تفسير سورة الفجر

التبيان في إعراب القرآن
تفسير سورة سورة الفجر من كتاب التبيان في إعراب القرآن .
لمؤلفه أبو البقاء العكبري . المتوفي سنة 616 هـ

سُورَةُ الْفَجْرِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤)).
جَوَابُ الْقَسَمِ: (إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ) [الْفَجْرِ: ١٤].
(وَالْوَتْرِ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ لُغَتَانِ. وَ (إِذَا) : ظَرْفٌ، وَالْعَامِلُ فِيهِ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ أُقْسِمُ بِهِ إِذَا يَسْرِي. وَالْجَيِّدُ إِثْبَاتُ الْيَاءِ؛ وَمَنْ حَذَفَهَا فَلِتَوَافُقِ رُءُوسِ الْآيِ.
قَالَ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧)).
وَ (إِرَمَ) : لَا يَنْصَرِفُ لِلتَّعْرِيفِ وَالتَّأْنِيثِ. قِيلَ: هُوَ اسْمُ قَبِيلَةٍ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ: إِرَمَ صَاحِبُ ذَاتِ الْعِمَادِ؛ لِأَنَّ «ذَاتِ الْعِمَادِ» مَدِينَةٌ.
وَقِيلَ: (ذَاتِ الْعِمَادِ) وَصْفٌ؛ كَمَا تَقُولُ: الْقَبِيلَةُ ذَاتُ الْمُلْكِ.
وَقِيلَ: «إِرَمَ» مَدِينَةٌ؛ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّقْدِيرُ: بِعَادٍ صَاحِبِ إِرَمَ.
وَيُقْرَأُ «بِعَادِ إِرَمَ» بِالْإِضَافَةِ، فَلَا يُحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيرٍ. وَيُقْرَأُ: «إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ» بِالْجَرِّ عَلَى الْإِضَافَةِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (٩) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (١٠)).
وَ (ثَمُودَ) : مَعْطُوفٌ عَلَى عَادٍ، وَكَذَلِكَ «فِرْعَوْنَ».
قَالَ تَعَالَى: (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (١١)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ طَغَوْا) : فِي الْجَمْعِ وَجْهَانِ؛ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ صِفَةٌ لِلْجَمْعِ.
وَالثَّانِي: هُوَ صِفَةٌ لِفِرْعَوْنَ وَأَتْبَاعِهِ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِهِ عَنْ ذِكْرِهِمْ.
قَالَ تَعَالَى: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَأَكْرَمَهُ) : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى (ابْتَلَاهُ).
وَأَمَّا «فَيَقُولُ» فَجَوَابُ إِذَا؛ وَإِذَا وَجَوَابُهَا خَبَرٌ عَنِ الْإِنْسَانِ.
قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَا يَحُضُّونَ) : الْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ؛ أَيْ لَا يَحُضُّونَ أَحَدًا؛ أَيْ لَا يَحُضُّونَ أَنْفُسَهُمْ. وَيُقْرَأُ: (وَلَا تَحَاضُّونَ) وَهُوَ فِعْلٌ لَازِمٌ، بِمَعْنَى تَتَحَاضُّونَ.
قَالَ تَعَالَى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا (٢٢) وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى (٢٣) يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي (٢٤))
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَوْمَئِذٍ) : هُوَ بَدَلٌ مِنْ «إِذَا» فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (إِذَا دُكَّتِ) [الْفَجْرِ: ٢١]، وَالْعَامِلُ فِيهِ «يَتَذَكَّرُ».
وَ (يَقُولُ) تَفْسِيرٌ لِـ «يَتَذَكَّرُ».
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي «إِذَا» : يَقُولُ، وَفِي «يَوْمَئِذٍ» : يَتَذَكَّرُ. وَ (صَفًّا) : حَالٌ.
قَالَ تَعَالَى: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)).
قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يُعَذِّبُ) وَ (لَا يُوثِقُ) : يُقْرَآنِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَالثَّاءِ، وَالْفَاعِلُ «أَحَدٌ». وَالْهَاءُ تَعُودُ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَيُقْرَآنِ بِالْفَتْحِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، وَالْهَاءُ مَفْعُولٌ، وَالتَّقْدِيرُ: مِثْلُ عَذَابِهِ، وَمِثْلُ وَثَاقِهِ. وَالْعَذَابُ، وَالْوَثَاقُ: اسْمَانِ لِلتَّعْذِيبِ وَالْإِيثَاقِ.
(رَاضِيَةً) : حَالٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
Icon