تفسير سورة العصر

حدائق الروح والريحان
تفسير سورة سورة العصر من كتاب حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن المعروف بـحدائق الروح والريحان .
لمؤلفه محمد الأمين الهرري . المتوفي سنة 1441 هـ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)﴾.
التفسير وأوجه القراءة
١ - ﴿وَالْعَصْرِ (١)﴾؛ أي: أقسم بالعصر، أقسم سبحانه (١) بالعصر وهو الدهر؛ لما فيه من العبر من جهة مرور الليل والنهار على تقدير الأدوار وتعاقب الظلام والضياء، فإن في ذلك دلالة بينة على الصانع عز وجل وعلى توحيده، ويقال لليل: عصر، وللنهار: عصر، ومنه قول حميد بن ثور:
وَلَمْ يَنْتَهِ الْعَصْرَانِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ إِذَا طَلَبَا أَنْ يُدْرِكَا مَا تَمَنَّيَا
ويقال للغداة والعشي عصران، ومنه قال الشاعر:
وَأمْطُلُهُ الْعَصْرَيْنِ حَتَّى يَمَلَّنِيْ وَيَرْضَى بِنِصْفِ الدَّيْنِ وَالأَنْفُ رَاغِمُ
وقال قتادة والحسن: المراد به في الآية: العشي، وهو ما بين زوال الشمس وغروبها، ومنه قول الشاعر:
يَرُوْحُ بِنَا عَمْرٌ ووَقَدْ قَصُرَ الْعَصْرُ وَفِيْ الرَّوْحَةِ الأُوْلَى الْغَنِيْمَةُ وَالأَجْرُ
وقال ابن عباس: العصر هو الدهر والزمن، قيل: أقسم الله به لما فيه من العبر والعجائب للناظر، وفي "تفسير الرازي": أقسم (٢) الله تعالى بالدهر لما فيه من الأعاجيب؛ لأنه يحصل فيه السراء والضراء، والصحة والسقم، والغنى والفقر، ولأن بقية عمر المرء لا قيمة له، فلو ضيَّعتَ ألف سنة فيما لا يعني، ثم ثبتت السعادة في اللمحة الأخيرة من العمر بقيتَ في الجنة آبد الآباد، فعلمت أن أشرف الأشياء حياتك في تلك اللمحة، فكان الدهر والزمان من جملة أصول النعم، ولأن الزمان أشرف من المكان فأقسم به سبحانه؛ لكونه نعمة خالصة لا عيب فيه إنما الخاسر والمعيب الإنسان.
(١) الشوكاني.
(٢) الرازي.
298
وقد ورد في الحديث: "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر" رواه مسلم وغيره، وذلك لأنهم كانوا يضيفون النوائب والنوازل إلى الدهر، فأقسم به تنبيهًا على شرفه، وأن الله هو المؤثر فيه فما حصل فيه من النوائب والنوازل كان بقضاء الله تعالى وقدره، وقيل: الكلام على حذف مضاف تقديره: ورب العصر، ورُوي عن قتادة أيضًا أنه: آخر ساعة من ساعات النهار، فالعصر هو الطرف الأخير من النهار، وقد أقسم الله سبحانه به لما في ذلك من الدلالة على قدرة الله تعالى في تصرفه في هذا الكون العظيم ووحدانيته بإدبار النهار وإقبال الليل وذهاب سلطان الشمس، فقد أقسم هنا بالطرف الأخير من النهار، كما أقسم في آية أخرى بالطرف الأول من النهار، حيث قال: ﴿وَالضُّحَى (١) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (٢)﴾، وهو الطرف الأول من النهار؛ لما فيه من حدوث سلطان الشمس وإقبال النهار، وأيضًا إنه كان من عادة العرب أن يجتمعوا وقت العصر ويتحادثوا ويتذاكروا في شؤونهم، وقد يكون في حديثهم ما لا يليق من خبث الحديث، وما يؤدي به بعضهم بعضًا، فيتوهم الناس أن الوقت مذموم، وأن الدهر مشاكس ملعون، كما يفعل بعض الجهلة في زماننا هذا، فأقسم الله تعالى بالعصر؛ لينبه على أن الزمان في نفسه ليس مما يُذم ويسب ويلعن، كما اعتاد بعض الناس أن يقولوا زمان مشؤوم ووقت نحس ودهر سوء، وما يشبه ذلك، بل الدهر ظرف للحسنات، كما هو ظرف للسيئات، وهو ظرف لشؤون الله العظيمة من خلق ورزق وإعزاز وإذلال وخفض ورفع وإحياء وإماتة. فكيف يُذم في ذاته وإنما يُذم ما يقع فيه من الأفاعيل الممقوتة، فالله تعالى يُقسم بالزمان مطلقًا أو بذلك الوقت المخصوص، والزمان الذي هو العصر مملوء بالعبر والعظات مشحون بالحوادث والوقائع.
