بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الغاشية ١ مكية ٢٢ بالإجماع، انظر: تفسير الماوردي: ٤/٤٤٢ وزاد المسير: ٩/٩٤ والبحر ٨/٤٦٢ وروح المعاني ٣٠/١٤٢..
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الغاشيةمكية
قوله تعالى: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الغاشية﴾ إلى آخرها.
أي: قد أتاك - يا محمد - حديث الغاشية، وهي القيامة تغشى الناس بقيامها وأهوالها.
وقال ابن جبير: الغاشية جهنم.
ثم قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾.
أي: ذليلة، وهي وجوه الكفار. قال قتادة: " خاشعة في النار ".
ثم قال: ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾.
أي: هي عاملة ناصبة بمعنى: تعمل وتنصب في الدنيا، وهي تصلى ناراً حامية في الآخرة.
وقيل: الآية نزلت في عبدة الأوثان والرهبان من أهل الكتاب، أنصبوا أنفسهم وأتعبوها بالعمل ولم يتقبل منهم، لأنهم على غير إسلام.
وقال عكرمة: (معناه): عاملة في الدنيا بمعاصي الله، ناصبة في الآخرة في النار. فيتم الكلام على هذا القول على " عاملة ".
وقال الحسن وقتادة: إن الوجوه في القيامة خاشعة عاملة ناصبة، وأنها (لما)
قال ابن عباس: " تعمل وتنصب في النار ".
وقال قتادة: " تكبرت في الدنيا عن طاعة الله، فأعملها وأنصبها في النار ".
وقال ابن زيد: " لا أحد أنصب ولا أشد من أهل النار ".
وكان عمر رضي الله عنهـ يتأولها في الدنيا في البرهان وشبههم. يعملون في الدنيا، ويجتهدون، وهم في النار. ويكون الكلام يتم على ﴿خَاشِعَةٌ﴾ لأنه آخر صفتهم في يوم القيامة، ثم ابتدأ بصفتهم في الدنيا.
وقيل: التقدير: وجوه عاملة ناصبة في الدنيا ﴿يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾ يعني: في الآخرة.
وفي الحديث " أن النبي ﷺ وسلم ذكر القدرية فبكى، وقال: إن فيهم المجتهد ".
ثم قال تعالى: ﴿تصلى نَاراً حَامِيَةً﴾.
أي: [يسقى] يومئذ أصحاب هذه الوجوه (من عين قد) انتهى حرها فبلغ الغاية في شدة الحر.
وقال مجاهد: من عين قد (أنى/ نضجها) منذ خلق الله تعالى الدنيا. وقال ابن زيد: ﴿مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ أي: حاضرة.
وقال تعالى: ﴿لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ﴾.
أي: (ليس) لأصحاب هذه (الوجوه) الخاشعة - وهم الكفار - طعام يطعمونه في النار إلا طعام من ضريع.
وقال ابن زيد: الضريع: الشوك من النار، والضريع عند العرب شوك يابس [ولا ورق فيه].
وقال عكرمة: الضريع: الحجارة.
وقال الحسن: الضريع: الزقوم وعنه أيضاً: الضريع: الذي يضرع ويذل من أكله لمرارته وخشونته.
وقال عطاء: الضريع: الشبرق. وروي ذلك أيضاً عن ابن عباس ومجاهد وقتادة، وعلى هذا القول كثير من أهل اللغكة، والشبرق: [شجر] كثير الشوك
وقيل: الضريع واد في جهنم. وقد أخبر الله في هذه الآية بأن لا طعام لهم إلا طعام من ضريع، فأثبت لهم طعاماً، وقال في موضع آخر ﴿فَلَيْسَ لَهُ اليوم هَا هُنَا حَمِيمٌ * وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ﴾ [الحاقة: ٣٥ - ٣٦].
فظاهره أنه قد أوجب لهم طعاما من غسلين فهذاك خلاف ذلك في الظاهر. المعنى في ذلك التقدير: فليس له اليوم هاهنا شراب حميم إلا من غسلين ولا طعام يتنفع به.
(وقيل): الغسلين من الضريع.
وقيل: الغسلين لقوم والضريع لآخرين.
ثم وصف الله أهل الجنة ونعيمهم بعد وصفه لأهل النار وعذابهم.
فقال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ﴾.
أي: (غضرة) نضرة بنعمها الله، وهم أهل الإيمان بالله والعمل بطاعته.
أي: لعملها الذي عملته في الدنيا من طاعة ربها راضية. وقيل: المعنى: [الثواب] عملها را ضية في الآخرة.
ثم قال تعالى: ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾.
أي: رفيعة القدر عالية المكان.
﴿لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً﴾ أي: لا يسمع أحد في الجنة كلمة لغو، واللغو: الباطل.
