تفسير سورة الجمعة

صفوة التفاسير
تفسير سورة سورة الجمعة من كتاب صفوة التفاسير المعروف بـصفوة التفاسير .
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

اللغَة: ﴿الأميين﴾ العرب المعاصرين للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ سُمُّوا بذلك لاشتهارهم بالأمية وهي عدم القراءة والكتابة ﴿يُزَكِّيهِمْ﴾ من التزكية وهي التطهير من دنس الشرك والمعاصي ﴿أَسْفَاراً﴾ جمع سفر وهو الكتاب الكبير قال الشاعر:
زوامل للأسفار لا علم عندهم بجيِّدها إِلا كعلم الأباعر
لعمرك ما يدري البعيرُ إِذا غدا بأوساقه أو راحَ ما في الغرائر
﴿هادوا﴾ تدينوا باليهودية ﴿انفضوا﴾ تفرقوا وانصرفوا.
سَبَبُ النّزول: عن جابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قال: «بينما النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يخطب يوم الجمعة قائماً، إذْ قدمت عيرٌ من المدينة، فابتدرها أصحابُ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلاً أنا فيهم وأبو بكر وعمر، فأنزل الله تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً﴾ الآية.
التفِسير: ﴿يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي ينزِّه الله ويمجده ويقدِّسه كلُّ شيء في الكومن من إنسان، وحيوان، ونبات، وجماد، وصيغةُ المضارع ﴿يُسَبِّحُ﴾ لإِفادة التجدد والاستمرار، فهو تسبيحٌ دائم على الدوام ﴿الملك﴾ أي هو الإِله المالك لكل شيء، والمتصرف في خلقه بالإِيجاد والإِعدام ﴿القدوس﴾ أي المقدَّس والمنزَّه عن النقائص، المتصف بصفات الكمال ﴿العزيز الحكيم﴾ أي العزيز في ملكه، الحكيم في صنعه ﴿هُوَ الذي بَعَثَ فِي الأميين رَسُولاً مِّنْهُمْ﴾ أي هو جل وعلا برحمته وحكمته الذي بعث في العرب رسولاً من جملتهم، أمياً مثلهم لا يقرأ ولا يكتب قال المفسرون: سُمي العرب أميّيين لأنهم لا يقرأون ولا يكتبون، فقد اشتهرت فيهم الأمية كما قال عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ»
نحن أمةٌ، لا نكتب ولا نحسب «الحديث والحكمةُ في اقتصاره على ذكر الأميين، مع أنه رسولٌ إِلى كافة الخلق، تشريفُ العرب حيث أُضيف صلوات الله عليهم إِليهم، وكفى بذلك شرفاً للعرب ﴿يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ﴾ أي يقرأ عليهم آيات القرآن ﴿وَيُزَكِّيهِمْ﴾ أي ويطهرهم من دنس الكفر والذنوب قال ابن عباس: أي يجعلهم أزكياء القلوب بالإِيمان ﴿وَيُعَلِّمُهُمُ الكتاب والحكمة﴾ أي ويعلمهم ما يتلى من الآيات والسنة النبوية المطهرة {وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي
356
ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} أي وإِنَّ الحال والشأن أنهم كانوا من قبل إِرسال محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ إِليهم لفي ضلالٍ واضح، عن النهج القويم، والصراط المستقيم قال ابن كثير: بعث الله محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على حين فترةٍ من الرسل، وطموسٍ من السُّبُل، وقد اشتدت الحاجة إِليه، فقد كان العرب متمسكين بدين إِبراهيم الخليل فبدلوه وغيَّروه، واستبدلوا بالتوحيد شركاً، وباليقين شكاً، وابتدعوا أشياء لم يأذن بها اللهُ، وكذلك كان أهل الكتاب قد بدَّلوا كتبهم وحرفوها، فبعث الله محمداً صالله عليه وسلم بشرع عظيم، شامل كامل، فيه الهداية والبيان لكل ما يحتاج الناس إِليه من أمر معاشهم ومعادهم، وجمع له تعالى جميع المحاسن، وأعطاه ما لم يعط أحداً من الأولين والآخرين ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ﴾ أي وبعث الرسول إِلى قومٍ آخرين، لم يكونوا في زمانهم وسيجيئون بعدهم، وهم جميع من أسلم إِلى يوم القيامة، وفي الحديث عن أبي هريرة قال:
