الأحكام .
لمؤلفه صديق حسن خان . المتوفي سنة 1307 هـ

سورة الحجرات ثمان عشرة آية
وهي مدنية، قال القرطبي: بالإجماع «١».
[الآية الأولى]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (٦).
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا: من التبيين.
وقرأ حمزة والكسائي من التثبيت فتثبتوا. والمراد من التبيين التعرف والتفحص، ومن التثبيت الأناة وعدم العجلة والتبصر في الأمر الواقع والخبر الوارد حتى يتضح ويظهر «٢».
قال المفسرون: إن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط «٣».
كراهة أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ: أو لئلا تصيبوا، لأن الخطأ ممن لم يتبين الأمر ولم يتثبت فيه هو الغالب وهو جهالة، لأنه لم يصدر عن علم.
والمعنى متلبسين بجهالة بحالهم.
فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ: بهم من إصابتهم بالخطأ.
نادِمِينَ (٦) : على ذلك مغتمين له مهتمين به.
(١) انظره في «تفسيره» (١٦/ ٣٠٠).
(٢) انظر القرطبي (١٦/ ٣٠٧).
(٣) انظر: مسند أحمد (٤/ ٢٧٩)، والطبراني في «الكبير» (٣/ ٢٧٤، ٢٧٥)، (٣٣٩٥)، والدر للسيوطي (٧/ ٥٥٥، ٥٥٦)، الفتح الرّباني (١٨/ ٢٨٢)، الطبري (٢٦/ ٧٨)، زاد المسير (٧/ ٤٦٠)، اللباب (١٩٦)، القرطبي (١٦/ ٣١١).

[الآية الثانية]

وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩).
وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا: باعتبار كل فرد من أفراد الطائفتين.
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما: أي إذا تقاتل فريقان من المسلمين فعلى المسلمين أن يسعوا في الصلح بينهم ويدعوهم إلى حكم الله.
فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ: أي فإن حصل بعد ذلك التعدي من إحدى الطائفتين على الأخرى ولم تقبل الصلح ولا دخلت فيه، كان على المسلمين أن يقاتلوا هذه الطائفة الباغية، حتى ترجع إلى أمر الله وحكمه فإن رجعت تلك الطائفة الباغية عن بغيها وأجابت الدعوة إلى كتاب الله وحكمه، فعلى المسلمين أن يعدلوا بين الطائفتين في الحكم ويتحروا في الصواب المطابق لحكم الله ويأخذوا على يد الطائفة الظالمة، حتى تخرج من الظلم وتؤدي ما يجب عليها للأخرى.
ثم أمر الله سبحانه المسلمين أن يعدلوا في كل أمورهم بعد أمرهم بهذا العدل الخاص بالطائفتين المقتتلتين فقال:
وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) أي واعدلوا إن الله يحب العادلين، ومحبته لهم تستلزم مجازاتهم بأحسن الجزاء.
وقد أوضح الشوكاني ما هو الحق في هذا المرام في شرحه «نيل الأوطار للمنتقى» «١»، وبسطنا الكلام على أحكام البغي والبغاة في شرحنا «مسك الختام لبلوغ المرام» فليرجع إليهما.
(١) انظر: نيل الأوطار (٧/ ٣٣٨ فيما بعدها).
Icon