والزمان هو الأستاذ الأكبر والمعلم الأول الذي يُعلِّم الأفراد والشعوب أن العاقبة للعاملين المخلصين المتقين، وأن الخسران للعاملين الخائنين الظالمين، ومن لم يؤدبه الأبوان أدّبه الزمان؛ لأن الزمان إنما هو مؤدب أكبر ومرشد أعظم، وصروف الدهر وتقلبات الأيام كلها عبر وآيات بينات لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، ومن أجل ذلك أقسم الله تعالى به إرشادًا إلى علو مرتبته وإلى أنه شاهد صدق على أن الناس جميعًا في خسارة إلا المؤمنين الصالحين.
وقال مقاتل إن المراد به صلاة العصر وهي الصلاة الوسطى التي أمر الله
299
سبحانه بالمحافظة عليها، وقيل: هو قسم بعصر النبي - ﷺ - قال الزجاج: قال بعضهم معناه: ورب العصر، والأول أولى، وقرأ سلَّام (١): ﴿والعصِر﴾ بكسر الصاد، و ﴿الصبِر﴾ بكسر الباء، قال ابن عطية: وهذا لا يجوز إلا في الوقف على نقل الحركة، وروي عن أبي عمرو: ﴿بالصبِر﴾ بكسر الباء إشمامًا، وهذا أيضًا لا يكون إلا في الوقف. انتهى.
وفي "الكامل" للهذلي: ﴿والعصر﴾ و ﴿الصبر﴾ ﴿والفجر﴾ ﴿والوتر﴾ بكسر ما قبل الساكن في هذه كلها، وقرأ هارون وابن موسى عن أبي عمرو والباقون بالإسكان كالجماعة. انتهى.
وقال ابن خالويه: ﴿وتواصوا بالصبر﴾ بنقل الحركة عن أبي عمرو، وقال صاحب "اللوامح": قرأ عيسى البصرة: ﴿بالصبر﴾ بنقل حركة الراء إلى الباء؛ لئلا يحتاج أن يأتي ببعض الحركة في الوقف، ولا إلى أن يسكن فيجتمع ساكنان، وذلك لغة شائعة، وليست شاذة بل مستفيضة، وفي ذلك دلالة على الإعراب وانفصال عن التقاء الساكنين، وتأدية لحقّ الموقوف عليه من السكون. انتهى.
وقد أنشدنا في الدلالة على هذا في شرح "التسهيل" عدة أبيات، كقول الراجز:
أَنَا جَرِيْرٌ كُنْيَتِي أَبُوْ عُمِرْ أَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَسَعْدٌ فِيْ الْعَصِرْ
يريد أبو عمر والعصر.
وحاصل المعنى: أن الله سبحانه وتعالى أقسم (٢) بالدهر؛ لما فيه من أحداث وعبر يُستدل بها على قدرته وبالغ حكمته وواسع علمه، انظر إلى ما فيه من تعاقب الليل والنهار، وهما آيتان من آيات الله، كما قال: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ وإلى ما فيه من سراء وضراء، وصحة وسقم، وغنى وفقر، وراحة وتعب، وحزن وفرح إلى نحو ذلك مما يسترشد به حصيف الرأي إلى أن للكون خالقًا ومدبرًا، وهو الذي ينبغي أن يوجه إليه بالعبادة، ويُدعى لكشف الضر وجلب الخير إلى أن الكفار كانوا يضيفون أحداث السوء إلى الدهر، فيقولون: هذه نائبة من
(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
300
نوائب الدهر، وهذا زمان بلاءً، فأرشدهم سبحانه إلى أن الدهر خَلْقٌ من خلقه، وأنه ظرف تقع فيه الحوادث خيرها وشرها، فإن وقعت للمرء مصيبة، فبما كسبت يداه، وليس للدهر فيها من سبب.