«كنا جلوساً عند النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأنزلت عليه سورة الجمعة ﴿وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُواْ بِهِمْ﴾ قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: وفينا سلمان الفارسي، فوضع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يده على سلمان ثم قال:» لو كان الإِيمان عند الثريا لناله رجالٌ من هؤلاء «قال مجاهد: في تفسير الآية: هم الأعاجم وكلُّ من صدَّق النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من غير العرب ﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ أي القويُ الغالب في ملكه، الحكيم، في صنعه ﴿ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ﴾ أي ذلك الشرف الذي امتاز به سيد البشر، وهو كونه معبوثاً إِلى كافة الناس، وما شرَّف الله به العرب من نزول القرآن بلغتهم، وإِرسال خاتم الرسل إِليهم، هو فضلُ اللهِ يعطيه لمن يشاء من خلقه ﴿والله ذُو الفضل العظيم﴾ أي هو جل وعلا ذو الفضل الواسع على جميع خلقه في الدنيا والآخرة.. ثم شرع تعالى في ذم اليهود الذين أكرمهم الله بالتوارة، فلم ينتفعوا بها ولم يطبقوها، وشَبههم بالحمار الذيب يحمل الأسفار فقال ﴿مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة﴾ أي مثل اليهود الذين أعطوا التوراة، وكُلفوا العمل بما فيها ﴿ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا﴾ أي ثم لم يعملوا بها، ولم ينتفعوا بهديها ونورها ﴿كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾ أي مثلهم كمثل الحمار الذي يحمل الكتب النافعة الضخمة، ولا يناله منها إلا التعب والعناء قال القرطبي: شبههم تعالى والتوراة في أيديهم وهم لا يعملون بها بالحمار يحمل كتباً، وليس له إِلاّ ثقل الحمل من غير فائدة، فهو يتعب في حملها ولا ينتفع بما فيها وقال في حاشية البيضاوي: ذمَّ تعالى اليهود بأنهم قراءُ التوراة، عالمون بما فيها، وفيها آياتٌ دالة على صحة نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ووجوب الإِيمان به، ولكنهم لم ينتفعوا بها، ووجه التشبيه حرمان الانتفاع بما هو أبلغ شيء في الانتفاع، مع الكدِّ التعب ﴿بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بِآيَاتِ الله﴾ أي بئس هذا المثل الذي ضربناه لليهود، مثلاً
357
للقوم الذين كذبوا بآيات الله، الدالة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلا م ﴿والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾ أي لا يوفق للخير، ولا يرشد للإِيمان من كان ظالماً فاسقاً قال عطاء: هم الذين ظلموا أنفسهم بتكذيبهم للأنبياء، ثم كذَّب تعالى اليهود في دعوى أنهم أحباُ الله فقال ﴿قُلْ ياأيها الذين هادوا﴾ أي قل يا محمد لهؤلاء الذين تهودوا وتمسكوا بملة اليهودية ﴿إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ الناس﴾ أي إن كنتم أولياء الله وأحباءه حقاً كما تدَّعون ﴿فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي فتمنوا من الله أن يميتكم، لتنقلوا سريعاً إِلى دار كرامته المعدَّة لأوليائه، إِن كنتم صادقين في هذه الدعوة قال أبو السعود: كان اليهود يقولون:
﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] ويدَّعون أن الدار الآخرة لم عند الله، خالصة، ويقولون ﴿لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً﴾ [البقرة: ١١] فأمر الله رسوله أن يقول لهم إِظهاراً لكذبهم: إِن زعمتم ذلك فتمنوا الموت، لتنقلوا من د اء البلاء إِلى دار الكرامة، فإنَّ من أيقن بأنه من أهل الجنة، أحبَّ أن يتخلص إِليها من هذه الدار الي هي مقرُّ الأكدار، قال تعالى فاضحاً لهم، ومبيناً كذبهم ﴿وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ﴾ أي ولا يتمنون الموت بحالٍ من الأحوال، بسبب ما أسلفوه من الكفر والمعاصي وتكذيب محمد عليه السلام وفي الحديث «والذي نفسي بيده، لو تمنوا المتَ ما بقي على ظهرها يهودي إِلا مات» قال الألوسي: لك يتمنَّ أحدٌ الموت منهم، لأنهم كانوا موقنين بصدقه عليه السلام، فعلموا أنهم لو تمنوه لماتوا من ساعتهم، وهذه إِحدى المعجزات، وجاء في سورة البقرة نفيُ هذا التمني بلفظ ﴿ولن﴾ وهو من باب التفنن على القول المشهور ﴿والله عَلِيمٌ بالظالمين﴾ أي عالمٌ بهم وما صدر عنهم من فنون الظلم والمعاصي، وإِنما وضع الظاهر موضع الضمير «عليمٌ بهم» ذماً لهم، وتسجيلاً عليهم بأنهم ظالمون ﴿قُلْ إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ﴾ أي قل لهم يا محمد: إن هذا الموت الذي تهربون منه، وتخافون أن تتمنوه حتى بلسانكم ﴿فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ﴾ أي فإِنه آتيكم لا محالة، لا ينفعكم الفرار منه كقوله تعالى ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ﴾ [النساء: ٧٨] لأنه قدرٌ محتوم، ولا يغني حذرٌ عن قدر ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة﴾ أي ثم ترجعون إِلى الله الذي لا تخفى عليه خافية ﴿فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي فيجازيكم على أعمالكم، وفيه وعيدٌ وتهديد.. ثم شرع تعالى في بيان أحكام الجمعة فقال ﴿ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة﴾ أي يا معشر المؤمنين المصدّقين بالله ورسوله، إِذا سمعتم المؤذن ينادي لصلاة الجمعة ويؤذن لها ﴿فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع﴾ أي فامضوا إِلى سماع خطبة الجمعة وأداء الصلاة، واتركوا البيع والشراء، اتركوا التجارة الخاسرة واسعوا إِلى التجارة الرابحة قال في التسهيل: والسعيُ في الآية بمعنى المشي لا بمعنى الجري لحديث «إِذا
358
أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة». وقال الحسن: واللهِ ما هو بالسعي على الأقدام، ولقد نهُوا أن يأتوا الصلاة إِلا عليهم السكينة والوقار، ولكنه سعيٌ بالقلوب، والنية، والخشوع ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أي ذلك السعي إِلى مرضا الله، وتركُ البيع والشراء، خيرٌ لكم وأنفع من تجارة الدنيا، فإِن نفع الآخرة أجلٌّ وأبقى ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي إن كنتم من أهل العلم القويم، والفهم السليم ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة﴾ أي فإِذا أديتم الصلاة وفرغتم منها ﴿فانتشروا فِي الأرض﴾ أي فتفرقوا في الأرض وانبثوا فيها للتجارة وقضاء مصالحكم ﴿وابتغوا مِن فَضْلِ الله﴾ أي واطلبوا من فضل الله وإِنعامه، فإن الرزق بيده جلَّ وعلا هو المنعم المتفضل، الذي يُضيع عمل العامل، ولا يخيّب أمل السائل ﴿واذكروا الله كَثِيراً﴾ أي واذكروا ربكم ذكراً كثيراً، باللسان والجنان، لا وقت الصلاة فحسب ﴿لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ أي كي تفوزوا بخير الدارين قال سعيد بن جبير: ذكرُ الله طاعته، فمن أطاع اللهَ فقد ذكره، ومن لم يطعه فليس بذاكرٍ ولو كان كثير التسبيح.
