تفسير سورة الشرح

الماوردي
تفسير سورة سورة الشرح من كتاب النكت والعيون المعروف بـالماوردي .
لمؤلفه الماوردي . المتوفي سنة 450 هـ

قوله تعالى ﴿ أَلمْ نَشْرَحْ لك صَدْرَكَ ﴾ وهذا تقرير من الله تعالى لرسول ﷺ عند انشراح صدره لما حمله من نبوّته.
وفي « نشرح » وجهان :
أحدهما : أي أزال همك منك حتى تخلو لما أُمِرت به.
الثاني : أي نفتح لك صدرك ليتسع لما حملته عنه فلا يضيق، ومنه تشريح اللحم لأنه فتحه لتقديده.
وفيما شرح صدره ثلاثة أقاويل :
أحدها : الإسلام، قاله ابن عباس.
الثاني : بأن ملىء حكمة وعلماً، قاله الحسن.
الثالث : بما منّ عليه من الصبر والاحتمال، قاله عطاء.
ويحتمل رابعاً : بحفظ القرآن وحقوق النبوّة.
﴿ ووَضَعْنا عنك وِزْرَكَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : وغفرنا لك ذنبك، قاله مجاهد، وقال قتادة : كان للنبي ذنوب أثقلته فغفرها الله تعالى له.
الثاني : وحططنا عنك ثقلك، قاله السدي. وهي في قراءة ابن مسعود، وحللنا عنك وِقرك.
الثالث : وحفظناك قبل النبوة في الأربعين من الأدناس حتى نزل عليك الوحيُ وأنت مطهر من الأدناس.
ويحتمل رابعاً : أي أسقطنا عنك تكليف ما لم تُطِقْه، لأن الأنبياء وإن حملوا من أثقال النبوة على ما يعجز عنه غيرهم من الأمة فقد أعطوا من فضل القوة ما يستعينون به على ثقل النبوة، فصار ما عجز عنه غيرهم ليس بمطاق.
﴿ الذي أنقَضَ ظَهْرَكَ ﴾ أي أثقل ظهرك، قاله ابن زيد كما ينقض البعير من الحمل الثقيل حتى يصير نِقْضاً.
وفيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أثقل ظهره بالذنوب حتى غفرها.
الثاني : أثقل ظهره بالرسالة حتى بلّغها.
الثالث : أثقل ظهره بالنعم حتى شكرها.
﴿ ورَفَعْنا لك ذِكْرَكَ ﴾ فيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : ورفعنا لك ذكرك بالنبوة، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : ورفعنا لك ذكرك في الآخرة كما رفعناه في الدنيا.
الثالث : أن تذكر معي إذا ذكرت، روى أبو سعيد الخدري عن النبي ﷺ أنه قال :« أتاني جبريل عليه السلام فقال : إن الله تعالى يقول أتدري كيف رفعْت ذكرك؟ فقال : الله أعلم، فقال : إذا ذُكرتُ ذُكِرْتَ » قاله قتادة : رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيب يخطب ولا يتشهد، ولا صاحب صلاة إلا ينادي :
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
﴿ فإنَّ مَعَ العُسْرِ يُسْراً ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : إن مع اجتهاد الدنيا خير الآخرة.
الثاني : إن مع الشدة رخاء، ومع الصبر سعة، ومع الشقاوة سعادة، ومع الحزونة سهولة.
ويحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أن مع العسر يسراً عند الله ليفعل منهما ما شاء.
الثاني : إن مع العسر في الدنيا يسراً في الآخرة.
الثالث : إن مع العسر لمن بُلي يسراً لمن صبر واحتسب بما يوفق له من القناعة أو بما يعطى من السعة.
432
قال ابن مسعود : والذي نفسي بيده لو كان العسر في حَجَرٍ لطلبه اليسر حتى يدخل عليه « ولن يغلب عسْرٌ يُسْرَين ».
وإنما كان العسر في الموضعين واحداً، واليسر اثنين، لدخول الألف واللام على العسر وحذفها من اليسر.
وفي تكرار « مع العسر يسرا » وجهان : أحدهما : ما ذكرنا من إفراد العسر وتثنية اليسر، ليكون أقوى للأمل وأبعث على الصبر، قاله ثعلب.
الثاني : للإطناب والمبالغة، كما قالوا في تكرار الجواب فيقال بلى بلى، لا لا، قاله الفراء وقال الشاعر :
هممتُ بِنْفسيَ بَعْضَ الهُموم فأَوْلَى لنفْسِيَ أولى لها.
﴿ فإذا فَرَغتَ فانَصَبْ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : فإذا فرغت من الفرائض فانصب من قيام الليل، قاله ابن مسعود.
الثاني : فإذا فرغت من صلاتك فانصب في دعائك، قاله الضحاك.
الثالث : فإذا فرغت من جهادك عدوك فانصب لعبادة ربك، قاله الحسن وقتادة.
الرابع : فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك، قاله مجاهد.
ويحتمل تأويلاً خامساً : فإذا فرغت من إبلاغ الرسالة فانصب لجهاد عدّوك.
﴿ وإلى ربِّكَ فارْغَبْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : فارغب إليه في دعائك قاله ابن مسعود.
الثاني : في معونتك.
الثالث : في إخلاص نيتك، قاله مجاهد.
ويحتمل رابعاً : فارغب إليه في نصرك على أعدائك.
433
Icon