٢ - وقوله: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢)﴾ جواب القسم، و ﴿أل﴾ في ﴿الْإِنْسَانَ﴾ استغراقية بدليل ذكر الاستثناء بعدها، فإن صحة الاستثناء من جملة أدلة العموم والاستغراق، وهي: التي يخلفها كل، ويصح الاستثناء من مدخولها؛ أي: إن كل فرد من أفراد الإنسان لفي خسران في مُتاجَره، وغبن في مساعيه، وصرف أعماره في أعمال الدنيا وضلال وخطأ عن الحق، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وقيل: إن ﴿أل﴾ فيه عهدية؛ أي: للعهد الحضوري، وهي ما عهد مصحوبها ذهنًا؛ أي: إن الإنسان المعهود في ذهنك يا محمد وهم جماعة من صناديد قريش، كالوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب بن أسد، والأول أولى لما في لفظ الإنسان من العهموم ولدلالة الاستثناء عليه، والخسر (١) والخسران: النقصان وذهاب رأس المال وفى حق جنس الإنسان هو نفسه وعمره، والتنكير فيه للتفخيم؛ أي: لفي خسران عظيم، لا يعلم كنهه إلا الله في متاجرهم وصرف أعمارهم في مباغيهم، ويجوز أن يكون التنوين فيه للتنويع؛ أي: نوع من الخسران غير ما يتعارفه الناس، قال الأخفش: ﴿في خسر﴾؛ أي: في هلكة، وقال الفراء: عقوبة، وقال ابن زيد: ﴿لفي شر﴾، وقرأ الجمهور (٢): ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾ بضم الخاء وسكون السين، وقرأ الأعرج وطلحة وعيسى: ﴿خسر﴾ بضم الخاء والسين، ورويت هذه القراءة عن عاصم، والمعنى: إن جنس الإنسان لفي نقصان؛ لأنه ينقص عمره كل يوم وهو رأس ماله، فإذا ذهب رأس ماله ولم يكتسب به الطاعة يكون على نقصان طول دهره وخسران، إذ لا خسران أعظم من استحقاق العقاب الدائم، وكيف لا يكون الإنسان في خسران ووراءه ذلك المصير المحتوم الذي قد صدر فيه الحكم من رب العنة، وكل نفس ذائقة الموت وإن عاشوا، فإلى أمد قصير وعيش حقير، ثم يتركون لذائذ الدنيا وبهجتها إلى الرمس الضيق الصغير، ثم يواريهم التراب وان كان ملكًا كبيرًا، وكأن لم يكونوا شيئًا مذكورا، فإذا لم يكونوا
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
ممن استثناهم الله تعالى وهم الذين آمنوا الخ، فهم لا شك في خسران عظيم يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولا يستعتبون.
والخلاصة: أي إن هذا الجنس من المخلوقات لخاسر في أعماله ضربًا من الخسران إلا من استثناهم الله تعالى، فأعمال الإنسان هي مصدر شقائه، لا الزمان ولا المكان، وهي توقعه في الهلاك، فذنب المرء في حق بارئه ومن يمن عليه بنعمه الجليلة وآلائه الجسيمة جريمة لا تعدلها جريمة أخرى.
٣ - ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ وصدقوا واعترفوا وأيقنوا بالخالق عَزَّ وَجَلَّ وآمنوا به وبرسله وكتبه وملائكته واليوم الآخر، وصدقوا بالقدر خيره وشره من الله تعالى، واعتقدوا اعتقادًا صحيحًا أن للعالم كله إلهًا خالقًا قادرًا يرضى عن المطيع ويغضب على العاصي، وأن هناك فرقًا بين الفضيلة والرذيلة، فدفعهم ذلك إلى عمل البر والخير.
﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾؛ أي: اكتسبوا الفضائل والخيرات الباقية، فربحوا بزيادة النور الكمالي على النور الاستعدادي الذي هو رأس مالهم، فهم في تجارة لن تبور حيث باعوا الفاني الخسيس، واشتروا الباقي النفيس، واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات، فيا لها من صفقة ما أربحها، وهذا بيان لتكميلهم لأنفسهم، واستدل بعض الطوائف بالآية على أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار؛ لأنه لم يستثن من الخسران إلا الذين آمنوا إلخ.
والتقصي منه أن غير المستثنى في خسر لا محالة؛ إما بالخلود إن مات كافرًا، وإما بالدخول في النار إن مات عاصيًا لم يُغفر له، وإما بفوات الدرجات العالية إن غُفر له.