. ثم أخبر تعالى أنَّ فريقاً من الناس يؤثرون الدنيا الفانية على الآخرة الباقية، ويفضلون العاجل على الآجل فقال ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا﴾ هذا عتابٌ لبعض الصحابة الذين انصرفوا عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتركوه قائماً يخطب يوم الجمعة، والمعنى: إِذا سمعوا بتجارة رابحة، أو صفقةٍ قادمة، أو شيء من لهو الدنيا وزينتها، تفرقوا عنك يا محمد وانصرفوا إِليها، وأعاد الضمير إِلى التجارة دون اللهو ﴿انفضوا إِلَيْهَا﴾ لأنها الأهم المقصود ﴿وَتَرَكُوكَ قَآئِماً﴾ أي وتركوا الرسول قائماً على المنبر يخطب قال المفسرون: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قائماً على المنبر يخطب يوم الجمعة، فأقبلت عيرٌ من الشام بطعام قدم بها «دحية الكلبي» وكان أصاب أهل المدنية جوعٌ وغلاء سعر وكانت عادتهم أن تدخل العير المدينة بالطبل والصياح سروراً بها، فلما دخلت العير كذلك انفضَّ أهل المسجد إِليها، وتركوا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قائماً على المنبر، ولم يبق معه إِلا اثني عشر رجلاً قال جابر بن عبد الله: أنا أحدهم فنزلت الآية قال ابن كثير: وينبغي أن يعلم أن هذه القصة كانت لمَّا كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يقدم الصلاة يوم الجمعة على الخطبة كما هو الحال في العيدين، كما روى ذلك أبو داود ﴿قُلْ مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة﴾ أي قل لهم يا محمد: إنَّ ما عند الله من الثواب والنعيم، خير مما أصبتموه من اللهو والتجارة ﴿والله خَيْرُ الرازقين﴾ أي خير من رزق وأعطى، فاطلبوا منه الرزق، وبه استعينوا لنيل فضله وإِنعامه.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - التشبيه التمثيلي ﴿مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾ لأن وجه الشبه منتزع من متعدد أي مثلهم في عدم الانتفاع بالتوراة، كمثل الحمار الذي يحمل على ظهره الكتب العظيمة ولا يكون له منها إِلا التعب والعناء.
359
٢ - طباق السلب ﴿فتمنوا الموت.. ولا يتمنونه أبداً﴾.
٣ - الطباق بين ﴿الغيب والشهادة﴾ وهو من المحسنات البديعية.
٤ - التفنن بتقديم الأهم في الذكر ﴿وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً﴾ لأن المقصود الأساسي هو التجارة فقدمها ثم قال ﴿قُلْ مَا عِندَ الله خَيْرٌ مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة﴾ فقدَّم اللهو على التجارة لأن الخسارة بما لا نفع فيه أعظم، فقدَّم ما هو أهم في الموضعين.
٥ - المجاز المرسل ﴿وَذَرُواْ البيع﴾ أطلق البيع وقصد جميع أنواع المعاملة من بيع وشراء وإِجارة وغيرها.
تنبيه: يوم الجمعة سمي بذلك لاجتماع المسلمين فيه للصلاة، وقد كان يسمى في الجاهلية «يوم العروبة» ومعناه الرحمة كما قال السهيلي، وأول من سمَّاه جمعة «كعب بن لؤي» وأول من صلى بالمسلمين الجمعة «أسعد بن زرارة» صلى بهم ركعتين وذكَّرهم، فسميت الجمعة حين اجتمعوا إِليه، فهي أول جمعة في الإِسلام.
فَائِدَة: كان «عراك بن مالك» إِذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: «اللهم إني أحببتُ دعوتك، وصليتُ فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين».
لطيفَة: التعبير بقوله تعالى ﴿فاسعوا إلى ذِكْرِ الله﴾ فيه لطيفة، وهي أنه ينبغي للمسلم أن يقوم إِلى صلاة الجمعة بعزيمة وهمة، وجد ونشاط، لأن لفظ السعي يفيد الجد والعزم، ولهذا قال الحسن البصري: والله ما هو سعيٌ على الأقدام، ولكنه سعيٌ بالنيبة والقلوب.
360
Icon