ﰡ
قوله تعالى: ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ... (١)﴾
الزمخشري، والطيبي: ورد التسبيح في القرآن بلفظ الماضي، والمضارع والأمر [والمصدر*]، وقال (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى)، (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا)، انتهى، والتسبيح إما حقيقة [ويقع*] على أنواع، لأنهم متنوعون إلى ملائكة وإنس وجن، وإما مجازا، وقرره بوجهين:
أحدهما: أن هذه الجمادات والأشجار إذا نظر إليها الناظر المعتبر، وفكر في إبقائها لأحكامها يعتقد أن لها خالقا متصفا بصفات الكمال، منزها عن النقائص، فهي سبب في التسبيح، ولا يصح أن تكون هي مسبحة حقيقة، لئلا يلزم عليه أحد أمرين، [إما*] وقوع التسبيح من الجماد، وإما قيام الحياة بالجماد، وكلاهما باطل، لأنه حالة التسبيح حي ليس [بجماد*].
والثاني: أنها مسبحة بلسان الحال؛ [لافتقارها*] في كل زمان إلى الاستمداد بالعرض من الطعم، واللون، والرائحة، وهذا هو الذي حكى المازري في الجوز في قضيته مع الشيخ أبي الحسن اللخمي، لما قال المازري: إن الموجودات كلها تسبح فألزمه اللخمي أن الحصى يسبح، وقال: نعم، ويدخل تحت عموم قوله تعالى: (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ)، نفسها [والأرضون*] إلا الفلك الأعلى المحيط بها، فإِنه ليس مما فيها، وعطف الأرض على السماوات تأسيس، وقلنا: والسماء بسيطة لأنها ليست مما في السماوات، وتأكيد إن قلنا: إنها [كورية*]، وتنوع التأكيد [لأن دخولها في السماوات لا يدركه كل النَّاس*]، بل الأفراد منهم والعلماء، وهل التسبيح معنوي بلسان الحال، أو بلسان المقال؟ وكما تقرر أن الوجود على أربعة أقسام: وجود في الأعيان، ووجود في الأذهان، ووجود في اللسان، ووجود في البنان، فإِن قلت: التسبيح إنما هو معنوي علمي، ولو كان بلسان المقال للزم عليه قدم العالم، لأن العالم [... ] قلت: هذا لَا يصح، لأنا نقول: إنه تعالى سبح نفسه بنفسه واللام في (لله) للعلة، والمعلول هو الله [تقديره*] سبح لله لأجل الله، أي نزه ذاته لذاته، وإن حمل التسبيح على لسان الحال، فلا تخصيص، وإن حمل على [لسان المقال*]، فيخصص بمن [يتأتى*] منه التسبيح، ولهذا أسند التسبيح للمظروف دون الظرف، في قوله تعالى: [(مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) *].
العزة الامتناع، وهو قسمان: إما يكون الشيء قليلا في ذاته لَا يمكن أن يكبر كثيرا، أو إما بكونه لَا يقدر أحد على الوصول إليه، والتسبيح يقتضي اتصاف الله تعالى بصفات الكمال لَا بعده عن النقائص، فهو ممتنع عن النقائص مرتفع عن درجتها فناسب العزة، ثم إن الصفات قسمان: ثبوتية وسلبية، والصفات السلبية أسهل من الصفات الثبوتية، ولأجل هذا لم يخالف أحد في السلبية، واختلفوا في الثبوتية، فأنكرها المعتزلة، وأثبتها أهل السنة، والحال أيضا اختلفوا فيها، فمنهم من أنكرها، ومنهم من أثبتها، ومنهم من وقف فيها، والتسبيح من الصفات السلبية، فإذا عقبت معناه السلبية بالعزة، وهو امتناعها من أن تعلم، ويدرك كنهها مع سهولتها، فأحرى الثبوتية [المخالفة لها*]، فإن قلت: المشاكلة بين المعطوفين، فإن المعطوف عليه جملة فعلية، والمعطوف جملة اسمية، قلت: المشاكلة معنوية ولفظية، فاللفظية الإعرابية، وهي مفقودة هنا، وأما المشاكلة المعنوية فموجودة، وتقديرها أن التسبيح معلل بمضمون جملة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، أي سبح لكونه ذا العزة والحكمة، وهو دليل مدلول وبينهما تناسب في المعنى، فلذلك حسن العطف دون المشاكلة اللفظية.
قوله تعالى: ﴿لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ... (٢)﴾
المراد بالملك إما المصدر، أو المملوك.
قوله تعالى: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ... (٣)﴾
تقرر في المعقول أن الأولية على ثلاثة أقسام: إما بالزمان، أو بالوجود، أو بالذات، فبالزمان كالأب مع الابن، وبالوجود كالصانع بالنسبة إلى [مصنوعه*]، وبالذات كحركة الإصبع والخاتم في زمان واحد، إذ لو كان أحدهما قبل الآخر، للزم عليه تداخل الأجسام، وهو دخول الإصبع في جسم الخاتم، فدل على أن أولية الإصبع على الخاتم بالذات، والأولية هنا في الآية إما بالذات، أو بالموجود فقط.
قوله تعالى: (وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ).
الظاهر بما نصب من الأدلة الدالة على وجوده، وكمال صفاته، الباطن: فلا يدرك أحد كنه صفاته، ابن عطية: الباطن بلطفه وغوامض حكمته، وباهر صفاته التي لا تدركها الأوهام، الزمخشري: الباطن لكونه غير مدرك بالحواس، ورد بها على أهل السنة الذين جوزوا رؤية الله تعالى في الدار الآخرة بحاسة البصر، الطيبي: عن صاحب الانتصاف جوابه: أن هذه أدلة سمعية لَا تنتج إلا الظن، فما يصح الاستدلال بها في
[النازلين بكلّ مُعْتَركٍ | والطيِّبُون مَعَاقِدَ الأُزْرِ*] |
قوله تعالى: (وَهُوَ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمٌ).
قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ... (٤)﴾
إسناد الفعل بطريق الخبر يتضمن الدعوى في أمرين:
أحدهما: مجرد إسناد كمن قام به، والثاني: برهان كون هذا المسند إليه أهل للإسناد الحقيقي كقولك: صنع فلان قوسا يرى، أو تقول: صنع فلان قوسا، فالأول: يقتضي الإسناد، والبرهان، وهو كونه محكما في صنعته غاية بحيث لَا يصدر عن غيره، والثاني: ليس إلا مجرد الإسناد، فهل الآية من الأول، والثاني؟ فإن قال المجيب من الأول أخطأ، وإن قال من الثاني أخطأ، ولا بد من التفصيل، فيقال: إن نظرنا إلى أول الآية فمن الثاني، وإن نظرنا إلى آخرها، لقوله تعالى: (فِي سِتةِ أَيَّامٍ)، فمن الأول، وخص الستة.
قال القرافي: لأنها أول الأعداد التامة، لأن لها نصف وثلث وسدس، وذلك يساوي جملتها، إذا جمعت تلك الأجزاء، والعدد على ثلاثة أقسام: تام الأجزاء كالستة، وناقص الأجزاء [كثمانية*]؛ لأن ثمنها ونصفها وربعها سبعة، وزائد الأجزاء كاثني
قوله تعالى: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ... (٦)﴾
أي يولج الليل في زمن النهار، أي أن الزمان الذي كان نهارا يصير بعضه ليلا، والزمان الذي كان ليلا يصير بعضه نهارا، وهذا إن قلنا: إن الأرض بسيطة، فهو متحد في كل البلاد، وإن قلنا: إنها [كورية*] فهو بحسب الأقطار، فإِيلاج كل قطر بحسبه، ونظير هذه الآية في سورة لقمان، وسيأتي الكلام فيها.
[قوله تعالى (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ.. (٧).. ، قيل: ما أفاد المجرور وهو (مِنْكُمْ)؟
أُجيب بأن ذكره يتضمن إزالة الوحشة عن المخاطب، إذ كان سبق منه كثرة الرد والطعن في الإسلام، فصرح به ليقضي شوق المخاطب*]، [لما كان صدر منه فاستعار له الإسلام*].
قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ... (٨)﴾
إما خطاب للمشركين أو للمؤمنين، أي ما لكم [لَا تدومون*] على إيمانكم، ويحتمل أن يكون خطابا للمنافقين الذين آمنوا في الظاهر، وكفروا في الباطن، الفخر: فيها دليل [للمعتزلة*] على أن العبد له قدرة واختيار، إذ لَا يقال ذلك إلا لمن يتمكن من [الفعل*] كما لَا يقال ما لك [لَا تَطُولُ وَلَا تَبِيضُ*] نقله عن القاضي عن الجبار، ويجاب: بأن ذلك إنما يقتضي أن للعبد في الفعل الكسب، وهو العلم بما في الفعل من مصلحة، أو مفسدة، وهو مذهبنا وحقه أن يقول فيها رد على المجبرة القائلين: بأن الإنسان حركته كحركة العرضي، الفخر: وفيها دليل على أن معرفة الله تعالى، والإيمان به لَا [يجبان*] إلا بالسمع، انتهى، أما ما يرجع إلى ذات الله تعالى وصفاته فمستفاد من العقل، وما يرجع إلى المعاد والدار الآخرة [فمستفاد*] من السمع.
قوله تعالى: (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ).
قوله تعالى: (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ).
الزمخشري: حيث ركبت فيكم العقول [ونصب*] لكم الأدلة، ومكنكم [من*] النظر، وأزاح عللكم، فما لكم لَا تؤمنون، ابن عطية: أخذ عليكم العهد حين الإخراج من ظهر آدم يوم قال (أَلَسْتُ بِرَبِّكُم)، انتهى، هذا ظاهر من لفظ الميثاق بعيد من المعنى، والأول ظاهر في المعنى بعيد من لفظ الميثاق، ونقل الفخر هذا التفسير عن عطاء، ومجاهد، والكلبي، وضعفه بأنه تعالى ذكر أخذ الميثاق عليهم إبطالا لما قد يعتذرون به عن عدم الإيمان، وأخذ الميثاق حين الإخراج من ظهر آدم لَا تعلم إلا بقول الرسول، فقيل: معرفة صدق الرسول لَا يكون ذلك سببا في وجوب تصديق الرسول، أما نصب الدلائل فمعلوم لكل أحد، فإن قلت: ما قاله ابن عطية يلزم عليه الدور، فإن [ما*] أخذ عليهم في ظهر آدم إنما علموه من السمع لَا من العقل، وهم [مكذبون*] للسمع مخالفون فيه؟ فالجواب: بأن ذلك إنما يلزم [لو قيل لهم*] وما لكم لَا تؤمنون بالله ورسوله، وهم إنما وبخوا على ترك الإيمان بالله حالة دعاء الرسول لهم، وإعلامه إياهم بتقدم وأخذ العهد عليهم يوم (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ)، الطيبي: ويحتمل أن يريد أخذ ميثاقكم جميعكم إياه على السمع والطاعة، والخطاب للمؤمنين، انتهى، وقرأ الجمهور (أَخَذَ) مبنيا للفاعل، وقرأ أبو عمرو مبنيا للمفعول، ابن عطية: والمخاطبة بالبناء للمفعول أشد غلظة على المخاطب، ونحوه قوله تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ)، وكما تقول [ألا تفعل ما قيل لك*]، فهو أبلغ من قولك افعل ما قلت لك، انتهى، بل الصواب [العكس*] بدليل أن ابن الحاجب: إذا [استبعد*] من قول يقول: قالوا: كذا وكذا، وإذا ارتضاه يقول قولنا: كذا.
في لفظ العبد رد على الحكماء القائلين: بأن للأنبياء اختصاصا زيادة في ذاتهم بالطبع، ونحن نقول النبوة، إنما هي فضل الله يؤتيه من يشاء، ولا خصوصية لهم في ذواتهم، فعبر بلفظ العبد تنبيها على أنه من جنس العبيد.
قوله تعالى: (آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ).
ويحتمل أن يريد القرآن والمعجزات، فإن قلت: كيف يفهم هذا مع قوله تعالى: (مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)، [هو*] تنبيه على الجملة من حيث فصاحتها ورصافتها ودلالتها على حكمة منزلها.
قوله تعالى: (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ).