والمعنى: أي جمعوا بين الإيمان بالله والعمل الصالح، فإنهم في ربح لا في خسر؛ لأنهم عملوا للآخرة ولم تشغلهم أعمال الدنيا عنها، والاستثناء متصل، ومن قال: إن المراد بالإنسان الكافر فقط، فيكون منقطعًا، ويدخل تحت هذا الاستثناء كل مؤمن ومؤمنة، ولا وجه لما قيل من أن المراد بهم الصحابة أو بعضهم، فإن اللفظ عام لا يخرج عنه أحد ممن يتصف بالإيمان والعمل الصالح.
وقوله: ﴿وَتَوَاصَوْا﴾؛ أي: أوصى وأمر بعضهم بعضًا ﴿بِالْحَقِّ﴾ ويتحاثوا عليه؛ أي: بالأمر الثابت الذي لا سبيل إلى إنكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره،
302
وهو الخير كله من الإيمان بالله، واتباع كتبه ورسله في كل عقد وعمل؛ أي: وصى بعضهم بعضًا بالحق الذي يحق القيام به، وهو الإيمان بالله والتوحيد والقيام بما شرعه الله تعالى، واجتناب ما نهى عنه، قال قتادة: ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ أي: بالقرآن، وقيل: بالتوحيد، والحمل على العموم أولى.
﴿وَتَوَاصَوْا﴾؛ أي: أوصى بعضهم بعضًا وتحاثوا ﴿بِالصَّبْرِ﴾؛ أي: عن المعاصي التي تشتاق إليها النفس بحكم الجبلة البشرية وعلى الطاعات التي يشق عليها أداؤها، وعلى ما يبلو الله به عباده من البلايا، وتخصيص (١) هذا التواصي بالذكر مع اندراجه تحت التواصي بالحق لإبراز كمال الاعتناء به، أو لأن الأول عبارة عن رتبة العبادة التي هى فعل ما يرضي به الله تعالى، والثاني عبارة عن رتبة العبودية التي هي الرضا بما فعل الله سبحانه وتعالى، فإن المراد بالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تشوق إليه من فعل أو ترك، بل هو تلقي ما ورد منه تعالى بالجميل والرضا به ظاهرًا وباطنًا، ولعله سبحانه إنما ذكر سبب الربح دون الخسران اكتفاءً ببيان المقصود، فإن المقصود بيان ما فيه الفوز بالحياة الأبدية، والسعادة السرمدية، وإشعارًا بأن ما عدا ما عُدَّ يؤدي إلى خسر ونقص حظ أو تكرمًا، فإن الإبهام في جانب الخسر كرم، ؛ لأنه ترك تعداد مثالبهم وأعرض عن مواجهتهم به، وكرر التواصي لاختلاف المفعولين، وهما قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾، وقوله: ﴿بِالصَّبْرِ﴾، وعبارة "الشوكاني": هنا: وفي جعل (٢) التواصي بالصبر قرينًا للتواصي بالحق دليل على عظيم قدره وفخامة شرفه، ومزيد ثواب الصابرين على ما يحق الصبر عليه، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ وأيضًا التواصي بالصبر مما يندرج تحت التواصي بالحق، فإفراده بالذكر وتخصيصه بالنص عليه من أعظم الأدلة الدالة على إنافته على خصال الحق ومزيد شرفه عليها وارتفاع طبقته عنها. انتهى.
وخلاصة ما سلف (٣): أن الناس جميعًا في خسران إلا من اتصفوا بأربعة أشياء: الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فيعملون الخير ويدعون إلى العمل به، ولا يزحزحهم عن الدعوة إليه ما يلاقونه من مشقة وبلاء،
(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) المراغي.
303
والإنسان جميعه خسر مساعيه وضل مناهجه، وصرف عمره في غير مطالبه فهو قد جاء إلى الأرض؛ ليخلص نفسه من الرذائل، ويتحلى بالفضائل، حتى إذا رجع إلى عالم الأرواح كان أقوى جناحًا وأمضى سلاحًا، لكنه حين رجع إلى مقره في عالم السموات لم يجد إلا نقصًا يحيط به، وجهلًا يرديه، فندم إلا طائفة منه عاشوا في الدنيا مفكرين، فآمنوا بأنبيائهم وصدقوا برسلهم، وأحبوا بني جنسهم، وأحسنوا إلى إخوانهم، فساعدوهم بأنفسهم وأموالهم، وصاروا معهم متعاضدين متعاونين، وصبروا على ما نزل بهم من الحدثان، ورُموا به من البهتان، فهؤلاء في الدنيا يفوزون بما يريدون، وفي الآخرة يفرحون بالنعيم المقيم.