وقيل للكلمة التي هي لغة: لاغية، كما قيل لصاحب [الدرع: دارع]، ولصاحب الفرس فارس، " ولابن " " وثامر " لصاحب اللبن والثمر.
وقال الفراء: ﴿لاَغِيَةً﴾، أي: [حالفاً] يحلف بكذب.
قال ابن عباس: معناه: لا تسمع فيها أذى ولا باطلاً.
ثم قال تعالى: ﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ أي: تجري من غير أخدود، والعين تذكر وتؤنث [والتأنيث] أكثر، وقد قال الشاعر
والعين بالإثمد [الحاري] مكحول.... فقال بعض النحويين: هذا على تذكير العين.
وقال المبرد: ذكره كما يذكر كل مؤنث غير حقيقي التأنيث لا علامة للتأنيث فيه، كما يقال: هذا دار وهذه دار.
وقال الأصمعي: مكحول للحاجب هو، لأنه قد تقدم ذكره، ولا يعرف
ثم قال تعالى: ﴿فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ﴾.
أي: عالية ليرى المؤمن إذا جلس عليها جميع ما خوله ربه من الملك والنعيم، ويلحقه بصره. والسرر جمع سرير.
وقيل: مرفوعة: مضمونة. قاله ابن عباس، كقوله: ﴿سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ﴾ [الطور: ٢٠] أي: بعضها فوق بعض.
ثم قال تعالى: ﴿وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ﴾.
أي: موضوعة على حافة العين الجارية كلما أراد الشرب وجدها ملأى من الشراب. الأكواب جمع: كوب، وهي الأباريق التي لا آذان لها، وقد تقدم ذكرها بالاختلاف فيها.
ثم قال تعالى: ﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾.
النمارق جمع: نمرقة، هي الوسادة والمرفقة. وحكي فيها ضم النون والراء وكسرهما، والضم (أكثر). ومعنى مصفوفة أي: بعضها إلى بعض.
وقال قتادة: هي " الوسائد ".
ثم قال تعالى: ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾.
قال أبو عبيدة: الزرابي البسط.
وقيل الزرابي: الطنافس التي لها خمل، و ﴿مَبْثُوثَةٌ﴾ كثيرة.
وقال قتادة: [زرابي] " مبثوثة " أي " مبسوطة ".
قال ابن عمر: (رأيت عمر) رضي الله عنهـ يصلى على عبقري، وهي الزرابي.
ثم قال تعالى: ﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ﴾.
وقال قتادة: لما [نعت] الله ما في الجنة، عجب من ذلك أهل الضلالة، فأنزل الله جل ذكره: ﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإبل كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ إلى ﴿سُطِحَتْ﴾.
قال: وكانت الإبل من عيش العرب. [فخوطبوا] ونبهوا على قدرته على أعظم ما في نفوسهم، فلذلك بدأ بالإبل، فكأنه قيل: لهم: من قدر على إحداث هذه
وقال ابن عباس: الإبل (ها) هنا هي الإبل بعينها، وليس شيء يحمل عليه وهو بارك إلا الإبل، وفي ذلك آية.
وقال المبرد: وقيل: الإبل: القطع العظام من السحاب.
ثم قال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾.
أي: ذكر - يا محمد - عبادي بآياتي، فإنما أرسلت مذكر لهمه.
﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾.
أي: بمسلط ولا بجبار تجبرهم على الإيمان. ومصطيراً: أصله السين، وهو مأخوذ من السطر.
وقيل: هي محكمة، لأنهم إذا أسلموا تركوا على جملتهم، ولم يسلط عليهم.
قال جابر: قال رسول الله ﷺ: " أُمِرتَ أَنْ أقاتِلَ الناسَ حَتّى يَقولوا لا إِلَهَ إلاّ الله فَإذا قوالوا لا إِلَهَ إِلاّ الله عَصَمُوا مِنّي دِماءَهُم وَأَموالَهُم إِلاّ بِحقّها وَحِسابُهُم عَلى الله. ثم تلا ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾ ".
قال ابن عباس: ﴿بِمُصَيْطِرٍ﴾ بجبار.
ثم قال تعالى: ﴿إِلاَّ مَن تولى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ الله العذاب الأكبر﴾.
أي: فذكر يا محمد قومك إلا من يتولى عنك فأعرض عن الإيمان وكفر فيكون هذا استثناء من الذين كان التذكير فيهم، فيكون في موضع نصب.
والاستثناء المنقطع [تعتبره] أبداً بأن [تحسن] " إن " معه، فإذا حسنت جاز أن يكون منقطعاً، وإذا لم تحسن كان متصلا صحيحا. يقول القاتل: " سار القوم إلا زيداً "، فلا يحسن دخول " إن " هنا، (لأنه) استثناء صحيح.
ثم قال تعالى: ﴿فَيُعَذِّبُهُ الله العذاب الأكبر﴾.
وهو عذاب جهنم في الآخرة.
ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ﴾ أي: رجوعهم في الآخرة.