أفعال الله الراجعة لذاته، غير معللة، وأما ما يتعلق بالمكلفين فهي معللة عند المعتزلة عقلا، وعندنا نحن يجوز تعليلها شرعا، فأتى هذا على أحد الجائزين فهو من باب ربط شيء بشيء، لَا على معنى التعليل، الفخر: قال القاضي: فيها حجة للمعتزلة القائلين بأن الله تعالى لم يرد الكفر، بقوله تعالى: (لِيُخْرِجَكُم مِنَ الظُّلُمَاتِ)، فظاهرها أنه أنزل الآيات ليؤمن الجميع، فآمن البعض، ودام الآخرون على كفرهم، انتهى، يجاب: بأن المراد آيات بينات صالحة لأن يخرجكم بها من الظلمات إلى النور، أو هي سبب لإخراجكم من الظلمات إلى النور.
قوله تعالى: (وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ).
تقدم في سورة براءة تقديم الرءوف على الرحيم في الذكر من كلام الفخر ابن الخطيب في شرح الأسماء الحسنى.
قوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ... (١٠)﴾
إن قلت: لم قال [قبل*]: (وَمَا لَكُم لَا تُؤْمِنُونَ) بلفظ المضارع المحتمل للحال، والانتقال، وقال هنا: (وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا) بلفظ المستقبل، لأن (أنْ) تخلص الفعل للاستقبال بلا خلاف، وأما (لَا) فمختلف فيها، هل تلخصه للاستقبال أو لَا؟ وعلى تقدير تسليم أن (لَا) تخلص الفعل للاستقبال اكتفائها في الآيتين، فلم زيدت معها هنا (أنْ)، فالجواب: أن الإيمان يمكن حصوله من المكلف في الحال، لأنه من أفعال القلوب، فناسب لفظ الحال، والنفقة في سبيل الله لَا يقدر المكلف على فعلها حين الأمر بها، بل في الاستقبال، ولا سيما مع قولهم إن المراد النفقة في الجهاد، وهذا معلوم بالضرورة لأنا الآن في زمن جلوسنا إذا أمرنا أحدنا باعتقاد رجل أو تصديقه [أو تكذيبه*]، يمكننا
قوله تعالى: (وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ).
إشارة إلى أن المال الذي عندهم إنما هو عارية فعليهم بإنفاقه في سبيل الخيرات، لأنه زائل عنهم.
قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي).
الآية إن كانت نزلت قبل الفتح، فواضح كونها تحريضا على الإنفاق، والقتال في تحصيل ثوابها، وإن كانت بعد الفتح فَفَهْمُ كونها تحريضا فيه صعوبة، بل المتبادر للمفهوم أنها تحرض على تلافي ما مضى، فالجواب: أن الآية لما تضمنت تشريف القسم المقابل كان تحريضا، إذ [هو*] عام في البعدية إلى يوم القيامة أو مقابل قوله (مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ)، وهذه البعدية صادقة في سائر الأزمان فينبغي للمكلف تحصيل صادقيتها ليكون أحد المقابلين للأفضل، ونص في الآية على نفي مساواة من جمع الوصفين، قبل الفتح لفعل مثله بعده، فمن أنفق قبله، ولم يقاتل، هل يساوي من قاتل بعده ولم ينفق؛ لأن بذل النفس أعظم ثوابا من بذل المال، فهل يعدل فضيلة ذلك فضل السبقية [أو لا؟] فيه نظر، فإن قلت: من في قوله (مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ)، وقوله (مِنْ بَعْدُ) لابتداء الغاية، فهي لأول أزمنة القبلية والبعدية، وتضمنت الآية نفي مساواة من أنفق في أول الأزمنة المتقدمة على الفتح، لمن أنفق في أول الأزمنة المتأخرة عنه، مع أن المساواة منتفية بين من أنفق قبله مطلقا، وبين من أنفق بعده مطلقا، فالجواب: أن كل ما ثبت لأحد المتساوين ثبت للآخر، و (مَن) إنما دخلت لتأكيد معنى السبقية، وهذا يقع في القرآن على وجهين، فتارة تنفي المساواة ويعين وجه المفاضلة بينهما كهذه الآية، وكقوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)، وتارة لَا يعين وجه التفاوت بينهما، كقوله تعالى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)، وقوله تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (١٩) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (٢٠) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ)، الفخر في المحصول: قوله تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) لفظ المساواة بينهم في الآية مطلق، فهو أعم من عدم استوائهم في الأحكام الأخروية من النعم والعذاب، أو في الأحكام الدنيوية من القصاص، والإجرام وغيره، والأعم لَا شعار له بالأخص، وبنى عليه مساواة الكافر للمؤمن في
قوله تعالى: (أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً).
فإن قلت: قاعدة البيانيين في حسن الإيلاف مراعاة المشاكلة في الألفاظ، والمناسب للدرجات العلو، فيقال: درجة فلان، ومنزلته أعلى من درجة فلان، ويقال: قدر فلان أعظم من قدر فلان، فهلا قيل: هنا أولئك أعلى درجة، فالجواب: أن قوله أعظم اقتضى التفاوت بينهما في القدر وعلو الدرجات، فهو أعم فائدة.
قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ... (١١)﴾
إثباته بلفظ الاستفهام دليل على عظم هذه الفضيلة، لأن الغني بذاته إذا طلب شيئا بلفظ السؤال فهو تنبيه على عظم الثواب المعد عليه، وأنه محبوب له مرغب فيه، بحيث يسأل عمن يفعله مع علمه به، (حَسَنًا) أي لوقوعه بنية مخلصة، وذكر الفخر فيه وجوها كلها راجع إلى حسن النية، وهو مناسب لما تقدم، لأن أولئك إنما علت منزلتهم بالسبقية في الإيمان لبذلهم نفوسهم وأموالهم في نصرة دين الله، [حيثما يأمر*]؛ فدل على قوة إخلاصهم، وحسن نيتهم، وهذه الآية تذييل وتبيان لما أشعرت به الآية السابقة.