أقسام الصبر: والصبر من الخلال الشخصية التي ينبغي للمرء أن يتدرع بها ويروَّض نفسه عليها منذ الحداثة والصغر، على الآباء والأمهات أن يربوا أولادهم على الصبر واحتمال الأذى، والصبر في أصل معناه اللغوي: الحبس، وهو باعتبار متعلَّقه ينقسم ثلاثة أقسام:
١ - حبس النفس عن فعل السوء والشر ودواعي الهوى والشهوة، وكل ما يمس كرامة الإنسان ويشوّه سمعته.
٢ - الصبر على المكروه والألم وتحمل الرزايا والمصائب، وكل ما يقلق الراحة وينغص العيش، ومثل ذلك الصبر على ما يفوت الإنسان من المآرب والحظوظ الدنيوية.
٣ - الصبر في مواطن الخوف والذعر، بل في مواطن الخطر أحيانًا دفاعًا عن حق، من حماية لمصلحة أو وقاية لعرض وشرف، وهذا النوع من الصبر يسمى: الشجاعة والإقدام، والشجاعة ضرب من الصبر، قال تعالى: ﴿وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾.
قال بعض الحكماء: ليس الصبر الممدوح صاحبه أن يكون الرجل قوي الجسد على الكد والتعب؛ لأن هذا تشاركه فيه الدابة، ولكن أن يكون للنفس غَلُوبًا، وللخطوب حَمُولًا، ولجأشه عند الحفاظ مرتبطًا؛ أي: مالكًا نفسه عند الغضب، قال لقمان لابنه: الذهب يجرَّب بالنار، والعبد الصالح يجرب بالبلاء،
304
وقال الفضيل بن عياض: إن الله ليتعهد عبده المؤمن بالبلاء، كما يتعهد الرجل أهله بالخير، ولولا أن في حلول الكوارث ونزول الحوادث تخفيفًا من الأوزار، وحطًا من الذنوب، ومحوًا من السيئات ما استطعنا عليهم صبرًا، ولولا أن في موافقة اللذات ومقارنة الشهوات أنواعًا من المكاره، وأصنافًا من الشدائد؛ ما وجدنا عنها صبرًا، ولكثر إسرعنا، وقيل عنها امتناعنا، لا جرم أن جميع خلال الخير وخصال البر وأحوال الطاعة وما يجعل الله في الإنسان من حسن الشيم وكرم الأخلاق وأسباب الديانة ودواعى الإيمان إنما هي كلها مرتبطة بالصبر، وراجعة إلى الصبر، ومحمولة على الصبر، وجارية مع الصبر كيفما تأملتها، وعلى أي حال تدبرتها، فإنه قطب تدور عليه جميع الأفعال المحمودة، لذا أمر الله سبحانه بالتواصي به؛ لأنه جماع صفلت الخير، ألا ترى أن الكرم صبر على مفارقة المال وعلى حبه، وأن العدل صبر على إمضاء الحكم وإن شق، وأن الصدق صبر، فربما خالطه شوائب تكره، وإن الحلم جامع لأشتات الصبر، فما منح الله الصبر عبدًا من عبيده، وهو يريد به شيئًا سوى الخير، وكل شيء في الوجود يولد صغيرًا، ثم يكبر إلا المصائب، فإنها تولد كبارًا، ثم تصغر وتضمحل، والصبر محمود الأثر شريف الغاية، ولو لم يكن فيه إلا أنه مظهر من مظاهر الكمال والرجولة اللائقة بكل إنسان.. لكفى، قال الشاعر:
فَلَوْ كَانَ يُغْنِيْ أَنْ يُرَى الْمَرْءُ جَازِعًا لِحَادِثَةٍ أَوْ كَانَ يُغْنِيْ التَّذَلُّلُ
لَكَانَ التَّعَزِّيْ عِنْدَ كُل مُصِيْبَةٍ وَنَائِبَةٍ بِالْحُرِّ أَوْلَى وَأَجْمَلُ
