تفسير سورة المجادلة

الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه
تفسير سورة سورة المجادلة من كتاب الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه .
لمؤلفه مكي بن أبي طالب . المتوفي سنة 437 هـ

﴿ وَٱلَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾

قوله تعالى: ﴿والَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾الآية:
قال ابنُ عباس: كان الرَّجلُ في الجاهلية إذا ظاهرَ مِن امرأتِه حَرُمَتعليه، وكان ذلك طلاقَهم، فَنَسخَ الله ذلك بالكفارة المذكورة في هذه الآية.
وقيل: (بل) نَسَخَ فِعْلَهم بالطلاق المذكور في البقرة، (وهوقوله): ﴿الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ﴾ [البقرة: ٢٢٩] - الآية -.
قال أبو محمد: وكان حق هذا أَن لا يُدْخَلَ في الناسخوالمنسوخ لأنه لم ينسخ قرآناً، (لأن) القرآنَ كُلَّه أو أَكْثَرَه ناسخٌ لماكانوا عليه من أديانهم التي لم يَأْمُرِ اللهُ بها.

﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾

قولُه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نَاجَيْتُم الرَّسُولَ، فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَينَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾. املاية:
أكثرُ الناس على أن هذا منسوخٌ بقوله: ﴿أأشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا﴾ [المجادلة: ١٣]- الآية -، وهذا مما نُسِخَ قبلَ العمل به.
وقيل: إن علياً - رضي الله عنه - عَمِلَ به، ورَوى ليثٌ عن مجاهد قال: قال عليّ - رضي الله عنه -: "إنَّ في كتاب الله لآيةً ما عمل بها أحدٌ (قبلي ولا يعملُ بها أحدٌ) بعدي، كان لي دينارٌ فصرفته فكنت إذا (ناجيتُ) رَسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - تَصَدَّقْتُ بدرهم، حنى نفد، ثم نُسِخَت"، [وفي] هذا الحديث: أن الصَّدَقةَ إنما كانت تكون بعدَ المناجاة.
قال ابن حبيب: كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يؤذَى بكثرةِ النَّجوى، وكان الشيطانُ يُوَسْوِسُ في أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ويقول: نوجي النبيُّ (بأمر) كذامما يغُمُّ المسلمين ذلك، وهو قولُه تعالى: ﴿إنَّما النَّجْوَى مِن الشَّيْطَانِلِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [المجادلة: ١٠]، فأَمَرَ اللهُ أن لا يناجي أَحدٌ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حتى يُقَدِّمَصدقةً، فَتَوَقَّفَ الناسُ عن النجوى، ثم شَقَّ ذلك عَليهم، فَنَسَخَه الله بقوله:﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾ [المجادلة: ١٣] - الآية - هذا معنى كلامه.

Icon