قوله تعالى: ﴿يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ... (١٢)﴾
قيل: أخر النور هنا، وقدمه في سورة التحريم؟ أجيب: بأن المقصود هناك الذوات بخلاف هذه، فإن المقصود فيها بيان شرف المؤمنين، فناسب الاعتناء بذكر الصفة وغلب الإيمان على الشمائل، والمراد أن نورهم يعم جميع جهاتهم يمينا وشمالا، أو يقال: إن بين أيديهم يعم اليمين والشمال، وعطف عليه (بإيمانهم) تشريفا لجهة اليمين بالذكر، قيل: وفي الآية رد على ابن حزم القائل: إن العاصي يأخذ كتابه بشماله، لأنه تعالى جعل مجرد [الوصف*] سببا لأخذ الكتاب باليمين. قوله تعالى: (بُشرَاكُمُ الْيَومَ جَنَّات) أي دخول جنات.
قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ... (١٣)﴾
فيها سؤالان:
السؤال الثاني: لم أسند الفعل في المنافقين للمذكر والمؤنث؟ وأسنده في المؤمنين للمذكر خاصة؟ وهلا قال (لِلَّذِينَ آمَنُوا) واللاتي آمنَّ؟ والجواب: عن الأول من ثلاثة أوجه:
الأول: مراعاة المشاكلة بقوله فيما تقدم (يَومَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤمِنَاتِ).
الثاني: أنهم طلبوا ذلك ممن اتصف بمطلق الإيمان، فيتناول [أعلى المؤمنين*]، وأدناهم، ولو قال (يَومَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ)، للمؤمنين، لما تناول الأول من اتصف بأعلى مراتب الإيمان، واعترض هذا بأنه يلزم عليه في [الطرف*] الآخر ألا يكون طلب هذا إلا من اتصف [بمطلق الإنفاق*]، [فاحتاج*] إلى طلب ذلك، أو [يطلب*] ذلك، فيستعف به، مع أن الكل لَا ينفعهم ذلك،
الجواب الثالث: أن المؤمنين على مراتب، والمنافقون لَا يستطيعون الوصول إلى أعلاهم لبعدهم عنه، وإنَّمَا يصلون إلى أدناهم لقربهم منهم، فذلك قال: (لِلَّذِينَ آمَنُوا) فعلقه بمطلق الإيمان لكن يبقى فيه إن كان يقول يوم يقول الذين نافقوا، والجواب عن السؤال الثاني: إما بأن المذكور أعلى منزلة، والنساء لسن من جنس من يطلب منهن ذلك، وإما بأنهن محجوبات عنهن، فلا يصلون إليهن.
قوله تعالى: (نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ).
ليس المراد الحقيقة، بل المجاز أي نستضيء بنوركم، لأن الاقتباس من السراج هو أن [ | ] سراجك، وهم ليس عندهم سراج [يوقدونه*]، فإِنما هو [تهكم بهم*]، أو أمر بالرجوع ورائهم حقيقة. |
صيغة افعل هنا إما للإهانة أو للتعجيز، وهو الظاهر، والتنكير في (نُورًا) للتعليل أو تحقيرا لهم، وأنهم في التماسهم له غير صائبين، فإن قلت: عدل عن المطابقة، ولم يقل اقتبسوا نورا، وهو المطابقة لقولهم (نَقْتَبِسْ)، قلت: لأن الاقتباس يقتضي وجود المقتبس منه، وهو ثابت في حق المؤمنين موجود، ولما كان معدوما في جانب المنافقين خاطبهم بقوله (فَالْتَمِسُوا) لأن الالتماس لَا يقتضي الوجود.
قوله تعالى: (نُورًا).
قوله تعالى: (بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ).
إن قلنا: إنه الحائط الشرقي من بيت المقدس فظاهر، لأن باطنه هو الذي على مسجد الصلاة وعلى العبادة، فناسب أن تكون الرحمة، وإن قلنا: إنه سور خلقه الله تعالى حينئذٍ، فهو كما يقول في سور المدينة، إن باطنه [هو*] الذي على داخل البلد، لأنها هي الجهة المصونة بالسور المحفوظة به، كما أن باطن الحائط هو الذي نحوه [... ]، [وخص*] الرحمة بالباطن، لأنه هو الخفي المستور، ولما كان طرفه أقل من الظاهر قرن الأول بصريح البطن فيه دون الثاني.
قوله تعالى: (مِن قِبَلِهِ).
إشارة إلى أن العذاب بعيد عن السور لكونه للمؤمنين، حتى [لَا يفزعهم*] شيء من ذلك العذاب.
قوله تعالى: ﴿قَالُوا بَلَى... (١٤)﴾
قيل: هذا التصديق إما أن يكون حقا، أو باطلا، لَا جائز أن يكون باطلا، لأن المؤمنين في دار الحق فلا يقرون إلا بالحق، ولا جائز أن يكون حقا؛ لأنهم ما سألوهم عن كونهم الكون الموجب [للنجاة*]، وهو الكون ظاهرا وباطنا، فصدقوهم على ذلك، قيل: التصديق مرتبط بالاستدراك الذي بعده، قيل: انتهى الكلام عندنا، قيل: مرادهم بالتصديق أنهم كانوا معهم في الظاهر فقط، قيل: فلم يصدقوهم إذًا في سؤالهم.
قوله تعالى: (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ).
لم يقل: أمانيكم تهويلا عليهم وتعظيما لما صدر منهم، حتى [كأنها*] أماني أخر غير أمانيهم، مضافة لأمانيهم، وانظر [لم يقل: وأغررتم بالأماني*]؛ لأنه المطابق لما قبله.
قوله تعالى: (حَتى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ)
إن أريد به الموت فالغاية راجعة للمغرور، والتربص.
قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ لَا يُؤْخَذُ... (١٥)﴾
الفاء للتسبيب ويبعد كونها للتعقيب، لأن عدم الأخذ ليس متأخرا عن الغرور؛ بل متقدما، لأنه عدم قبل الحكم، [فعدم*] الأخذ متأخر عن الغرور، قيل: بل تقدم أيضا
قوله تعالى: (وَلَا مِنَ الَّذِين كَفَرُوا).