قال بعض الحكماء: الجزع على الفائت آفة، وعلى المتوقع سخافة، فهو لا يخلو عمره من النكد، ولا يستفيق من التعذيب والكمد، وإذا استولى الجزع تضاعف الكرب، واشتد حتى أصبح لا يطاق، كما قال ابن الرومي:
إِنَّ الْبَلَاءَ يُطَاقُ غَيْرَ مُضَاعَفٍ فَإِذَا تَضَاعَفَ صَارَ غَيْرَ مُطَاقِ
ومن الحكم المشهورة: من أكثر الشكوى عظمت عليه البلوى، ومن كلام بعض العلماء: من كثر جزعه كثرت زلته وعظمت علته وبعد أمله وحبط عمله، وإذا كان الجزع يحبط الحسنات فإن الصبر يربي الحسنات، وهو من أجل القربات، قال الأشعث بن قيس دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
305
فوجدته قد أثَّر فيه صبره على العبادة الشديدة ليلًا ونهارًا، فقلت: يا أمير المؤمنين، إلى كم تصبر على مكابدة هذه الشدة؟ فما زاد على أن قال:
اصْبِرْ عَلَى مَضَضِ الإِدْلَاجِ فِيْ السَّحَرِ وَفِيْ الرَّوَاحِ عَلَى الطَّاعَاتِ فِيْ الْبُكَرِ
إِنِّيْ رَأيْتُ وَفِيْ الأَيَّامِ تَجْرِبَةٌ لِلصَّبْرِ عَاقِبَةً مَحْمُوْدَةَ الأَثَرِ
وَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِيْ شَيْءٍ يُؤَمِّلُهُ وَاسْتَشْعَرَ الصَّبْرَ إِلَّا فَازَ بِالظَّفَرِ
وفي هذا المعنى قال بعضهم:
يَا خَادِمَ الْجِسْمِ كَمْ تَسْعَى لِخِدْمَتِهِ وَتَطْلُبُ الرِّبْحَ مِمَّا فِيْهِ خُسْرَانُ
عَلَيْكَ بِالنَّفْسِ فَاسْتَكْمِلْ فَضَائِلَهَا فَأَنْتَ بِالنَّفْسِ لَا بِالْجِسْمِ إِنْسَانُ
وقد رُكب في طباع الإنسان حب تفضيله على جنسه، فما أحد إلا ويحب أن يكون أعلى درجة من غيره، فإذا وقعت نكبة بإنسان أوجبت نزوله عن مرتبة سواه، فينبغي له أن يتجلد؛ لئلا يُرى بعين النقص، وليتجمل بالصبر، فإنه عدة الرجال الكَمَلة قال الشاعر:
وَتَجَلُّدِيْ لِلشَّامِتِيْنَ أُرِيْهِمُ أَنِّيْ لِرَيْبِ الدَّهْرِ لَا أَتَضَعْضَعُ
وَإِذَا الْمَنِيَّةُ أَنْشَبَتْ أَظْفَارَهَا ألْفَيْتَ كُلَّ تَمِيْمَةٍ لَا تَنْفَعُ
فأهل الكمال يُظهرون التجلد عند المصائب والفقر والبلاء؛ لئلا يتحملوا مع النوائب شماتة الأعداء، وإنها على بعض النفوس لأشد من كل نائبة، لذا كان فقيرهم يظهر الغنى، ومريضهم يظهر العافية، وإليكم هذا المثل من الشريعة الغراء حين قدم الرسول - ﷺ - مكة المكرمة أصابتهم الحمى، وقد أراد المسلمون الطواف حول الكعبة، والسعي بين الصفا والمروة، والمشركون ينظرون إلى المسلمين، فخاف النبي - ﷺ - أن يشمت بهم الأعداء حين رأوا ضعفهم عن السعي، فقال مخاطبًا للمسلمين: "رحم الله من أظهر من نفسه التجلد"، فرملوا، والرمَل شدة السعي، وقد زال ذلك السبب، وبقي الحكم في أعمال الحج ليُتذكَّر السبب فيفهم معناه ومغزاه لهذه الأسباب وغيرها من معاني الصبر وآثاره في حياة الفرد والجماعة، فقد أمر الله سبحانه بالصبر، وأمر بالتواصي بالصبر بين المؤمنين والمؤمنات، فقال: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾.
306
الإعراب
﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)﴾.
﴿وَالْعَصْرِ (١)﴾. ﴿الواو﴾: حرف جر وقسم. ﴿العصر﴾: مجرور بواو القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف تقديره: أقسم بالعصر والدهر، وجملة القسم مستأنفة. ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ﴾: ناصب واسمه. ﴿لَفِي﴾ ﴿اللام﴾: حرف ابتداء، ﴿في خسر﴾: جار ومجرور خبر ﴿إِنَّ﴾، وجملة ﴿إِنَّ﴾ جواب القسم لا محل لها من الإعراب. ﴿إِلَّا﴾: أداة استثناء ﴿الَّذِينَ﴾: مستثنى من ﴿الْإِنْسَانَ﴾ في محل النصب على الاستثناء، وجملة ﴿آمَنُوا﴾ صلته. ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾: فعل وفاعل ومفعول به معطوف على ﴿آمَنُوا﴾، ﴿وَتَوَاصَوْا﴾: فعل ماض وفاعل مبني بفتح مقدر على الألف المحذوفة لالتقاء الساكنين، والواو فاعل، والجملة معطوفة على جملة ﴿آمَنُوا﴾. ﴿بِالْحَقِّ﴾: متعلق بـ ﴿تواصوا﴾. ﴿وَتَوَاصَوْا﴾: فعل وفاعل معطوف أيضًا على ﴿آمَنُوا﴾. ﴿بِالصَّبْرِ﴾: متعلق به.
التصريف ومفردات اللغة
﴿وَالْعَصْرِ (١)﴾ قال في "القاموس": العصر مثلثة العين، وبضمتين الدهر، والجمع أعصار وعصور وأعصر وعُصُر، والعصر اليوم والليلة والعشي إلى احمرار الشمس، ويحرك، والغداة والحبس والرهط والعشيرة، والمطر من المعصرات والمنع والعطية، يقال: عصره يعصره، وبالتحريك الملجأ والمنجاة كالعصر بالضم إلى آخر هذه الصاد الطويلة.
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ﴾ والإنسان هو هذا النوع من المخلوقات، وهو لفظ يقع على الذكر والأنثى من بني آدم، وربما أنثت العرب، فقالوا: إنسان وإنسانة، فقال:
إِنْسَانَةٌ تَسْقِيْكَ مِنْ إِنْسَانِهَا خَمْرًا حَلَالًا مُقْلَتَاهَا عِنَبُهْ
و ﴿أل﴾ فيه لاستغراق الجنس، فيشمل المؤمن والكافر بدليل الاستثناء.
﴿لَفِي خُسْرٍ﴾؛ أي: لفي خسران ونقصان، وذلك لأن الإنسان لا ينفك عن خسران؛ لأن الخسران هو تضييع عمره، وذلك لأن كل ساعة من عمر الإنسان إما
307
أن تكون تلك الساعة في طاعة أو معصية، فإن كانت في معصية فهو الخسران البين الظاهر، وإن كانت في طاعة فلعل غيرها أفضل وهو قادر على الإتيان به، فكان فعل غير الأفضل تضييعًا وخسرانًا، فبان بذلك أنه لا ينفك أحد من خسران اهـ "جمل".
﴿لَفِي خُسْرٍ﴾؛ أي: لفي غبن وخسارة، وفي "المصباح": خسر في تجارته خسارة - بالفتح - وخسرًا وخسرانًا، ويتعدى بالهمزة، فقال: أخسرته فيها، وخسر خسرًا وخسرانًا أيضًا هلك، والخسر والخسران النقصان وذهاب رأس المال، والمراد به ما ينغمس فيه الإنسان من الآفات المهلكة.
﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بالله ورسله ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ بامتثال الأوامر واجتناب النواهي، فحكم بالخسران على جميع الناس إلا من كان آتيًا بهذه الأشياء الأربعة، وهي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، فهذه الأمور اشتملت على ما يخص نفسه، وهو الإيمان والعمل الصالح وما يخص غيره، وهو التواصي بالحق والتواصي بالصبر، وهما معطوفان على ما قبلهما من عطف الخاص على العام للمبالغة. اهـ. "رازي".
والحاصل: أن كل ما مضى من عمر الإنسان في طاعة الله فهو في صلاح وخير، وما كان بضده فهو في خسر وفساد وهلاك. اهـ. "خازن".