من عطف الأعم على الأخص، لأن المنافقين من الكافرين، لكن لما كان جانب المنافقين أعظم لقوله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ)، وكان عطف الكفار تأسيسا، ولَا يلزم من عدم أخذ الفدية من المنافقين عدم أخذها من الكافرين، قال الفخر (١): والفدية ما يفتدى به، فيتناول التوبة والإيمان، والمال، [وفيها*] حجة للمعتزلة في قولهم: إن قبول التوبة غير واجب عقلا، لأنا أجمعنا على أن التوبة من الذنوب تنفع في الدنيا، فلو كانت [عقلية*] لاستوي حالها في الدنيا والآخرة (١)، انتهى، يقول: إنها عقلية في الدنيا فقط، وأما في الآخرة فهي شرعية، لأن المكلف في الدنيا تمكن من المعاصي، ومن الكفر فيحتاج حين التوبة للتكليف الامتناع من المخالفات، وحبس نفسه عن شهواتها بخلاف الآخرة، فإنه غير متمكن من ذلك فيها.
قوله تعالى: (مَأوَاكُمُ النارُ).
إن قلت: هذا التركيب يقتضي الخلود، لأن مأواكم مبتدأ والنار خبره، والقاعدة: أن المبتدأ إما مساو للخبر، أو أخص منه فإن كان [مساويا*]، فالمأوى هو النار، وإن كان أخص [فإن*] وجد المأوى، وجدت النار، لأنه مهما وجد الأخص وجد الأعم، قلت: الخلود [يقضي بانعدامهم*]، لجواز أن يعذبهم الله تعالى فينعدم المأوى.
قوله تعالى: (مَوْلاكُم).
الزمخشري: أي هي أولى بكم، وأنشد قول لبيد:
فَعَدَتْ كِلا الفَرجَينِ تَحْسِبُ أَنّه | مَوْلى المَخَافَةِ خَلْفُها وَأَمَامُهَا |
وَاعْلَمْ أَنَّ الْفِدْيَةَ مَا يُفْتَدَى بِهِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْإِيمَانَ وَالتَّوْبَةَ وَالْمَالَ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَبُولَ التَّوْبَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ عَقْلًا عَلَى مَا تَقُولُهُ الْمُعْتَزِلَةُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْفِدْيَةَ أَصْلًا وَالتَّوْبَةُ فِدْيَةٌ، فَتَكُونُ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى أَنَّ التَّوْبَةَ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ أَصْلًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ تَكُنِ التَّوْبَةُ وَاجِبَةَ الْقَبُولِ عَقْلًا. اهـ
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا... أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (١٦)﴾
ابن عطية: سمع الفضل بن موسى، وهو في معصية هذه [الآية*] فتاب، انتهى، ونحوه نقل القشيري في رسالته عن الفضيل بن عياض، ابن عطية، وحكى الطيبي عن ابن المبارك، انتهى، ونقله أيضا عياض في المدارك، وعبر في الآية بلفظ الفعل في قوله تعالى: [(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا) *]، لأن ذلك لم يتصف به أعلاهم قبل أوسطهم وأدناهم.
قوله تعالى: (لِذِكرِ اللَّهِ).
الزمخشري: يجوز أن يراد بالذكر، وما نزل من الحق [القرآن*]، لأنه جامع للذكر والموعظة، وأنه حق من السماء، ويجوز أن يراد خشوع القلب، إذا ذكر الله، انتهى، فعلى الأول: هو من عطف الصفات، والمصدر مضاف للفاعل، وعلى الثاني: المصدر مضاف للمفعول، ويحتمل أن يريد [بالذكر*] التوحيد، وعدم الشرك وبما [نزل*] من الحق البراهين والدلائل الدالة على ذلك.
قوله تعالى: (فَقَسَت قُلُوبُهُمْ).
أوَذهلوا عن التأمل والنظر، فقست قلوبهم، لكن بعضهم لم يزل على دينه، وبعضهم [أوصلته الغفلة والذهول، إلى الفسق والفجور*].
قوله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا... (١٧)﴾
الزمخشري: هذا تمثيل لأثر الذكر في القلوب، وأن يحييها كما يحيي الغيث الأرض ونحوه، لابن عطية قال: أي لَا يبعد عليكم أيها التاركون للخشوع رجوعكم إليه، فإن الله يحيي الأرض بعد موتها، وكذلك يفعل بالقلوب، انتهى، فهذا أمر فرعي، ويحتمل بأن يكون المراد التنبيه على صحة الإعادة، بكمال قدرة الله تعالى على إحياء الأرض بعد موتها، فلذلك [... ] الخلائق فهذا أمر أصلي، وفي الآية رد على إمام الحرمين القائل: إن العلوم كلها ضرورية، لأن صيغة الطلب هنا إما للوجوب أو الندب، وليست للإنشاء، ولكون متعلقها أمرا دينيا، فهذا من أمور التكليف، واتفقنا على أن الأمور الضرورية لَا يجوز التكليف بها، فدل ذلك على أنه أمر نظري ولا معنى لكون العلوم بعضها ضروري، وبعضها نظري، إلا هذا.
قوله تعالى: (قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ).
قوله تعالى: (لَعَلَّكُم تَعْقِلُونَ)، فإن قلت: فيه دليل على أن العقل ليس معلوم ضرورة، فمن يجهل ذلك فإنه غير عاقل خلاف قول أبي المعالي: قلت: ليس مراد أبي المعالي العقل الذي يقع به التمييز، وهو شرط في التكليف، لأنه محصل للعلم ضرورة، وإنَّمَا مراده العقل الشرعي الجعلي النافع.
قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ... (١٩)﴾
وجه مناسبتها لما قبلها، أنه لما قدم ذكر [الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ*]، وما أعد الله لهم من الأجر، دلت هذه الآية على أن من دونهم ينال أجرا عظيما قريبا من أجرهم، ففيها إرجاء وإطماع لسائر المؤمنين، إن أريد إيمان خاص فيكون هؤلاء أعلى منهم منزلة، والصدِّيق في اللغة يقتضي أن المراد الذين صدقوا بالله تصديقا بعد تصديق، وليس المراد هنا بالصدِّيق ما يقوله المتصوفة من أنه أدنى رتبة من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن ذلك اصطلاح وليس بلغة، وهذا موافق لما يقول المنطقيون: من أن التصديق راجع للجمع، والتصور للمفردات، فإذا قال الإنسان في نفسه العالم حادث فهو عندهم تصديق [لَا تصور*]، وإن لم ينطق به؛ ولذلك اعتقدوا الإيمان بالله ورسوله، وعبدوه تصديقا؛ لكن هذا راجع لما يخبر به الرسول، وهو أمر مسموع، فهو تصديق للخبر، لأنه راجع [لحديث النفس*]، ابن عطية: والصديقون باب لغة الصدق، أو التصديق وفعيل لَا يكون إلا من فعل ثلاثي، وأشار بعضهم إلى [مجيئه*] من غير الثلاثي، وقال: مسك من أمسك، وأقول أنه يقال: مسك، وفي هذا نظر، انتهى، النظر الذي هو فيه أنه يقال: مسك ولم [يذكره*] الجوهري في الصحاح وإنَّمَا ذكر أمسك، وانتقد ابن مكي: في تثقيف اللسان على الأطباء قولهم: القوة الماسكة، قال: إنما القوة الممسكة من أمسك فدل على أنه لَا يقال: أمسك عند ربهم أن رجع إلى المبتدأ، فالمراد في حكم ربهم، وإن رجع لما بعد، فالمراد لهم أجرهم عند ربهم حقيقة، وإضافة الأجر إليهم تعظيم لهم، وقال قيل: (وَلَهُم أَجْرٌ كَرِيمٌ)، فاكتفى هنا بوصفه هناك، فسر الزمخشري الآية بقوله (أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ)، فسوى بينهما في الأجر ولأنه من الالتفات، فأجاب: بأن أجر المؤمنين مضاعف مساو لأجر أولئك غير [مضاعف*]، انتهى، ولا يحتاج إلى هذا لأن المماثلة تكون في النوع، وفي
قوله تعالى: (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ).
ولم يقل: أولئك هم أصحاب، فيدخل في ذلك المبتدعة المختلف في تكفيرهم، ومن كفر بالتأويل، [والصحبة هنا دوام الإقامة وليست من الصحبة في*] اصطلاح المحدثين، لأنهم يشترطون رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، ولو مرة واحدة على الخلاف عندهم في ذلك.
قوله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ... (٢٠)﴾
يحتمل أن يراد الأمر بلازم ذلك، وهو الاتعاظ، والإنابة، والتذكر، واللعب يشغل النفس بما يلهي على سبيل الفرح، [والفرح*] واللهو شغل النفس بما يلهي عن أمر يؤلم، الفخر: اللعب من فعل الصبيان، وهو الشغل المتعب لغير فائدة، واللهو من فعل الشباب، وهو لفائدة دنيوية فقط، انتهى، وحاصله أن اللعب هو إتعاب النفس لا لقصد تحصيل أمر ملائم، حاصل الآية أن الأمور المباحة إذا كانت لَا تحصل فائدة أخروية، فهي لعب ولهو؛ فينبغي للإنسان أن ينوي التقوِّي على الطاعة، وحكي عن سيدي الحسن بن علي المنتصر رحمه الله ونفع به، أنه كان يوما في الثانية عند سيدي حسن المريدي نفع الله به، فجلس يشرح التين، فمر به سيدي حسن فسأله عن سبب ذلك، فقال له: قعدت بطالا فأخذت [أشغل*] نفسي بهذا، فقال له: اقصد بفعلك ذلك أنك تشرحه ليأكل منه متعلم، أو مضطر لأكله، فيستعين به على عبادة الله تعالى، فكذلك ينبغي لكل أحد أن لَا يخلي فعله من نية الطاعة، ليخرج فعله المباح عن اللعب واللهو، قال كاتبه [عفا*] الله عنه، وهذه سيرة مولانا السلطان سلطان السلاطين، وسلطان الصالحين أبي فارس عبد العزيز ابن مولانا أمير المؤمنين أبي العباس أحمد في أفعاله كلها سفرا وحضرا، وقد ضمنت هذا المعنى في قصيدة نظمتها له، قلت فيها:
وأفعاله ينوي بها البر كلها... في قصده صار المباح تعبُّدا
فإما رباطا إن أقام بساحل... وإما جهاداً إن توجَّه للْعِدا
وعادته أمتع الله المسلمين ببقائه إذا قدم من سفره قاصدا به جهاد المفسدين في الأرض الإقامة بساحل لقصد الرباط، إن قلت: هذا يوهم تحصيل الحاصل [كقولهم*]: قام القائم، فالجواب: أن ابن التلمساني قال: تعليق الحكم على موصوف
قوله تعالى: ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ... (٢٥)﴾
هذا عند المعتزلة [قيل: ظاهره يعني الإرادة*]، وعندنا إن كان لفظ النَّاس عاما في الجميع، فهو إما بمعنى الحكم أي ليؤمن النَّاس بالقسط وليس بمعنى الإرادة، لئلا يلزم عليه الخلف في الخبر، إن لو أراد من الجميع القسط لما وقع إلا كذلك، وقد وجدنا كثيرا لَا يعدلون، وإن كان المراد بالنَّاس أهل الخير والصلاح، فقد يكون قوله تعالى: (لِيَقُومَ النَّاسُ)، بمعنى [الإرادة*] على حقيقته.
قوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ).
الزمخشري قيل: نزل آدم عليه السلام من الجنة، ومعه خمسة أشياء من حديد، وهي السدان والكلبتان، والميقعة، والمطرقة، والإبرة، ولم يفسر الطيبي سوى الميقعة قال: هي المطرقة، قال شيخنا: وأخبرني السلطان أبو الحسن المريني بمحضر جماعة: أن صواعق نزلت عندهم بالحديد، فأمر من أتاه بذلك الحديد، وصنع فيه سيوفا، فلم تكن في القطع بذاك.
قوله تعالى: (بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ).
المراد بالبأس جهاد العدو، فهو من دفع المضار، فجاز تقديمه على الأصل.
قوله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ).
معطوف على مقدر، أي لينتفعوا به وليعلم، ولم يقل: وليجاهدوا مع أنه [المقصد*]، لأن في لفظ الآية إغراء وتحريض على الجهاد، لأن العبد إذا استحضر أن سيده ينظر إليه، ويعلم ما هو يفعل، فإنه يجتهد في العمل.
قوله تعالى: (وَرُسُلَهُ).
تأكيد كقوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ)، أو هو كقولك أعجبني زيد وحسنه.