وقوله: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ﴾ فعل ماض من باب تفاعل مأخوذ من المواصاة، وهي التقديم إلى الغير بما يعمل به مقرونًا بوعظ ونصيحة من قولهم: أرض واصية؛ أي: متصلة بالنبات، يقال: واصيت إليه بكذا؛ أي: قدمته إليه إذا أمرته قبل الحاجة إلى الفعل. اهـ. "كرخي" بتصرف.
﴿بِالْحَقِّ﴾: وهو كل ما حكم الشرع بصحته، ولا يسوغ إنكاره، وهو الخير كله من توحيد الله تعالى وطاعته واتباع كتبه ورسله، والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة. اهـ. "خطيب"، وقيل: الحق هو ما تصدّر من حقيقة ثابتة أرشد إليها دليل، قاطع، أو عيان ومشاهدة، أو شريعة صحيحة جاء بها نبي معصوم.
﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ والصبر: هو قوة للنفس تدعوها إلى احتمال المشقة في العمل
308
الطيب، وتهون عليها احتمال المكروه في سبيل الوصول إلى الأعراض الشريفة، والتواصى بالحق أن يوصي بعضهم بما لا سبيل إلى إنكاره وهو كل فضيلة وخير، والتواصي بالصبر أن يوصي بعضهم بعضًا به ويحثه عليه، ولا يكون ذلك نافعًا مقبولًا إلا إذا كمَّل للمرء نفسه به، وإلا صدق عليه قول أبي الأسود الدؤلي:
يَا أَيُّهَا الرَّجُلُ الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ هَلَّا لِنَفْسِكَ كَانَ ذَا التَّعْلِيْمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِيْ السِّقَامِ وَذِيْ الضَّنَى كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيْمُ
لَا تْنَهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيْمُ
وأصل ﴿تواصوا﴾: تواصَيُوا، تحركت الياء وانفتح ما قبلها قُلبت ألفًا، فالتقى ساكنان وهما الألف والواو، ثم حذفت الألف لبقاء دالِّها، فصار: ﴿تواصوا﴾ بوزن تفاعوا.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: إدخال ﴿أل﴾ الاستغراقية على ﴿الْإِنْسَانَ﴾؛ ليعم المؤمن والكافر بدليل الاستثناء بقوله: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ أو العهدية؛ ليخص الكافر المعهود، كما مر في مبحث التفسير.
ومنها: التنكير في قوله: ﴿لَفِي خُسْرٍ﴾؛ ليدل على التفخيم والتعظيم؛ أي: لفي خسر عظيم ودمار شديد، لا يعلم كنهه إلا الله سبحانه.
ومنها: تكرار ﴿تواصوا﴾؛ لاختلاف المفعولين، وهما قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾ و ﴿بِالصَّبْرِ﴾.
ومنها: تخصيص ذكر التواصي بالصبر مع اندراجه تحت التواصي بالحق؛ لإبراز كمال الاعتناء به، أو لأن الأول: عبارة عن رتبة العبادة التي هي فعل ما يرضي الرب سبحانه، والثاني: عبارة عن العبودية التي هي الرضا بما فعل الرب سبحانه.
309
ومنها: ذكر الخاص بعد العام بقوله: ﴿وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ بعد قوله: ﴿بِالْحَقِّ﴾؛ لأن الصبر داخل في عموم الحق إلا أنه خصه بالذكر إشارةً بفضيلة الصبر.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (١).
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(١) إلى هنا تم تفسير سورة العصر قُبيل الغروب من يوم الثلاثاء الرابع من شهر المحرم من شهور سنة ألف وأربع مئة وسبع عشرة: ٤/ ١/ ١٤١٧ من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
310
سورة الهمزة
سورة الهمزة مكية، نزلت بعد سورة القيامة، وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (١)﴾ نزلت بمكة، وهي: تسع آيات، وثلاثون كلمة، ومئة وثلاثون حرفًا.
ومناسبتها لما قبلها: أنه لما ذكر سبحانه في السورة السابقة أن جميع أفراد الإنسان منغمسون في الضلال إلا من عصم الله.. ذكر هنا بعض صفات أهل الضلال.
وقال أبو حيان: مناسبتها لما قبلها أنه لما قال فيما قبلها: إن الإنسان لفي خسر.. بيَّن هنا حال الخاسر.
التسمية: سميت سورة الهمزة؛ لذكر لفظ الهمزة فيها.
الناسخ والمنسوخ: وقال محمد بن حزم - رحمه الله تعالى - سورة: الهمزة كلها محكم ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
311
Icon