قوله تعالى: (بِالْغَيْبِ).
الزمخشري: حالة كونه غائبا عنهم. انتهى، ويحتمل أن يريد بسبب الغيب، لأن الحاصل على الاقتحام في القتال، إنما هو رجاء نيل درجة المجاهد، [والثواب*] المعد له
قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ).
لا يمانع فيما أراده.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ... (٢٦)﴾
[خصصهما أشبه باحتراس*]، لأنه لما أخبر أن الجهاد لنصرة الله ورسوله نبه على أنه قوي بذاته غير محتاج للنصرة، عزيز لَا يمانع [فيما أراده*]. قوله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ)، خصصهما بالذكر دون غيرهما، لأن نوحا عليه السلام أبو البشر بعد آدم عليه السلام عموما، فهو أب أو عم لغيره، وإبراهيم له أب أخص، فإن قلت: وإسماعيل أبوه، قلت: اختص إبراهيم بالذكر لاتفاق الملل كلها، وأهل كل ملة يؤمنون به، وكذا تسمية الأب الصالح بخلاف إسماعيل، ولأن شريعتنا موافقة لشريعة إبراهيم.
قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ).
قالوا: (جعل) بمعنى صيَّر أو بمعنى خلق، وهذا بيِّنٌ على مذهب المعتزلة، وأما على مذهب أهل السنة، فلا يصح كونها بمعنى خلق، لأن الكتاب قديم ليس بمخلوق إلا أن يراد به الألفاظ المكتوبة، [فيصح لأنها*] حادثة، وبها يقع الإعجاز، لكن الأول أولى لما في هذا من [الإيهام*]، وأنت تعلم فيمن حلف بالقرآن.
قوله تعالى: (فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ).
هذا يعم صالح المؤمنين، وعصاتهم، لأن [العاصي*] مهتد بالإيمان، فيصدق عليه وصف الهداية مقيدة، وإذا صدق مقيدا صدق مطلقا، وهذه تسلية للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن آبائه الأنبياء قد جرى لهم مثل ما جرى له.
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ قَفَّيْنَا... (٢٧)﴾
الزمخشري، وابن عطية: التقفية مجيء الشيء، كأنه قفاه، انتهى، هذا إن كان ينقلانه لغة [مسلَّم*]، وإلا فيمكن أن تكون التقفية مجيء بعد الشيء من غير فاصل بينهما، سواء جاء بقرب مجيئه، أو بعد طول، وهو المناسب للفظ (ثم) المقتضية للمهلة، لكن يترجح ما قالوه بقوله تعالى: (عَلَى آثَارِهِم)، وفيه دليل على أن أقل الجمع اثنان، لأن الضمير في [(آثَارِهِم) *] عائد على نوح وإبراهيم، فإن قلت: لعله عائد
قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً).
جعل عند أهل السنة بمعنى خلق، وعند المعتزلة بمعنى صير، ابن سلامة: الرأفة والرحمة يشتركان في رقة القلب، واختلف فيما يمتازان به فقيل: الرأفة أخص من الرحمة، وقيل: الرحمة أخص، وقيل: إنهما متغايران، فالرأفة الامتناع من المكروه، كامتناعك من ضرب زيد رأفة عليه، والرحمة إيصال الأمر الملائم كتصدقك على زيد رحمة له، وقال شيخنا: الرأفة هي أن تزيل عن الشخص ما يكرهه، مع بقاء تألمك منه، والرحمة أن تزيل عنه ذلك من غير تألم في نفسك، وهذا كحنانك على ولدك المسجون، وعلى أجنبي مسجون، وهو موافق لما ذكروا في الآية، من أن الجبابرة ظهروا على المؤمنين فبعضهم قاتلهم، وبعضهم جلس بين أظهرهم مؤمنا، ولم يقاتل، وبعضهم خرج عنهم وانقطع للرهبانية، فالمقاتلون اتصفوا بالرأفة لدين الله، والجالسون اتصفوا بالرحمة، والمنقطعون ترهبوا، وجعل الفارسي (رَهْبَانِيَّةً) منصوبا بفعل مضمر، أي وابتدعوا رهبانية، ولم يعطفه على (رَأْفَةً وَرَحْمَةً) اعتزالا منه، لئلا يكون مجعولا لله، لأن الرأفة والرحمة من الصفات [**الكلية]، فهي داخلة تحت القدرة القديمة يصح كونها مجعولة لله، والرهبانية من الصفات [**الكتبية] التي هي عندهم من متعلق الحادثة، فكانت من فعل العبد، فلذلك لم يعطفها على معمول (جعل)، وتكلم عليها ابن هشام في شرح الإيضاح في باب الاستقبال، وابن عصفور في شرحه أيضا بطويل من الكلام، وعلل الفارسي ما ذكره في الإيضاح بقوله: لأن الرهبانية لَا يستقيم حملها على (جعلنا) مع وصفها بقوله: ابتدعوها، لأن ما يجعله هو تعالى لَا يبتدعونه هم، ابن عصفور: جعل مفسروا هذا الكتاب هذا التعليل منه مبينا على أصول المعتزلة، إن ما يفعل العبد مقدور له فلا يفعله الله؛ لاستحالة مقدر بين قادرين، وما ذكروه ليس كذلك، بل إذا [ذهبوا إلى*] أن ما يجعله الله تعالى في القلوب [فلَا*] يوصف العبد بأنه اخترعه في عرف لغة العرب لَا حقيقة [ولا مجازا*]، [ولو أراد ما يتوهمونه لقال: إن*] ما يجعله هو تعالى حقيقة لَا يوصفون بابتداعه على طريق الحقيقة، ولا
قوله تعالى: (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ).
إن أريد به الحكم الشرعي بالإيتاء فهو حقيقة، وإن أريد به نيلهم ذلك [بالعمل*]، فيكون في معنى المستقبل مثل أتى الله، فإن قلت: إيتاء الأجر يشمل الدنيا والآخرة، قلت: أوتوا في الدنيا بعض الأجر لَا كله، وقد أخبر عنهم أنهم أتوا أجرهم كله، فلا بد من جعله في معنى المستقبل، فإن قلت: لم يؤتوا كل أجرهم؛ بل بعضه، [لأن ما*] في الآية إخبار عن قوم مضوا وانقطعوا، فقد [أوتوا*] أجرهم فيما مضى، قلت: لم يؤتوا كل أجرهم بل بعضه، لأنهم لم يدخلوا الجنة، بل نالوا أوائل النعيم، فلم يستكملوا أجرهم، وقول الزمخشري: إن الجبابرة ظهروا على المؤمنين بعد موت عيسى عليه السلام، فقاتلوهم ثلاث مرات، قد يقال: إنه غلط في قوله بعد موت عيسى، لكن وقع في أواخره في جامع العتبية في ترجمة ابن عيسى، قال مالك: كان عيسى عليه السلام يقول: يا ابن الثلاثين [مضت*] الثلاثون فما تنتظر، قال: فمات وهو ابن ثلاث وثلاثون سنة، ابن رشد: هذا مشكل مع قوله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ)، وقوله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ)، قال: لكن يحتمل أن يكون لم يمت، [عندما رفع إلى السماء*]، ونسب إليه الموت باعتبار رفعه من الأرض، ويحتمل أنه مات حقيقة، ورفعت روحه،
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ... (٢٨)﴾
ابن عطية: قيل: المخاطب بها أهل الكتاب، أي يا أيها الذين آمنوا بعيسى آمنوا بمحمد، وقيل: الخطاب للمؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أي دوموا على إيمانكم، انتهى، فالأمر على هذا بالإيمان مجاز، بمعنى الدوام، هذا إن قلنا: إن الإيمان لَا يزيد ولا ينقص، وإن قلنا: إنه يزيد وينقص، فيكون الأمر بالإيمان حقيقة، والآية دليل على أن الأمر للتكرار، إذ لو لم يكن [للتكرار*] لكان للمرة الواحدة، ولو كان للمرة الواحدة للزم عليه لحوق الرحمة، والثواب للمزيد، وهو باطل بالإجماع، فدل ذلك على أن الأمر بالتقوى والإيمان للتكرار والدوام عليه إلى الموت، ورد هذا بوجهين:
الأول: أنه معارض بأن تقول ما ذكرته من الدليل، وإن دل على ثبوت الحكم في صورة النزاع [فثَمَّ ما ينفيه*]، وهو من مات إثر إسلامه فإنه تناله الرحمة والثواب إجماعا، ولو كان الأمر للتكرار للزم عليه ألا ينال ذلك إلا من تكرر منه الإيمان، وأجيب: بوجهين:
الأول: أن ذلك إنما أتى من مفهوم الآية، وهو أن المعنى آمِنوا إيمانا دائما متكررا، ودليلنا نحن مستفاد من منطوق الآية، والمنطوق مقدم على المفهوم.
الثاني: أن دوام كل شيء [**يُحس] فهذا دوام حكمي لَا وجودي، فيدخل في ضمن الآية.
الوجه الثاني من الردين أن الخلاف إنما هو حيث يرد لفظ الأمر غريبا عن القرائن، وهذا السياق يدل على أنه للتكرار، أجيب: بأنه في اللفظ ما يدل عليه، وإنما القرينة من خارج تخصصه أو تقيده، وذلك لَا يمنع من جواز حمل اللفظ على التكرار، وقد قال الجدليون: جواز الإرادة موجب للإرادة، فجواز إرادة التكرار موجب لإرادة التكرار، بل التكرار مستفاد هنا من لفظ الأمر، لأن المراد بقوله (آمنُوا)، حصلوا الإيمان الشرعي، [وإلا فالشرعي*] هو الدوام عليه، أجيب: [بأنه ليس كذلك*]، بل المرتد قد حصل الإيمان الشرعي.
وفي سورة النساء (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا) فجعل النصيب جزاء عن الحسنة، والكفل جزاء عن السيئة، وهنا جعله في جزاء السيئة، والجواب: أن الجمع بين الآيتين ينتج أن الكفل أعم، يصدق على جزاء السيئة، وجزاء الحسنة، والنصيب خاص بجزاء الحسنة، و (مِن) في (رحمته) إن كانت للسبب فالرحمة بمعنى الإرادة، أي [يثبكم*] عليه، بسبب [إرادته*] ذلك، وإن كانت للتبعيض فالرحمة راجعة لصفة الفعل.
قوله تعالى: (وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا).
إن قلت: دفع المؤلم آكد من جلب الملائم، وإيتاء الرحمة وجعل النور أمر ملائم، والمغفرة من باب دفع المؤلم، فهلا قدمت؟ فالجواب: أنه من عطف الترقي.
قوله تعالى: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
إن قلت: الرحمة سبب، فهلا قدمت عليها؟ قلت: المغفرة راجعة لدفع المؤلم، والرحمة لجلب الملائم؛ فلذلك أخرت، وقال السماكي: لأن المغفرة سلامة، والرحمة غنيمة، والسلامة مطلوبة قبل الغنيمة، ثم قال: فإن قلت: لم ذكر في سبإ في قوله تعالى: (وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ)، فأجاب: بأن ذلك منتظما في تعداد الخلق من المكلفين، وغيرهم، فالرحمة [تشملهم جميعا*]، والمغفرة تخص بعضا دون بعض، والعموم قبل الخصوص.
قوله تعالى: ﴿لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ... (٢٩)﴾
إن قلت: فيها حجة على المعتزلة في قولهم: إن العبد يخلق أفعاله، قلت: لا دليل فيها لوجهين:
الأول: اتفاقا على أن قدرة العبد قاصرة عليه، ولا [تَصَرُّفَ*] له في قدرة غيره، والقدرة هنا منسوبة لله تعالى، أي هم عاجزون عن كل ما تفضل الله به.
الثاني: أن المراد من قوله (مِنْ فَضْلِ اللَّهِ)، الحكم بالشيء من ثواب [وعقاب ونصرة*]، وغير ذلك، فيكون أمرا [حُكْمِيًّا*]؛ لَا أنه فعل وجودي، فإن قلت: فيها دليل على أن أهل الكتاب عناد؛ لاقتضاء أنهم سيعلمون بنصرة المؤمنين عليهم عجز به عن
قوله تعالى: (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ).
من خواص الإرادة الترجيح من غير مرجح.
* * *